شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة الدكتور عبد الرحمن العشماوي ))
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أيها الأحبة جميعاً.. صاحب هذه الدار العامرة.. ضيف هذه الليلة.. المحتفى به الصديق أبا بشار.. أحييكم جميعاً بتحية الإسلام فالسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته..
ليس سهلاً أيها الأحبة على صديق أن يتوخّى الموضوعية وهو يتحدث عن صديقه، فالعاطفة ذات قوة لا يستهان بها في هذا المجال، فكيف إذا كان ذلك الحديث عن الصديق، حديثاً مباشراً؟
ويزيد الأمر صعوبة حينما نضع أمام أعيننا ميزان الشرع الحكيم في تهذيب هذا الأمر حتى لا ينطبق علينا فيه ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قوله: "قطعت عنق صاحبك" أو أخيك أو كما قال صلى الله عليه وسلم حينما سمع رجلاً يمدح صاحبه مدحاً مبالغاً فيه في وجهه، ولولا ما أُمرنا به أيها الأحبة من أن نقول للمحسن أحسنت، لما تحدثت.
خالد المالك أبو بشار.. رحلة من التقدير والصداقة والمودة بدأت من هناك، من قاعة المحاضرات في كلية اللغة العربية بالرياض، ومن مقعد طالب من طلابها كان يتعامل مع الكلمة الأدبية والشعرية تعامل العاشق المغرم، تعامل فتىً اسمه "ابن السروات" فتح عينيه على عناقٍ لا يكاد ينقطع بين جبال شامخات وغيوم سابحات، وأجواء غائمة، في قرية حالمة، وغدير يموّجه النسيم العليل، وروضٍ نضير جميل، تفوح بالشذا زهوره، وتغرد بالألحان طيوره.
من هناك.. من آفاق لغة الضاد الخالدة، ومن أجواء محاضرات كلية اللغة العربية الأصيلة، بدأت جسور المعرفة والمودة تمتد بين طالب السنة الأولى في الكلية، ورئيس تحرير جريدة تسمى "الجزيرة" كانت تصافح بأخبارها ومقالاتها وصفحاتها المنوعة عيني ذلك الطالب فتشده إليها، بخيوط حريرية من الشغف والاهتمام.
أما الطالب فهو من يحلو له –في ذلك الحين- أن يطلق على نفسه "ابن السروات" مع أن سجل الحضور والغياب في الكلية وهو سجل قاسٍ جداً كان يسميه عبد الرحمن العشماوي، وأما رئيس تحرير جريدة "الجزيرة" فهو خالد بن حمد المالك، كانت تجربة الطالب الشعرية غضة طرية، وإن كان قد أَنِسَ بما سمع من آراء أساتذته في كلية اللغة
أمثال: الدكتور عبد الرحمن الباشا، الدكتور عبد القدوس أبو صالح، الدكتور محمد رجب البيومي، وغيرهم. الدكتور محمد محمد حسين، أَنِسَ بآرائهم المشجعة التي أسهمت في إرواء شجرة الثقة التي نبتت في نفسه منذ أن كان في المعهد العلمي في منطقة الباحة.
ومع ذلك فقد كان وجلاً كلَّ الوجل حينما بعث بأوَّل مقطوعة شعرية إلى جريدة "الجزيرة" ملحق الثقافة والأدب الذي كان يشرف عليه الأديب الصديق حمد بن عبد الله القاضي، ولم يكد يصدق الطالب ما رآه حينما رأى مقطوعته منشورة بشكل بارز في منتصف الصفحة، في إطار جميل.
