قالت: حَسِبْتُكَ مَنْهَلاً عَذِبا |
وإذِ اقتربتُ: وَجَدْتُه لَهَبا! |
ما كان أشقاني بأَخْيلَتي |
لمّا حَسِبْتُ ترابَكَ الذَهَبا! |
وجعلتُ من عينيكَ لي وَطَناً |
فوجدتُ فيهِ النفيَ والرُعُبا |
وَظَنَنْتُني لحناً لأُغنيةٍ |
في كلِ بيتٍ أسكبُ الطَّرَبا |
قد كنتَ من عينيَّ كحلَهُما |
والضوءَ، كنتَ لخافِقي عَصَبا |
وربابةً للوجدِ ما عرفَتْ |
صمتاً، ولم أعرفْ بكَ الغَضَبا |
أوْقَدْتَ بي للعشقِ محرقةً |
وَجَعَلْتَني في نارها حَطَبا |
ما اعْتَدْتُ من شَفَتيكَ صَمْتَهما |
يوماً، ومن عينيكَ مُنْقَلَبا |
إني أُحِبُّكَ مِلْءَ عاطفتي |
فكأنَّ حبَكَ في دمي سُكِبا |
أكْرَمْتَني جُرْحاً يُؤَرِّقُني |
وأنا التي أَكْرَمْتُكَ الأَدَبا |
أَطْعَمْتَني للنارِ لا سببٌ |
مني، فليتَكَ تذكر السَبَبا |
يا شاعراً يغفو بأَوْرِدَتي |
قلْ لي "أحبكِ" واترك اللَعِبا |
حسناءُ: لم أنكرْ مَوَدَّتَنا |
لكنَّ جرحَ الكبرياءِ نَبا.. |
للحبِ أَخْلاقٌ، وأَوَّلها |
أنْ لا يكون الكأسَ والحَبَبا |
ما العشقُ والطاعونُ في وطني |
طَحَنَ الهوى والعُشْبَ والعَرَبا؟ |
أّظَنَنْتِني قلباً بلا شَغَفٍ |
وبأنني لم أعرف الوَصَبا؟ |
أَحْبَبْتُ حتى نَزَّ من شفتي |
قلبي، ومن أضلاعِهِ وَثَبا |
أنا "دجلة" للحبِ ما نَضُبَتْ |
يوماً، وقلبي "كالفراتِ" صِبا |
كان الهوى كأساً وفاتنةً |
قلبي، وحين أَتَيْتُهُ: رَهُبا |
لولاه لم أعزفْ على وَتَرٍ |
ولما جعلتُ من الحَصى عِنَبا! |
ولما كتبتُ قصائداُ سكرتْ |
فيها الحروفُ فأَسْكَرَتْ كُتُبا |
أيامَ كان العيشُ في وطني |
زهواً فلم نعرف به سَغَبا |
لكنّما الأحلام أثْكَلَها |
فردٌ أباح الحِقْدَ والرِّيَبا |
قَتَلَ الزمانَ بنا.. فيا زَمَناً |
ما ضَمَّ "شوّالاً" ولا "رَجَبا" |
فكأنما الأيام قاطبةً: |
"تموز" أو "نيسان"… واعَجَبا! |
* * * |
حسناءُ ما يُغْرِيكِ في رجلٍ |
شَربَ القذى وَتَطَبَّعَ اللَهَبا؟ |
حسناء عذراً، ليس من خُلُقي |
أنْ أَدَّعي فيكِ الهوى كَذِبا.. |
أهواكِ؟ لا لا، لن أُجِيبَ أنا |
فَلْتَسْألي عينيكِ والهُدُبا |
وَسَلي عذاباتي.. سلي أَرَقي |
وَسَلي الدروبَ فرشْتُها تَعَبا |
وسلي المنافي حيث تعرفني |
مُتَشَرِّداً حيناً، وَمُغْتَرِبا! |
حَطَّمْتُ قيثاري ومائدتي |
وَرَمَيْتُ كأساً بعدُ ما شُرِبا |
وفتحتُ جرحاً كان مُنْدَمِلاً |
وأقمتُ دون صبابتي حُجُبا |
فحملتُ قنديلي وَمِجْرَفَتي |
ما خِفْتُ جلاداً ولا نُوَبا |
ثأْراً لِوِأْدِ الخبزِ في وطنٍ |
أضحى لِقَيْحِ رزيئةٍ قِرَبا |
ولأَلْفِ مذبوحٍ جريمتُهُ |
أنْ رَتَّلَ القرآنَ وانْتَحَبا |
لمؤذِّنٍ في الحيِّ يوقظُنا |
فجراً، وفي محرابِهِ صُلِبا
(1)
|
و"لشاكر الجوعان" من سَغَبٍ – |
كان الرغيفُ ببيتِهِ كَرَبا
(2)
|
ما أَتْعَبَتْني ريحُ فاجعتي |
لكنما الجلاّد قد تَعِبا |
لي كبرياء لا يُحَطِّمُها |
قَيْدٌ، وحسبي من غدي سَبَبا |
حسناء عذراً، ليس يشغلني |
عشقٌ ولستُ بطالبٍ رُتَبا |
لو كان لي بيتي ولي وطني: |
لم أتخذْ غير الهوى نَسَبا |
* * * |