طأْطأَتْ دون بابك الأبطالُ |
وَجثَتْ حَوْلَ رَوْضِكَ الأفكارُ |
حاولَ الدهرُ أن ينالَك قَهْراً |
فثناه عن كَيْده قَهَّارُ |
جنبْتكِ الفَناءَ أعْيُنُ شَعْبٍ |
الطواغيتُ عندَه أصفارُ |
أيّ عادٍ عليكِ لم يتعلَّمْ |
أن عُقْبَى الهوَى هَوانٌ وعارُ؟ |
يا بلادَ النبوغِ أنتِ رَجائي |
في اغْتِرابي ودَيْدَني المختارُ |
أنت مَهْدي وكيف أُنكر مَهْدي. |
ومزاري، وهل يَهون المَزارُ؟ |
أنتِ أهزوجةُ الطفولةِ في صَدْري. |
ولَحْنُ الفتوَّة المعطارُ |
أنتِ في مُقْلَة الفضيلة نورٌ |
وعلى مفرق المروءةِ غارُ |
أنتِ في وَجْنةِ الخلودِ ائتلاقٌ |
وعلى مَبْتَسم الجمالِ افترارُ |
شعّ فيك الإِسلام نوراً وناراً |
وطريقُ الحياة نورٌ ونارُ |
خفِّفِ الوَطءَ إن بَلَغْتَ ثَراها |
فالترابُ الذي تدوسُ بُهارُ |
كلُّ شِبْرٍ من أرضِها مَيْسلونٌ |
يجثمُ العزّ حولَها والوقارُ |
* * * |
أيُّها السائلون عن مَجْدِ قَومي |
إن كَبَا العقلُ غامتِ الأبصارُ |
عينُ "زرقاءَ" في مَحاجِرِ غاوٍ |
لا ترى بعض ما يرى بشار
(1)
|
أنا عيٌّ فاستنطِقوا الحَجَر الصَّلْدَ. |
تُجبْكم مِنْ قوميَ الأحْجار |
أو سَلُوا هذه الرسومَ البوالي |
إنها مِنْ كتابهم أسطارُ |
ربَّ رَسْم من الطرائف خالٍ |
ضاقَ عنه الرواة والأخبارُ |
وجدارٍ من الزخارف عارٍ |
خَشَعَتْ دونَه العقولُ الكبارُ |
وبقايا مهنَّد يتجلَّى |
عالمٌ في فُلولِه هَدارُ |
* * * |
أيُّها السائلون عن مَجْدِ قَومي |
أوَ يَحتاج للدليلِ النَّهارُ؟ |
هُمْ نسروُ العُلا إذا ما تَنَادَى |
للمعالي أبناؤها الأبْرارُ |
هُمْ سيوفُ المَظْلوم إن كشَّرَ |
البَغْي وهاجَتْ من حَوْله الأطفارُ. |
هُمْ حُماة الضعيف إن سامَه |
الخَسْفَ قويٌ وخانَه الأنصارُ |
إن دعاهم داعي الحميةِ لَبَّوا |
أو دعاهم صوتُ الجهاد تبارَوا. |
ينزلُ الحِلْم والنَّدَى أين حَلّوا |
ويسيرُ الرجاء أيانَ ساروا |
ركبوا البحرَ للعُلا يومَ لم يُسْلِس. |
لعقلٍ ولم يُرْضِه بخارُ |
فتحوا الكونَ بالثقافة فانحلّتْ |
قيودٌ وأشرقَتْ أنوارُ |
وأفاؤوا الإِخاء فالناسُ أهلٌ |
وأقاموا السلام فالأرضُ دارُ |
لم يخضِّبْ دَمُ البريء يَدَيْهم |
لم يَهُنْ ضيفُهم ولا ذَلَّ جارُ |
حوَّلَ القفرَ غيثُهم جنَّةً |
غنّاءَ تَجْري مِنْ تحتِها الأنهارُ |
هذه أمتي فيا عائبيها |
السُّهَى لا يَعيبها صَرَّارُ |
* * * |
لا تقولوا: دَعُوا التغنيّ بماضٍ |
دَرَسَتْه الأحداثُ والأطْوارُ |
نحنُ من تِلكمُ السيوفِ بقايا |
صَقَلَتْها الأهوالُ والأخطارُ |
يخصبُ الزرعُ حين يَزْكو ثَرَاه |
وتطيبُ الفروعُ والأثمارُ |
نَهَضَتْ أمتي يُثير رجاها |
