شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عريف الحفل: لا فض فوك أيها الشاعر المبدع. والآن نعرض أسئلة الأخوة الحضور وعلى فارسنا الإجابة أعانه الله.
السؤال الأول سؤال من الأستاذ يعقوب إسحاق يقول:
ساهمت مناهجنا الدراسية في نشر التطرف، ولكن المعلمين ساهموا بشكل أكبر في زيادة التطرف حتى أن عدداً لا يستهان به من معلمي المواد التعليمية كالرياضيات والفيزياء والكيمياء أهملوا واجبهم ومسؤولياتهم في تعليم المواد المتخصصين فيها، وحشروا أنوفهم في تعليم المواد الدينية، نريد أن نسمع ما رأيته في هذا المجال باعتبار أنك من أواخر الذين تركوا الحقل التربوي؟
 
الأستاذ محمد إسماعيل جوهرجي: أخي العزيز بابا يعقوب أنت زميل عزيز عشت معنا مدرساً في مدرسة الشاطئ حين كنت فيها وكيلاً، عملت في الشاطئ وكيل لمدة عام واحد، لا زلت أقول أن المدرس ينال درجة أو أكثر من درجات النبوة لأنه مصلح ومنشئ، فالمدرس إذا أوجدت المدرس المحب لمادته، المحب لطلابه، المحب لوطنه، لا يمكن أن يقبل أي مساومة، مستحيل أن يقبل مدرس لغة عربية أن يعطي طلاباً في مواد أخرى، حتى لو كان لديه علم بها، طالما هو يحترم نفسه.
أخي يعقوب أعطيك يعني برشامة صغيرة، في يوم ما وأنا أُدَرَّس في الصف الثالث الثانوي كان الطلاب الذين هم أمامي غازي جمجوم، محمد عبد الكريم بكر، حسن جمجوم، ناس أوائل وعباقرة، كان عندي موضوع في المطالعة عن أبي بكر الرازي، في الموضوع مكتوب وقد امتاز الرازي بالسريرية والإقربازين، فتش ما هي السريرية وما هو الإقربازين، مافيش.. ليلة كاملة وأنا أبحث وأمامي كل الموسوعات ما وجدت، فاضطررت أن أذهب إلى شيخي أبي تراب في ذلك الصباح وطرقت الباب، فقال: من الطارقُ في هذا الصباح؟ قلت له: ابنك الجوهرجي، قال وماذا وراءك؟ قلت: افتح الباب. قال: لا أنا في حالة لا تسمح، قلتُ إذن اسمع السؤال من خلف الباب: قال: هاته، قلت: الرازي اشتهر وامتاز بالسريرية والإقربازين، قال: هذا صحيح، قلت: وما هي السريرية وما هو الإقربازين؟ قال: أما السريرية فهي متابعة المريض على السرير، وهي ما نسميه الآن الطبلة، وأما الإقربازين فهي كلمة يونانية مستعربة بمعنى علم الأدوية، أو علم الصيدلة، فتصور العمل.. ذهبت دَرّستْ الطلاب.. فبعد ما جئت أعيد عملية تدريس السريرية والإقربازين، وكان يمتاز بعلمه في السريرية قام غازي جمجوم رفع إصبعه قال لي: أستاذ ما معنى السريرية؟ قلت السريرية هي كذا... والإقربازين هي كذا... أتعرف ماذا قال؟ قال لي: صحيح. فعرفت أنه يسألني من أجل أن يختبر معلوماتي أنا! فتصوروا مستوى الطلبة.
فبالله العظيم أستاذ مدرس لغة عربية على هذا المستوى والحب مع طلابه يسمح لنفسه أن يدرس مادة أخرى، أنا أقول عاشق المادة لا يمكن أن يتجاوزها إلى غيرها، وإذا حدث شيء فهو شاذ والشاذ لا يُقاس عليه.
