شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة المحتفى به ضيف الاثنينية د. بكر عبد الله بكر ))
- بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، الإخوة الزملاء والأصدقاء الحضور السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أود أن أبدأ بتقديم شكري الجزيل للصديق العزيز والزميل الكريم والأخ الوفي الشيخ عبد المقصود خوجه على تشريفي وتكريمي هذه الليلة وقد قال في كلمته أنه حاول أن يجذبني إلى إثنينيته منذ سنوات عديدة وأنني كنت أجد الأعذار، ويعلم الله أنها كانت أعذاراً حقيقية وأكبر دليل على ذلك أن هذه الاثنينية لم يكن مخططاً لها ولم تكن في جدول أعمالي وقد فوجئت بعد وصولي من تونس يوم الأربعاء الماضي ووجودي في مزرعتي بالطائف بسعادة الشيخ عبد المقصود يخاطبني بالتلفون بعد ساعتين من وصولي من تونس.. فسألته كيف عرفت أنني هنا؟ فقال بلهجته الحجازية العظيمة الجميلة: قال لي الطير الأخضر.. المهم أنه دعاني للعشاء ليلة السبت الماضية وقبلت العشاء لأن الاثنينية لم تكن لتبدأ إلا من الأسبوع القادم ولكني بعد أن قبلت الدعوة أتضح أن إخوتي في الطائف نظموا ارتباطاً لي مع وفد من سويسرا زائر، وكان زائراً لي، واضطررت أن أعتذر عن العشاء فقبل عذري ولكن قال مقابل قبول العذر يجب أن تأتي للإثنينية وقلت له ولكن الوقت ضيق فقال ولا يهمك، اترك هذا لي، وفعلاً كان اليوم يوم جمعة الاثنينية يوم الاثنين ولكن الله سبحانه وتعالى أراد ألا يكون معنا بالرغم من حرصه على ذلك بسبب مرض والدته وتأثره بمرضها وهذا يدل على رضاه وتوفيقه إن شاء الله في الدين والدنيا والآخرة، فنرجو له إن شاء الله ولوالدته الشفاء العاجل.
وأكرر شكري له وتقديري أيضاً، ثم أعرف أن الوقت قد مضى جزء كبير منه وأن هناك كثير من الإخوان الذين ربما حان وقت عشائهم وربما أكثر من ذلك، كان بودي أن أعلق على كل كلمة قيلت لما فيها من الوفاء والثناء والشكر الذي في الواقع لا أستحقه وأجد نفسي دونه ولكن المجال لا يسمح ويكفي أن أقول إن من تكلم يعلم الله شعرت أنه غلَّب محبته الشخصية لي وتأثره بما سمع عني على الحقيقة، في الحقيقة أنني دون مما سمعتم عني وأنني رجل ينطلق بالأمانة من الفطرة والطبيعة ولا أحاول أن أكون كذا أو كذا ولا أظن أنني كما ذكر خاصة زملائي السابقين الذين أعتقد جازماً أن شهادتهم مطعون فيها لأنهم يحبوني أكثر مما أحبهم، فشكراً للجميع.
وأنتقل الآن لهذه الاثنينية، حينما تحدث معي الأخ عبد المقصود خوجه وقلت له ما هو المطلوب مني، قال فقط هو حوار ثقافي علمي لإثراء الجلسة بتجربتك وخبرتك في مجال التعليم العالي وربما غيره مما تختاره أنت ونعتقد أنه إن شاء الله ستكون كالمتوقع وفوق المتوقع، ثم أني اليوم فقط علمت أنه جرت العادة أن يقول المحتفي به بعض الشيء فأعددت بعض رؤوس الأقلام على ورقة فندق (الهوليداي إن) حيث أقيم، ولكنها في الواقع ليست محاضرة وليست كلمة ولكنها توجه لما أعتقد أنها الأشياء التي تتلاءم وهذه الاثنينية الكريمة ولتكون موضع الحوار بمعنى أني سأثير بعض النقاط وأترك تفصيلاتها إذا أراد أحد أن يسمع عنها إلى وقت الأسئلة.
