شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة معالي البروفيسور أكمل الدين إحسان أوغلو))
بسم الله الرحمن الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
أصحاب المعالي والسعادة..
حضرات السيدات والسادة..
أولاً أبدأ حديثي بشكر أخي وصديقي العزيز الشيخ عبد المقصود خوجه على كرمه ولطفه الدائمَين وأُثَمِّنُ عمَله الثقافي الرَّائد عالياً، فقد تشرفت بحضور هذه ((الاثنينية)) منذ بداياتها في منتصف العقد الثامن (الثمانينيات) من القرن الماضي واليوم بعد ثلاثين عاماً أن أجلس هنا في هذا المجلس تفيض نفسي بمشاعر كثيرة وبآيات الشكر والتقدير له ولهذه المؤسسة الثقافية الفريدة التي جمعت وجوه القوم في جدة وفي المملكة العربية السعودية وفي العالم العربي والإسلامي، وأستطيع أن أقول إنني من خلال حضوري في بعض السنوات لبعض هذه الأمسيات تعرفت إلى كثير من الشخصيات الثقافية والأكاديمية في المملكة العربية السعودية، وتأسست بيني وبينها علاقات طيبة أعتز بها اعتزازاً شديداً، وبما أنني أواجه اليوم أكبر مجموعة من المثقفين والأكاديميين والصحفيين في المملكة العربية السعودية، وبما أنه لم يتبقَّ من فترة خدمتي في الأمانة العامة سوى أسابيع قليلة، فإنني أعتبر أن هذه الأمسية هي أمسية للوداع، وفي الوقت نفسه للشكر وأيضاً لنقل بعض الأفكار وبعض الآراء حول العمل الإسلامي المشترك. لكن قبل هذا كله أود هنا قبل أن أدخل في حديث تحليلي لأن من سبقني من المتحدثين -وأشكرهم جميعاً على ما تفضلوا به من كلمات معبرة وصادقة وما شملوني به من لطف وعطف وكرم قد لا أستحق الكثير منه- قد أغنَوني عن الخوض في كثير من التفاصيل إذ ذكروا العديد مما تم في هذه الفترة، لكن قبل الدخول في كل هذا أود أن أوجه الشكر إلى المملكة العربية السعودية إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وإلى ولي عهده الأمين وإلى سمو وزير الخارجية وإلى كل رجال الدولة السعودية على الدعم المتواصل، وأحب أن أؤكد بمعنى خاص أنه لولا الآفاق الواسعة التي فتحها خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز في بداية عملي وتسَلُّمي الأمانة، لما كنا وصلنا إلى بعض هذه الأشياء التي سوف أتحدث عنها بالتفصيل، لكنني أحببت أن أسجل هذا في بداية الأمر.
أحد الذين سبقوني إلى الحديث ذكر فضل الملك فيصل في إنشاء المنظمة وذكر أيضاً فضل تنكو عبد الرحمن أول أمين عام في المنظمة وأشار بشكل ذكي إلى أن الفترة التي لحقت ذلك لم تكن على المستوى المطلوب لماذا؟ هذه نقطة دقيقة لا بد من الوقوف عندها لنعرف أن هذه المنظمة قد أصيبت بثلاث آفات: أولاً لم يدرك القائمون على المنظمة أن الزمان قد تغير وأن موازين القوى الدولية اختلفت، بمعنى أن هذه المنظمة التي بادر إلى تأسيسها الملك فيصل رحمة الله عليه قد أنشأت في أعوام 69، 70، 71 الأمانة العامة والميثاق إلى آخره.. هذا كان زمان الحرب الباردة والصراع بين معسكري الشرق والغرب، والعالم الإسلامي محصور بين المعسكرين ويبحث عن أمرين: عن تأكيد هويته الإسلامية ومَلء فراغ نشأ في العالم