الشيخ عبد المقصود خوجه: أنا لي مداخلة، بالضبط أظن مثل أساتذتنا اليوم يقضوا ليلة كاملة من أجل يعرفوا كلمتين، ويمشي على رجليه ساعتين ليسأل هذا السؤال، الطالب يستأجروه ويستأجرهم، يا سيدي الأستاذ كان معلماً وكان أبداً.. مقاولاً، مقاولاً يأخذ الطالب في المدرسة وفي البيت وفي المسجد الحرام ويضع من جيبه.
الأستاذ محمد إسماعيل جوهرجي: وبيتي مفتوح لهم.
الشيخ عبد المقصود خوجه: نعم.. جزاكم الله خيراً.
عريف الحفل: السؤال من مدير المكتب الإقليمي لجريدة الجزيرة بجدة الأستاذ حسن الشهري يقول فيه: في ظل الحضور الطاغي لصحافة الأدب، هل ترون أن الصفحات الأدبية قادرة على المساهمة في ولادة شاعر ونشأته ثم حضوره كشاعر مجيد؟ وهل يمكن أن يحدث العكس؟ وهل بإمكان الشاعر أن يحقق حضوره بمنأى عن ذلك؟
 
الأستاذ محمد إسماعيل جوهرجي: والله ممكن إذا كان شاعراً شعبياً.
عريف الحفل: جواب موجز أرجو أن يكون كافياً. هذا السؤال من الأستاذ عبد الحميد الدرهلي:
أستاذنا أيها الشاعر العربي الأبي، أشعارك تفيض بالحياة والدفء، وتنم عن أحاسيس ومشاعر جياشة، لقد أبدعت، فنلت الإعجاب والثناء، لك من الجميع التهاني والتباريك، كنت أتمنى أن أسمع مطرباً عربياً مشهوراً ينشد أبياتاً من أشعارك، هكذا فعل الموسيقار محمد عبد الوهاب عندما أنشد قصائد أمير الشعراء أحمد شوقي، وكذا السيدة أم كلثوم للأستاذ أحمد رامي، وبيرم التونسي، لماذا أهملت هذا الجانب الإنساني، وأشعارك بكل فخر مماثلة وقابلة للإنشاد أو الشدو؟
 
الأستاذ محمد إسماعيل جوهرجي: والله ما أهملته، اتصلت بمدير مكتب والمسؤول عن محمد عبده، وهو صديق علي مختار، وجاءني المنزل وأعطيته قصائد نابضة، وأعرف أنها خفيفة بالنسبة له حتى في اللحن، وقلت له المفروض محمد عبده يرتفع بمستوى الأغنية الهابط إلى القصائد الشعرية، هذا الكلام قبل ثلاث سنوات، طبعاً ما عندهم استعداد لأن القصيدة تكلفهم كثيراً، تكلفه حفظ، هو ما عنده استعداد أن يقول.. .. إذا فَقِهَ الحفظ، فهو يريد أن يغني أنا لا أعرف الأغاني وهؤلاء الذين يغنون ماذا يقولون؟ هذه الأشياء الساقطة والهايفة (ناري نارين).. هل هذا كلام ده؟ .. من أجل أن تعطيه قصيدة نابضة بإحساس أنا عندي قصيدة نشرتها اسمها (الحب الكبير) الحب الكبير قصيدة صحيح هي طويلة ولكن ممكن نأخذ منها أبياتاً، لأني استنبطت فيها مشاعري نحو الوطن، من أدناه إلى أقصاه، ولم يلتفت إليه أحد، كتبت وبعثتها إلى الجنادرية، ولا أحد أهتم بها..
الشيخ عبد المقصود خوجه: مداخلة صغيرة، أستاذنا أنت أرسلت القصيدة فقط!! تحتاج إلى (شيك) مع (الشيك) تُغَنى!!!
الأستاذ محمد إسماعيل جوهرجي: إذاً تهامة كانت تقوم بهذه العملية..
