شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الأدب العربي في مدوّنات الاستشراق الفرنسي
تعرضت في مقالة سابقة لكتاب المستشرق الإنجليزي "آربري" A. J. ARBERRY، وكتابه عن تاريخ الأدب العربي والموسوم "الشعر العربي الحديث" إلا أن عددًا من المستشرقين اهتموا بدراسة تاريخ الأدب العربي ومن هؤلاء: المستشرق الفرنسي Clemen Huart المولود سنة 1854م والذي عمل مترجماً للغات الشرقية في مكتب الشؤون الخارجية الفرنسية.
ويذكر الباحث الإنجليزي Edmond Gosse، أن "هيوار" Huart تنقل بين بلاد عدة مثل: استنبول، إيران، ودمشق وذلك أكسبه معرفة بالآداب الشرقية المختلفة مثل: الأدب الفارسي والعربي والتركي، وبين يدي الطبعة الأولى من كتابه: (تاريخ الأدب العربيA history of Arabic literature, Williams Heineman, London ).
ويبدو من المقدمة أن هذا الكتاب المخصص لتاريخ الأدب العربي هو ضمن سلسلة عن آداب لغات أخرى مثل: الأدب الإغريقي القديم، والأدب الفرنسي، والإيطالي، والإسباني، والياباني، والروسي، والصيني، والاسكندنافي، والمجري، واللاتيني، والأمريكي، والعبري، وتدل هذه القائمة الموجودة في الصفحة المقابلة لصفحة عنوان الكتاب عن تاريخ الأدب العربي على الاهتمام الإنجليزي من خلال مراكز الدراسات الشرقية في الجامعات البريطانية بآداب الأمم المختلفة والتعرف على إنجازات الحضارات الأخرى ومنها الحضارة العربية والإسلامية، ولم أجد كما هو العادة في المطبوعات الغربية تاريخاً لصدور الطبعة الأولى من هذا الكتاب سوى ما ذكره الباحث Gosse في تصديره للكتاب الذي تضمن نبذة موجزة عن المؤلف الفرنسي (هيوار) Huart حيث ذيله في الخاتمة بتاريخ شهر يناير 1903م أي أن هذا المؤلَّف المكرس في مجمله عن الأدب العربي قد ألف قبل أكثر من قرن من الزمن، وأرجّح أن الطبعة التي تحتوي عليها مكتبتي المتواضعة هي الطبعة الأولى من الكتاب نفسه، ويرد في هذا التصدير اسم المستشرق الإنجليزي رينولد الين نيكلسون R. A. Nicholson 1868-1945م)، والذي قدم مساعدة هامة في إخراج هذا الكتاب، وتتمثل هذه المساعدة في إيجاد المقابل للمصطلحات الأدبية العربية في اللغة الإنجليزية لاختلاف يتصل بالنظام المستعمل في الإنجليزية عن نظيرتها الفرنسية وربما دللت عبارات المقدم Gosse، على أن الكتاب (ربما) صدر أصلاً باللغة الفرنسية ثم ترجم إلى الإنجليزية، وربما يقفز إلى الذهن سؤال هام وهو لماذا لجأ المقدم للباحث الإنجليزي (نيكلسون) في هذا المطلب العلمي أو الدلالي، ويمكن تفسير هذه القضية العلمية في ضوء اشتغال (نيكلسون) باللغتين العربية والفارسية كما يذكر الباحث الكبير الدكتور عبدالرحمن بدوي حيث عمل (نيكلسون) أستاذاً للغة الفارسية في جامعة لندن، ثم انتقل إلى جامعة كمبريدج المشهورة باهتمامها بالآداب واللغات الشرقية (انظر: موسوعة المستشرقين، د.عبدالرحمن بدوي، ط1، 1984م بيروت، ص 415-417)، وقد ذكر الباحث المعروف في الأدب العربي جورجي زيدان، كتاب (هيوار) Huart ضمن قائمة مصادره التي اعتمد عليها في تأليفه عن تاريخ آداب اللغة العربية وذكر عنوانه باللغة الفرنسية Litterature arabe، ذاكراً تاريخ صدوره عام 1902م، وبالتالي يمكن القول بأن الكتاب صدر بالإنجليزية بعد عام واحد فقط من صدوره بالفرنسية، ويمكننا عند إلقاء نظرة على محتويات هذا الكتاب الذي يعد من أوائل الكتب الغربية التي اهتمت بتاريخ الأدب العربي، أن نجد عناوين متتابعة تقودنا إلى مادة هذا الكتاب، فهو بداية يتحدث عن جذور الأدب العربي، ثم الأدب في عصر ما قبل الإسلام، ثم فصل يخصصه عن القرآن الكريم، ثم فصل عن الدولة الأموية، والحياة الأدبية في تلك الحقبة، ثم نجده يقسم الحياة الأدبية في العصر العباسي، إلى خمس حقب متتالية، ثم يخصص فصلاً لدراسة الأدب العربي من سقوط بغداد حتى القرن الثامن عشر الميلادي، ويخص الأدب العربي في القرن التاسع عشر الميلادي بدراسة مستفيضة