أولاً أعتقد أن مجال خبرتي. كان واستمر لمدة طويلة هي في كيفية الحصول وامتلاك ناصية التكنلوجيا أو التقنية لأني كنت ولا أزال أعتقد أن السبب الأول لتفوق العالم الغربي وخاصة أمريكا على والمسلمين هو امتلاكهم لناصية التقنية وأن السبب الأول لتخلف والمسلمين هو عدم قدرة الدول الإسلامية والمسلمين عامة على امتلاك التقنية، ولكن ما هي التقنية؟ هناك كثير من المحاولات لتعريفها ومن الذين حاولوا تعريف التقنية أنا شخصياً، لأني كتبت الكثير عن التقنية وكيفية امتلاك ناصيتها وهلم جرا، والتعريف الذي اقترحته وطرحته في أدبيات التقنية هو أن التقنية تعني القدرة على إنتاج البضائع والخدمات بأقل التكاليف وأعلى المستويات الممكنة. وحينما نقول بالبضائع والخدمات نعني في المقام الأول الصناعة وأيضاً الخدمات هي صناعة في الوقت الحاضر بما فيها خدمات الإعلام، فهذه التقنية كما عرفتها ولا زلت أعتقد أن هذا هو التعريف الذي استخدمه، وتم تبني هذا التعريف في الغالب وهو التعريف المقبول الآن للتقنية، لكن كيف نتملك ناصية التقنية؟ في رأيي أن امتلاك ناصية التقنية يتكون من عدة مراحل، المرحلة الأولى هو عملية النقل، يعني لا أرى أنه من الممكن أن نبدأ من نقطة الصفر ثم نتطور حتى نصل إلى ما هو موجود اليوم لاتساع الهوة في المعرفة بين الماضي والحاضر والأفضل أن نبدأ أو نحاول أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون في التقنيات التي تلائم وضع البلد الذي يحاول أن يمتلك التقنية والتي يمكن أن يتميز فيها وأن ينافس فيها، يعني من المستحيل أن تفكر قطر مثلاً في صناعة الطائرات مهما كانت مثلاً، أو أن تفكر إحدى الدول الإفريقية في الطاقة النووية.
يعني كل بلد يختار التقنية التي تلائم وضعه والقاعدة الرئيسية هي إمكانية أن ينافس ويتفوق ربما في السوق العالمية في التقنية المختارة سواء كانت إنتاج البضائع، أو إنتاج الخدمات، ولكن النقل حتى لو نجح البلد الذي يود أن يمتلك ناصية التقنية القيام به ما هو إلا المرحلة الأولى لأن التقنية، خاصة التقنية في كثير من المجالات، ومنها مجال البتروكيماويات الذي نتميز فيه الآن هو مجال متغير جداً ومتطور جداً ولأضرب لكم مثلاً بصناعة البتروكيماويات التي تبيع المملكة منها الآن بحوالي 4 آلاف مليون دولار تصدير كل سنة وهو مبلغ هائل إذا تعرفوا أن صادرات مصر كلها من كل شيء لا يتعدى اثنين ونصف بليون دولار في السنة، نحن البتروكيماويات نصدر منها في السنة أكثر من 4 بلايين دولار، لكن صناعة البتروكيماويات ليست أكثر من أوعية مثل الكور أو المستطيلات التي ترونها في الصور تحتوي على المادة الخام التي غالباً ما تكون غازاً أو مادة كربونية تحت الضغط والحرارة تتحول الجزئيات الهيدروكربونية من صورة إلى صورة أخرى مرغوب فيها مثل صورة البلاستيك، عادة ويتم التفاعل عن طريق حوافز كيماوية، لو كفاءة الحافز الكيمائي تزيد معنى هذا أنك تستطيع أن تنتج كمية أكبر من المنتج بنفس المرافق وبنفس التكاليف، يعني بتكاليف أقل.
إذا وقفنا عند الخط الموجود الآن وبدأ العالم الغربي والمنافسين يتقدمون، وهم سوف يتقدمون، فنحن سنتخلف، إذن لا بد من أن يكون هناك أكثر من نقل التقنية، لا بد أن يكون هناك أولاً توطين للتقنية كمرحلة ثانية بعد النقل، والتوطين يعني أن تدرب الرجال الذين يستطيعون تشغيل وصيانة تلك التقنية المنقولة وأن يتعرفوا على أسرارها ودخائلها معرفة دقيقة عالية بحيث تمكن من الانتقال إلى مرحلة ثالثة وهي مرحلة التطوير، أي لا يمكن للتقنية أن تنجح إذا لم يكن البلد قادراً على تطوير هذه التقنية بحيث أن الإنتاج أو المنتج منها يبقى منافساً في السوق العالمي.
التطوير في رأيي أنا لا يمكن أن يتم إلا بالبحث العلمي المحلي، قد تسمح دولة على نقل التقنية من عندها مقابل رسوم إلخ.. لكن لا تسمح أي دولة بالعالم بأخذ تقنية جديدة أو تطوير جديد مهما كان، حتى لو أعطيتهم ذهب الدنيا بل يحرصون عليه حرصهم على أسرار الذرة أو أكثر.
إذن لا بد من البحث العلمي للوصول للمرحلة الثالثة التي هي مرحلة تطوير التقنية المنقولة والموطنة، والمرحلة الرابعة والأخيرة وهي القدرة على الاستمرارية على التطوير بحيث يكون هناك استمرارية لإنتاج المنتج وربما إضافة منتجات جديدة، والقدرة على المنافسة في السوق العالمية.. أين نحن من هذا كله وكيف يتم؟ باختصار إذا فكرتم فيما قلته باختصار وإيجاز تجدون أن كل هذه المراحل تحتاج إلى الرجال والنساء المؤهلين والمؤهلات على أعلى مستويات حتى يستطيعوا أن يشغلوا وأن يصونوا وأن يوطنوا ثم أن يقوموا بالبحث وأن يؤسسوا المؤسسات ويشغلوا المؤسسات التي تقوم بهذه العمليات، عمليات التعليم والتدريب والتعليم المتواصل والبحث العلمي، وما هي هذه المؤسسات؟ هي الجامعات والتعليم العالي، وليس الجامعات فقط، هي أي مؤسسة تقوم بالتعليم العالي، بافتراض أن التعليم دون العالي موجود وجيد في البلد، فهو التعليم العالي ومؤسسات البحث العلمي، وأقول لكم وقد لا أكون مبالغاً أن السبب في تأخر العالم العربي وربما العالم الإسلامي في اللحاق بركب التنمية والتقنية واستمرار اعتمادنا على غيرنا خاصة على أعداء الحضارة العربية والإسلامية في هذا المجال الحيوي هو عدم نجاحنا في بناء مؤسسات بحثية على المستوى المطلوب، ومثل بسيط خذوا اليابان المثل العظيم الأول لقد اقتبسوا التنمية اقتباساً مبدئياً ثم نقلوها وعندما فطن الغرب لما يقومون به حاربوا اليابان ولكن اليابان تمكنت بوسائل مشروعة وغير مشروعة، أنا برأيي مشروعة، أنهم يستمروا في النقل والاقتباس ولكن في نفس الوقت كانوا يؤسسون الجامعات ومعاهد البحوث، ومن زار طوكيو يعرف أن حول طوكيو عشرات من معاهد البحوث العظيمة، معهد لكل فن ولكل منتج والآن اليابان على وشك أن تنتهي من بناء خمسين معهد بحوث متخصصة حتى يستمر التطوير وحتى يستمر التطور، المثل الثاني كوريا، زوروا سيئول الآن، وسترون أن كوريا خطوة خطوة فعلت مثل اليابان، ويحيط بسيئول الآن أكثر من ثلاثين معهد بحث علمي، وعندما نقول بحث علمي لا نعني مثل ما هو موجود في كثير من الجامعات العربية للأسف البحث العلمي أن الباحث يبحث في موضوع قد لا يكون له علاقة بالبلد الذي هو فيه بغرض نشر الأبحاث ونشر الكتب لأن نظامنا التعليمي للأسف يقول أن ترقي الأستاذ وتقدمه يعتمد على ما ينشر في الدوريات المعترف بها عالمياً يعني في الخارج، يعني نحن نشجع الآن أساتذتنا، وأنا لا أقول المملكة العربية السعودية فقط، ولكن العالم العربي كله، نشجع أساتذتنا أن يركزوا في بحوثهم على مشاكل خارجية تهم الناشرين والمسيطرين على المجالات العلمية في الدول الخارجية حتى يقبلوها وينشروها وبالتالي فإن هذا الرجل العالم يستطيع أن يترقى من مرتبة إلى مرتبة، ولأضرب مثلاً المعهد القومي للبحوث في مصر في يوم من الأيام كان فيه حوالي عشرة آلاف باحث، وكان يطلع بمئات الكتب وآلاف الأوراق العلمية ولكني لم أسمع أنه طلع منه ولا منتج واحد، يعني بضاعة في اليد، لأن التوجه الأساسي خطأ، فإن هناك ثغرة فظيعة وكبيرة في