شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((الحوار مع المحتفى بها))
الأستاذة نازك الإمام: طبعاً، نشكر سعادة ضيفتنا الكريمة، التي حدثتنا بهذه الكلمات الجميلة عن أهم محطات حياتها، وسعدنا بها، الآن نبدأ بتقديم الأسئلة، والفرصة الآن متاحة لقسم السيدات في الصالة النسائية لاختيار من تعرف بنفسها ثم تلقي سؤالها مباشرة، من دون مقدمات أو مداخلات، وأكرر طبعاً من دون مقدمات أو مداخلات، وبداية مع المعلمة صباح القواسمي، فلتتفضلي.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أستاذتي الفاضلة انتصار لن أزيد من قدرك حين أنحني احتراماً لك ولثقافتك، فقدرك محفوظ، من خلال حديثك الراقي لامستِ ما في داخلي وقلتِ الكثير مما أتمنى قوله، ولكن، لا أعرف كيف أبدأ فلم أكتب إلا كتاباً واحداً فقط سمّيته "ما أحلى الرجوع إليك"، وهو عبارة عن معلومات مبسطة من القرآن الكريم، سؤالي هل أتجرأ وأطلب منك أن تتبنيني ثقافياً وروحياً فما أنا إلا قزمة أمام عظمة أفكارك، وستكونين لي بإذن الله مثلاً أعلى أقتدي به، شاكرة لك جداً ولجميع الحضور وللأستاذ عبد المقصود خوجه، الذي يجمّعنا في هذا المكان دائماً بأفضل الشّخصيات، شكراً جزيلاً للجميع.
الأستاذة انتصار العقيل: أهلاً بالأخت، والحقيقة أتمنى من الله أن يزيد ويبارك نساءنا وفتياتنا ويكون توجّههن إلى هذا المجال أوسع، خصوصاً هذا الجيل المفكر. بالنسبة إلى تبنيك، والله هناك من هم أفضل مني بكثير، فأنا كما قلت لك موهوبة، وكتابتي هواية فطرية ومكرمة إلهية، كي لا أعطي حجمي أكبر مما أنا فيه، لكني أنا في هذه الأمسية أردت أن أركز، ليس تقليلاً من قيمة العلم والمتعلمين والشهادات العالية، كل ما أريد أن أقوله، إني إنسانة بسيطة جداً، أحمل شهادة الثانوية العامة من لبنان، لكني قررت فقط أن لا أظل أمام توجه واحد، وهو تربية الأبناء، على الرغم من هذه الرسالة الرائعة التي أؤديها، إلا أنني أردت تحقيق الذات أيضاً، وأنا وفق ما أراه أنك شابة وجميلة جداً فما زلت في بدايتك، فقد يتبناكِ مَنْ ألتقي بهم من الرائعين هنا ومن الكتّاب الممتازين كالأستاذ عبد الله مناع، وغيره من المخضرمين، وأتمنى من الأستاذ عبد الله أن يتبناكِ، وأنا سأقرأك وأساعدك سأكون صديقتك، وربما أعدّ نفسي أمك.
الأستاذة نازك الإمام:سؤال من قسم الرجال، طبعاً السؤال طرحه الأستاذ نجيب يماني، تفضل في طرح سؤالك أستاذ نجيب.
أستاذة انتصار أهلاً وسهلاً بكِ، أسعدتنا في هذه الليلة، نشكر حضورك والكلمات الحلوة التي سمعناها منك، عندي سؤال بالنسبة إلى الأستاذة انتصار، عندما تكتبين هل تستندين إلى واقع فعلي؟ أم تعيشين خيال كاتبة؟ أرجو الإجابة أيضاً على سؤال من هو ملهم السيدة انتصار ومحركها في رواياتها كلها وبالذات الرومانسية؟ شكراً.
الأستاذة انتصار العقيل: أنا امرأة القوس، وميزة القوس أنه رومانسي، فهو مولود عاطفي، ولكن الناس يشكلونه. لذلك تجسّدت رومانسياتي من حسن الحظ بكتاب "بفيروس الحب"، وكما قالت الأستاذة فريدة أنا كتبت وكنت في الخامسة عشرة من عمري، وكانت القصة صادمة لأمي -أسكنها الله الجنة- تكلمت فيها على الخيانة الزوجية. طبعاً، أعدت كتابتها في أحد كتبي، فيما بعد زدت عليها "رسالة إلى زوج ضائع"، يعني كبرت وأردت توجيه كلام أقسى، كانت مكتوبة في الخواطر وباسم ثلاثي، وطبعاً، قامت الدنيا وقعدت، ولا أخفي عليكم، بأنني لم أتوقف فقط عن الكتابة، بل لم أعد أقرأ بسبب الصدمة التي تعرضت لها، لكن هناك مَنْ لفت نظري -رحمه الله- الأمير عبد الله الفيصل، صديق خالي حسين عبد الله فرّاش، فقال له: "حسين، بنت أختك موهوبة"، ومنذ ذلك الوقت لم أكتب وخالي حسين بحكم صداقته معي وهو الوحيد، الذي شجعني عندما بدأت أكتب، فالكل كانوا يشجعون مثلاً ثم يبعدون، ويفاجأون أن الناس يقولون انتصار العقيل، خصوصاً عندما كانت تروح الوالدة إلى المستشفيات، تقول أنا والدة الدكتور خالد العقيل، دكتور ووكيل وزارة وكذا.. يقولون لها: هل هناك قربة لك مع انتصار العقيل؟ تقول لهم: "ابنتي". فيطلبون منها كتبي وينسون الدكتور، فتصاب بالصدمة، فهي كأم تريد اسم الذكر عالياً، فالمرأة تلتقي تلقائياً بفطرتها مع الرجل.
نعود الآن للأخ نجيب، وأقول لك الكتابة تحرّك نفسها بنفسها، فهل تصدقون أو لا تصدقون بأنني أكون أحياناً في زيارة أحد الشخصيات فتتحرك الكتابة عندي، لأنني جزء من كتاباتي، وجزء من شخصيتي الرومانسية والعاطفية، وقد شرحت لكم هذا الخليط الذي في داخلي، من تناقضات كلها، حب، وكره، ومسامحة وانتقام، وبشر، فأنا بشر وأنتم بشر، وهذه مشكلتنا في المجتمعات الخليجية وخصوصاً في المجتمع السعودي. نعتقد أننا ملائكة ونزلنا هكذا، وسندخل من خلال جواز السفر الأخضر مباشرة إلى الجنة. نحن بشر، لنا أخطاؤنا ولنا مثالبنا، لكننا والحمد لله لسنا شياطين. فلذلك، أعدّ النفس البشرية هي التي تحركني، والموهبة الفطرية كما قلت، هي موهبة اكتشفتها منذ أن كنت في الخامسة عشر من عمري، بدأت بالتكلم على الخيانة الزوجية، وأنا شخصياً لا أصدق ما كتبته، لولا أنه حدث، فهذا هو المحرك الحقيقي لي.