متوقفاً عند عدد من الأسماء الفكرية والأدبية الهامة، والتي لعبت دوراً في نهضة الأدب العربي المحدث مثل نيقولا يوسف الترك، والشيخ رفاعة الطهطاوي، والشيخ ناصيف اليازجي، وأحمد بن فارس الشدياق، ‏وبطرس البستاني، ولويس شيخو، وطنوس بن يوسف الشدياق، ‏وبطرس كرامة، ومحمد بن أحمد أفندي الإسكندراني والمؤرخ ‏عبدالرحمن الجبرتي، كما نعثر على اسم "جرجي زيدان" ويشيد ‏المؤلف برواياته التاريخية، وبكتابه عن التاريخ المصري أثناء حقبة ‏الإمام المهدي في القطر العربي السودان، كما يشير إلى واحد من ‏الرواد المهتمين بأدب الحكاية أو القصة محمد المهدي الحفناوي، كما ‏يشيد بدور علي باشا مبارك والذي درس في "باريس" وأسس بعد ‏عودته "دار الكتب المصرية"، والتي مكنت الباحثين من الوصول إلى ‏المخطوطات العربية الهامة في مختلف الفنون والرحالة حسن أفندي ‏توفيق والذي قام برحلة إلى ألمانيا وسويسرا حوالي سنة 1891م، كما ‏يشير المؤلف إلى الأديب أحمد زكي سكرتير "الخديوي" في تلك ‏الحقبة والذي تمكن من حضور مؤتمر المستشرقين المنعقد في مدينة ‏جنيف السويسرية في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي حوالي ‏‏1894م، ويذكر رحالة آخر وهو محمد بن عمر التونسي 1789-‏‏1857م والذي كانت دراسته الأولى بالأزهر، وقام برحلة إلى ‏السودان وخصوصاً منطقة دارفور ودون مرئياته عن الحياة في تلك ‏البلاد ووجد فيها الباحث الفرنسي الدكتور ‏Perron‏ وصفاً أدبيًّا مغريًّا حمله على ترجمتها إلى اللغة الفرنسية.
ويختتم "هيوار" ‏Huart ‎‏ هذا الفصل بمبحث هام عن مستقبل الأدب العربي، ويبرز ‏الفصل الذي خصصه هذا الباحث عن بدايات الأدب العربي الحديث ‏في القرن التاسع عشر الهجريٍ، تلك الصلات الفكرية والأدبية التي ‏ربطت بين أدباء بلاد الشام والمؤسسات الفكرية والأدبية في فرنسا ‏ولا ننسى أن الإرساليات التبشيرية المسيحية لعبت دوراً هاماً في ‏توثيق تلك العلاقات والروابط العلمية والثقافية والفكرية، وبعيداً عن ‏مثل هذه التأثيرات التي يمكن إرجاعها إلى وجود الاستعمار في البلاد ‏العربية لمدة طويلة وتأثر بعض تلك الأقطار بالتيارات الفكرية ‏والثقافية القادمة من بريطانيا وفرنسا على وجه التحديد، فإن أدباء بلاد ‏الشام وخاصة اللبنانيين منهم قد "هاجروا إلى مصر في النصف الثاني ‏من القرن التاسع عشر الميلادي وتركوا بصماتهم في تطور كل من ‏الأدب العربي الحديث والصحافة العربية الحديثة في ذلك البلد بدلاً ‏من تأثيرهم في بلدهم الأصلي، كما أن آخرين هاجروا إلى أماكن ‏بعيدة جداً بما فيها الدنيا الجديدة حيث حافظوا على ولائهم للغة ‏العربية وآدابها لوقت طويل" “انظر تاريخ كمبريدج للأدب العربي، ‏الأدب العربي الحديث، النادي الأدبي الثقافي-جدة ط1، 1423ه-2003م ص: 79-80 وربما يهمنا أمر آخر من التعريف بهذا ‏المصدر المخصص عن تاريخ الأدب العربي والذي يقاس باهتمام ‏الاستشراق الأدبي العربي وقضاياه منذ أمد طويل وهو سير التأليف ‏في الأدب العربي على منهج اختلفت آراء النقاد والدارسين حوله وهو ‏تقسيم عصور الأدب بحسب التاريخ السياسي وإن كان كما يذكر ‏الباحث المعروف الدكتور محمد مصطفى هداره أن بعض الدارسين ‏للأدب العربي وفي مقدمتهم "جب" و "بلاشير" خرجوا على هذا المنهج، ‏وسوف نتعرض لهذه القضية في الحلقة القادمة التي سوف نخصصها ‏للحديث عن كتاب "نيكلسون" "التاريخ الأدبي للعرب" حيث صنف هذا ‏المستشرق الإنجليزي الأدب العربي في ضوء التاريخ السياسي وتبعه ‏في ذلك عدد من الباحثين العرب منذ زمن طويل.‏
 
 
طباعة
 القراءات :299  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 17 من 100
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

صاحبة السمو الملكي الأميرة لولوة الفيصل بن عبد العزيز

نائبة رئيس مجلس مؤسسي ومجلس أمناء جامعة عفت، متحدثة رئيسية عن الجامعة، كما يشرف الحفل صاحب السمو الملكي الأمير عمرو الفيصل