الإسلامي لعدم وجود رابطة أو سلك يجمع الأمة الإسلامية هذا من جانب، ومن جانب آخر أن أغلب الدول الإسلامية كانت حديثة العهد بالاستقلال حينذاك وعدد كبير منها لم يكن قد استقل بعد، وفي ذلك الوقت أُنشئ العديد من المنظمات الدولية الأخرى الإقليمية فكان إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي ضرورة في ذلك الوقت لتحقيق الهدف الذي سمَّاه الملك فيصل رحمة الله عليه التضامن الإسلامي. إن تعبير التضامن الإسلامي قد ابتكره المغفور له الملك فيصل، وفكرة التضامن الإسلامي لا تزال هي الأساس الذي نعمل عليه، ولا أظن أن هذا الأساس يتبدل، إنما الأهداف والوسائل والآليات لا بد أن تختلف والاستراتيجيات لا بد أن تعدَّل من وقت إلى آخر لتواكب التطورات العالمية؛ فالذين كانوا على أمر المنظمة لم يدركوا التغيير الكبير الذي حدث في العالم، لا لِشيء سوى لأنه لم يكن هناك اهتمام كبير بالمنظمة. فالمنظمة ظهرت في عهد الصراع بين فكرة القوميَّة العربية وفكرة التضامن الإسلامي، لكن بعد انحسار تيَّار القوميَّة العربية على إثر وفاة الرئيس عبد الناصر لم يعد هناك هذا التوتر الذي كان سابقاً موجوداً، أيضاً ثمة عامل آخر في ضعف المنظمة في ذلك الوقت وهو أن مستوى تعامل الدول الأعضاء في المنظمة لم يكن على المستوى المطلوب، كان مستوى التعامل عادياً ولم يكن هناك اهتمام كبير؛ فالحضور ليس على مستوى عالٍ، وتناول المسائل لم يكن يتم على مستوى عالٍ، أما العامل الثالث فهو أن المنظمة لم يكن لها مكان في المسرح الدولي العالمي ولم يكن مطلوباً منها أن تقوم بأي دور ولم تكن موجودة في أي من التفاعلات الدولية، وظل الأمر على هذا الحال.
كما سبقت الإشارة فقد كنت بفضل الله تعالى أول أمين عام ينتخب بطريقة ديمقراطية، وقد رشحتني حكومتي (الحكومة التركية) بشرط أن يكون هناك انتخاب وألا يتم الأمر بأية صورة أخرى. وكما سبقت الإشارة فقد سارت عملية الانتخاب بشكل جيد بين ثلاثة مرشحين وكان هناك اجماع على انتخابي.
هناك نقطة أخرى وهي أنني الأمين العام الأول الذي جاء من داخل المنظمة. لقد هيَّأ لي عملي في إيرسيكا منذ ربع قرن الاتصال بالمنظمة وحضور مؤتمرات القمة. لم يكن عملاً سياسياً بالدرجة الأولى بل عمل أكاديمي، لكنني حضرت كل القمم ومؤتمرات وزارات الخارجية من قمة مكة المكرمة والطائف عام 1981 إلى عام 2004م، كما عشت الكواليس وتابعت بنفسي وتفهمت العلاقات بين الدول المختلفة وهكذا تهيأتُ لهذه الأمور. الآن بطبيعة الحال نحن نعيش في عالم متغير مختلف تماماً عن العالم الذي أنشئت فيه المنظمة. وعندما تنظر في طريق إصلاح المنظمة منذ نشأتها تجد أنها بعد عشر سنين من إنشائها أو بعد عشر سنين من إقرار الميثاق الأول الذي أشار الدكتور عشقي إليه، بدأ التفكير في إصلاح المنظمة في سنة 1981م -وقد ذكرت هذا بالتفصيل في كتابي- وكانت قرارات مجلس وزراء الخارجية لإصلاح المنظمة وظلت محاولات الإصلاح هذه إلى أن جِئت، وكتبت فيها تقارير وكبار موظفين وكبار شخصيات وإلى آخره لكنها في النهاية جاءت إلى نقطة سمَّاها البعض الـNew IS OIC.