الأستاذة نازك الإمام: السؤال من الساحة الخارجية قسم السيدات، سوزان خورشيد، مدرّسة، فلتتفضلي.
السلام عليكم جميعاً، سؤالي للأستاذة انتصار، لاحظت في الأوراق التي وزعت علينا، أنك كتبتِ سنة ميلادك، فاستغربت لأن في الإجمال ثلاث أرباع النساء لا يذكرن سنة مولدهن، وهذا يدلّ على جرأتك، فهل تكلمينني عليها؟
الأستاذة انتصار العقيل: للأسف المرأة عموماً والعربية خصوصاً لا تعيش عمرها، فلماذا تذكره؟! أعطوني سبباً كي تكون مفعولاً به، وليست فاعلة، بعد ذلك فلتأتِ ولتقل أن عمرها خمسون أو ستون، لماذا؟ الرجل بعيش عمره يوماً بيوم وهو صاحب القرار، المرأة من حقها ألا تذكر عمرها -اللهم إذا حققت نفسها، وعاشت أيامها- الآن مع ما تحققه المرأة، أرى أن معظمهن يذكرن أعمارهن وبكل جرأة، ولأن أهم شيء عندي، أنني جعلت الزمن يمشي كتفاً بكتف إلى جانبي، لم أجعله يدوس بأقدامه فوق ملامحي، تركته جنباً إلى جانب، فكما ترون ولله الحمد أتمتع بكامل صحتي على الرغم من أنني جدة لخمسة أحفاد، أكبرهم بلغ الحادية عشرة من عمره وسيدخل قريباً في الثانية عشرة، وأفتخر بكل يوم عشته، لأنها كانت حياة مليئة بالتجارب. لذلك، أقرّ أنني من مواليد ألف وتسعمائة وتسع وأربعين، للتذكير شهر كانون الأول من برج القوس، لكنهم وضعوا في جواز السفر مواليد الخمسين، إلا أنني صدقاً من مواليد تسع وأربعين.
الأستاذة نازك الإمام: مداخلة للدكتور عاصم حمدان، فليتفضل.
مداخلة للدكتور عاصم حمدان: أولاً إذا سمح لي الشيخ عبدالمقصود، أريد أن أروي شيئاً من التاريخ، أقول إن جد الأستاذة انتصار العقيل، كان أحد رجالات المدينة، واسمه الشيخ ناصر بن عقيل، وأضيف إلى معلوماتها أنه كان من القلائل الذين قابلوا الملك عبد العزيز، كما أضيف أيضاً إلى ذلك قصة إنسانية يجب أن أرويها اليوم، أن أول من أعتق رقيقه، بعدما كان عنده جارية يصطفيها، فطلب أحدهم أن يشتريها ليُهديها، فرفض الشيخ ناصر بن عقيل ذلك وأعتقها. سجلي هذا التاريخ عندك يا سيدة انتصار. كما أحب أن أقول إن كتابك الوحيد، الذي قرأته هو "دعونا نختلف"، أو "قد نختلف"، من أوائل الكتب التي أثبتت الحوار الفكري في بلادنا، والمسألة التي قادتني إلى الحديث عن هذا الملمح التاريخي المهم هو ما ذكره الدكتور مناع، لقد كنت عضواً في المجلس الذي كان أيضاً الأستاذ الدكتور مناع معنا فيه في البداية، أي مجلس إدارة النادي الأدبي في جدة، في الأشهر الأخيرة كتبت جمعية الثقافة والفنون إلى وزارة الثقافة تطلب المبنى القديم بعد أن أصبحنا في المبنى الجديد الذي أقام بناءه آل الشربتلي، فقررنا بالإجماع الموافقة لأن جمعية الثقافة والفنون لم يكن عندها في ذلك الوقت مكان، وكانت هي المرحلة الانتقالية بين عبدالله حطاب وعبدالله السلمي، لكن أحب أن أقول إنني تعرضت لعتاب من بعض أعضاء مجلس الإدارة، التي يقودها الآن الزميل الكريم الدكتور عبد الله السلمي، لماذا سمحت بذلك ووقّعت؟ كان هناك نوع من الاعتراض، ولكن نحن وقعنا بالإجماع لأن كما قال الدكتور منّاع لم يكن المبنى يعود لأحد، ولكن تعود ملكيته للفكر والثقافة، وشكراً.
الأستاذة نازك الإمام: السؤال الآن في قسم السيدات، الأخت والناشطة الاجتماعية سميرة سمرقندي، فلتتفضلي.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يقال إن المؤلَّفَات للكاتب مثل الأبناء، فأي من مؤلفاتك هي الأقرب إليك ولماذا؟ وشكراً.
الأستاذة انتصار العقيل: كل واحد يقول دائماً لك كلها كلها، طبعاً هي كلها، يعني "فيروس الحب" مهّد لي الطريق.
كل كتاب جميل لأنني أجد فيه مرحلة متطورة في فكري، وفي معايشتي له، كأنني أسجل ذكريات حياتي في هذه الكتب، ولذلك هي ثمينة، وتعني لي الكثير، ولهذا أعدّ الكتاب الذي هزّني كثيراً هو "غِزَيِّل"، لأنها قصة جميلة، والحقيقة لأنها من أرض الواقع. فقد كنت في جمعية النهضة النسائية، ومن حسن حظي أنني التحقت فيها كعضوة، وحققت فيها الكثير من العلم، أستطيع أن أقول إني حصلت على شهادة جامعية منها، كنا نذهب في اجتماعات سجون، ونعيل أسراً، كل ما ندرسه في علم الاجتماع وعلم النفس نطبقه تطبيقاً كاملاً، كنت أمينة عامة ونقوم بحفلات، وتعرفت بالجميع من الأمير إلى الغفير، من الوزير إلى أبسط الناس. كما أعدّ كتاب "قد نختلف" الأعز على نفسي، إنه كتاب رائع، ما زلت أتذكر الحوار الذي صار أيامها، وما صاحبه من أشياء لا أنكر بأنها صعقتني، ليس حوار الأستاذ عبدالله، بالعكس كان الحوار الخاص بالأستاذ عبدالله معقولاً، فيه أخذ وعطاء، صعقني المقالات الثلاث الأخيرة، (كان مثلاً ..، نسمي الأسماء لأنو دحين ما في والله نقول ما نجيب سيرتها؟ دحين هذا شيء مكتوب، تركي السديري،أنتِ بالمال والعلاقات، الثاني علي العمير، "والله عندما صدر الكتاب"، قالوا لي: "اكتب فكتبت". قلت له: "بارك الله فيك". ثمّ عاد الأستاذ باجبير، وكان آخر مقال كتبته "كاتبة خليجية"، لم أعثر عليه، بل قالوا أن كلامه لي، من دون ذكر اسمي، هذا كتاب غريب ومن قام بإصداره وتسويقه؟ وإن هي أفضل مني، فلتكتب اسمها، ولتكتب عمن تدافع، النقد يا سادة -مهم جداً في كتبي كلها- وأرفض أن ينتقدني أحد حتى لو كان ثناءً ومديحاً من دون أن يذكر اسمي ويترك أدلة لماذا أعجبتك انتصار العقيل، ولماذا تذمها؟ عليك باحترام عقل القارئ، بعدها بعثت للأستاذ باجبير فكتبت له، باجبير والاحتياج للفياجرا وتاريخ كذا وكذا، وكان (بيولول) يريد من الوزارات أن تسمح فيها، فقلنا له: "أنت تعرف أن هذه الحبوب تستعمل في الأدوية". وفي النهاية قلت له: "المهم فياجرا للضمير والأخلاق والقيم هذا ما نحتاجه". ختاماً أقول إن كل كتاب له طعمه ونكهته، وشكراً.
الأستاذة نازك الإمام: سؤال من الدكتور فؤاد عزب، فليتفضل.
مساء الخير، الحقيقة أنا من المعجبين بما تكتبينه وأنت صديقة. توقفت عن الكتابة الصحفية وكنتِ تكتبين بجمال بالغ أو يمكن شهادتي فيك مطعونة، لكن سؤالي هل توقفك بسبب ما يكتب اليوم على صفحات الصحف، أم هناك سبب آخر؟
الأستاذة انتصار العقيل: الحقيقة توقفت عندما عثرت في الرواية على راحة بال، وإبحار، والإنسان يتغير، وقد أصبح يعني لي زيارة أحفادي يوم الإجازات واجتماعي بأسرتي، لكن الكتابة ما زالت موجودة. حقيقة، أكتب في الرواية كل ما أريد أن أقوله، فأنا كل أسبوع أخرج وأحاول عصر دماغي، ومن الضروري خروجي، فالعمر له حقه. هناك متعة في أن تكتب الرواية، لأنك تكتبها وكأنها مجموعة مقالات متواصلة، ولا أخفي عليكم، أنني أكتب لأتنفس، لا أريد في الكتابة أن أعطي، أعرف أن الكتابة جميلة للقارئ، ولكنها المتنفس لي، وحين أتنفس، القارئ يتنفس معي، لأن النفس البشرية مشتركة في هموم واحدة، وفي مشاكل واحدة، فمن يقول هذا أدب ذاتي، فذاتي هي ذاتك، أنا بشر وأنت بشر، ونحن كلنا في الهواء سواء، في همومنا، سواء كنا نساءً أو رجالاً، حين أكتب عن الوجع العربي أو عن هموم المرأة فأنا أتكلم باسم الجميع.
في النهاية، القضية ليست في ظهوري في الجرائد، بل أخاف أن يوقفوني مرة أخرى في "عكاظ"، فنفسيتي لا تتحمل، أين هو دكتور.؟ أخاف أن يحجب رأيي.
الأستاذة نازك الإمام: سؤال من قسم السيدات، الأخت شهرزاد بنت سليمان، المهنة تسويق، فلتتفضل.
السلام عليكم، أسألك ما هو الكتاب الذي لا تحبذين أن يقرأه أحفادك؟
الأستاذة انتصار العقيل: لا يوجد كتاب معيّن، حتى المناهج الدراسية لا أحبّها، أي شيء فيه أفكار خردة لا يعني لي. أودّ أن أخبرك بأنني تعلمت في الثانوية العامة في مدارس لبنان، كانوا يعلموننا كيف نفكر، ولم يطلب منّي قط أن أحفظ نصاً، أنا مثلاً لا أمتلك ملكة الحفظ، بل ملكة التحليل، كان عندي مدرّسات رائعات. لذا أهم شيء أن يحوي الكتاب الدراسي على أفكار قيّمة، ومن لبّ المعرفة، فالعالم فيه معارف كثيرة، وليس جيّداً أن أعطيهم هذا الكم الهائل، الذي يسدد منافذ تفكيرهم، والحمد لله أن المناهج في تطور، الآن هذه الكتب عن المناهج، التي هي موجودة في المكتبات القارئ خير حكم فيها. كتاب يأتيك فيه قضايا مثلاً عن حقوق المرأة ويتبيّن لك أنّ أفكاره كلها مبتذلة. فكيف أواجه هذا المجتمع؟ وأقول له هذه المرأة تحتاج إلى حقوق وأنا أكتب عليها روايات وأن مشاكلها كلها تحلّ عن طريق جسدها؟ يجب أن يكون عندها قيم، وأي كتاب يسيء لها كإنسانة يجب أن يحاسب عليه، وحتى يجب أن لا أسيء إلى الرجل لأنه إنسان أيضاً. عليّ أن أكون حريصة لأن أحفادي سيقرؤونه، أحفادي مثلاً تمتعوا في صغرهم، وعمرهم الصغير في كتاب غزيل، والله قد أعدت قراءته عليهم غير مرة، ودائماً يقولون لي: "احكي لنا عن غزيل، غزيل مأساة". الطفل يفهم، وحقيقة القراءة هي مائدة، هناك مائدة عامرة بالفيتامينات وبالأكل الصحي، ومائدة كلها أكل دسم وسيء، فكما نضر معدتنا نضر عقولنا، فأرجو أن ننتبه إلى ما يقرؤه أبناؤنا، ونقرؤه نحن.
الأستاذة نازك الإمام: السؤال من قسم الرجال، الإعلامي الأستاذ كمال عبد القادر، فليتفضل.
السلام عليكم، أولاً أعتذر من الأستاذة انتصار كثيراً جداً، لأنها متضايقة مني، فمنذ فترة طويلة لا أسأل عنها، وهي حقيقة أخت، وإنسانة عظيمة ورائعة، لها مكانة عندي شخصياً، وعند زوجتي، التي تكن لها الاحترام كله، فلا مانع عندي إن تسامحنا أستاذه انتصار.
الأستاذة انتصار العقيل: طبعاً، العتب من باب المحبة.
كمال عبد القادر: أسأل أي سؤال أستاذ عبد المقصود أو لا أسئلة أقولها؟
الشيخ عبد المقصود خوجه: مباح، كالعادة.
كمال عبد القادر: أنا مستغرب أستاذة انتصار، تحدثت أن المجتمع السعودي صنعك، صنع فكرك، وموهبتك، بينما بيروت صنعت جزءاً كبيراً في حياتك، وأتصور أنك لو درستِ في مدارسنا هنا لن تكوني انتصار التي أراها الآن، المتوقدة والمبدعة والساحرة في كلماتها، يعجبني فيك جداً أنك لا تسمحين لأي أحد أن يقول لك توقفي عن التنفس، ثمانية عشر ولا عشرون ولا أربعون كتاباً، أنتِ إنسانة رائعة، تستطيعين أن تغدقي علينا بأدبك، وجمال فنك، وإبداعك، لكن لم تتكلمي على بيروت، ما الذي سحرك؟ وماذا صنعت فيك؟، هناك شيء مهم جداً، لِمَ تمّ استهدافك أنت بالذات من قبل هذه الجماعة التي تكلمت عليها؟
الأستاذة انتصار العقيل: سؤال غريب لن أجيب عنه.
