شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
المسلمون في بريطانيا بين تسامح ويليامز وتشدّد الآخرين..
لا شكّ أنّ الجالية المسلمة في بريطانيا قد عانت من تصرّفات بعض التيارات المتشدّدة داخلها، والضئيلة بالنّسبة لعدد المسلمين الذي يبلغ تعدادهم في المملكة المتحدة حوالي مليوني نسمة. وعلى وجه أخص بعد المتفجرات التي ضربت شبكة القطارات في عام 2005م، واستنفرت بدورها التيارات المتشددة البريطانية مثل الحزب القومي البريطاني.
وزير العدل البريطاني حاليًا ووزير الداخلية والخارجية في حكومة بلير العمالي جاك سترو Jack Straw وقع تحت ضغوطات كبيرة، وخصوصًا من قبل المتحدث بالشؤون الداخلية في حزب الأحرار الديمقراطيين كريس هوهن Chris Huhne، إذ لم يكن الوزير المعني ـ أي سترو ـ يعلم مسبقًا بأنّ هناك عمليّة بوليسيّة واسعة لتسجيل محادثات المحامين مع نزلاء السجون أثناء زيارتهم لها، وزاد الأمر صعوبة أنّ النائب العمّالي المسلم صديق خان قد تنصتت الأجهزة الأمنية البريطانية على محادثاته هو الآخر عندما كان يزور أحد سكان دائرته الانتخابية في سجن Woodhill كما ورد في التلغراف الأسبوعية (Weekly Telgraph)، والذي يشتبه في تورطه في أعمال إرهابية، ويعني تنصت الأجهزة السرية على النائب (خان) نزع الحصانة التي يتمتع بها عادة أعضاء مجلس العموم.
كما تلقّت الجالية المسلمة هناك صدمة أخرى، وذلك عندما أصدر رئيس الوزراء البريطاني قرارًا يوم الخميس 7 فبراير يحظر دخول الداعية الإسلامي الشيخ يوسف القرضاوي، مع أنّ القرضاوي كان ينوي زيارة بريطانيا لغرض علاجي محض.
ومع أن توني بلير لم يستجب في عام 2004م للضغوطات من أحزاب المعارضة بمنع الشيخ القرضاوي من دخول بريطانيا، وكان مرحّبًا به من قبل عمدة لندن كين ليفنغستون Ken Livingstone والمتعاطف كثيرًا مع قضايا الأقلّيات، بل إنّ صحيفة الحياة ذكرت أنّ وزارة الخارجية البريطانية دفعت عام 2006م -أي في عهد حكومة بلير- قيمة تذكرتي سفر للقرضاوي وزوجته للسفر إلى أسطنبول للمشاركة في مؤتمر عن مسلمي القارة الأوروبية. (الحياة، 8 فبراير 2008م).
في ظل هذه التجاذبات بين حكومة جوردون براون والجالية المسلمة، فجّر كبير أساقفة كانتر بري في بريطانيا الدكتور راون ويليامز Dr. Rown Williams قضيّة لا تزال تتفاعل داخل الكنيسة الإنجليزية، وذلك بتصريحه أنّه لا مناص من تطبيق بعض جوانب الشريعة الإسلامية في بريطانيا. وحجّة معارضي ويليامز من داخل المؤسّسة الدينية المسيحية، وتحديدًا الكاردينال مورفي Murphy أن الإعلاء من شأن ثقافة الأقلّيات الأخرى يضرّ بالوحدة الوطنية، حسب تعبيره، وأنّ المهاجرين يجب أن يخضعوا للقانون البريطاني.
أما سلفه في الأسقفية لورد كاري Carey فقد زعم أنّ تحقيق هذا المطلب الذي دعا إليه ويليامز سوف يدفع الجالية المسلمة للمطالبة بتطبيق المزيد من التشريعات الدينية الخاصة بهم، بينما يرى ويليامز، المعروف بثقافته العالية وتسامحه، بأنّ تطبيق جوانب من الشريعة الإسلاميّة في بريطانيا يحسّن من وضع العلاقات الإنسانية بين الإنجليز والجالية المسلمة. [انظر: تصريحاته في صحيفة الديلي تلغراف الأسبوعية Weekly Telegraph الأربعاء 13 فبراير والثلاثاء 19 فبراير 2006م].
وحاول ويليامز شرح وجهة نظره حتى للأحزاب البريطانية والتي كان من أشدّها وقوفًا في وجهه حزب المحافظين المعارض وزعيمه ديفيد كميرون David Cameron، بأنّ وجود محكمة خاصة تعنى بأمور الطّلاق للجالية المسلمة يمثّل خيارًا جيدًا لأنّها الأقدر على تفهّم الأمور الدّقيقة في حياة المسلمين، ولكنّ محرّر الطبعة الأسبوعية لصحيفة التلغراف شنّ هجومًا عنيفًا وغير مبرر على الشريعة الإسلامية وخصوصًا على المحاكم الشرعيّة في بعض البلدان العربيّة، دون أن تكون لديه معلومات موثّقة عن الفقه الإسلامي الذي يدعو في مقاصده لدرء الحدود بالشبهات، وأنّ حكمًا قضائيًّا متشدّدًا هنا أو هناك لا يستجيب أبدًا مع متطلبات الرحمة التي هي مطلب أساسي في الدين الإسلامي، ولا يمكن كذلك لأحكام متسرعة أو مفصولة عن سياقها العام الذي وقعت فيه، لا يمكن أبدًا قياس أمور الشريعة الإسلامية وأحكامها السمحة عليها.
وقد اعتنق كثير من نصارى البلدان المختلفة عند الفتح الإسلامي الدين الخاتم؛ لأنّه حرّرهم من ظلم إخوانهم من أتباع الكنائس الأخرى، التي كانت متسلّطة عليهم.
ومن يرجع إلى النصّ الكامل للعهدة العمريّة التي أعطاها الخليفة الراشد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه للمسيحيين بعد الإسلام في فلسطين، يمكنه أن يرى مقدار مساحة الحرّية الدينية التي أعطاها الإسلام في مبادئه الحقيقية، وبوسطيته واعتداله وتسامحه مع أتباع الديانات الأخرى، يمكن الرجوع لنص العهدة هذه في كتاب المفكر الإسلامي ظفر الإسلام خان، تاريخ فلسطين القديم.
موقف الأسقف ويليامز والذي سبق له أن كسر الحاجر بين الكنيسة الإنجليزية والبابوية الكاثوليكية عند مرض البابا جون الثاني، موقف يجب أن يقابل من المؤسّسات الدينية في العالمين العربي والإسلامي بكثير من المعاضدة والتقدير، وخصوصًا كما ذكرت بعض الصحف البريطانية أنّ عددًا من المشاركين في المجمع الكنسي البريطاني والذي كان من المتوقع أن يعقد في يوم الاثنين 18 فبراير، سوف يمارسون ضغوطًا كبيرة ومكثفة على ويليامز لحمله على الاستقالة من رأس الكنيسة الإنجليزية. ولقد سبق لأسقفية كانتر بري Canter Bury، أن وقعت تحت ضغوط كبيرة ومماثلة من حكومة مارجريت تاتشر سنة 1986م، وذلك عندما رفض وزير الخارجية البريطاني آنذاك جيفري هاو Geoffrey Howe استقبال عضوَي منظمة التحرير الفلسطينية محمّد ملحم، وإلياس فريج، في دواننج ستريت لأنّهما لم يدينا المقاومة الفلسطينية المشروعة، وكان مقرّرًا من قبل استقبالهما.
فلمّا نكصت تاتشر، ووزير خارجيتها بوعديهما استقبلتهما الأسقفية، ولم تنس تاتشر المعروفة بميولها اليهودية الشديدة موقف أسقف كانتر بري المتسامح، ويبدو أنّ ويليامز يواجه معارضة شديدة ليس من العمال الذين يفترض فيهم اعتدالهم؛ بل من المحافظين الذين لهم أجندة خاصة في موضوع الهجرة.
 
طباعة
 القراءات :196  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 41 من 100
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء التاسع - رسائل تحية وإشادة بالإصدارات: 2007]

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الرابع - النثر - مقالات منوعة في الفكر والمجتمع: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج