شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة الدكتور إبراهيم عبد الله غلوم ))
بسم الله الرحمن الرحيم، في البدء أحب أن أوجه الشكر العميق لصاحب هذه الاثنينية الطيبة، ومنظم هذا اللقاء الثقافي الذي أعجبت كثيراً بأنه قد استمر حتى الآن في حدود عشرين عاماً تقريباً، أحب أن أوجه الشكر العميق للشيخ عبد المقصود ولاحتفائه بالشاعر الكبير قاسم حداد، هذه الالتفاتة في حد ذاتها تدل بشكل واضح على أن هذا الرجل يدرك منارات الثقافة والإبداع في البلاد العربية ويعرف جيداً لمن يلتفت، وأين يضع أو يدقق النظر في مساحة أو في وطن الإبداع العربي، ومن هنا فإني في الحقيقة أرى أن الشكر لا يكفي لهذا الرجل، وقد جئت مع قاسم صديقاً ورفيقاً، ولكن لم أتوقع أنه سيورطني في حديث عن هذا الشاعر الذي كلما حاولت أن أتحدث عنه وجدت نفسي صغيراً وغير قادر على أن ألج هذا العالم المعقد الذي يستعصي على أن يضمه ناقد بأي تصنيف أو بأي رؤية أو بأية نظرية أو بأي مدخل من المداخل، ومن هنا في الحقيقة لن تجدي النظرة الطائرة، ولا محاولة أن أصف علاقتي بشعر قاسم أو به إنساناً مبدعاً.
المعرفة ليست لها حدود، والمعرفة تنتج معرفة، وقد تراكم من علاقتي بهذا الشاعر وبشعره ما قد يصعب علي في هذه اللحظة أن أصف سواء ما رأيت.. ما شعرت.. ما أحسست.. وما أيضاً عاينت معاينة القريب إلى القريب. ولكن رغم ذلك فإن هذا المشهد الاحتفالي بهذا الشاعر المبدع لا بد من أن يطرح أسئلته وهذا هو في الحقيقة أبسط ما يمكن أن يقال في مثل هذا المشهد، هذه التجربة العريضة الطويلة التي لم تكن كماً فقط وإنما كانت حفراً.. حفراً مباشراً في علاقته هو أو في موقعه هو كإنسان وسط سياقات متقاطعة ومعقدة شديدة التعقيد، ومن أجل ذلك أرى أن أهم أو جوهر الأسئلة الذي يمكن أن يطل بإشعاعه في وقفة سريعة من مثل هذه الوقفة يتصل بهذا الفضاء الشعري المترامي في تجربة عمرها حسب ما أعرف إن كنت دقيقاً يكاد يصل خمسة أو يعني أربعة عقود ونصف، هذا إذا احتسبنا البدايات الأولى، تجربة في الحقيقة لا تقاس بزمن ولا تقاس بكم الدواوين، ولا بكم المغامرات والتجارب، ولكن حقيقة تقاس بهذا الفضاء الشعري الذي يستطيع القارئ والمتتبع لهذه التجربة أن يكتشفه، ليس من خلال قصيدة أو سطر شعري أو ديوان أو حتى مجمل التجربة الشعرية نفسها، الغريب والمدهش أن هذه التجربة ترسم فضاءً شعرياً يتطاول حجمها وعمرها أي قياس يتصل بها، وهذا في الحقيقة ما يمكن أن نتحدث فيه بالتفصيل ولكن يمكن أن أصف شيئاً بسيطاً في هذه المسألة.
كانت بدايات قاسم في الحقيقة منذ "البشارة" ولو أننا تمعنّا فقط في هذه المفردة الشعرية وحدها "البشارة" لأوحت بفضاء لا حدود له، وقد كانت كذلك في عمر التجربة الشعرية في البحرين وفي منطقة الخليج، لم يكن هذا الديوان عادياً ولم يكن مجرد ديوان يصدر عن شاعر مغامر ويكتب قصيدة جديدة ومغايرة، وإنما كان ينبئ بفضاء غير محدود. و "البشارة" تعني ذلك بالفعل، وإذا كنتم لا تدركون معنى "البشارة" حتى في مصطلحاتنا نحن في البحرين وفي منطقة الخليج فالبشارة هي العَلَم، العَلَم الذي يوضع على أسطح المنازل عندما تكون هناك فرحة ما، فرحة عودة مريض مثلاً، أو عودة حاج من الحج بعد رحلة طويلة، أو ما إلى ذلك توضع البشارة، والبشارة هنا قد تكون وغالباً ما تكون هي ثوب المرأة في البيت، الثوب النشل إذا كنتم تذكرون الثوب النشل فيوضع هذا العَلَم على البيت، ويعرف الجميع أن هناك فرحاً غامراً في هذا البيت.
هذا إذا تخيلنا نحن فضاء هذه المفردة، فعلينا أن نتخيل ماذا كانت إلى أي مدى كانت تستقصي الأفق كلمة "البشارة" هذه، ونقرأ في الديوان فنكتشف بالفعل روح شاعر مغاير.. شاعر وُصف حينها عند النقاد الذين كتبوا عن هذا الديوان بأنه شاعر ثوري، وأنه مغاير، وأنه صاحب لغة مغايرة، إلى آخر هذه الصفات. ولكن حقيقة الأمر بالفعل أن هذه التجربة منذ هذه البِكارة الأولى.. منذ هذه التجربة الأولى كان بالفعل يفسح الطريق لفضاء شعري لا حدود له، وتمضي هذه التجربة بعد ذلك في دواوين لا حصر لها، وتبدأ سلسلة طويلة من التحول لا أعتقد أن شاعراً من شعراء الجزيرة العربية قد مر بمثل -وربما وحتى في البلاد العربية- بمثل التحولات الشعرية التي مر بها هذا الشاعر، ظلت القصيدة تسكن في المستقبل عنده في ذات القصيدة التي يكتبها الآن وفي هذه اللحظة، هناك قصيدة جديدة موجودة في القصيدة التي نقرأها الآن، وهذا هو الشيء الغريب والمدهش.
ومن هنا انطلقت القصيدة الجديدة في تجربة قاسم حداد، وفي هذا السياق أو السمت غير المحدود.. غير المقنن.. غير المحدد حتى بأفق، وجاء ديوان "الخروج من المدن الخائنة" وجاءت "الدم الثاني" وجاء في الحقيقة "القيامة" و "انتماءات" وغيرها، وكان قاسم خلال هذه الفترة يتحول مرة إلى هذه الأقنعة التي يجعل منها سياق فضاءات محددة في شخصيات ورموز من التراث العربي والإسلامي والمحلي أيضاً، هي قد تكون من الناحية المادية والعيانية معروفة لنا في تاريخنا وفي ثقافتنا، ولكنه يطلق من خلالها فضاءات لا حدود لها، وقد كان ذلك ربما.. ربما حقيقة كان ذلك يقيه، هو يقي ذاته من التمزق والعذاب، ولكنه يتحول كما قلت، فتبدأ سلسلة هذه التحولات حتى تصل في العقود الأخيرة أو في السنوات الأخيرة من تجربته إلى المرحلة التي أشار إليها الشيخ عبد المقصود منذ قليل عن مسألة هواجسه بالعلاقة بالفنون.. بالتقاطع الحادث مع الفنون، هذا في الحقيقة لا يمكن أن أرده من وجهة النظر التي أصفها الآن، لا يمكن أن أرده إلا إلى هذا الهاجس بالفضاء الشعري الذي تثير تجربة قاسم حداد أسئلة دقيقة ومدهشة فيها.
التقاطع مع الفنون.. الضمائر غير المعهودة في القصيدة العربية، والتي تفتح فضاءات مدهشة حقيقة، دخلت، يدخل، هو، هذا، هذه، يعني في الحقيقة أنا لا أذكر يستخدم أحياناً ضميره هو.. يستخدم ضمير الآخرين، وأحياناً يقيم نوعاً من التداخل في هذه الضمائر بحيث تصبح.. تصبح القصيدة عبارة عن فضاءات متقاطعة في آن واحد وهو التقاطع نفسه الذي يهجس به الآن من خلال التجارب التي أقامها مع فنانين تشكيليين ومع مسرحيين ومع أيضاً كُتَّاب قصة، ويعني كتاب أو تجربة "الجواشن" التي كتبها مع صديقه أمين صالح هي واحدة من سلسلة المحاولات الجريئة والعميقة جداً في توسعة فضاء القصيدة وإطلاقها بشكل لا حدود له، هذا أمر في الحقيقة أو هذه قضية أعتقد.. أعتقد إحساساً ومعرفةً وتذوقاً في تجربة هذا الشاعر واحدة أو لعلَّها هي واحدة من أخطر وأهم وأكثر منجزات القصيدة عند قاسم حداد. وأتصور أن ذلك يثير مسائل كثيرة وجدلية حول الشعرية العربية أو حول القضايا الشعرية نفسها، وقد أكون مثقلاً إن أطلت في هذا الموضوع ولكن أحببت في هذه اللحظة أن
أسوق هذه المسألة واعذروني إن أطلت وشكراً جزيلاً.
 
عريف الحفل: أيضاً أيها السادة نكرر رجاءنا بعدم الإطالة حيث إن الوقت محدود كما تعلمون، وكثيرون منا يقطن في مكة المكرمة أو بعضنا، حتى نتيح له الفرصة للعودة إلى مكة سالماً غانماً إن شاء الله.
عريف الحفل: والآن الكلمة لسعادة الدكتور سعيد السريحي.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :618  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 68 من 145
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.