مؤسسات التعليم العالي في جامعات الدول العربية والإسلامية ومعاهد البحوث، لأن معظم هذه المؤسسات أنشئت في ظل الاستعمار الغربي واقتبس النموذج الغربي ما في شك أن أم العرب في التقدم الحديث كانت مصر، ما أحد ينكر هذا إنهم تقدموا، والأخوة المصريين عرب ومسلمين حقيقيين ما بخلوا أبداً بما يعرفون، ونقلوه حتى أنهم نقلوا للمملكة، حيث كان مدير أول جامعة سعودية هو الدكتور عبد الوهاب عزام باشا ولم يبخل فنقل تجربة مصر هو وزملاؤه لنا بدون تردد ولكن الأساس أن مصر نقلت هذه التجربة أو هذا النموذج من أين؟ من الجامعة الأوروبية كما كان مطبق في إنجلترا، نفس الشيء بالنسبة لدول شمال إفريقيا العربية تبنوا النموذج الفرنسي وهذه النماذج ليست ملائمة ولا متطابقة مع احتياجات البلد وظروف البلد في رأيي، وهذا من أسباب التخلف الهائل في لحاقنا بركب التكنولوجيا في العالم العربي والإسلامي هو عدم وجود أو عدم نجاحنا حتى الآن في إنشاء مؤسسات تعليمية وبحثية على المستوى العالي بحيث تتلاءم وأوضاعنا وبحيث تساعدنا على الوصول للأهداف، ومثل ما قلت لكم البحوث في الجامعات العربية معظمها موجه للبحث والنشر فقط وليس لإنتاج البضائع والخدمات.
بهذه الخلفية اقترب زملائي وأنا زميل معهم من فكرة إنشاء جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وحددنا في البداية هدفاً، قلنا إن غرض هذه الجامعة - عندما أقول حددنا لا أعني نفسي ولكن أعني كل من شارك في هذا المجال، وزملائي الموجودين الليلة لهم ما في شك مشاركات كبيرة جداً - حددنا هدفاً سميناه هدف التميز، وقلنا هذه الجامعة التي كلفت بتخريج من يدير الصناعة البترولية والمعدنية هذا كان هدف أساسي ويشغلها في المملكة العربية السعودية يجب أن تكون قادرة على تخريج من يستطيع أن يقوم بالعمل بنفس المستوى الذي يقوم به الأمريكيون والأوروبيون في ذلك الوقت، والذين ما زال كثير منهم موجودين حتى الآن، فإذا أردت أن تصل إلى هذا فيجب أن تبني جامعة متميزة معادلة للجامعات الغربية أو أحسن ما تبنيها لأنك إذا بدأت تخرج ناس أقل من المستوى المطلوب فالنتيجة أن تكاليف التشغيل سوف ترتفع وهذا يعني انخفاض دخل البلد، فهل هذه ميزة أو عيب؟ هل هذا غُنم أو غُرم؟ أنا أقول هذا غُرم وهذا عيب وربما من الأفضل أن تظل مع الأجانب من أن تعود وتتردى، فإن أصرينا على التميز، وفعلاً عملنا بكل قوتنا للوصول إلى مرحلة التميز وكما قال زملائي ضمن الأشياء التي اعتمدناها اعتمدنا على التقويم الدوري، كل سنة ثم كل سنتين ثم كل خمس سنوات من قبل هيئات متخصصة في التقويم الأكاديمي في أمريكا، وتقوم جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بنفس المعايير التي تقوم بها الجامعات الأمريكية وهم الذين يمنحون أو يمتنعون عن الاعتراف بشهادات الجامعة في أمريكا، نحن نتحدث عن جهات خبيرة ومحايدة وقبلوا أن يقيمونا ولكن بصفة غير رسمية وإنما بصفة شبه ودية لكن بنفس المعايير وبنفس الناس وكان آخر تقرير لهم قدموه في عام 94 أو 95 وأذكر الكلمات وأرجو الإخوان أن يصححوني إذا أخطأت، في أول الملخص التنفيذي كاتبين تهانينا! ثم قالوا لقد وصلتم إلى التميز الذي كنتم تنشدون، وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن الآن تقارن برامجها بأفضل ما هو موجود في الولايات المتحدة الأمريكية.. يا لها من شهادة، الحقيقة.