نخبةٌ مِنْ شُبولها أحرارُ |
أَفَتثْني عن المعالي خُطاها |
كَبْوةٌ في طريقها أو عِثارُ؟ |
جَلْجَلَتْ في دمائِها ذكرياتٌ |
كادَ يغشَى رسومَهنّ الغُبارُ |
فقراءتْ لها عُصورٌ مِنَ العِزّ |
ومرَّتْ أمامَها أدهارُ |
فإذا أنَهُ الجريحِ على فِيها |
زئيرٌ، وزَفْرةُ الضَّعْفِ نارُ |
وإذا كلُّ رَبْوةٍ مَيْسلونٌ |
وإذا كلُّ ساحةٍ مِضْمارُ |
* * * |
يا بلادي يا جنَّةً لم تُطأطئْ |
لقويٍّ ولم يَشُبْها اصفرارُ |
لكأنِّي أراك في غَمْرة الرَّوْع |
جحيماً يَموج فيه الشِّرارُ |
وكأني أرَى الضحايا رُكاماً |
بعضُها فوقَ بعضِها أغمارُ |
وكأني أرَى الدماءَ نُهوراً |
يأخذُ العَقْلَ مَوْجُها الزخَّارُ |
يومَ هاجَ الشَرَى وثارَ على |
البَغْي شبابٌ غطارفٌ أخيارُ |
صُحْتِ فيهم فجاشَ بالخيلِ سَهْلٌ. |
وتنادَوا فجاشتِ الأوْعارُ |
وتبارَوا إلى الشهادةِ فانهارتْ |
حصونٌ وزَلْزَلَتْ أسوارُ |
ما همُ العَسْكَر الكيفُ ولكنْ |
صَوْلَةُ الحقِّ عسكرٌ جَرّارُ |
ولقد تفعلُ العَصَا في يد المؤمن. |
ما ليسَ يَفْعَلُ البَتَّارُ |
مَنْ رآهم يَغْشَون نارَ البراكين. |
رأى كيف يَزْحفُ التيَّارُ |
مَنْ رآهم يَجْرون في حَوْمَةِ الموتِ. |
رأى كيف يَعْصِفُ الإِعْصارُ |
مَنْ رآهم يَهْوُوْنَ صَرْعى على "التَنْك" . |
رأى كيف تُصرع الأقْمارُ |
يُؤخذ الحقُّ بالدماء فلا يَطْمعْ |
بتخليص حقِّه خَوّارُ |
لغةُ الدَّمْعِ لا تَحُلُّ قُيوداً |
أَحكَمَتْ شدّها القَنا والشِّفارُ |
* * * |
إيه نيسانُ ما ذكرناكَ إلاَّ |
صفَّق المجدُ واشرأبَّ الفَخارُ |
أنتَ تاريخُ أمةٍ أيقظَتْها |
مِنْ كهوفِ الوَنى خطوبٌ غِزارُ. |
أنتَ فجرٌ تَلاَ من الجَهْل ليلاً |
عَشِيَتْ في ظلامِه الأبصارُ |
أنتَ سِفْرٌ من الحياة تَجَلَّى |
فيه أغلَى ما تجمعُ الأسفارُ |
أنت رُؤْيا على جُفونِ العَذَارى. |
حقَّقَتْها هَراوةٌ وشِعارُ |
إيه نيسانُ ما ذكرناكَ إلاَّ |
صفَّق المجدُ واشرأَبَّ الفَخارُ |
* * * |
يا شباباً تَرْنو القلوبُ إليه |
بخُشوعٍ وتَنْتَهي الأنظارُ |
لا يزالُ "الجنوب" يرسف في |
القَيْد ويجتاح قُدْسَه الفُجَّارُ |
كلَّما لاح في سَماه رجاءٌ |
قام في وَجْهه القَنا الخطَّارُ |
يسرحُ الذئبُ في حِماه قَريراً |
مُطمئناً ويمرَحُ الجَزَّارُ |
أمْرَعَتْ بالدم الزكيِّ رُباه |
وارتَوَتْ من أريجه الأزهارُ |
فثِبِ الوَثْبة المرجَّاة تَنْحَلّ |
قيودٌ وتستقلَّ دِيارُ |
وأثِرْها – فُدِيتَ – زَوْبعةً حَمْراءَ. |
فالمجدُ ثورةٌ وانتصارُ |
يَذْكُر الحرُّ في الصِعاب أخاه |
إن يفرّقْهما رَخاً ويَسارُ |
ولقد تَجمعُ الخطوبُ قُلوباً. |
لم يؤلِّفْ شتاتَهنَّ نِجارُ |
* * * |
يا فلسطينُ لا تَرُعْكِ الرّزايا |
مُزْبِدات ولا يَهُلْكِ الدَّمارُ |
صولةُ البُطْل ساعةٌ ثم تَمْضي |
وبِناه وإن عَلا منهارُ |
يطلعُ الفَجْر من خلالِ الدياجيرِ. |
ويتلو العواصِفَ استقرارُ |
ها شبولَ العُلا تَحَفَّزْ للوَثْبِ |
فتزهو حواضرٌ وقِفارُ |
دَمْدَمَتْ في دمائهم نَخْوةُ الجار. |
وثارَتْ حَمِيّةٌ وذِمارُ |
ساءَ مَسْعَى صهيونَ يبني على |
الأوهام داراً أساسُها الدينارُ |
إن في كلِّ ذرّةٍ ذُخْراً |
يَرْخُصُ الدرُّ عندَه والنُّضارُ |
إن في كلِّ قطرةٍ من جراحاتِك. |
بُوقاً يَهيبُ فيه الثارُ |
مُلْك داودَ لا يقاسُ بكَهْفٍ |
شبَّ فيه مسيحُك المُخْتارُ |
مالُ قارونَ لا يساوِي ضَريحاً |
نام فيه " سَعيدك" المغوارُ
(2)
|
عَلَمٌ ذاك للكمال، وهذا |
للمروءاتِ والجهادِ مَنارُ |
يا تُراباً يعنُو الضعيف لَدَيْه |
بخشوعٍ ويَطرُق الجبَّارُ |
تصلُ الضادُ بيننا والأماني |
والدمُ الحرُّ والهَوَى والجِوارُ |
لنْ ينالَ اليهودُ مِنكَ مَنالاً |
آخر الغَدْر كَبْوة وَشنارُ |
* * * |
يا رَعاعَ اليهود من كلِّ لونٍ |
حاذِروا غَضْبه الكريم وداروا |
لا تُثيروا شرارةَ الحقدِ فيه |
أولُ النار لو عَقَلْتم شِرارُ |
وعدُ بلفورِكم سَرابٌ عَقيمٌ |
أوَ يَبْتَل بالسراب أُوارُ؟ |
نصَّ عرقوبُ روحَه في ثَراه |
وتبنَّاه ثعلَبٌ مكَّارُ |
ليستِ القُدْس مَرْتعاً لأفاعٍ |
لفَظَتْها الأدْغال والأوْجارُ |
تَزْرَعُ الكيدَ والخنَى حيث تسعَى. |
وتحومُ الشرورُ والأوزارُ |
أيَّ فوضى في الناس لم تَزْرعوها. |
يَجْرُفُ الخلقَ وَيْلُها المُسْتَطارُ |
أيَّ عَهْدٍ بين الشعوبِ وثيقٍ |
لم يَعِثْ فيه منكمُ سِمْسارُ |
أيَّ حربٍ أكولةٍ لم يُثْرها |
جَشَعٌ في نفوسكم وصَغَارُ |
ليس "شيلوخُ" غيرَ رَسْمٍ ضئيل. |
فيه من "مأثُرَاتِكم" آثارُ |
* * * |
يا رَاعَ اليهود من كل لَوْنٍ |
حاذِروا غضبةَ الكريم وداروا |
زَمْجَرتْ في صدور يَعْرُب قيسٌ. |
وأطلَّتْ من العيون نِزارُ |
كلُّ حسناءَ في الحِمَى وغلامٍ |
"خَوْلَةٌ" في اندفاعها و " ضِرَارُ"
(3)
. |
لن يهونَ العَرينُ ما دام فيه |
سيدٌ من لُيوثِه كرَّارُ |
* * * |
يا بلاداً نَزَحْتُ عنها وقلبي |
حائمٌ في ربوعها دَوّارُ |
يشهدُ الله لم أفارق مَغانِيك |
اختياراً، لكنَّها الأقدارُ |
عَصَفَتْ ريحُها فأقفرَ عُشٌ |
وَخَلتْ أيكَةٌ وتاه هَزارُ |
أنتِ رؤيايَ في منامي ونَجْوايَ. |
إذا أرَّقتنيَ الأكدارُ |
ضاعَ في غَمْرة الهموم شبابي |
وفَشَا في بنائه الانهيارُ |
فاذكريني إذا قَضَيْتُ غريباً |
رُبَّ مَيْتٍ يهزّه تَذْكارُ! |