كمال عبد القادر: أتكلم بجدّية، لِمَ استهدفوك؟
شكراً لكم جزيلاً، شكراً لكم.
الأستاذة انتصار العقيل:كلنا نعرف بيروت، وجمال بيروت، وجمال القاهرة، والدول العربية كثيرة، من حسن حظ بعضنا أنه درس هناك، ومن حسن الحظ الوالد -رحمه الله- أنّ جدي عبد الله فراش رحل خصيصاً إلى لبنان، كان هذا الكلام عام ألف وتسعمائة وثلاثة وخمسين، بينما كان عمري ثلاث سنوات، إذ ذهبت وكانت أسرة الأستاذ الخوجه هناك، وكانت علاقة العائلة ببعضها قائمة على الارتباط، السعوديون طبعاً يتكتلون مع بعض، وكان من حظي أنني درست في بيروت في مدارس ستستغربون أنها مدارس تبشيرية، Lebanese Evangelical Schools of Girls، ولكنني تعلمت قيماً عديدة، وإنسانية قمت بتطبيقها، ولا أراها هنا في مدارسنا التي يحفظونهم ديننا الإسلامي منذ أن يكونوا في بطن أمهم. وما يدفع إلى الاستغراب أن المرأة إن أرادت النزول إلى السوق، قد تتعرض إلى التحرش من قبل الرجل، على الرغم من أنني علّمته أن النساء شقائق للرجال، إذاً أنا فشلت في تدريسي، بينما في لبنان مدارس تعلمك كيف تفكر وكيف تحلل، وتكوّن ذاتك.
كنت في السابعة عشرة عندما تزوجت، وقد ساعدتني الظروف على أن أكمل هنا، وقضيت أول ست سنوات أو سبع بفترة حمل وولادة، جاء ولدي منصور، لكن النبتة، في أن أحقق شيئاً ما ظلّت موجودة عندي، إذاً، أنت لا تعطيني أكاديمياً لأصل إلى أعلى مراتب العلم، يكفي محو الأمية، لأن في هذا الزمن أنت تعلم نفسك بنفسك، لا يوجد في هذا الزمن من يستطيع أن يقول لا يوجد لي مجال للعلم، المرئيات، والكمبيوتر، وأي سؤال بإمكانك أن تجد الإجابة عن طريق محرّك البحث غوغل، هذا كله لم يكن موجودًا في حياتنا. كان عندنا مدرّسات والله كأنهن آلات في العمل (مس سنجن) رئيسة المدرسة كانت تكتب اللغتين الإنكليزية والعربية عبر اليمين والشمال في آن واحد، هذه كانت موهبة، وتجد هذا المعلم الذي تقف له تبجيلاً، هنا كلهم يصيرون سعوديين، وليتهم لا يكونون هكذا خصوصاً في التدريس لأن عندك مدرساً ضعيفاً ويعطيك طالباً أضعف، فبالتالي أحمد الله، أنني درست في لبنان. وشكراً.
الأستاذة نازك الإمام: سؤال من قسم السيدات، الأستاذة مها أحمد فتيحي، رئيسة مرشدات المملكة، فلتتفضلي.
الأستاذة انتصار العقيل: هلا، هلا، قبل أن تدخلي وتتكلمي، أريد أن أقول في الأمس أسعدتنا في ليلة كلثومية رائعة، وهذه السيدة حقيقة أعتقد أنها تغير شيئاً كثيراً في حياة المرأة، في النواحي كلها.
الأستاذة مها أحمد فتيحي: شكراً سيدة انتصار، أنت اسم على مسمى، وددت أن أسألك لقد تحدثت في كتاباتك عن غربة الأفكار، وكيف يكون المفكر غريباً وسط أهله، وكيف يشعر بالغربة في مجتمعه، في المجتمعات كلها هناك أفكار وأشياء وأشخاص، فهل يمكن أن نحدد ما هي النسبة المئوية لمجتمعنا السعودي في كل من هذه الأمور؟ وإلى أي مدى نحن مجتمع أفكار، وإلى أي مدى نحن مجتمع أشخاص، وإلى أي مدى نحن مجتمع أشياء؟ شكراً.
الأستاذة انتصار العقيل: لا شك أن السؤال كبير جداً، نحن مجتمع أشياء، وعادات، لا أفكار وتغيير، نحن ننتظر الجيل الصاعد كي يغير المجتمع، بدلاً من أن يسيء إلى نفسه، ويصبح أداة تحرك، فإذا كان يتحرك بعاداتنا بتقاليدنا، أين فكرة التغيير! التي ننتظرها، خصوصاً أنني أتكلم على المجتمع النسائي، فما حققته المرأة خلال خمسة عقود، عندما سمح لها بالتعليم، لم تحققه مثيلاتها في العالم العربي منذ قرون عديدة، هي في خمسين عقد أصبحت على ما هي عليه، لكن بجدارتها وبقدرتها. نعود إلى المجتمع والأفكار، من أهم الأشياء التي أجد أن مجتمعنا يعانيها رفضه لأي فكر جديد، التفكير المحموم كالمريض، أي فكر جديد يرفضه، كالمحموم لا يستطيع أن يهضم أي شيء، هكذا مجتمعنا، مجتمع يريد أن يستمر على التقاليد والعادات، وهي طيبة إذا كانت تبنينا، لكنها حين تصبح بالية، فقد آن الأوان لنبدأ بالنظر إلى المستقبل بمنطلق التغيير. العالم ينظر لنا، ويتوقع منا الكثير، نحن في منطقة حساسة جداً، إذا لم نساعد أنفسنا على أن نصبح جزءاً من هذا العالم ونكون في الصدارة، ونعمل على الأفكار البناءة. أتمنى من الله أن يحققها لنا.
الأستاذة نازك الإمام: سؤال من قسم الرجال، من الباحث الإعلامي مشعل الحارثي، فليتفضل.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعد الشكر لمضيفنا الجليل والترحيب بضيفة هذه الليلة الأستاذة انتصار العقيل، صاحبة اللمسة الرومانسية، والمواقف الفكرية والإنسانية، بأسلوبها ولغتها السلسة، وما تحمله أعمالها من قيمة أدبية ومكامن إبداعية متوهجة، فأهلاً ومرحباً بها بين محبيها وعاشقي كلماتها المجنحة، وإبداعاتها المتعددة، سؤال لك ضيفتنا الكريمة، الناقدة الأردنية "ميساء الخواجة" ذكرت في حوار صحفي أن الرواية السعودية النسائية خرقت التابو لا سيما بعد عام ألفين وخمسة، وصدور رواية "بنات الرياض"، وأن هذا الأمر كان نابعاً من متغيرات ثقافية واجتماعية، ومن محاولة عدد من الروائيات طرق المسكوت عنه، وإعادة صياغة هرم العلاقات الاجتماعية والثقافية، ما تعليقك على هذه المقولة؟ وهل ترين أن الحركة النقدية في العالم العربي تفتقد إلى المصداقية؟ شكراً لكم.