الشيخ عبد المقصود خوجه: أُنزِّه تهامة ولكن أتهم الشعراء..، طبعاً أنا ما أعمم، وإنما من هذا الشيء الكثير..
عريف الحفل: السؤال من الأستاذ حسين محمد علي من صحيفة الندوة يقول فيه:
ما سر هذا البعد الكبير عن اللغة؟ هل ترى أنها تعيش في غير عصرها؟ ولماذا انزويتم أنتم علماء اللغة عندما رأيتم عدم الإقبال عليها من الجيل الجديد؟
 
الأستاذ محمد إسماعيل جوهرجي: هي لا تعيش في غير عصرها، وإنما عصرها يعيش في غير أهله.
عريف الحفل: سؤال مدوزن، من صحفي محترف الأستاذ علي مدهش نائب تحرير جريدة عكاظ يقول:
جبابرة ثلاثة وليس من بينهم صدام طبعاً تدخلوا وبمنافسة متكافئة أو غير متكافئة في صناعة وتشكيل فارس اثنينية الليلة المبدع محمد إسماعيل جوهرجي:
الأول: صانع هيبة المعلم والمربي القدير والعالِم اللغوي.
الثاني: صانع الملهمة وقلائده الشعرية الرائعة.
الثالث: صانع التجارة من طراز بريق الذهب.
تُرى أي من الجبابرة الثلاثة دان له الفارس المكي لعبوديته وسطوته أكثر من الآخر؟ ومع من يجد نفسه في حالة توازن نفسي وسط ضجيج الجبابرة الثلاثة في زمن الصِدَام الحضاري؟
 
الأستاذ محمد إسماعيل جوهرجي: والله هؤلاء قد يكونون جبابرة في حسبانك يا أبا فيصل، أما في وجداني فهم الأداة التي أتخذها وأتخذ منها للتعبير، الشعر هو الوحيد الذي يملكني ولا أملكه، ويكتبني ولا أكتبه، يستنطقني ولا أستنطقه، إذا جاء الشعر تخليت عن باقي الجبابرة، فعندي الشعر هو الشعر، وأعتقد أنها مقولة لبازوليني أيضاً حين قيل له ما الشعر؟ قال الشعر هو الشعر هو الشعر. ليس هناك تعبير ممكن أن يعطي الشعر أو يفيه حقه.
عريف الحفل: سؤال يقول:
يحرص الشيخ عبد المقصود خوجه دائماً على فض الاشتباك بين أنصار الأصالة والحداثة في الشعر مُصراً على كونها مسألة خلافية لا تستحق ما أثير حولها من خصام وجدال، فهل تتفقون معه؟ وحيث أنكم من المهتمين بالشعر العربي إبداعاً وتنظيراً نود منكم إضاءة سريعة في هذا الموضوع، خاصة وأنكم أشرتم في عجالة إلى هذا الصنف من الإبداع، فهل تعدونه شعراً وهل تطربكم منتجاته؟
 
الأستاذ محمد إسماعيل جوهرجي: قديماً كانت العرب، وشاعرهم الحطيئة قال:
الشعر صعب وطويل سُلَّمه
زلّتْ به إلى الحضيض قدمه
إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمُ
يريد أن يعربه فيعجزُ
 
الشعر يا سيدي سلطان، الشعر جبل شاق، الشعر قمة شماء لا يصل إليها هؤلاء الذين يدخلون الأماكن من الأبواب الخلفية، الشعر كما قال الشاعر صعب، الشعر وجدان وإحساس، ما جاءنا في الساحة الأدبية ليس الآن.. عمره أكثر من قرن من الزمان، كان إفرازاً لبعض الترجمات الشعرية التي قام بها إخواننا اللبنانيون، فقرأنا وسمعنا، ولكننا ما وجدنا فيه روح الشعر، في كتابي العروضي تناولت هذا الباب، الشعر المنثور.. ما هو؟ وهل هناك شعر جديد يمكن أن يحل محل الشعر العامودي المقفى الرتيب؟ قلت: نعم، وقد أبدع فيه شعراء كثر، باكثير، وحمزة شحاته، والعواد ونازك، والسياب، كثير جداً قالوا من هذا الشعر، ولكنه شعر تفعيلي، يقوم فيه الوزن على التفعيلة، وقلت فيه أكثر من قصيدة، قصيدة طويلة في المدينة نُشرتْ اسمها (القلائد الثلاث) في صفحة كاملة كلها شعر تفعيلي، فهناك فرق بين شعر منثور، ونثر مشعور، فلابد أن نحترس وشكراً.