فهل تستعصي المنظمة على الإصلاح؟ نقطة الضعف الأساسية في عملية الإصلاح أن الذين أرادوا الإصلاح قالوا "الميثاق لا يُمَس"، وكأنه نصٌّ موحىً به أو مُنزَل بينما المشكل كله كان في الميثاق، وتجدون أن كل النصوص والتقارير التي كتبت تقول مع الإبقاء على الميثاق، فكأنه وحيٌ من السماء لا يمكن أن يُمس. فأوَّل ما بدأت به كان طلب إصلاح الميثاق، والحمد لله قُوبل هذا الطلب بترحاب وتم إصلاح الميثاق وتعديله تماماً. فالميثاق السابق لم يكن قد تمت المصادقة عليه من العدد المطلوب من الدول رغم مرور 40 سنة عليه لأنه لم يكن ثمة اهتمام، فهو مجرد ميثاق قُبل في الجلسة ولم تكن هناك متابعة لعملية التوقيع والمصادقة، أما الآن فحوالى أكثر من نصف المنظمة قد صادق عليه وثُلثَي المنظمة قد وقعت عليه منذ عام 2008 إلى اليوم.
أين نعيش الآن؟ بعد سقوط حائط برلين.. بعد انتهاء الحرب الباردة.. بعد انتهاء القطبية الثنائية عشنا فترة لم تكن فيها إلا قوة واحدة دولية تسيطر على الأمور، هذا بعد التسعينيات وفي العقد الأول من القرن الواحد والعشرين. الآن هذا التحكم من طرف واحد انتهى، باعتراف كل المفكرين الأوروبيين والأمريكان ورجال الدولة الأمريكان، إذاً هنالك تغير في القوى الكونية وتحول من الغرب إلى الشرق، بمعنى أن مركز العالم وثقل العالم كان في الأطلنطي بين أوروبا وأمريكا، الآن هذا المركز يتحرك من الأطلنطي إلى آسيا، وهناك القوى الجديدة الصاعدة في آسيا وهي الهند والصين والنمور الآسيوية الأخرى. تحول الاهتمام الأمريكي من منطقة الشرق الأوسط إلى جنوب وشرق آسيا وهناك كثير من التحولات الصينية القوة الاقتصادية الثانية. لم تعد الولايات المتحدة القوة السياسية الوحيدة المسيطرة على العالم وهناك تغير في الخريطة الاستراتيجية، الآن أين موقع منظمة التعاون الإسلامي في هذا النظام الجديد؟ إلى عهدٍ قريب لم يكن لهذه المنظمة محل من الإعراب لا بد أن نعترف بهذا، الآن أصبح لها موقع، وما تفضل به معالي الأستاذ إياد في وصفه لاجتماع مجلس الأمن في 28 أكتوبر الماضي أي قبل أسبوعين، يؤكد أن منظمة التعاون الإسلامي هي المتحدث باسم العالم الإسلامي وليست فقط المتحدث باسم خمسين دولة، هي المتحدث باسم مليار وستمئة مليون مسلم وهذه هي قوة المنظمة أنها المتحدث باسم الأمة الإسلامية. عندما انتُخبت أميناً عاماً وبدأت أتكلم كنت أقول نحن أكبر منظمة دولية بعد الأمم المتحدة، كان زملائي في المنظمة يبتسمون والأستاذ مفتي أبو خالد معنا وهو يذكر ذلك جيداً، كانوا يبتسمون ويقولون "هذا الأمين العام شايف نفسه وجديد وفرحان"، الآن الكل يعترف بهذا: الأمم المتحدة، الدول الخمس الكبرى، مجلس الأمن.. الكل أصبح يعترف بأن المنظمة هي ثاني أكبر منظمة دولية بعد الأمم المتحدة، بان كي مون يقول إنها شريك استراتيجي للأمم المتحدة، مندوب الولايات المتحدة في اجتماع مجلس الأمن قال إن التعاون بين أكبر منظمتين في العالم هو ضرورة لحفظ السلام، وأشار إلى الإثنين على أنهما أكبر منظمتين في العالم. إذاً نحن وصلنا إلى هذه النقطة ويجب أن نبني على هذه النقطة لأن التحول الذي نعيشه الآن من الغرب إلى الشرق له متطلباته وله تبعاته الجيوسياسية.
الآن ما نعيشه في المنطقة يعني في سوريا وفي غير سوريا يؤكد أن هناك نظاماً دولياً جديداً ينشأ وهناك قوى جديدة تنشأ والتصرف الأُحادي غير موجود (New Relativisms In TAT & Relativisms) ويجب أن نضع أنفسنا في هذا الإطار الجديد، يجب أيضاً أن نعرف أن العالم قد تغيَّر تغيُّراً كبيراً جداً والطبقة المتوسطة تنمو بشكل كبير في كثير من دولنا الأعضاء وهذا السبب وراء ما يحدث في العالم الإسلامي، ويجب أيضاً أن نفهم أن هناك ما يسمىPolitical Awakening يعني اليقظة السياسية لدى جموع الناس بفضل وسائل الإعلام الجديدة كالتلفزيونات والفضائيات والإنترنت وما إلى ذلك، هناك awakening هناك يقظة دولية لدى جموع الناس يعني عامة الناس وليس المثقفين فحسب، فالمثقفون لديهم دائماً وسائلهم للعلم والاطلاع، لكن على مستوى عامة الناس والملايين هناك يقظة فكرية ويقظة سياسية والناس أصبحت الآن تريد أن يكون لها سهم في القرار السياسي وأن يكون لهم صوت في أمور مجتمعاتهم وآراء في الثورة وفي الثروة وفي إدارة الأمور وما إلى ذلك. إذاً كل هذا يقتضي منا جميعاً داخل منظمة التعاون الإسلامي أن يكون لدينا long term protocol vision رؤية سياسية طويلة المدى، وإني أعتقد أن الفرصة السانحة قد جاءت في خطاب خادم الحرمين في بداية عام 2005 الموجه إلى الحجيج، وكان ذلك بعد أن توليت أمانة العمل بأيام، قال إن العالم الإسلامي يواجه مشكلات التشتت والتفرق وعلينا أن نعمل من أجل جمع كلمة المسلمين، وقال إنه يدعو الرئيس عبد الله بدوي رئيس وزراء ماليزيا (باعتبار أنه كان رئيس القمة) والأمين العام فلان (وذكر اسمي بالدعوة) إلى مؤتمر قمّة استثنائي. كان هذا في رأيي شيئاً مهماً لكنه ليس خطيراً جداً، الشيء الكبير الذي حدث هو الجملة التي أردَف بها قائلاً: "وأنا أدعو وأطلب منهم (وقد طلب مني) أن يرتبوا ندوة لعلماء المسلمين قبل القمة لكي ينظروا في أمور العالم الإسلامي". كان ذلك شيئاً مبتكراً في تاريخ المنظمة، ولولا هذا الابتكار لما كان يمكن لنا أن نحقق في فترة الثماني أو التسع سنوات هذه كل الذي حققناه، لأنه وضع لنا إطاراً كبيراً جداً استطعنا من خلاله أن نضع خطة استراتيجية كبيرة متميزة. النداء الذي وجهه جلالة الملك كان نداء عاماً لكن كان فيه خصوصيات.. أنا فسرت هذه الخصوصيات بشكل معين وهو قال جمع من العلماء، فاقترحت أن يكون عدد هؤلاء حوالى مئة عالم، وأن لا يكونوا من علماء الدين فحسب -على الرغم من اقتراحي أن يكونوا من مختلف المذاهب- بل أن يكون هناك علماء اقتصاد، وعلماء سياسة متخصصون في المسائل الاستراتيجية، وعلماء في العلوم والتكنولوجيا، وعلماء اجتماع (سوسيولوجيا).. وهكذا جلست أنا وزملائي نعمل على دعوة مئة عالم من دولنا ومن خيرة علمائنا في أوروبا وفي الجامعات الأمريكية، إضافة إلى شخصيات معينة معروفة بتجربتها الطويلة، وقسمنا العمل على ثلاث لجان ومنعنا الخطب ومنعنا الأوراق وقلنا هذه (برينس بورمينج) منهجي معيَّن وعيَّنا (موديريتوس) لهذه اللجان وجمعنا كل الأفكار ونظمناها في وثيقة سميناها "استراتيجية العمل التضامني" (solidarity in action)، وتعني أن التضامن يتحقق عن طريق العمل والتنفيذ لا عن طريق الأفكار والعموميات، لأن مفهوم التضامن الإسلامي إذا كان مجرد بلاغة وتكرار للنصوص الدينية التي تحث المسلمين على التوحُّد وما إلى ذلك فلن يكون له أي تأثير، لذا لا بد أن يتحول التضامن الإسلامي إلى عملية تظهر نتائجها على الأرض وتفيد المسلم الذي يسير في شوارع بوركينا فاسو والسنغال وأوغندا في أن يعرف أن هذا المشروع الذي يكسب منه أو يستفيد منه أو أن هذه الدولة تحقق هذه الإمكانيات عن طريق التضامن الإسلامي وليس عن طريق شيء آخر، من ثم أخرجنا هذه الوثيقة وجلست أنا وزملائي وقلت لهم: لا بد أن نضع خطة عشرية، إذ لا يمكن أن نقدم وثيقة استراتيجية إلى القمة وتمر على القمة ولا نستطيع أن ننفذها، لا بد من أن يكون هناك ما نبني عليه خطة لعشر سنوات، لأن تاريخ المنظمة قد عرف خططاً استراتيجية كاستراتيجية الثقافة واستراتيجية إعلام وعلوم وتكنولوجيا، واستراتيجية تحرير القدس.. كل هذا موجود عندنا والحمد لله، ورفوف المنظمة مليئة، ونحن لا نريد أن نضيف إلى هذه الأشياء وثيقة جديدة بل علينا أن نبني خطة عمل. وبالفعل فقد كانت لدينا اقتراحات كتلك المتعلقة بعملية التنمية الاقتصادية التي لا بد أن تتم عن طريق تنمية التجارة البينية؛ فبدل أن تتاجر دولنا مع دول الطرف الآخر، لماذا لا نتاجر في ما بيننا حتى تنتشي اقتصاداتنا، وضعنا خطة وقلنا سنصل في عشر سنوات إلى 20%، وبالفعل فعندما بدأت الخطة العشرية كان حَجم التجارة البينية 14%.. فدولنا هذه تعد ملياراً من البشر والتجارة في ما بينهما 14%، في حين أنها تبلغ 86% من تجارتهم مع الدول الأخرى، لذلك قلنا لا بد أن نصل إلى 20% في عشر سنوات وهذا رقم كبير. سوف أعطيكم مثالاً: في عام 2004م كان حجم التجارة البينية بين دولنا 205 مليارات دولار، في سنة 2012م وصل إلى 760 مليار دولار أي بلغ ثلاثة أضعاف ونصف، من 14% إلى حوالى 18%، وسنصل إن شاء الله في سنة 2015م إلى 20%، وبعد ذلك لا بد من أن نضع هدفاً جديداً. لقد وضعنا أهدافاً معينة في العلوم والتكنولوجيا وفي المسائل التنموية وضعت مثلاً للمرة الأولى خطة لتنمية أفريقيا، وصندوقاً لمكافحة الفقر، هذه الأشياء قد أنجزت بالكامل هناك وهي تطبق الآن، بعضها يطبق عن طريق الأمانة العامة وبعضها الآخر عن طريق الأجهزة الأخرى كصندوق التضامن الإسلامي، وبنك التنمية الإسلامي وسواهما. إذاً المسائل هذه كانت حقيقة الخير الذي جاءت به قمة مكة المكرمة الاستثنائية. وقد طرحت في اجتماع العلماء المائة من 57 دولة إسلامية ومن أوروبا وأمريكا السؤال التالي: هل هناك حاجة لمنظمة المؤتمر الإسلامي؟
فالدول العربية مثلاً لديها جامعة وهي في الوقت نفسه عضو في الأمم المتحدة، فالعرب إذاً لهم جامعتهم التي تجمعهم ولديهم المظلة الأكبر أي الأمم المتحدة، فهل يحتاجون في الوسط إلى منظمة إسلامية؟ الأفارقة كذلك الأمر لديهم الاتحاد الأفريقي وأعضاء في الأمم المتحدة، الدول الآسيوية لديها عدة منظمات، هل تحتاج إلى المزيد؟ لا بد إذاً من أن نجيب عن هذا السؤال: هل هناك حاجة للمنظمة؟ وجاء الجواب بالإجماع: إذا كان هناك من حاجة لهذه المنظمة فلا بد لها أن ترقى لتلبّي مطامح ومطالب الأمة الإسلامية وتخدم أهدافها، لكن كيف يتم ذلك؟ لا بد أولاً من أن نجعل دولنا تحترم المنظمة، واحترام المنظمة يأتي بالالتزام بدفع المخصصات. عندما بدأت كانت 21 دولة من أصل 57 دولة ممتنعة عن دفع مخصصاتها، وأعني بممتنعة أنها في عام 2005م لم تدفع فلساً واحداً! الآن عدد هذه الدول وصل إلى 4 أو 5 دول من بينها الصومال ودول أخرى اعتباراتها معروفة. ثانياً: لا بد من أن نجعل الدول الأخرى تحترم المنظمة وأن نبدأ بدولنا، هذا قد تحقق في هذه الفترة والحمد لله. هنالك في العمل السياسي تركيز على العلاقات مع المنظمات الدولية الأخرى، أي الجامعة العربية، مجلس التعاون الخليجي، الاتحاد الأوروبي، منظمة التعاون الدولي، منظمة الأمن والتعاون الأوروبي (OSE) ومقرها في فيينّا وهي تجمع الدول الأوروبية كلها ودول الاتحاد السوفياتي السابق، وغيرها الكثير من المنظمات الدولية، وقد أصبح لدينا تعاون كبير مع هذه المنظمات. لا أريد أن أدخل في إعادة هيكلة المنظمة وقد شرحت هذا الكلام في الكتاب، بل أريد أن أتكلم عن أشياء أخرى وأترك فرصة للأسئلة والأجوبة.
كما تفضل بعض الزملاء وأشاروا إلى خدمة القضية الفلسطينية وكنت أتوقع هذا السؤال، فكما نعرف جميعاً أن السبب الرئيسي (raison d’être) لإنشاء المنظمة هو قضية فلسطين وحريق المسجد الأقصى، وإذا سألتموني هل أنت راضٍ عما تقوم به المنظمة؟ وهل أنت راضٍ عن ما قمت به بنفسك في خدمة القضية؟ أقول لكم إنني لست راضياً، لكني أستطيع أن أقول أيضاً أننا استطعنا في هذه الفترة أن نجعل لهذه المنظمة مكانة في التعاون مع القضية الفلسطينية، يعني إلى عهدٍ قريب لم تكن المنظمة تُدعى إلى أي اجتماع دولي يتعلق بعملية السلام السابقة، وعند التحضير لمؤتمر "أنابوليس" لم تدعَ المنظمة أيضاً، لكنني استطعت أن أحصل على دعوى للمنظمة وحضرت المنظَّمة مؤتمر "أنابوليس" في آخر لحظة، ومنذ ذلك الوقت إلى الآن تتم دعوة المنظمة إلى جميع المؤتمرات.
بالنسبة إلى فلسطين كانت المحاولة الأولى ناجحة وفاشلة؛ ناجحة لجهة التوفيق بين حماس وفتح، وقد توصلت المنظمة معهما إلى أول اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، بعدما قمتُ بجولات مكوكية بين رام الله وغزة ودمشق التقيت خلالها الرئيس عبّاس والسيد إسماعيل هنيّة والسيد خالد مشعل عدة مرات إلى أن أقنعتهم بوقف إطلاق النار، وتم ذلك في منتصف ليل 19 ديسمبر. أما الفشل فلأنهما عاودا للأسف الشديد إطلاق النار، فكانت هناك محاولات أخرى على رأسها محاولة المملكة العربية السعودية التي حقّقت أيضاً فترة مؤقتة من الهدوء وبقية القصة تعرفونها.