أعاني بالفراق أسى
وأذكركم صباح مسا
وبي من لوعة الأشواق
ما هدَّ المنى وقسا
ولي أمل يماطلني
تعلم منك واقتبسا
أيمضي العمر ما نطق
الرضا يوماً ولا همسا
ولم نفرح من اللقيا
سوى بلعل أو بعسى
أنيأس من سعادتنا
ونحن نلوم من يئسا
فكم من زورق لعبت
به الأمواج ثم رسا
إذا ما زرتني أملاً
فزر ألماً وزر قبسا
 
ذيلها المشرف على الصفحة بعبارات تشجيعية ورغبة في التعارف عن قرب، وتم ذلك، وقال للطالب: إن رئيس التحرير الأستاذ خالد المالك أشاد بالأبيات وأعجب بها، وهو سيسعد بلقائك، وفي أوَّل زيارة لأبي بشار رأى الطالب من دماثة الخلق، وحسن التعامل، وصدق المودة، ما ملأ نفسه إحساساً بأنه أمام رجلٍ نبيل، ومرت الأيام حيث صار الطالب معيداً ومحاضراً في الكلية، وفي أول يوم من شهر رمضان –لعل أبا بشار يذكر ذلك- المبارك وهو يوم جمعة مباركة من عام أربعةٍ وأربعمائة وألف للهجرة فتحت جريدة "الجزيرة" فإذا بي أرى قصيدة بعثت بها إلى أبي بشار عنوانها "رسالة إلى رمضان":
رمضان شاخـت في الفـؤاد شجوني
أو ما تشاهد حسرتي وأنيني
يا شهـرنا الميمـون إحســاسي بما
في عصرنا من حيرة يؤذيني
أشقيت نفسي بل أرحت سريرتي
أتظن أن الأمر لا يعنيني
أحداث أمتنا وطول ثباتها
وخضوعها لعدوها يشقيني
 
قصيدة طويلة، رأيتها منشورة في صفحة كاملة بإخراج جميل وحينما، هاتفته شاكراً قال: بل أشكرك أنت على هذه الرسالة الشعرية المعبرة عن أحوال أمتنا الإسلامية ومسجدنا الأقصى التي بعثت بها إلى شهرنا المحبوب (رمضان المبارك).
ذلك ما يمكن أن يصور لكم –أيها الأحبة- بداية مسيرة المودة والصداقة بيني وبين المحتفى به في هذه الليلة أبي بشار "خالد ابن حمد المالك".
قليلٌ من الناس من يعرف مدى حبِّ هذا الإنسان الكبير للفكرة النيرة، والكلمة الهادفة، وبيت الشعر الجميل، ومدى تقديره لكل مثقف ومفكر، ومدى حرصه على تشجيع كل موهبةٍ أدبيةٍ يعرفها، أو يطلع على إنتاجها.
إنَّ الصحافة يا "أبا بشار" رسالة ومسؤولية كبيرة، وعمل خطير، لا نختلف على ذلك جميعاً ولا نشكك فيه.
ولا شك أن هذه الرسالة العظيمة تحتاج إلى من يخلص ويتفانى ويتناسى ذاته، حتى تؤدي دورها الكبير "البنَّاء" في حياة الناس، وما أظنك يا "أبا بشار" إلا ذلك الرَّجل الذي عرف خطورة هذه الرسالة وضخامة هذه المسؤولية، وأدرك من خلال صدره المنشرح، ورؤيته الصحفية الصحيحة أنَّ أعدى أعداء الصحافة الهادفة الناجحة التقوقع على النفس، والوقوع في شَرَك الشَّللية، والتعصُّب الأعمى، وتقديم ميول النفس على مصالح المهنة الصحفية التي تقوم على الموضوعية وسموِّ الهدف، ونُبْل الغاية.
لذلك كانت للرجل بصماته العملية في جريدة "الجزيرة" التي تعدُّ من أهم صُحُف الواجهة في المملكة العربية السعودية.
"لسان العمل" هو الذي يتحدث عند "أبي بشار" أعرف ذلك جيداً وأقدِّمه شهادة صادقة في هذا اللقاء الجميل، في بيت الاحتفاء بالفكر والثقافة والأدب، بيت عبد المقصود خوجه، ويكفي أن نقول بيت عبد المقصود خوجه.
كان مكان جريدة الجزيرة في الناصرية بالرياض، وكنت أسعد بزيارتها بين الفينة والأخرى، أذهب صباحاً فأعلم أن رئيس التحرير في مكتبه، وأذهب ظهراً وعصراً ومساءً فأعلم أنه في مكتبه، وكنت أقول في نفسي: أعانه الله فهذه مهنة المتاعب حقاً، ولكنها المهنة المثمرة البنَّاءة، إذا سلك صاحبها طريق الخير، والحق، والفكر المستقيم، "أبو بشار" يتذوَّق الأدب تذوُّقاً ممتازاً، أعرفه معرفة قريبة، وأذكر -وربما أنه لا يذكر- أنني بعثت إليه بمقال كتبتُه بعد صلاة فجر يومٍ ربيعي ماطر.. كان رذاذ المطر يعزف على تقاسيم وجهي حينما خرجت من المسجد أرق ألحان العطاء وأجملها، وكانت رائحة الثَّرى المنبعثة من الأرض منعشة بصورة غريبة، ربما لأنها تمثِّل رائحة العشق الجميل.. العميق بين الماء والتراب، أو لأنها رائحة "الطين" التي خُلِقنا منها، ولذلك نعشقها.
كتبت ذلك اليوم مقالاً بعنوان "ما أجمل رائحة المطر"، وبعثت به ذلك اليوم للنشر وفي اليوم التالي نُشر المقال، وزرت أبا بشار في مكتبه بعد أيام، فإذا به يقول: "ما أجمل رائحة المطر"، لقد قرأت هذه المقالة أكثر من مرة مستمتعاً بما فيها من عبارات رقيقة مناسبة لحالة العشق بين المطر والتراب.
أنا على يقين أنه لم يقل ذلك مجاملة، كما أنني أعلم أنه على يقين أنني لا أقول هذا الذي أقوله الآن مجاملة، وإنما هي الحقائق تتحدث بألسنتنا، عرفت أبا بشار محباً لدينه، مقدِّراً للرؤية الإسلامية الواعية المتزنة المستوعبة لهذا العصر بما له وما عليه وفق مراد شرعنا الإسلامي الحكيم الفسيح، محباً لأمته الإسلامية بشموليتها، محباً لوطنه حباً بعيداً عن المساومة والزيف، محباً للشيم والقيم الخالدة ومكارم الأخلاق.
عرفته حريصاً على تشجيع المواهب الصحفية التي تتقدم إليه للعمل في الجزيرة، مَرِناً في عمله الصحفي مرونة عاقلة تتيح المجال أمام القدرات الصحفية، والأقلام المبدعة للعطاء والإبداع، مع الحرص على مراعاة الحدود التي تعد مراعاتها واجباً لا يصح التفريط فيه.
لقد زحفت –كما تعلمون أيها الأحبة- جحافل الشللية، والتحزُّب الثقافي والأدبي والفكري على كثير من صحفنا في عالمنا العربي، ونتج عن ذلك إغفال لمن لا يصح إغفالهم، ومصادرة لمن لا تجوز مصادرتهم، وتحاملٌ على من لا يصح التحامل عليهم، ونجت من ذلك الزحف المشؤوم بعض الصحف والمجلات، ومن بينها جريدة "الجزيرة" هذه السفينة الصحفية العريقة التي يقودُها ضيف هذه الاثنينية المجيدة المحتفى به خالد المالك.
أبا بشار.. أؤكد لك –وللأخوة جميعاً- أنني لم أترك نفسي على سجيتها في الحديث عن ذكرياتي معك وعلاقتي بك وبالجزيرة، وأنني تعمَّدت أنْ أكون مقصِّراً كل التقصير في الحديث عنك –بحضورك- حرصاً على عدم الوقوع في إثم مدح الإنسان في وجهه، ومع أنني أستغفر الله إن كان قد حصل من ذلك شيء أمامك يا أبا بشار، وأنا متأكد أنك راضٍ عن هذا التقصير بهذا المعنى الذي ذكرت.
إن رسالة الصحافة عظيمة وخطيرة، وهي في هذه المرحلة أشدُّ خطورة، وإن العمل المنتظر منك ومن أمثالك عمل كبير والعبرة بسلامة القصد وصلاح النيّة والسعي إلى رضا المولى عز وجل لأنه هو المنقذ في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون.
أما صاحب هذه الاثنينية فلي معه في بيته العامر ذكريات لا تنسى حينما جمعني فيه شاعراً متواضعاً شاباً بقمم في الشعر حينما استضافني عام ثمانية وأربعمائة وألف للهجرة، وكان من حضور تلك الليلة –رحمة الله عليهم جميعاً- عمر بهاء الدين الأميري، والشاعر عمر أبو ريشة، وكان من الحضور شاعر الملاحم عبد الله بلخير، وغيرهم من كبار الأدباء، لقد جمعتني بهم يا أبا محمد سعيد ذات ليلٍ مشرق من ليالي هذه الاثنينية وهاأنت ذا تضيف كرماً إلى كرم وتسعدني هذه الليلة بالاجتماع بكم جميعاً في هذا الاحتفاء والتكريم للصديق العزيز خالد المالك، فتحية لك، وتحية للمحتفى به وتحية لكل هذه الوجوه الطيبة التي سعدتُ برؤيتها في هذا اللقاء، وإلى لقاء مستمر بإذن الله على طريق الحب والحق والخير والعطاء. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عريف الحفل: الكلمة الآن لسعادة الأستاذ الصحفي المعروف علي الرابغي .
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :638  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 11 من 147
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.