الأستاذة انتصار العقيل: حققت رواية "بنات الرياض" الكثير من الشهرة، بسبب الاسم أولاً، هذا هو الاسم الذي كان يتكلم عليه الدكتور عبدالله مناع، وقد عبّرت الكاتبة في رواية "بنات من الرياض"، بل "بنات الرياض"، عن أفكار طرحتها من خلال المحادثات الالكترونية التي كتبتها –أنا للأمانة قرأت نصفها ثم توقفت، لأن الحبكة مفقودة، فلم أكملها، وجدت أن واحدة من الشخصيات تريد أن تؤجل فرحها،- هذا الذي أتذكره، لأنني لست ناقدة، بل قارئة فقط، قبل أن أكون كاتبة، تريد أن تؤجل زواجها، فماذا تفعل؟ تسلم نفسها لخطيبها، أما الخطيب ثاني يوم فيقول لها مع السلامة، يعني ما هي الحلول؟ يا لهذه المرأة المتعلمة! لِمَ لا تعبّر وتقول تريد أكمل بعد ما غَلّفَت الاختبارات، أي تخلق حبكة، أو أي شيء. أنا عندما أريد التكلم على شخصيات معاقة ثم أتحدث عن المرأة السعودية فإن قصصي تنتقل إلى العالم، طبعاً المجتمع العالمي لا أكذب عليكم في شوق إلى أن يعرف المزيد عن هذا البلد المغلق، كأنه الصندوق الأسود، يريد أن يعرف ما في داخله، فطبعاً بعض الكاتبات أظهرن الحقيقة، وبعضهن من دون أسماء، وعلى الرغم من ذلك حققن شهرة ومبيعاً عالياً، فهل هذا هو مجتمعنا؟ كان هناك انتقاد قوي على كتابات المرأة السعودية، خصوصاً أنها كسرت التابو، أي تابو هذا الذي نكسره؟ أي كشف للمستور! نكشف عن الفساد، نكشف عن الفقر، عن آلام المجتمع، عن أشياء عديدة، ما شأني في الدخول إلى غرف النوم! ليست هذه هي القضية التي أريد معالجتها. لقد قرأت كتباً عالمية من " ألبرتو مورافيا" وغيره ولا يمكن أن أنساها أبداً بالإضافة إلى الأدب الياباني، الذي يدخل في قضايا جسدية مرعبة، وهموم شخصية مثلاً طفل يخرج مشوهاً، والأب يذعر، ويصعق، ولا يقترب، يشعر أن زوجته في رحمها مارد، وشيطان، فلا يقترب منها، مأساة إنسانية. كما قد يتحدثون عن "هيروشيما"، التي لا ترى الجسد، كذلك مثلاً "الخبز الحافي" لمحمد شكري، ترى الفضيلة من خلال الرذيلة، ناس متمكنون من الكتابة، يقول "ألبرتو مورافيا" في "أنا وهو" كل قدرة عندك لا تمتلكها هي تمتلكك فذلك يعني أنك في داهية، إن كانت قدرات مالية، أو كانت فكرية، أو جسدية كما في رواية "أنا وهو"، إلى أن يأتي في نهاية الرواية ويسيطر عليها، إذاً أي قدرة يجب أن تسيطر عليها، كلهم كتّاب عالميون، "مسك الغزال" لحنان الشيخ كتبت عن السحاق، وهناك من كتبوا في علم النفس،هؤلاء يكتبون بعقولهم، لنقرأهم بعقلنا، هؤلاء الذين ظهروا حالياً يكتبون وفق نصفهم السفلي، ويقرؤهم من يريد نصفه السفلي، فهذه هي قضية الكتابة. أرجو من الله أن يخرجنا من هذا النوع من الكتابات، التي ليست عالمية، المهم أن تحاكي المجتمع قبل العالمية.
الأستاذة نازك الإمام: سؤال من قسم السيدات، الدكتورة مها الخضراء، بكالوريوس سياسة واقتصاد، فلتتفضلي.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، كم أحتاج إلى شكر الكاتبة القديرة المعروفة، السيدة انتصار عقيل، على كلامها، ووعيها، للنساء، وللسيدات السعوديات، ولبقية النساء من بعض الدول، وأشكرها على حضورها هذه الأمسية، وأنا كامرأة أتمنى أن تنهج الكثيرات من النساء نهجك الجميل، وشكراً.
الأستاذة انتصار العقيل: ألف شكر لك، الحقيقة تعرفت بالأخت مها، عندما كنا ذاهبتين إلى دبي، فأنا من النوع التي لا أستطيع أن أخرج إلا برفقة صديق سفر، يومها قعدت مباشرة أنا وإياها بعدما اتصلت بها. في الحقيقة العلاقات الإنسانية رائعة، كما التعارف على بعضنا، والابتسام في وجه بعضنا، هذه هي الثروة الحقيقية.
الأستاذة نازك الإمام: السؤال من قسم الرجال، من الأستاذ محمد بن حبيب علوي، عضو النادي الأدبي بجدة وعضو اتحاد كتاب مصر، فليتفضل.
مدينة جدة صاحبة الثوب القشيب الباهر والجو اللطيف الساحر، حباها الله بالحظ الوفير، فبالإضافة إلى منظرها الخلاب ورونقها الخلاق، تضم في أحد أركانها كرنفالاً سامقاً أدبياً مساء كل يوم اثنين، يكاد يكون منفرداً في عطائه الأدبي، ليس على مستوى الشرق الأوسط، بل والعالم أيضاً. أقيم هذا الكرنفال خصيصاً لتكريم أصحاب القامات الأدبية الشاهقة، وها هو يكرم هذه الليلة إحدى هذه القامات المميزة، إنها صاحبة أرقى روايات للدراما الأدبية المشوقة، التي تعج بها أرف مكتباتنا السعودية، بل والعالمية أيضاً، إنها الأستاذة انتصار العقيل، التي تذكرنا رواياتها بروايات الروائي المصري الشهير مصطفى لطفي المنفلوطي، صاحب "النظرات" و"العبرات"، و"تحت ظلال الزيزفون"، و"في سبيل التاج" و"الشاعر" وغيرها، والسؤال الذي يبحث عن إجابة، لماذا لا نرى أحداث هذه الروايات الممتعة لهذه الأديبة المميزة السعودية، على شاشات تلفزيوناتنا السعودية؟ أليس مثل هذه الروايات التي تحمل في طياتها مقومات المتعة الروائية كلها، أجدى وأنفع من المسلسلات التركية التي تعج بها برامجنا، والتي تحمل في طياتها ما يضر ولا ينفع؟ نأمل من أديبتنا الكريمة الإجابة عن هذا السؤال، داعين من الله لها مزيداً من التألق والسلام عليكم.
الأستاذة انتصار العقيل: والله شكراً لك، أتمنى أن تتحول "غزيل" إلى فيلم، لأنها مؤلمة جداً، و"غزيل" جزء مني، دعوني أعطيكم فكرة، كنت في جمعية النهضة، وطلب منا أن ننظف بيت طلبة وزارة الشؤون، وذهبت أنا وصديقة لي. نزلنا وطرقنا الباب،"غزيل" رفضت أن تفتح، طرقناه مرة ثانية وثالثة، وأنا لأمر يريده الله أصررت على الدخول، كانت "الطرّادية"، وهي منطقة مرعبة في الرياض، فدخلت، وسمعت مزلاج الباب يفتح بصوت غريب بسبب الوسخ، فتحت امرأة تحمل أربع بنات، إحداهن على كتفها، وثلاث من حولها، ربما كانوا ما بين خمس بنات أو ثلاث، فقالت: " من"؟ قلت لها: " نحن جمعية النهضة". قالت: "لا، لا أنا لا أعمل عندكم مديرة، وأنا مشغولة". نظرت إلى البيت، وأقسم بالله أنه لا يوصف، مثل أفلام البؤساء، الأرض كلها أوساخ، وقاذورات، فدست عليها ودخلت، وقالت لي: "أنا مشغولة بالغسل والكوي". قلت لها :" ماذا تغسلين وتكوين"؟ فتحت لي دولاب، فنزل من الدولاب ثياب بالية ووسخة، وقالت لي: " هل رأيت أنني مشغولة"؟ نظرت لها وعرفت أن المرأة فاقدة العقل. ذهبت إلى الشؤون، وقلت لهم: "هذه التي أرسلتوني إليها هي كذا وكذا...، عندها أربع بنات صغار". قالوا:" لا يمكننا إحضارها إلى هنا، لأن فلان زوجها، ولا يمكن للإمارة أن تدخل". قلت يا طويلة العمر، كانت الأميرة "سارة بنت محمد"، تنقذ ما يمكن إنقاذه، عندها أربع فتيات سينتهي مستقبلهن، يجب أن تساعدهن، فعلاً كانت رواية جداً مؤلمة، وبالفعل تحركت الإمارة وأخذتها. لذلك أقول النخبة حين تتحرك، فالإمارة كلها تتحرك والعمدة أيضاً. لقد تمكنّا من أخذها، واستطعنا أن نأخذها من بيتها، وذهبت إلى الطائف، وعولجت، طبعاً فقدت رشدها تماماً، بينما بناتها تبنتهم جمعية النهضة، وهي جمعية لها فضل كبير عليّ، فيها مجموعة من السيدات العاملات بقلب، "سارة الفيصل"، مع حفظ الألقاب، "موضة بنت خالد" "ست مظفر" "زبيدة موصلي" و"سامية حركان" كلنا كنا نعمل كخلية نحل، وأنا من بينهم نظراً إلى حبي لعمل الخير، وأنا لو أكتب فقط ذكرياتي مع جمعية النهضة فلن تنتهي، فهو صرح مهم للعمل الخيري. إذاً القصة التي حدثتكم عنها، كانت مأساة عظيمة، إنها قصة مؤلمة لكن أجمل ما فيها النهاية فقد وجدت "غزيل" تجلس بجانب أبنائها -وقد ضاعت الذاكرة عندما أحضروها إلى الجمعية- أتت ومعها بيض مسلوق، من دار العجزة – هي كل ما تذكره من أمومتها– أخذت تأكلهم وانتهينا. وقد تعبت حتى كتبت تلك القصة، ولكن بينما كنت في لبنان، فجأة شعرت بنفسي أقول: "أأخبر رب السموات والأرض وملائكته أن الليلة ستولد مأساة فوق سطح البسيطة؟ أأسترق البرق والرعد ما قاله رب السموات لملائكته؟ فعاد البرق إلى مملكته، وعاد الرعد، هذا يبرق وهذا يزأر، والثاني يشعل مشاعل، إلى أن انتشر الخبر، في السماء فهطلت دموعاً". اليوم مولد "غزيل"، و"غزيل" فعلاً قصة مأساة فظيعة، استطعت أن أقوم من خلالها بحبك قصة.
إنما المسلسلات التركية، أرجوك يا أخ لا تتكلم عليها لأنها تعجبني خصوصاً حريم السلطان، فأرجوك لقد تعلمت منه كثيراً.
سؤال من قسم السيدات، الأخت سلوى عطار من إذاعة جدة، فلتتفضلي.
مساء الخير، أولاً قبل السؤال أحب أن أهنئ الأستاذة انتصار العقيل على هذا التكريم، فهي تستحقه وأكثر، وأنا في الحقيقة لست مع من يقول أو من يطلب أن تقلل الأستاذة انتصار العقيل من إنتاجها الفكري، مقابل أن يكون هناك قيمة أكبر لما تكتبه، فمن وجهة نظري أرى أن الإنتاج الغزير أو الإنتاج الفكري للأستاذة انتصار العقيل هو إنتاج صادق، يلامس القلب، إنتاج فيه الكثير من الوقائع، التي تطرح قضايا ساخنة جداً، ترفع الستار عن الكثير الكثير من العذاب والظلم، لكثير من فئات المجتمع، سؤالي للأستاذة والأخت العزيزة الفاضلة انتصار -إن شاء الله دائماً يكون لك من اسمك نصيب- أريد أن أعرف ما هو أكبر انتصار في حياة الأستاذة على المستوى الشخصي؟
الأستاذة انتصار العقيل: قبل أن أكون كاتبة، وقبل هذا كله أنا أم، وأجمل ما في حياتي، أن في قلبي أربع خانات، خانة لمنصور، خانة لسمر، خانة لسارة، خانة لماجد، وأربعة أبناء، وما شاء الله خانة سارة -ألف مبارك لها- صار معها زوجها سامر، وأحفادي الأربعة الذين أعشقهم وهم: عبد الملك، ريان، غزل، دلال، وماجد ابني ما شاء الله، صار عنده زوجته ولاء عطاس، وابنهما عبد العزيز، وإن شاء الله ستزيد خانات سمر ومنصور، هذا أهم انتصار في حياتي، حقيقة أبنائي، وأتمنى أن يفرح كل واحد بأبنائه، هذه هي، أحلى رسالة.
الأستاذة نازك الإمام: سؤال من قسم الرجال، الأستاذ "محمد توفيق بلو"، أمين عام جمعية إبصار الخيرية، فليتفضل.