بالنسبة إلى القدس الشريف فالكل مقصر في حقها. لقد ذهبت إلى القدس أكثر من مرة وقبل شهر أو شهر ونصف ذهبت مرة أخرى وقلت إن من واجب كل مسلم ومسلمة أن يزور القدس، وأن يعتبر أن له سهماً في امتلاك الآثار الإسلامية والمقدسات الإسلامية هناك لكي يشعر بانتمائه إلى القدس وبأنها هي أيضاً تنتمي إليه، ولا بد أن تصبح الزيارات هذه بمئات الآلاف حتى يمكن إثبات ملكية المسلمين لها ومساعدة أهل القدس على أن يعيشوا في بلادهم ولا يأتي من يطردهم، ويجب على السُّياح المسلمين أن ينزلوا في فنادقهم ويأكلوا في مطاعمهم ويشتروا من أسواقهم. لا بد من القول بأن السفر إلى القدس لا يعني ما يسمونه التطبيع وخلاف ذلك هو في الواقع رأي خاطئ تماماً من الناحية السياسية، أما من الناحية الدينية فلا أستطيع أن أبت في الأمر. نحن مثلاً بالنسبة إلى القدس لما كثرت الأحداث وكثرت المطالب حاولنا أن نلبِّي مطالب المستشفيات والمدارس وما إلى ذلك، قلنا لا بد أن نضع خطة استراتيجية وذهبنا إلى القدس وأرسلنا وفوداً وجاءت معنا وفود من بنك التنمية الإسلامي وهو واحد من الأجهزة المتخصصة للمنظمة، وجلسنا مع أهل القدس، ومحافظ القدس، ورئيس بيت المقدس، والحكومة المركزية.. إلى آخره، ودرسنا متطلبات أهل القدس في ثلاثة قطاعات: الصحة، والتعليم، والسكن، لأن الأطفال الجدد لا يجدون مكاناً في المدارس، والمرضى لا يجدون مكاناً في المستشفيات، والشباب من الأجيال الجديدة يعيشون في البيت الذي وُلد فيه أجدادهم، أي ثلاثة أجيال؛ فالبيت الذي كان يعيش فيه شخصان رجل وزوجته أصبح فيه أربعة أبناء والأبناء الأربعة تزوجوا ولدى كل واحد منهم أربعة أو خمسة أبناء، أي هناك حوالى خمسين شخصاً يعيشون في بيت واحد ويتشاركون دورة مياه واحدة، ولا يسمح لهم بالبناء، هؤلاء لا بد أن نساعدهم، لأنه إذا أردت أنت أن تحافظ على القدس لا بد أن تجعل أهل القدس يعيشون داخلها. فوضعنا هذه الخطة وهي خطة يمكن أن تساهم فيها من مبلغ متواضع جداً إلى مبالغ كبيرة، حسب إمكانيات الناس كلها والحكومات كلها، وللأسف الشديد فقد عقدنا اجتماعاً خاصاً تكرمت به حكومة أذربيجان وأنفَقَت عليه بناء على طلبنا لكن الحصيلة لم تكن مشجعة!
إذاً يجب أن نعرف أن المنظمات الدولية ليست هي الأمين العام أو الأمانة العامة. إنَّ الجهد الذي يقوم به الأمين العام أو الأمانة العامة شيء والنتيجة التي تحصل من تفاعل الدول في ما بينها شيء آخر.
قبل أن أختم حديثي معالي الشيخ خوجه، أريد أن أقول إن من الأشياء الهامة التي تمت طبعاً الخطة العشرية، الميثاق، إنشاء لجنة حقوق الإنسان، إنشاء مرصد الإسلاموفوبيا، مؤسسة خاصة بالمرأة، سياسات خاصة بالمرأة - وأنا أعرف أن السيدات الفاضلات سيسألنني في هذا الموضوع - تمكين المرأة، كل هذا قد تم. لكن أيضاً على الصعيد الدولي أعتقد أن هناك نقطة هامة قد أُنجزت هي العلاقة مع الاتحاد الروسي، فالرئيس بوتين دُعي في عام 2003م إلى حضور القمة الإسلامية في ماليزيا وقد كنت حاضراً، وألقى كلمة ذكر فيها أن الاتحاد الروسي فيه عشرون مليون مسلم، وأشار إلى أن روسيا دولة أوروبية آسيوية وأن الإسلام مكوِّن أساسي من مكونات الاتحاد الروسي، وكنا نفكر في ما إذا كان يمكن لروسيا أن تكون دولة مراقبة في المنظمة أو لا يمكن.