عريف الحفل: سؤال من الأستاذ علي المنقري،
هل تعزو افتقار القصيدة في عصرنا الحالي إلى الناحية الإبداعية وتغلب عليه السطحية إلى الضعف اللغوي لدى الشعراء؟ أم إلى عدم توفر الأدوات الفنية والبيئية التي يستقي منها الشعراء شعرهم، أم أن هناك أسباب أخرى؟ وشكراً.
 
الأستاذ محمد إسماعيل جوهرجي: الأساس هو الاستعداد النفسي، هل أنت شاعر أم نصف شاعر، إذا عندك إحساس فطري، موهبة موجودة فلابد أن تنميها بالقراءة.. بالاطلاع.. بالوقوف على أمهات القصائد الشعرية القديمة حتى تتحرك وتنمو فيك الملكة الشعرية، أما الذين يختصرون الطريق ويكتبون في ليلة ظلماء: (رأيتها تهيم كأنها نخلة تسير) كلام يوضع وليس له لا أول ولا آخر، ويقال له أنه شعر، شعر! شعر ماذا؟ هذا الشعر جديد! هذا نرفضه، وقلت فيه قصيدتين: لا للحداثة، الحداثة إذا كانت تعني تغيير النمط والإحساس وإثراء الفكر والمعنى، فهذا شيء طيب ونقبله، وأما إذا كان هؤلاء الحداثيون يحملون الأرفاش والمعاول ويقومون بالهدم في تراثنا فنقول لهم، لا.. وألف لا.
عريف الحفل: هذا سؤال من الأستاذ عبد الوهاب أبو زنادة يقول فيه:
كان نزار قباني طوال حياته شاعراً مثيراً للجدل وقد لازمته هذه الصفة حتى بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى، ماذا يقول عنه فارس هذه الليلة على ضوء معجمه الشعري المثير وصوره وأخيلته المبتكرة ولوحاته الشعرية المؤطرة ضمن باقات فرانكو عربية تفوح منها عطور فرنسية هل تقول عنه أنه متنبي العصر الحديث؟ أم أنك توافق من يقول أن نزار قباني ظاهرة شعرية قد لا تكرر في المستقبل القريب؟
 
الأستاذ محمد إسماعيل جوهرجي: والله إذا قلت له أو عنه إنه متنبي العصر فقد ظلمته، لأن المتنبي شاعر متسول لا أحترمه ولكنه شاعر العصر، الشاعر الذي بَزَّ من قبله ومن بعده حتى الآن، شاعر لديه الأدوات فنان، ثقافة، معرفة باللغة، معرفة بالعروض، بعد ذلك يأتيك بالصورة الشعرية الجديدة، البعض يقول أنه شاعر سافل! [مطرٌ، مطرٌ، ورفيقتها والباب تأنُ.. .. ] يا أبويا اسمع هذا ينقل صورة ساقطة في مجتمعك، هو لا يقول، ينقل صورة في المجتمع الذي كان يعيشه، وهذه مهمة الشاعر، الشاعر عبارة عن كاميرا (زووم) تلتقط خفايا وأسرار المجتمع، ثم تضعها في قالب شعري.
عريف الحفل: ومن الأديب التربوي الأستاذ عثمان مليباري هذا السؤال:
أخي تعيش منذ أمد طويل في مملكة الشعراء لذا وجب علي أن أسألك: كيف تنظر إلى خريطة الشعر في بلادنا السعودية بأجيالها المتعددة؟
 
الأستاذ محمد إسماعيل جوهرجي: والله كانت الخريطة أفضل، كان الشعر أأصل وأقوى، في الزمن.. الآن نحن حتى الآن عندنا الشاعر الذي نعتز به هو أستاذنا وحبيبنا الشيخ أو الشاعر الأستاذ محمد حسن فقي، أطال الله في عمره وأعطاه الصحة، هذا هو الشاعر الوحيد الباقي من الأجيال التي عشناها وتتلمذنا عليها وقرأناها، أما ما هو في الساحة الأدبية فأنا أعتقد اجتهادات، لا أنا ولا العشماوي ولا فلان ولا ثالث، نأتي إلى صف هؤلاء وإنما نحن مجتهدون وإن شاء الله نوفق أن نسير على هدي القدامى بإذن الله.
عريف الحفل: هذا السؤال من الأستاذ مصطفى عبد السلام:
مكة المكرمة هذه الودود الولود لهذا الكم العظيم من الرواد في شتى فنون الفكر والأدب، هل للضيف الكريم أن يحدثنا عن هذه الظاهرة الفريدة؟
 
الأستاذ محمد إسماعيل جوهرجي: يا أخي مكة وجداننا كلنا وإحساسنا، عندي قصيدة طويلة من سبعين بيت اسمها (مكتي وشلال الضياء)، وعندي قصيدة أخرى هذا علي حسون، (قال لي والمدينة يا ولد) وأنتجت القصيدة كان اسمها (وطيبة الحب والأنوار) ونفس الأبيات 68 بيتاً، طبعاً أطول منهم كانت القصيدة النبوية التي نشرتها في جريدة المدينة في صفحة كاملة عام 1415 هـ في يوم عرفة، وكان اسمها (نفحات إيمانية من معجزات سيد الخلق) هذه القصيدة أول من هاتفني الدكتور محمد عبده يماني، قال لي: نفسي أن تكون بجانبي وأضمك، ثاني إنسان، الأستاذ الجفري قال لي: لا هذا كلام غير معقول!! ما هو الغير معقول؟ قال لي: هذا شيء فوق.. فوق.. أنا نفسي أحفظها، ثالث واحد كان محدثي محمد صالح باخطمه قال لي كلمة واحدة: قال يجب أن تعزل، ما معنى أعزل؟ قال هذه القصيدة لو ما قلت غيرها تكفيك. أبو تراب الظاهري بكى حتى ابتلت دموعه، وبعد أن انتهيت من قراءتها قلت له ما رأيك؟ قال لي: أتسألني عن رأيي ألا يكفي هذا الدمع؟ تعبيراً، فقال لي قُم. فيا أخي مكة نبضنا إحساسنا وجدانٌ، ثم مكة ليست نبض كل واحد مكي، كل مسلم، يتجه إلى مكة.
عريف الحفل: السؤال الأخير من الأستاذ سمير خوجه بكه يقول فيه:
أستاذنا الجوهرجي: وصفك أستاذنا محمد سعيد طيب بوصف أدهشني وهو أنك (خديوي) خديوي الأسلوب، وأراك سكت عنه في كلمتك هل وافقته أم أن لك كلمة أخرى نريد سماعها في هذا المساء الجميل بك؟
الأستاذ محمد إسماعيل جوهرجي: والله أنا أريد أنزل و (أدهمله) لولا أن الدكتور محمد عبده شفاني، هذا الخديوي الذي ضحك عليكم وقال من قبل أقل من نصف قرن، نحن معرفتنا أكثر من ستين سنة لا يضحك عليكم، منذ ستة وأربعين سنة كنا طلاباً ثلاثة أنا والطيب والجفري نقلنا من الرحمانية إلى العزيزية الثانوية، طبعاً باخطمة ما نقل لأنه كان في سنة ثالثة، فالذي شملنا النقل نحن أنهم ألغوا القسم الأدبي، الأخ سعيد طيب نظر في صالة كبيرة جداً قال لي: ما رأيك نتخذ هذه الصالة للمسامرات الأدبية، قلت له: والله شيء طيب، وفعلاً تكاتفنا الثلاثة واستأذنا من الإدارة كان عندنا الأستاذ وكيل جداً جداً طيب هو عبد الحميد فلمبان، قال: الصالة تتسع لطلاب المدرسة ومثلهم، صالة كبيرة.
بعد حفلتين، جاء الخديوي وقال لي: اسمع قلت له: نعم، قال: ما رأيك هنا في آخر الصالة نعمل نصف دائرة، نعمل واحد جذر فوق، وجذر من هنا، قلت له: لماذا؟ قال: نعمل مسرح، قلت: نمثل فيه تاجر البندقية، قال: يا شيخ يعني نعمله نحن؟ قلت له: كيف نعمله يا سعيد الواحد فينا ما عنده ريال؟ قال: لا.. لا نجمع، قلت: طيب، ذهبت للأستاذ فلمبان وكان رجلاً طيباً وعرضنا له الفكرة، قال: ما عندي مانع ولكن لا تضغطوا على أحد، قلنا: لا..لن نضغط على أحد، مررنا على الزملاء، لم نمر أنا الذي مررت هُم (حطُّوها فِيَّه بس وفقعوا) وسلَّموني أنا، والله أول مبلغ جاءني من عبد المحسن السميري كان زميلي، قلت له: هيا ضع، كنا نسميه الأمير، عشرة.. قلت: ضع لماذا تستحي، وضع خمسين ريالاً، وبدأنا..
جمعت باختصار ألف ومائتين وستة عشر ريالاً، في ذاك الزمن، أكبر خروف تأخذه بعشرة.. بثمانية ريالات، فأخذنا الفلوس أعطيناها للأستاذ، (هيا يا بويا يبغاك تجيب لنا واحد معلم عشان يعني باش مهندس هنا عندنا إيش هو اللي يقوم بالعملية) أحضر لنا معلم وليس عندنا معلمين أو عمّال كلهم من أهل مكة، فيا رجل فاضل فجلس الصعيدي يشرح له وقال له: أنا أعمل باليوم، قال له: لا.. باليوم لا نريد، قال: نحن لا نعرف نشتري نورة ولا بطحة ولا حجار ولا شيء، وإنما أنت فكر واحملها كلها، والله فكر الرجل، وأتى في اليوم التالي، قال: بألف ومائتي ريال، قلت له: لا.. بقي 16 (خلّصتها)، (راعينا شوية)، قال: إذا تريدوها فوق الطبطاب أم بلاط، قلت له: ما الفرق؟ قال: إذا طبطاب بألف ومائة، وإذا بلاط بألف ومائتين، قلت له: لا داعي للبلاط ما لنا ومال البلاط، خلاص ماذا نفعل؟ المهم انتهينا في العملية، سعيد قال لي: أريد أن أقول لك أمر، قلت له: الآن انتهى المسرح وجاهز ونحتاج إلى ستارة، سعيد لا أمي ولا أمك تقدر أن تعمل ستارة.. قلت له: هي ستة متر في مترين ونصف طولها، من يعملها؟ أنت تحلم؟ قال لي: اسمع كلامي واذهب وابحث، أنا أذهب وأبحث، حسناً أخذت نفسي أبحث.. وجدت الشيخ حسين، الشيخ حسين هذا صيني رجل كبير عنده ماكينة تطريز يطرز (أحاريم وأعلام) فشرحت له، فقال: طيب أنا أروح، قلت لسعيد: لقد وجدت لك واحد خريج روما غداً يأتيك، والله صلينا العصر ومشيت أنا وسعيد وهو، طبعاً ما أحد يحلم يكون عنده سيارة، ولا نقدر ندفع ثمن تاكسي، أخذناه ومشينا على أجياد، وركبنا خط البلدة من رشيد وركب معنا، وصلنا هناك.
الآن أول ما وصلنا الشيخ سعيد نسي الدرج، مسرح ما فيه درج، قلت له يا سعيد: ما في درج، قال: يا شيخ اصمت من هنا لبكرة نقول للمعلم، قلت له: طيب كيف نطلع نحن نطلع، طلعت أنا وهو، حسناً ما الذي يطلع الحاج حسين؟ قلت له تعالى (نمشعه) (والله مشعناه) والرجل لابس قميص طويل وسروال طويل، والمسرح كله أحجار حِدَدْ.. كله حجار، طبعاً عندما تُطَلِّعْ واحد ينزل على ركبتيه أول ما نزل قال لا حول ولا قوة إلا بالله، طَلَّعْناه، هيا يا بويا اعمل المتر، قال إن شاء الله، أخرج من جيبه عصا خشبة صفراء، وجلس يفكها ويفكها.. مسطرة متر، المهم مَتَّرْ طيب فوق كيف يُمَتِّر ليس عندنا سُلَّم قلت له لا يحتاج مترين ونصف، الشيخ أبو الشيماء (فانتازي) قال له: اسمع.. جاء إلى الجدار.. وقال له اسمع يا حاج حسين نحن نريد اثنان من الحبل واحد نفتحه وواحد نقفله، ورجع للوراء، أنظر في الشيخ حسين كأنك (شلت وحدة حدة) وضربته على رأسه وحدة عين من هنا وواحدة عين من هنا راحت، ولسانه (ادلدل) وقال عجيبة يا ربي واحد (سُكُّه) وواحد (فُكُّه) أنا ما يقدر، واستدار لسعيد طيب وقال له: (مشقة كبير يا بويا.. مشقة كبير)، أنظر لسعيد طيب يقفز على الحجارة غير قادر يمسك نفسه، ويكوع على الأرض ويمسك بطنه قال لي بس خلاص، بس خلاص، قلت له اشرح له كيف يقفله، قال لي: أعيده بلا أقفله بلا أفتحه.
وانتهينا من هذا الرجل، هيا تعالى أنزلك، قال: لا. لقد رأى المعاناة في الطلوع، والله المسكين تدحرج ونزل، أخذ نفسه وذهب، ماذا تريد أجرة؟ قال: أجرة أنا أبغي خمسين ريال، طيب ما تراعينا نحن ناس ضعاف، قال: أربعين ريال ما في كلام ثاني، نعطيك أربعين ريال، كم نحضر قماش؟ نحن حسبناها أنا وسعيد، يعني 6 × 2.5= 15 خليهم يصيروا عشرين متر، فقال أربعين، حاج حسين كيف أربعين قال: عجيب ما في (شكشوكة)؟ قلت: لا والله في (شكشوكة) خلاص.. فيها شكشوكة، قلت من فين جبت لنا هذا؟ قلنا هذا زيَّك إذا إنتَ تبغا واحد يجيبلك..، والله رحت اشتريت ثاني يوم طاقة قماش من البوقري بسبعين ريال طبعاً قطيفة وكنت أذكر كان عرضها 160 والطاقة عبارة عن خمسين ياردة تساوي بالضبط 4 متر كما قال، والشيخ حسن والله أنا أمر عليه أراه يشتغل بها، كيف يأتي بها إلى المدرسة؟ (إيش يشيلها)؟ تحتاج إلى ماسورة 7 متر (يبغاله يشيل) سُلَّم، راح جاب عربية فرش، الأغلب ما يعرف يعني إيش يعني عربية فرش، في عندنا عربية 2 عربية كارو اللي نركب فيها، وعربية الفرش (اللي يحطو فيها العفش)، فأحضر عربية فرش وأنا أنظر إليه وضع الستارة والإسمنت وكل حاجاته وقال للـعربجي: هل تعرف المدرسة؟ قال له: أنا أعرف المدرسة، واتفق معه بخمسة ريال، ريالين يوصله وريالين يعيده وريال ينتظر.
أنا أخذت الخط وذهبت لم أكلم سعيد طبعاً على أساس أريد أن أعمل له مفاجأة، ثم ذهبت إلى المدرسة ووجدت العربجي شغّال عامل يكسِّر.. (شَغَلُهْ)، لا يوجد غيره هو وحده من يُكسِّر؟ جالس يكسِّر قلت له: (يا بويه إنت جايبك..) قال هو أحضرني أنا عربجي.. قال لي، قلت بس طيب جزاك الله خير هذا أيضاً فعل طيب تعمله، والله عملنا الستارة، الواقع ذاك الرجل بطيبته بأسلوبه بـ كانت ستارة حلوة وجميلة وجلسنا فيها طبعاً في المدرسة سنتين، سنتين كنا نستعملها، وطبعاً أكثر استعمالاتنا.. ما عندنا مسرحيات إنما مواقف، وللحق نقول إذا جاء إلى المدرسة ضيف كبير نقدم أبو الشيماء؛ لأنه يوجد لديه اهتمام باللفظة الرشيقة والعبارة الأنيقة، وأما الجفري فبدون مجاملة كان أثبتنا أمام الميكروفون، وكان عنده حس إذاعي ففي هذه الليلة الجميلة التي عبرت بكم فيها إلى عمر خط 46 سنة هي تذكرني بذات الليلة أو الليالي التي كنا نخفيها ثلاثتنا أمام الميكروفون دون أن نرتعد أن نختلج أو نخاف، الميكروفون هذا غول لكثير من الناس ولكن ليس لنا لا نباليه ولا نخشاه أبداً.
الشيخ عبد المقصود خوجه: كثر الله خيرك، وأنت تتكلم لا فض فوك أعدتنا إلى زمن كان مشرقاً، كمجتمع.. كطلبة، آمل منكم برجاء.. كل منكم إذا ينقل هذه الصورة إلى أبنائه ليرى التكاتف الاجتماعي، ليرى الصور المشرقة، الطالب الصغير، الطالب في المدرسة يهتم ويعمل لمصلحة المجتمع، أين طلبتنا اليوم من هذه الصور يا جماعة؟ انقلوا إلى أبنائكم هذه الصور المشرقة، فيها جد واجتهاد وحب للوطن وحب للتراث، أين ما نظرت تر الصور بإشراقاتها، أرجو أن تنقلوا هذه الصور.
عندي إضاءة صغيرة، الأستاذ عبد الحفيظ أمين تركستاني، المدير التنفيذي للنادي الأدبي السعودي، أسعدنا الاثنينية الماضية بإحضار عدد من الطلبة المتفوقين وطلبت منه أن يشاركنا كل اثنينية بهؤلاء البراعم.. بعدد منهم، أتاني اليوم فرأيته.. لا أعرف أهو ابنه..؟ فطلبت أن يكون على المنصة، أتمنى منكم أن تحضروا أبناءكم لو مرة في السنة، لذلك وضعته على المنصة، وأحب أن أريكم هذه الصورة. الاثنينية يا جماعة ليس لها دعوة ولا بطاقات، مفتوحة لكل من يتعامل مع الكلمة وكل من يشرفنا يكرمنا.
وشكراً لأستاذنا الكبير الشاعر المكي، محمد إسماعيل جوهرجي، الحقيقة كانت أسئلة جميلة، والأجمل إجاباته الرائعة، التي نقلتنا بصور مشرقة لأيام مشرقة وكانت حلاوة الإبداع والإيجاز، شكراً لك يا أستاذنا.. وألف شكر.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :682  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 96 من 147
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.