السلام عليكم ورحمة الله، سؤالي باختصار جداً، التمست في اسم روايتك "شروخ في بؤبؤ العين" كمن يغوص للبحث عن ضوء وإشراقة في عمق المحيط، فما هو سر هذه التسمية؟ وهل مجموعة القصص التي احتوتها تلك الرواية كان هو البحث عن ضوء في أنفاق المجتمع المظلمة؟ وأخيراً من هم أهم شخصيات تأثرتِ بهم فكرياً وأدبياً في مسيرتك الأدبية؟ وشكراً.
الأستاذة انتصار العقيل: أعتقد أنك تريد من السؤال أن تعرف، أن "شروخ في بؤبؤ العين" هي رواية كتبت عن علاقة زوج، حياته مستقرة وسعيدة، لكنه يقع –من خلال الهاتف- في عشق امرأة، ويتقابل معها ويجدها امرأة ليست كما يتمنى. جميلة الرواية، لكنني لم أعد أذكرها، في النهاية الحب كان أقوى، وقبل أن يتزوجها، وجدت حكاية المسيار، فتزوجها زواج مسيار، ولكن مع الأسرة نسي هذا الرجل الحب الذي..، وهي كانت كلها عطاء، في نهاية الرواية – لأنها طويلة جداً لن أذكرها – كان هناك شروخ في بؤبؤ عين الزوجة، والحبيبة، كلتاهما عانتا شروخاً في بؤبؤ العين، هو ترك الحبيبة عندما عاد إلى الزوجة، التي كانت تعلم أنه كان على علاقة بأخرى – من دون أن تواجهه أو تصارحه- فشروخ في بؤبؤ عين تعانيها كثير من النساء، عندما تتفاجأ امرأة بأنها لا تعرف حقيقة زوجها، ويخادعها، فهذه هي الشروخ، طبعاً "شروخ في بؤبؤ العين" فيها كثير من القصص القصيرة الجميلة أتذكرها، إذ فيه أكثر من عشرين قصة قصيرة، لكن من أثر فيّ؟ بلا شك الإنسان إذا كان عنده موهبة فطرية، فقرون الاستشعار تبقى أربع وعشرين ساعة في عمل مستمر، من يقابل، ماذا يفعل، في كأس الماء هذا السلسبيل الذي أشرب منه، فنجان القهوة، الأشخاص، كل من يمر على حياتي ترك لي سواء كان سالباً، أو موجباً أثراً في نفسي، والله لهم الفضل، طبعاً هناك مميزون، لا أخفي جلساتي مع الأستاذ "عبدالله عبدالجبار"، الذي كان بحق يجبر الجبار فهو جابر الخواطر، والرائع أني مررت في فترة صعبة لا أخفي عليكم، كنت وحيدة في صراع "قد نختلف"، وحين زاد السعار الفكري حولي، كان هو الرجل العظيم الذي أذهب إليه، ولأكون صادقة، كان الفضل أيضاً بعد الله للأخ "محمد سعيد طيب" الذي عرفني عليه، يعني صارت الصداقة بيني وبين "عبدالله عبد الجبار" على الرغم من أنهم حاولوا أن يقولوا له لا "لانتصار" فهي تحارب الفكر، فحارب هذه الكاتبة، لكنه طلب مني إرسال الكتاب. وعندما رآه قال لي: "هذا الكتاب صاحبته تعذّر". حتى لم أكن أعرف معنى كلمة تعذّر، قلت له: "ماذا عنيت بكلمة تعذّر"؟ قال لي: "أتت بما لم يأتِ به أحد قبلها". قلت له: "حسناً، خير". المهم، لما زادت علي التكتلات والفاكسات، وأشياء أخرى. قال لي: "ما بال خصومك يبصقون على أنفسهم يا "انتصار"!، قلت له : "لأنها كتابة كانت شرسة". فأنا عندما قال لي ذلك أعجبت كثيرا بهذا التعبير الذي لا يمكن لأحد غيره أن يقوله، فقد كان "عبد الله عبد الجبار" الأب الروحي لي، يعني كتب "موانئ بلا أرصفة" رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، كانت رحلة مميزة، لم يقل أنا مبدعة لا، لا، هذا رجل يخاف على كلمته، استبشر بي خيراً، وهناك فرق بين أن تستبشر خيراً بالإنسان وتقول مبدعة، الآن كلمة مبدعة ما شاء الله عليكم أنتم الرجال توزعونها، لكل من يستحقها أو لا يستحقها. بينما المبدع هو الذي يأتي بجديد، وأنا بعيدة عن هذا الإبداع، وقلة فقط من يحركونه ويغيرون الفكر، نحن مجتهدون، (وكما قالت والدتي: "زين عبدالله فراش"، أبي "عبدالله"، الله يرحمه، وأمي "مريم"، وناس في أسرتي) أمي مريم كتبت فيها حين توفت رثاء "جلوس في حضرة ملاك الموت"، كان رثاءً جميلاً، تألمت كثيراً، مر شهران قاسيان عليّ وأنا أجالسها.
هناك أناس يتركون أثراً كبيراً فيك، لا يعدون ولا يحصون، ولكن حتى أنتم ما شاء الله اليوم تركتم أثراً كثيراً في قلبي، وفي فكري، والله لو أكتب من الغد إلى المستقبل عن أثركم فيّ لن أكتفي. شكراً.
 
الأستاذة نازك الإمام: الوقت ذهب معنا اليوم، أستاذة "انتصار".
الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه: أحب أن أعتذر منك أستاذة "انتصار" لأنه لدي الكثير من الأسئلة كما ترين، كما أحب أن أعتذر من الإخوة أيضاً الذين طرحوا أسئلتهم ولم يسعفنا الوقت، على الرغم من أننا مدّدناه، من الساعة الحادية عشرة إلى الحادية عشرة والنصف على غير العادة، لكن مع الأسف لم تسعفني هذه الدقائق لأن أطرح الأسئلة الأخرى، في الجانب النسائي بالتأكيد هناك أسئلة مماثلة، فالعذر من الجميع، غير أنني أعد أن أحيل هذه الأسئلة إلى الضيفة الكريمة، فأرجو من القسم النسائي أيضاً أن يقدّمن الأسئلة، لأحيلها للأستاذة "انتصار" العقيل للتواصل معها وأخذ أجوبتها على الأسئلة، وتتعهد "الاثنينية" في طباعتها في كتابها، كأسئلة لم نستطع أن نوجهها وجهاً لوجه، فأنا أشكرها كل الشكر على ما أمتعتنا به في الأمسية، وعلى أسئلتكم القيمة، وإن شاء الله نلتقي بها في مناسبة أخرى تثري "الاثنينية" كما قامت به الليلة، فلها كل التقدير والاحترام، ولكم كل تقدير، تفضلي أستاذة "نازك".