كانت هناك أفكار متعددة وكان هناك مَنْ يرى فائدة في هذا الأمر وكان هناك مَن لا يرى، أنا كنت من الذين يرون أن ثمة فائدة، إذ كانت لي خبرة بالاتحاد الروسي وبالاتحاد السوفياتي من قبل ولي علاقات متميزة بالمثقفين والمسلمين وسواهم. فعندما تسلمت المسؤولية سعيت سعياً حثيثاً لتحقيق ذلك بعد استشارة دولنا بالطبع وهكذا تكونت لدي قناعة بأهمية هذا الأمر. ففي أول اجتماع لوزراء الخارجية توليت عقده سعيت من أجل تحقيق هذا الأمر وبفضل الله تم قبول روسيا الاتحادية كعضو مراقب بعد ستة أشهر من توليّ الأمانة العامة، وكان لدخول دولة كبيرة مثل روسيا عضواً مراقباً في المنظمة مغزاه الاستراتيجي سواء بالنسبة لروسيا أو بالنسبة للعالم الإسلامي، وكان هذا أيضاً من المفاتيح التي استطعنا من خلالها أن نرفع من شأن المنظمة وأصبحت الدول الأخرى تأتي طلباً لعضوية المراقب فكنا نقول لهم you don’t qualify، لأن الرئيس بوتين قال عشرين مليون مسلم وهذا رقم صحيح بطبيعة الحال، فإذا كانت لديك نسبة مثل عشرة بالمئة فأهلاً وسهلاً، أما أقل من ذلك فالأمر صعب. ففي الماضي لم تكن هناك معايير واضحة لهذا الأمر، أما الآن فهناك معايير واضحة لكل شيء؛ فمثلاً هناك دول نالت العضوية ولم يكن لديها سوى خمسة في المئة من المسلمين، ولا يجوز لدولة كهذه أن تكون عضواً كاملاً وقد كنا نعاني من بعض هذه المشاكل في الفترة السابقة، أما الآن فميثاق 2008 ولوائح العضوية الكاملة ولوائح العضوية المراقبة أصبحت جميعها مقننة ولا يمكن لأي دولة أن تأتي وتطلب من جيرانها الذين يجلسون في اجتماع العضوية أن يعترضوا وأن يصفق الناس وتدخل هذه الدولة عضواً، حتى أن دولة زنجبار ليست دولة، بل هي ولاية من ولايات جمهورية تنزانيا "Federal State"؛ ففي إحدى السنوات اقترحت دولة أفريقية أن تكون زنجبار عضواً فصدر قرار من مجلس الوزراء أن تكون زنجبار عضواً، في حين أن زنجبار ليست دولة مستقلة بل هي داخل اتحاد فدرالي، ثم عندما فطنوا إلى أن ذلك مخالف أخرجوها من المنظمة.. وكانت الأمور تسير على هذا المنوال ليس لها تقنين أو أسس أو معايير. لا أريد أن أطيل أكثر سيدي الرئيس وأكتفي بهذا القدر وأفضل أن أجيب عن الأسئلة إذا أمرتم، وشكراً.
الشيخ عبد المقصود خوجه: هناك أسئلة كثيرة أعانك الله عليها. نبدأ أسئلتنا من قسم السيدات.
عريف الحفل: شكراً بدايةً لمعالي ضيفنا الكريم على هذه الوقفات الموفقة والحديث الشيق. نبدأ الآن من قسم السيدات حيث الزميلة نازك الإمام تتفضل باختيار من تعرّف بنفسها لتطرح سؤالها على ضيفنا الكريم، وليكن السؤال الأول من قسم السيدات تفضلي أخت نازك.
 
 
طباعة
 القراءات :217  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 11 من 216
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.