شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الأستاذ علي بن عبد الله أبو الريش))
بسم الله الرحمن الرحيم، الأخوة الحضور، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بدايةً يطيب لي أن أزف الشكر الجزيل إلى مؤسسة "الاثنينية" لأنها أنارت سماءنا بأقمار ثقافية لا تغشيها غيمة ولا توقفها نجمة، يسعدني أن أزف الشكر لهذه المؤسسة لأنها جمعتني بكوكبة من علماء ومفكرين ومثقفين، ما كان لي أن أجد مكاناً في هذا الوسط الرائع إلا بهذه الدعوة الكريمة، لذلك أتمنى علينا جميعاً أن نبدأ حوارنا بالرواية، فالرواية هي الحكاية، وهي الغواية، وهي الوشاية، هي البرلمان الإنساني الحقيقي الذي فتح الحوار وأطلق آفاقه إلى السماوات العلا، نستطيع من خلال الرواية أن نؤكد ذاتنا وأن نبني وجودنا على أساس حواري رائع لا ضغينة فيه ولا سكينة، في الحقيقة استطاعت الرواية من خلال فرد أجنحتها أن تحقق ذاتاً عربية هي في الأساس محاصرة ببراثن موروث عتيق ورث، واستطاعت الرواية أن تفتح أشرعتها لكي ترفد الواقع الإنساني بشكل عام بأنهار عذبة وأن تنير سماوات الدنيا بنجوم ساطعة.
نقول عن الحوار: سيدنا إبراهيم عليه السلام قال: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [البقرة: 260]، إبراهيم عليه السلام إنسان فتح الحوار مع رب البشرية ولم يخف ولم يرتعش وإنما يعرف أن هناك كائناً خالقاً خلق البشرية ولديه متسع من الصدر والزمان والمكان بأن يطلق الحوار بلا ريبة ولا مرية.
نحن الآن نخاف ونخشى من الفضاءات ونرتعش من الأخبار التي تأتينا من الشرق أو الغرب، أقول بكل صراحة: يجب ألا نخاف، ويجب ألا نرتعش ويجب ألا نرتجف؛ لأننا أمة تملك تراث ثقافي عريق قادر على المواجهة، فقط إذا استطعنا أن نفتح الحوار، وإذا استطعنا أن نحترم هذا العقل لأننا لسنا أمة (طفلة)، وإنما نحن أمة ناضجة قادرة على المقارعة والمواجهة والمجازفة أيضاً في مواجهة الآخرين، ليس بالسلاح الدموي، وإنما بالعقل، وإنما بالسلام، وإنما بالوئام، وإنما بالانسجام، وإنما ببسط جناح الرحمة على جميع الآنام، نحن في الحقيقة يجب أن نعترف أن خوفنا هو الذي جعلنا نتقهقر عشرات السنين، وأن ريبتنا هي التي جعلتنا نتراجع مئات السنين.