((الأسئلة التي أجابت عليها الأستاذة انتصار كتابيا))
الأستاذة نازك الإمام: السؤال من قسم الرجال، من الأستاذ منصور الفقيري، مدير معهد.
ما هي حقوق المرأة السعودية وهل استوفت حقوقها أم ما زال لديها الكثير؟
الأستاذة انتصار العقيل: أخبرني أنت ما هي حقوقك كإنسان وليس كرجل.. أخبرك ما هي حقوق المرأة..؟؟؟
حقوق المرأة هي حقوق الإنسان.. هو حق واحد يطالب به كل انسان.. "السعادة" تحت هذا الحق تندرج كل الحقوق التي تخطر على بالك.. مثلاً: حرية الرأي والقرار.. العلم والعمل.. الأمن والأمان وتأمين العلاج الصحي والمسكن.. الوصايا والولاية على النفس من النفس وليس من الغير..
لا أطالب بالمساواة بل بالقدرات.. الانسان المناسب في المكان المناسب سواء كان امرأة أو رجلاً.
الأستاذة نازك الإمام: السؤال من قسم الرجال، من الأستاذ محمد فاضل عبد اللطيف، شاعر وروائي.
هل ترين أن الرواية النسوية السعودية استطاعت الخروج من همها الخاص وقضايا المرأة إلى تعاطي القضايا العامة للمجتمع بشكل طبيعي أم ظلت حبيسة الخطاب النسوي؟
الأستاذة انتصار العقيل: استعين بصديق.. وأحول السؤال للدكتورة لمياء باعشن بما أنها ناقدة ومتابعة للرواية النسوية السعودية.
الأستاذة نازك الإمام: السؤال من قسم الرجال، من الأستاذ محمد أبو نواس، استشاري جراحة عظام.
أين الطفولة من كتاباتك؟
الأستاذة انتصار العقيل: أنا لم (أكتبني) فقط كطفلة بل كتبتني أيضاً كجنين في رحم أمي.. أنا ولدت من رحم الأحزان والحبل السري الذي تغذيت منه كان غذاؤه ألم وقهر امرأة شابة انفصل عنها زوجها ليتزوج بامرأة أخري.. فكتبت "الأحزان في مخاضها لا تلد سوى أحزان" طفولتي في كثير من كتاباتي.. دونتها على الورق فشفيت من أوجاعها.
الأستاذة نازك الإمام: السؤال من قسم الرجال، من الأستاذ عبد الحميد الدرهلي، مدير عام وزارة التخطيط.
إلى أين نحن وأدبنا من أدباء وأديبات ماضون في هذه الحقبة التاريخية الصعبة.. والمتمتع بحريته وبحرية التعبير يغزونا من كل الاتجاهات؟
الأستاذة انتصار العقيل: لا نستطيع أن ننكر أننا الآن نحن أيضاً نتمتع بحرية تعبير الكارثة ليس في مساحة الحرية فهي واسعة.. بل في أنه لا حياة لمن تنادي.. وهذا هو سبب الثورات العربية التي أجتاحت المنطقة.. المواطن يصيح ويولول بأعلى صوته والمسؤول غارق في عسل السلطة.
الأستاذة نازك الإمام: السؤال من قسم الرجال، من الأستاذ إبراهيم أصلان، مهندس.
هل ترغبين بتحويل رواية غزيل لعمل درامي على شكل مسلسل تلفزيوني مدته ثلاثون حلقة؟
الأستاذة انتصار العقيل: إن شاء الله.. هذا ما أتمناه..كما يقول أخوتنا في لبنان:
"إيدي في زنارك".
الأستاذة نازك الإمام: السؤال من قسم الرجال، من الأستاذ عبد المجيد الزهراء، باحث في الأدب والاجتماع.
هل تعتقدين أن مجتمعاتنا العربية اليوم بحاجة إلى أنسنة الإنسان؟
الأستاذة انتصار العقيل: طبعاً العالم بأسره بحاجة أن نأنسن ناسه,, العالم تحول لغابة القوي يقتل الضعيف.. الغني يسرق الفقير.. المتعلم يستغل الجاهل.. قوي البنية يستعمل اعضاء ضغيف البنية كقطع غيار له.
أوه.. أصبحنا وحوش في هيئة بشر,, شاهد أو أسمع أو أقرأ أخبار العالم لتتأكد كم نحن بحاجة لأنسنة الإنسان.
الأستاذة نازك الإمام: السؤال من قسم الرجال، من الأستاذ خضر سعد، موظف بالقنصلية اللبنانية.
ما هو السبيل إلى إصلاح البشرية؟
الأستاذة انتصار العقيل: إصلاح البشرية أمر محال.. فمنذ البدء،منذ هبوط أدم وحواء من السماء إلى الأرض والبشر في صراع.. وكانت الصراعات أشد وأقوى وبشكل همجي وبربري في القرون السابقة.. والآن ونحن في ذروة الحضارة الإنسانية من المؤسف رغم كل ما حقق الانسان من قفزات علمية في شتى العلوم.. ورغم وعيه بما له وما للآخرين من حقوق.. وما عليه وما على الآخرين من واجبات..أي حدود الجميع واضحة لكن الصراع ما زال قائما بين البشر.. اصلاح البشرية لن يكون الا باصلاح الفرد.. يا حبذا لو كل انسان يعرف ماله وما لغيره، فلا يطمع ولا يتعدى على ما ليس له.. الجشع، الطمع، السلطة والتسلط هذه البذور الشيطانية في نفوس البشر هي سبب ما نعاني منه من حروب ودمار.. ولا سبيل للأصلاح وهي متفشية في النفوس الحضارة سلم.. والحروب دمار.
الأستاذة نازك الإمام: السؤال من قسم الرجال، من الأستاذ أحمد دهب، صحفي.
- هل كتاباتك التي تناولت بعض القضايا الاجتماعية أسهمت في حل هذه القضايا أم كانت مثل الحرث في البحر؟؟
الأستاذة انتصار العقيل: مؤكد أنها ما كانت مثل الحرث في البحر.. بل متأكدة أنا وغيري من الكتاب الأفاضل نساءً ورجالاً كتاباتنا كانت كالنقش على الحجر.
الأستاذة نازك الإمام: السؤال من الأستاذة علياء زهراء، طالبة جامعية.
من أين تستلهمين أفكار كتاباتك وهل للواقع صلة بتلك الأفكار أم أنك تمزجين بين الواقع والخيال؟
الأستاذة انتصار العقيل: الواقع فيه قصص وحكايات تصعق أكثر من الخيال.. وفي حواري الطويل هذا أجبت من أين استلهم أفكار كتاباتي.
كتاباتي مكرمة إلاهية ليس مثلها مكرمة.
 
 
طباعة
 القراءات :465  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 171 من 216
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الثالث - النثر - مع الحياة ومنها: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج