شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود خوجه ))
بسم الله الرحمن الرحيم، أحمدك اللهم حمداً يليق بجلال وجهك وعظيم سلطانك، وأصلي وأسلم على خير خلقك، حبيبك وصفيك، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الأساتذة الأكارم:
الأخوان الأفاضل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
قبل البدء في كلمتي، الأستاذ الجليل الماثل أمامكم العلامة الأستاذ وديع فلسطين الحبشي، عودٌ على بدء بالنسبة للأمسية الماضية ممن أغلقت أقفاله على مفاتيحي بكل أنواعها، فأنا منذ عشر سنوات في مد وجزر لأتشرف أن يكون على هذا المقعد ولتلتقوا بشخصه الكريم، هذا مثلٌ ليُكمل ما بدأت وما قلت في الأسبوع الماضي، هلا اتضحت لكم الصورة التي يعاني منها الفقير لنحظى بهؤلاء الأعلام بإعطائنا شرف تكريمهم؟ نعم، نعم عشر سنوات، لا أَكِلُّ ولا أمل وهي مسجلة كتابةً بيني وبينه وتوسطاً واستجداءً، يشرفني أن أقول ذلك موسطاً كبار العلماء وكبار الأصدقاء ليكون بينكم ولنحظى بتكريم شخصية كشخصية وديع فلسطين الحبشي، هذا غيض من فيض. فأهلاً وسهلاً ومرحباً، ليست بالكثير عليك يا أستاذ وديع فلسطين أن أسعى إليك حبواً لتكون بيننا في هذه الأمسية فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك.
أسعد اليوم بلقائكم مجدداً، لنلتف جميعاً حول علم من أعلام الصحافة، ترك خلوته وصومعة كتبه في أرض الكنانة، ليشرفنا بهذا اللقاء الذي طالما تُقنا إليه، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بضيفنا الكريم .. الكبير، الأستاذ وديع فلسطين الحبشي.
لا أخال مثقفاً أو متعاملاً مع الكلمة يجهل اسم ضيفنا الكبير الذي امتزج بالصحافة منذ ستين سنة تقريباً، نحت خلالها الصخر بأظافره، وذاق مرارة الألم وعصارة الفرح، وكافح طويلاً ليكتب اسمه بأحرف من نور في سجل التأريخ المهني ببلاط صاحبة الجلالة "الصحافة".
رغم الشهرة والمجد اللذين حققهما أستاذنا فارس هذه الأمسية، إلا أن اسمه العَلَم ظل مصدر تساؤل لعديد من زملاء الحرف، وشداة الأدب، فبعضهم يظنه اسم شهرة، وبعضهم يُرجعه إلى أصول تربطه بأرض فلسطين، بينما الواقع خلاف ذلك، فقد ولد ضيفنا الكريم ونشأ في كنف أسرة عريقة بصعيد مصر، وجاءت تسمية والده (فلسطين) تيمناً ببعض الأسماء التي وردت في الكتاب المقدس "الإنجيل"، وتلك من التقاليد والممارسات الشائعة حتى وقتنا الحالي.
وإذا كان لكل من اسمه نصيب كما يقولون، فإن أستاذنا الكبير قد تحقق له بعض ذلك من اسم فلسطين، فلسطين البطولة والسماحة والنبل والشرف، فلسطين التي ظلت تحمي مقدسات أمة كاملة بحجارة أطفالها، ودماء شهدائها، ووقوفها الصلب في وجه أعتى آلات الحرب والدمار والمذابح البربرية التي هزت ضمير العالم الحي على امتداد التاريخ، ويشرف ضيفنا الكريم بحمل هذا الاسم العزيز على قلوبنا، وإن أصابه شيء من الحزن، والمعاناة ومضاضة الظلم عندما تنطلق مريشةً من ذوي القربى.
لقد نبض حب الكلمة في عروق ضيفنا الكريم منذ دراسته الجامعية، وشق طريقه وسط عمالقة الأدب والصحافة في عصر التنوير الكبير الذي انطلق من مصر، كان أتراب الشاب وديع فلسطين يمارسون حياتهم العادية كأيّ مجموعة شبابية في العشرينات من أعمارهم، يمرحون بين الحدائق وضفاف النيل، ويقضون بعض أمسياتهم في دور السينما والمسرح، وغيرها في أماكن اللهو البريء، إلا أن ضيفنا وجد نفسه منجذباً نحو مجالس عباقرة طعنوا في السن، أمثال الدكتور فارس نمر باشا، وخليل مطران، وسلامة موسى، ونقولا حداد، وطه حسين، والعقاد، والمازني، قائمة طويلة.. قممٌ في العطاء ومدارس في الأدب، أسسها هؤلاء الرجال فسار على دربهم أجيال من حملة مشاعل الأدب داخل مصر وخارجها، وكم استمرأ ضيفنا وهو في غضارة الشباب مجالس هؤلاء الأساتذة الكبار، وأحب أحاديثهم ومساجلاتهم ومسامراتهم وحواراتهم التي لا تنتهي، فكان هؤلاء قومه وأساتذته وغابة العطاء التي استظل بها، وعيون الإبداع التي نهل منها، وله الحق أن يفخر بتلك البدايات القوية التي أثرت تجربته الأدبية والصحافية منه، وجعلت منه أديباً مميزاً، وقلماً متفرداً منذ أن شبَّ عن الطوق وحتى يومنا هذا، متَّعه الله بالصحة والعافية.
وقبل ذلك كانت مكتبة والده مرتعاً خصباً وزاداً طيباً في مشواره الطويل على درب الكلمة، وهذه مناسبة أحرص على اغتنامها لأذكر بأهمية المكتبة في كل بيت، بدءاً من الوالدين، مروراً بمختلف أعمار الأبناء والبنات، وتركيزاً على ركن الطفل، لما له من أثر لا ينمحي في غرس حب القراءة وتعويده عليها، لينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوّده أبوه.
لقد تشعبت الطرق بأستاذنا الكبير، وامتلأت حياته بالكثير من المحطات والمواقف الصعبة، غير أن الأرضية الصلبة التي وقف عليها باستمرار كانت تمده بعناصر النصر مرة بعد أخرى، فلم ينهزم من الداخل قط تجاه العثرات التي اعترضت سبيله، فمضى إلى الأمام واثقاً من نفسه، مدركاً طبيعة الصراع الذي يكتنف مختلف المراحل التي مر بها، فقد سُدت أمامه الطرق في بداية حياته الصحفية، حيث انتظم في سلك التوزيع، وأكرر وألفت النظر إلى هذه الجملة "حيث انتظم في سلك التوزيع" بجريدة "الأهرام" وباءت محاولاته للانتقال إلى التحرير بالفشل، غير أنه لم يستسلم لصروف الأيام، وظل يدرب قلمه على الكتابة اليومية إلى أن تهيأت له الظروف للانتقال محرراً بجريدتي "المقطم" و "المقتطف".. ولكن أيّ الناس تصفو مشاربه؟ فداهمت صحيفة "المقطم" موجة عاتية أدت إلى إغلاقها في أواخر نوفمبر عام 1952م، لظروف سياسية واختناقات مالية، فما كان من أستاذنا الكبير إلا التوجه نحو الكتابة الحرة حيناً والترجمة حيناً آخر، ثم عكف على كتبه ومؤلفاته، ليؤكد لنا عملياً أن (خير جليس في الزمان كتاب)، وإذا كان الزمن قد جار على ضيفنا الكريم وأرخى الليل سدوله في بعض دروب العطاء التي شقها بتعب الأيام وسهر الليالي، فإن جذوة الأدب الوقادة وروح المثابرة التي واكبته في بواكير شبابه لم تنطفئا قط، فظل يكتب بأسلوبه السهل الممتنع، وتسلسل أفكاره، ورقّة عباراته، وقد ساعدته ثقافته الموسوعية على الإبحار بيسر وسهولة في كل المجالات التي طرقها، فعندما يتحدث عن الأدب الصرف فهو ألمعي لا يشق له غبار، وإذا التفت نحو المقال الصحفي دبَّجه بلغة يسيرة، لا تغرق في البساطة ولا تغلو في التقعر، وله في التاريخ كتابات موثوقة، فقد ظل شأنه الإجادة في كل فن كتب فيه، حتى يحسبه القارئ مختصاً في بابه دون سواه، وتلك من شيم الثقات الكبار الذين فاضت ينابيع عطائهم، فغمرت الشواطئ وتدفقت لتروي من يرتادها بكل أريحية وسماحة.
إن ضيفنا الكبير مثل أيّ قمة وقامة في دنيا الثقافة والأدب، قد تختلف أو تتفق معه، ولكنك لا تملك إلا أن تحترمه، لأنه يحترم عقل القارئ، وتحترم فيه العيش من شق القلم في زمن قَلَّ فيه من يركن إلى قلمه كأديب، وكم رأينا من اسم لامع احترف الأدب فشق عليه الأمر، فما كان منه إلا أن وظَّفَ نفسه في موقع ما، ليقتات الأديب الذي في إهابه من جهد العمل الآخر، وهذا للأسف حال الأدب الذي انزوى مع الأيام لتحتل الأقدام والأرداف مكان الصدارة إعلامياً ومادياً (ولا حول ولا قوة إلا بالله)، ولتبكِ أُمةٌ هذا موقعها في خارطة الإبداع تاريخها الطويل زمناً ليس بالقصير، ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
وإذا بارت تجارة بعض الكتب، فقد ازدهر بعضها ومنها كتابة المذكرات ولا سيما المذكرات الشريفة العفيفة التي تمثل جانباً من التاريخ الذي عاصره الكاتب، فلها نصيب وافر في الرواج، وقد عاصر ضيفنا الكبير صفوة المبدعين من الرواد الكبار، وإن كان أصغر سناً منهم بكثير، إلا أن احتكاكه بهم وشغفه بمجالسهم، بالإضافة إلى عمله الصحفي المبكر ومعايشته لكثير من الأحداث الجسام التي ساهمت في تشكيل التاريخ المعاصر لمصر، كل هذه العوامل أتاحت له ثروة من الخطابات والمذكرات التي يسيل لها لعاب كل من يود كتابة مذكراته وبيعها ككتاب، ثم سيناريو تلفزيوني أو سينمائي، لتحقيق ثروة طائلة بجهد يسير نسبياً، غير أن إباء الشرفاء، ووفاء الأصفياء، وعزة النفس، وكرامة المنبت تضافرت لتصون تلك الأسرار في شهامة غير مستغربة عن ضيفنا الكريم، فهو من جيل جعل الأدب أدب نفس قبل أن يكون أدب درس، ومناط عطاء قبل أن يكون مصدر أخذ، إنه جيل الرواد الكبار في كل مكان، زاحمت راياتهم الآفاق، وانتشر عطر فضلهم دليلاً على جنان غرسوها بالعلم والمثابرة ورووها بالعرفان، والإخلاص، والوفاء، فهنيئاً لهم بذلك الإشراق الذي جعلهم شامة في خد الزمان، وهنيئاً للأجيال القادمة بهم، رموزاً للبذل والعطاء والخلق النبيل، ولا يعني هذا اتفاقي مع وجهة نظره بشأن عدم نشر المذكرات النظيفة العفيفة الشريفة، ولكنه على كل حال تقديري الشخصي لموقفه كمبدأ يتمسك به، وضحى في سبيله بعائد مادي قد يكون كبيراً، فلكل إنسان الحق فيما يراه، ويبقى احترام وجهات النظر المختلفة رائدنا، وتبادل الآراء والأفكار هدفنا، وتقدير المبادئ من أسمى ما نتطلع إليه.
إخواني الأكارم:
إذا اختزل العطار بستان ورد في قارورة عطر، وأعمل النحات إزميله ليبقي لمحات الجمال في أسر عمل تشكيلي باهر، فأنّى لي بكلمات تختصر مسيرة حوالي ستين عاماً في عجالة كهذه؟ اعذروني فلا أملك إلا أن أكتفي من القلادة بما يحيط العنق.
فأهلاً وسهلاً ومرحباً مجدداً بضيفنا الكبير الكريم، متطلعاً إلى لقائكم في "الاثنينية" القادمة لنحتفي بمعالي المهندس رائف نجم، الذي يعتبر مرجعاً حياً في شؤون القدس، مدينة السلام، سيشرفنا من الأردن لنسعد بلقائه، وسنكون سعداء بالالتفاف حوله لتكريمه والاحتفاء به، كفاء ما قدم لأمته، وتاريخ المدينة المقدسة أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. أرحب مرة أخرى بضيفنا الكريم وبجمعكم جميعاً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عريف الحفل: أيها السادة، كما تعلمون ودرج عليه برنامج الاثنينية، فبعد لحظات سأترك لاقط الصوت إلى أصحاب السعادة المتحدثين في حضرة ضيفنا، بعد ذلك تعطى الكلمة لفارس الاثنينية، وريثما نستمع إلى هذه الكلمات بودنا أن توافونا بأسئلتكم واستفساراتكم التي تودون أن نقرأها على ضيفنا حتى يفتح باب الحوار إن شاء الله عقب أن نستمع إليه في نهاية كلمات المتحدثين.
الشيخ عبد المقصود خوجه: قبل ذلك اسمحوا لي بكلمة قصيرة، تعودتم أن تروا دائماً بينكم معالي الأخ الكبير الدكتور محمد عبده يماني وزير الإعلام الأسبق والمفكر الإسلامي، وهو دائم العطاء بنفسه وبحضوره تكريماً لأشخاص من نحتفي بهم، وقد غاب عنكم لأكثر من اثنينية، لقد كان الرجل مسافراً ليلقي محاضرات في لندن، وبعد ذلك طرحه المرض، ولكن أبشركم بحمد من الله سبحانه وتعالى، عاد إلينا سالماً ولكنه في دور نقاهة، وقد كان بوده أن يحضر هذه الأمسية ليشارككم الاحتفاء بأستاذنا الكبير، وقد تلقيت ما يلي:- ... اتصل مدير مكتب معالي الشيخ محمد عبده يماني معتذراً، عن عدم تمكن معاليه بسبب العزاء في أستاذنا المرحوم الأستاذ حسين عرب -رحمة الله عليه-. هل لنا من فاتحة له... جزاكم الله خيراً. تفضل يا سيدي.
عريف الحفل: كما أسلفت، سوف أترك الميكروفون الآن لأصحاب السعادة المتحدثين، ولكن مع رجائنا بعدم الإطالة، حتى نتمتع ونشنف آذاننا بالاستماع إلى فارس الاثنينية. أمامي البيان وكتب فيه أربعة متحدثين نبدأ بسعادة الإعلامي والأديب والشاعر الأستاذ راضي صَدُّوق، فليتفضل.
الشيخ عبد المقصود خوجه: وقد تفضل بالحضور خصيصاً من الرياض إلى هنا ولا يعرف الفضل إلا أهله، فشكراً لك يا أستاذ راضي وأثابك الله عنا جميعاً.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :816  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 100 من 145
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.