أقول لكم أعزائي الكرام: هناك فيلسوف فرنسي اسمه (أبيلار) في القرن الثالث عشر الميلادي ألَّف كتاباً بعنوان "حوار بين ملحد ومسيحي ويهودي"، وقد وجد هذا الفيلسوف أن ليس هناك أي خلاف في القواسم المشتركة الأساسية، نحن نختلف مع الآخر في التفاصيل، ونتشبث بهذه التفاصيل على الرغم من أننا قادرون على أن نحوي الأديان كلّها والفلسفات كلّها، لأننا نملك دستوراً هو خاتم الأنبياء، هو الدين الإسلامي، هو هذا القرآن الذي فيه المعاني الفلسفية والاجتماعية والنفسية وما إلى ذلك، ولكن أريد أن أقص عليكم قصة بسيطة لفيلسوف وعالِم نفس اسمه (سيجموند فرويد) أعتقد أنّ غالب الإخوان يعرفونه، كان هذا الشخص في يوم من الأيام يجلس في مكتبه ومعه البحوث والأقلام والأوراق والمحابر دخلت عليه ابنته واسمها (أنا) فطبعاً عادة المرأة لا تحب أن ترى تراكم أوراق أو بعثرة أقلام أو كذا.. دائماً المرأة بطبيعتها تحب النظام، فاعترضت على والدها وطالبته أن يرتب الأوراق، فطبعاً هو بعزة نفس رفض هذا الرأي واستمر وبهفوة وبزلة يد استطاع أن يقذف بالمحبرة لتسيئ إلى كل ما قدمه من بحوث، اكتشف هذا الفيلسوف وعالم النفس معنى اللاشعور ومعنى دور العقل الباطن في نفسية الإنسان وكيف تفعل وكيف تعمل وكيف تؤدي دورها بسرية كاملة وبقوة خارقة. نحن الآن حقيقةً نعيش هذه المرحلة، هناك عقلان: العقل الواقعي والعقل الباطني، عقلنا الباطني لم يزل يحتفظ بموروث قديم عتيق والعقل الواقعي يريد أن يقفز مراحل قد تؤدي أو قد تودي بحياة كل من يريد أن يقفز، يجب أن نتأنى ويجب أن نتمهل ويجب أن نقف خطوة بعد خطوة، ويجب أن نعرف أن الإنسان لا يمكن أن يوقف عقارب الزمن، الزمن يمضي والأيام تسري ولكن في بعض العقول يحبب إليها الوقوف عند خطة ما ونقطة ما.. لماذا؟ لتؤدي دور العقل الباطن الذي لا يريد إلا أن يحقق الفطرة فقط، ونحن كبشر نملك العقل والفطرة وإلا لما اختلفنا عن الكائنات الأخرى: وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ [النحل: 68]، لماذا؟ لأننا نملك العقل، وإذا كان هناك عقل فيجب أن تكون هناك حرية، وإذا كانت هناك حرية لا تقوم الحرية إلا بالحوار، يجب ألا نتوقف عن الحوار، يجب ألا نتوقف عن أننا بشر.. نحن أمة من المحيط إلى الخليج، من حقنا أن نستمر في هذه الحضارة العريقة التي امتدت إلى أوروبا لما كانت أوروبا يطلق عليها (البرابرة)، أوروبا الشرقية من أثينا وروما كانوا يطلقون على أوروبا الغربية (بالبرابرة) لماذا؟ لأن العرب هم الذين فسروا وشرحوا لهم فلسفة المعلم الأول (أرسطو)، على يد فيلسوفنا الكبير (ابن رشد)، ولذلك سماه دانتي شاعر إيطاليا الكبير ما أعظمه شارحاً عن ابن رشد، لماذا؟ نحن نملك هذا التراث ونملك هذا العلم ونملك هذه القوة ولكن هناك بيننا أناساً متخوفين ومرتعشين وهذه هي مأساتنا.
هناك قصة لأكاديمي من جامعة (طوكيو) راح يريد أن يتعلم كيف يتعلم البوذية، فدخل على شيخ البوذييين واستضافه ولما جلس في مجلسه أراد البوذي أن يضيّف ضيفه الدكتور أو الأكاديمي من جامعة (طوكيو) فسكب له الشاي وظل يسكب ويسكب حتى فاض الشاي ولما صرخ الرجل قال لقد فاض الشاي، قال له: أنا لا أريد أن أملأ الجزء الفارغ، أنا لا أريد أن أملأ الجزء الملآن أنا أملأ الجزء الفارغ، أنت جئتني بأفكار مسبقة فكيف تستطيع أن تتعلم؟ نحن يجب ألا نذهب إلى الآخر بأفكار مسبقة وكما قال فولتير: "الأفكار المسبقة مفسدة للعقل"، نحن بحاجة إلى الطلاقة، نحن بحاجة إلى أن نحدق إلى هذه السماء العالية وننظر كيف خُلقت هذه السماء وهذه النجوم وهذه الأقمار؟ لم تخلق عبثاً، إنما لتُجرب ولتدرب العقل الإنساني كيف يُبدع وكيف يخلق، هذا هو عمل الرواية، الرواية هو عمل إنساني لا يخشى لومة لائم في قول الحقيقة لأنه يتعامل مع شخوص يخلقهم الروائي كما يشاء وثم يسكبهم على الواقع كما يشاء أيضاً.
طبعاً لا أريد إخواني أن أطيل عليكم، ولكن سأتحدث عن إحدى الروايات، التي هي رواية "امرأة استثنائية"، هذه الرواية تدور بين شخصين، رجل وامرأة، جوعان وسعاد، هذا الجوعان خرج من بيئة تفتقر إلى تكوين الذات، بيئة لاءاتها متضخمة جداً، كما نحن الآن في بعض واقعنا العربي، - نحن لدينا طفل طبعاً في اليوم مئات اللاءات نطلقها عليه حتى تتضخم هذه اللاءات فتصبح ذاتاً أخرى متورمة ومتضخمة ومتفاقمة أيضاً، هذا الجوعان أراد أن يخرج من هذه الشرنقة الضيقة وأن يؤكد ذاته، انطلق من قرية اسمها (الرمس) إلى العاصمة (أبو ظبي)، وصل إلى هذا المكان الفسيح الواسع الشاسع، العاصمة المزدحمة بالشوارع الواسعة، بالأبراج، بالناس، بالوجوه المختلفة، حاول أن يتكيف مع هذه البيئة، حاول أن يقدم ذاته كإنسان جاء لبنة جديدة خارجة من شرنقة ضيقة والتقى بفتاة من لبنان الحبيبة، وحاول أن يعمل صحفيّاً، وبالفعل ثابر الرجل وبادر حتى استطاع أن يحقق جزءاً من مطالبه الإنسانية، بفضل من؟ بفضل هذه الفتاة، ولكن تخرج معضلة أخرى هي مسألة الحب، السؤال هنا طبعاً الرواية لا تصلح إجابات وإنما تصلح أسئلة، السؤال هنا في هذه الرواية: هل الحب هو خدعة بصرية أم واقع؟ وظل يلهث كاتب هذه الرواية حتى الخاتمة ولكنه لن يستطيع أن يؤكد ما قيمة هذا الحب؟ وما شيمة هذا الحب؟ هل هو فعلاً حقيقة واقعة أم خدعة بصرية؟ وهناك مثل لمثلث الرعب الإنساني الذي يُطبق عليه: الحب، التعلق، الحرية. مشكلتنا في واقعنا الإنساني هي مشكلتنا مع التعلق، إن أحببنا تعلقنا وإن كرهنا تعلقنا، الحب لا يستثني شيئاً عندنا سواءً إن أحببت امرأة أو أحببت، فنحن التعلق عندنا معضلة كبرى، وبالتالي نصل إلى طريق مسدود لا نستطيع أن نحقق ذاتنا من خلال هذا التعلق، ومضت الرواية حتى وصلت إلى نتيجة مفتوحة وهي أن لا سبيل إلى تعريف الحب كما هو كائن أسطوري يحلق بيننا ولكن لا نعرف مكنونه وأصله.
وأرجو أن تعذروني إذا أطلت في الحديث، وأشكركم وأشكر استماعكم والسلام عليكم.
عريف الحفل: شكراً لسعادة ضيفنا الكريم على ما حدثنا عنه وترك بقية الوقت لحواركم ونقاشكم وما تطرحونه من تساؤلات وحديث معه ولنبدأه من قسم السيدات، أنقل المايكروفون الآن للزميلة الأخت نازك الإمام للترحيب بالضيف، وليكن السؤال الأول من قسم السيدات، تفضلي.
 
طباعة
 القراءات :196  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 99 من 216
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.