ويعلم الله أنني لا أقول هذا حباً في الدعاية، ولكن أقولها تشجيعاً لكل من يعمل في حقل التعليم العالي للتوجه نحو التميز وأنه بإمكاننا الوصول إليه إذا استطعنا استخدام أدواته، وأضرب مثلاً آخر، هذه مدينة جدة، الآن مدينة جدة يضرب بها المثل في التجارة وفي الرواج الاقتصادي وفي التنافس العظيم والشريف في البيع والشراء بحيث أصبحت جنة للتسوق وأيضاً جنة للسياحة، ضرتنا نحن أهل الطائف، حتى أهل الطائف في المواسم يأتون إلى جدة لقضاء الإجازة، من كان يصدق أن أهل الطائف يأتون في الصيف ليرتاحوا في جدة؟ إذن أحرزت جدة وتمكنت من الوصول إلى مستوى ما كان يخطر ببال أحد ولو تقارنها ببعض العواصم العربية التي سبقتنا تجدها الآن سباقة، وهذا يعني أنه كان هناك تصميم من فئة قيادية للوصول بهذه المدينة إلى مستوى عالٍ وربما التصميم جاء من كافة السكان لأني أذكر أهل جدة بدأوا هم الجامعة، وبنوا جامعة الملك عبد العزيز، فإذا كانت هذه الرغبة في التميز موجودة سنصل بإذن الله، وهذين مثلين (جامعة الملك فهد للبترول والمعادن ومدينة جدة) تؤيد هذا الكلام.
لكن ما هي أهم الملامح التي مكنت الجامعة من الوصول إلى ما وصلت إليه؟ أولاً الحقيقة عندما بدأنا التأسيس الذي استغرق خمس وعشرين إلى ثلاثين سنة اقتربنا من الموضوع، موضوع بناء الجامعة أو الكلية في البداية بقلب وصدر مفتوح، وربما لأننا ما كنا خبراء ولكن كنا متفتحين واضطررنا للاستعانة بالخبراء وجلب الخبراء ولكن كنا نناقشهم مناقشة غير العارف، ونستعمل عقولنا فبدأنا بتطوير النموذج، ما هو النموذج للجامعة؟ هل هو النموذج الأوروبي؟ أو النموذج الأمريكي أو العربي السائد في ذلك الوقت وهو المصري؟ إلخ.. الموجز أننا بدأنا أولاً باقتباس الأفضل من أي مكان مهما كان بدون النظر للأصل أو الموطن، وبدون حساسية، باختصار أولاً اقتبسنا من النموذج الأوروبي فكرة مجتمع النخبة وفكرة الجامعة الأوروبية قائمة على النخبة، أي لا يدخل الجامعة إلا النخبة من الطلاب والجميع يعيشون في مجتمع نخبة، إلى الآن موجودة في اكسفورد وكامبريدج وكان في السوربون، ففكرة النخبة بانتقاء المؤهلين وليس السماح لكل المؤهلين، الانتقاء من المؤهلين وانتقاء أعضاء التدريس من كل العالم وإلى الآن تجد مندوبي الجامعة يجوبون العالم بحثاً عن الأساتذة المتميزين وإعداد كل ما هو لازم لجذبهم، الشيء الثاني الذي اقتبسناه من الجامعة الأوروبية هو فكرة المجتمع الأكاديمي، والثالثة هي فكرة الحرية الأكاديمية ويمكن أن أشرحها لكم فجامعة الملك فهد للبترول والمعادن تمكنت من تطبيق فكرة الحرية الأكاديمية بمعانيها الحقيقية وأظن حتى هذا الوقت هي سائدة وموجودة واقتبسنا أيضاً نظام الساعات المعتمدة من الجامعات الأمريكية، ونظام الساعات المعتمدة هو نظام يسمح ويعطي مرونة في التعليم، ويحقق دفعة للمثابرة والاجتهاد من قبل الطلاب ويساعد على التحكم في مرافق الجامعة وأيضاً يمكن من استغلال المكان والزمان وهما العنصران المهمان، وإذا أحب أحد أن يعرف تفاصيل هذا يمكن أن يسألني فيما بعد.. ثم اقتبسنا من الجامعات الأمريكية إعطاء الطلاب حرية اختيار التخصص وأيضاً اختيار بعض مكونات البرنامج الدراسي، لكن أهم ما اقتبسنا من الجامعات الأمريكية وأرجو أن تسمعوا هذا بدقة هي الفكرة أن الجامعة يجب أن تعد المتعلم قبل أن تعد المتخصص، فالمنهج يصبح جزأين: جزء للتثقيف والتعليم ويليه جزء للتخصص بعكس الجامعات الأوروبية، حتى الآن الجامعات الأوروبية إذا التحق بها الواحد يبدأ يدرس التخصص الذي التحق به، جامعة الملك فهد للبترول والمعادن لا، يدرس ليتثقف ينال قسطاً وافراً أو جيداً من الثقافة في علوم عامة ثم بعد ذلك يتخصص.
أيضاً من النموذج الأمريكي اقتبسنا فكرة ديموقراطية التعليم، بمعنى أننا نقبل في الجامعة من هو الأفضل بغض النظر عن من هو وابن من هو، والدولة أعطتنا الحرية في هذا وفعلاً دخول جامعة الملك فهد للبترول والمعادن للأفضل.
بعد هذه الاقتباسات كان هناك الكثير من الابتكارات وأوجزها في ابتكـارات غير مسبوقة، وأرجو الانتباه لها، أولاً أنشأنا سنة إعدادية قبل المرحلة الجامعية وجميع الطلاب يقبلون في المرحلة الإعدادية وليس في الجامعة لأننا وجدنا أن هناك ثغرة في التأهيل بين المتخرجين من الثانوية العامة وبين القبول في الدراسات الجامعية بالمستوى المطلوب فأنشأنا سنة إعدادية لسد هذه الثغرة في التحصيل، وأيضاً لتربية الطلاب على اكتساب قدرات جيدة لمواصلة التعليم من أهمها مثالاً القدرة على تنظيم الوقت، والقدرة على العمل الجاد والطويل، في السنة الإعدادية نطلب من الطالب أن يدرس وأن يبحث وأن يعمل 13 و14ساعة في اليوم فعلاً، يعني يأتون سبع ساعات متواصلة للمحاضرات ثم لا بد أن يشتغلوا 4 أو 5 أو أكثر من الساعات ومن لم يستطع لا يبقى، يخرج. أيضاً حاولنا أن نعلم الطلاب أن يثقوا في أنفسهم وفي قدراتهم وأن يعتمدوا على أنفسهم فقط وأن يتجنبوا الغش، وتدريجياً تجد أن الطلاب في البداية يغشوا ولكن ما إن تنتهي السنة الإعدادية إلا ويعطوا الاختبار وهم بجانب بعض ويتركهم الأستاذ لوحدهم ولا تسمع همساً ولا غمزاً ويركزوا فقط، شيء لا يصدق، النقلة التي تحدث في خلال سنة، هذا الابتكار الجديد في السنة الإعدادية مكّن الجامعة من سد الثغرات وأيضاً أضاف شيئاً جديداً مكّن الطلاب وأعطاهم وقتاً للتعرف على الجامعة قبل أن يتخصصوا في أي شيء.
الشيء الثاني الذي ابتكرته الجامعة هو ما أسميناه يوم المهنة، وهو عبارة عن أسبوع يعقد كل سنة، وتأتي أقسام الجامعة حيث يأخذ كل جزء مكاناً مخصصاً له، في البداية كان كذا، ويأتي الطلاب ويمرون على هذه الأقسام، ويتعرفون على التخصصات ويحاوروا الأساتذة في كيف يتخصصوا وبعدها يختاروا التخصص، وأيضاً يوم المهنة يدعو شركات ومؤسسات من مختلف أنحاء المملكة وتتنافس في المجيء إلى هناك، ويعرضوا فرص التوظيف المتاحة الآن في السوق، والطالب الجديد يستفيد من هؤلاء في اختيار التخصص الذي يلائم السوق، الطالب الذي على وشك التخرج يستفيد من إيجاد فرصة له للعمل، وعادة لا ينتهي هذا الأسبوع إلا وأكثر من ثمانين في المائة من المتخرجين وجدوا العمل الذي يريدون.
الابتكار الثالث أننا أعطينا الطالب الحرية الكاملة، ليس فقط الحرية الموجودة في أمريكا بل أكثر منها لاختيار تخصصه، وتغيير هذا التخصص بعد اختياره ليغير من تخصص لأخر، أو من كلية لأخرى دون أي شرط وبتسهيل وتيسير إلا إذا كان اختياره فعلاً شاذاً فهناك توجيه وإرشاد، وهذا جزء من الحرية الأكاديمية التي قلت إننا تبنيناها، هناك حرية أكاديمية للطالب لاختيار التخصص وتغييره بدون أي عراقيل وبكل تيسير. كذلك يستطيع الطالب لحد كبير اختيار أوقات دراسته ويختار مدرسيه ويختار حتى مكان التدريس لحد كبير.
الابتكار الرابع نحن اقتبسنا فكرة المجتمع الأكاديمي من الجامعة الأوروبية، لكن مضينا قدماً أكثر وقلنا لا بد أن يسكن كل طالب وكل أستاذ في المدينة الجامعية، ممنوع على الطالب حتى الطلاب الذين أهلهم على بعد 10 كلم من الظهران أن يعيش خارج المدينة الجامعية، لا بد أن يعيشوا في داخل الجامعة وبالتالي حتى من لم يرد يجد نفسه يحتك باستمرار مع الأساتذة والطلاب في النوادي في المطاعم في مرافق الجامعة المختلفة وهذا إثراء كبير جداً في عملية التعليم، وخبرة عظيمة للطالب أن يجلس ويتغدى مع أستاذه، أو يلعب كرة مع زملاء من مناطق أخرى، إذن هذا شيء جديد.
خامساً ابتكرت الجامعة شيئاً غير مسبوقة عليه أنها جعلت جميع المرافق الجامعية مشتركة يعني ما في مبنى لكلية أو قسم حتى المكاتب تتغير، كل المرافق تخصص حسب إعداد الطلاب الذين يلتحقون بالقسم، إذا كبر العدد كبرت المساحة المعطاة لهم، بعكس ما هو موجود في الجامعات العربية تلقى كلية خالية قاعاتها وكلية مكتظة ومزدحمة ولا تستطيع هذه الكلية أن تستعمل مباني تلك، هنا نجد التناقض، طبعاً هذه فيها الكثير من التوفير، وأيضاً فيها كثير من الاندماج والاحتكاك بين مختلف التخصصات، في النهاية أعتقد أن هذا النموذج الذي تم تطويره في الجامعة عبر مدة طويلة وبمشاركة ناس كثير لا أتردد أبداً في أن أقول إنه نموذج ناجح ومن أدلة نجاحه أن الخريجين في هذه الجامعة وحتى وقت قريب كان يأتيهم أكثر من ثلاثة عروض لكل واحد للعمل وأن الموظفين يتهافتون عليهم ويعطون تقريباً ضعف رواتب المتخرجين من الجامعات الأخرى، حتى الجامعات الخارجية وهذه حقيقة، ورجال الأعمال الموجودين هنا يعرفون هذا، أن خريج جامعة الملك فهد للبترول والمعادن يسعى إليه ويجتذب ويعطى راتباً يعادل إن لم يزد عن ضعف ما يعطى لغيره، وأيضاً في هذا الوقت الذي كثر فيه الخريجون ونسمع عن البطالة بين الخريجين الخ.
حسب علمي لا يوجد أي خريج من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن عاطل عن العمل إلا إذا كانت له رغبات خاصة لم تتحقق، كأن يجد وظيفة في بلد معين، أو في منطقة معينة، أو من هذه الأنواع، والحاجة الثانية تؤكد نجاح الجامعة في هذا هي البحوث، وبالمناسبة في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن كان هناك ابتكارات جديدة في حقل التعليم والتنظيم أيضاً، كان هناك ابتكارات جديدة في حقل البحوث، كان هناك ثلاثة أنواع من البحوث الرئيسية التي تجري في الجامعة، أولاً البحوث الأساسية التي هدفها النشر التي قلنا عنها، ولكن هناك بحوث تطبيقية هدفها حل المشاكل التي تواجه الصناعة والخدمات في المملكة، وهناك معهد كامل فيه مئات العاملين سواء متفرغين أو بوقت جزئي في الجامعة مهمته الأساسية هي البحوث التعاقدية يعني بمبالغ، يعني يقوم ببحث يدفع تكاليفه المستفيد منه، وهذا يؤكد فعلاً أن البحث له قيمة وإلا فلا أحد يدفع فلوساً فيه، وهذا المعهد ناجح جداً، الحقيقة قد تلاحظون أني لم أذكر أسماء من شارك ومن قاد هذه المسيرة لهذه الجامعة التي وصلت بحمد الله إلى ما وصلت إليه لأنهم كثر، هذه الأسماء وبعضهم انتقل إلى رحمة الله مثل معالي الشيخ حسن آل الشيخ، وبعضهم أنتقل من وظيفة إلخ... محتدم ذكر الأسماء ليس من قبيل التقليل من قيمة من شارك ولكن حتى أنا لا أعتقد أني أستطيع أن أحصرهم بسرعة وعلى عجالة، ويكفي أن أقول إن هناك كثيراً ممن شارك في هذه المسيرة وأنا أعتقد أني ممن شاركوا ولكن هناك من شارك أكثر مني.
فللجميع الشكر والتقدير وأرجو من الله سبحانه وتعالى أن يثيبهم على ما عملوا وأرجو أن تستمر الجامعة على نفس المنوال وأن تبقى متطورة ومتقدمة وقد قلت لزملائي بعد أن استلمت عملي الجديد، بعد أن سمعت أنهم يحاولون المحافظة على المستوى الذي وصلت إليه الجامعة، قلت لهم إذا حاولتم فقط المحافظة على المستوى فسوف تتخلفون، حاولوا دائماً أن ترفعوا من المستوى لأن المستويات العالمية ليست باقية على ما هي عليه، تسمعون عن الأميركان يقولون عن الأسلحة الجديدة مثل صاروخ تاماهوك في السبع سنوات الماضية تغير وتطور فعلاً وأصبح أذكى وأصبح أقدر على حمل كمية أكبر من المتفجرات، هذا مثل عن تقدم المستويات، إذن على هذه الجامعة الناجحة، وجامعاتنا كلها، ألا ترضى بالمحافظة على المستوى الذي وصلت إليه ولكن يجب أن تستمر في التطور.
هذا في الحقيقة موجز عن ما أعتقد أنه يلائم ما دعيت أو ما كرمت لأجل إبرازه في هذا الحفل، وأرجو أن أكون قد وفقت في إبراز رؤوس الأقلام والعناوين وإن كنت أعلم علم اليقين أني قد قلت أشياء لا يفهمها إلا المتخصص، فإن لم يفهمها غير المتخصصين فهم معذورون لأن الوقت ضيق ولا أستطيع أن أفصل أكثر من ذلك ولكن على استعداد لإجابة أي أسئلة.
في الختام أكرر شكري للأخ عبد المقصود خوجه والأخوة على يميني ويساري الذين شرفوني بالحديث عن ما سموه إنجازاتي، وأعتقد أنهم أعطوني أكثر مما أستحق كما أشكر جميع الذين حضروا للمشاركة في هذه الأمسية وإنني واثق أنني سأتعلم ربما أكثر مما ستتعلمون من الحوار ومن اللقاء في هذه الاثنينية المباركة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :573  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 84 من 139
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج