شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الحملة على الشيخ ابن دهيش ومعايير ضائعة للنّقد ..!
تعرّض فضيلة الشيخ عبدالملك بن دهيش -أخيرًا- لحملة شرسة بسبب كتابه الذي أصدره قبل سنوات عدّة عن حدود الحرم المكي الشريف، وهي حملة تذكّر بما تعرّض له الشيخ الدكتور عبدالعزيز بن عبدالفتّاح القاري بسبب كتابه "حرم المدينة النبويّة"، والذي صدر في طبعته الأولى عام 1422هـ ولم يسلم القاري من حملة أخرى قادها متشدّدون بسبب آراء منصفة له عن التصوّف الذي يجمع بين علمي الحقيقة والشريعة.
الشيخ ابن دهيش الذي كان والده أحد علماء المسجد الحرام، وأخذ العلم عن كبار فقهاء ومحدثي مكة المكرمة من أمثال شيخنا العلاّمة المالكي حسن المشاط -رحمه الله-، قدم خدمات جلّى لتاريخ البلد الحرام بتحقيقه لكتب عدة مثل "أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه" للإمام أبي عبدالله محمّد بن إسحاق الفاكهي المكي؛ وهو من علماء القرن الثالث الهجري، ويعتبر كتابه من أهمّ المصادر التاريخيّة عن بيت الله الحرام.
وقد حصل الشيخ ابن دهيش على النسخة الوحيدة من الكتاب من هولندا، حيث توجد بجامعة ليدن، والتي سبق لأحد علماء المدينة المنوّرة وهو أمين بن حسن الحلواني المدني أن نقل إليها ما يقرب من 600 مخطوطة في فنون عدّة، وقد ذكرت بالتفصيل بواعث الحلواني للذهاب إلى ليدن في مطلع القرن الرابع عشر الهجري في كتابي الموسوم "المدينة المنوّرة بين الأدب والتاريخ"، ولعله من المناسب أن أذكر جهد الزميل الدكتور فوّاز الدهاش، الأستاذ بجامعة أمّ القرى، والذي قدّم أطروحته لدرجة الدكتوراه في جامعة إكسترا بالمملكة المتحدة عن الفاكهي وتاريخه.
لقد خرج كتاب الفاكهي بعد تحقيقه من قبل الشيخ ابن دهيش في طبعته الأولى عام 1407هـ في ستّة مجلّدات ثمّ أعاد ـ جزاه الله خيرًا- طباعته عام 1414هـ فظهر في ثلاثة مجلّدات تحتوي على ستّة أجزاء.
ثمّ طبع طبعة ثالثة بعد نفاد الطبعتين السابقتين عام 1419هـ وهو ما يدل على أهمية الكتاب العلمية والتاريخية، ولم يتوقف جهد الشيخ ابن دهيش بإخراج كتاب الفاكهي، بل تعدّاه إلى جهود أخرى تمثّلت في إخراجه -جزاه الله خيرًا- لعدد من المؤلّفات في تاريخ مكة المكرمة مثل "تحصيل الحرام في أخبار البلد الحرام"، و"أخبار مكة" للأزرقي، و"الدر الثمين في ذيل العقد الثمين"، ويتوفر الآن على إخراج كتاب تاريخي هام وهو "بلوغ القرى بأخبار أم القرى"، إضافة إلى كتابيه عن "حدود الحرم وحدود المشاعر".
يمكن للإنسان أن ينتقد جهد أيّ إنسان؛ ولكن بأسلوب موضوعي ومنهج علمي بعيدًا عن الأساليب المندفعة والهوجاء، من مثل: "فعليه أن يتلف كتابه"، و"صدورها عن أستاذ جامعي يعمل في جامعة تحمل اسم البلد الشريف ينبئ عن توجه غير حميد، وأسلوب يبعد عن التقاليد العلمية المعروفة عند جميع الأمم، فكيف بها إذا تصادمت مع ما ورثناه من أخلاق كريمة في تاريخ حضارتنا العربية والإسلامية".. وأسوق هنا مثالاً على الآخرين أن يلحظوه إن لم يكن باستطاعتهم التمثّل به، فعندما أخرج الناقد المعروف الأستاذ السيد إبراهيم هاشم فيلالي -رحمه الله- كتابه "المرصاد" تصدّى صديقه الناقد الكبير الأديب الأستاذ عبدالله عبدالجبّار لنقده نقدًا موضوعيًّا، فلما أراد الأستاذ "الفيلالي" إصدار طبعة ثانية من الكتاب أصرّ على أن تتضمن الطبعة الجديدة ردّ الأستاذ عبدالجبّار وهو ما ألحق بالكتاب الأصلي بعنوان مرصاد المرصاد، ولم يطلب عبدالجبّار من الفيلالي أو السحرتي إتلاف كتبهم أو حرقها، بل رعى إنتاجهم العلمي بعد وفاتهم، فكتب مقدمة لكتاب صديقه الناقد المعروف مصطفى عبداللطيف السحرتي والموسوم "الشعر المعاصر على ضوء النقد الحديث" وجاءت تلك المقدمة التي تعتبر كتابًا جديدًا لأستاذنا عبدالجبار في ستين صفحة، كما كتب مقدّمة نقديّة وموضوعيّة ومنصفة عندما صدر ديوان المرحوم الفيلالي "طيور الأبابيل"، وكلا الكتابين صدر في سلسلة تهامة إبّان حقبة الأستاذ والإعلامي المعروف الأستاذ محمّد سعيد طيب، وكان حفيًّا بإنتاج روّاد الأدب السعودي وسواهم، وهي شهادة أدلي بها في خريف العمر ولا خير في مجتمع مثقّف لا يقدّر جهود الآخرين حتى وإن اختلفت الرؤى وتباينت الأفكار.
ولعلي أنقل طرفًا من حديث أستاذنا عبدالجبّار عن مواهب صديقه الفيلالي، وكانا يختلفان في أمور أدبيّة وفكريّة عديدة، يقول في المقدّمة التي كتبها للديوان الشعري "طيور الأبابيل".. "كان -أي الفيلالي- فصيح اللسان، جهير الصوت، جهير البيان، يفكّر بصوت عالٍ، لا يعرف المواربة في الحق أو ما يعتقد أنه الحق".
ويقول الإنسان عبدالجبّار عن الأستاذ السحرتي ومنهجه العلمي المترفع عن الدنايا وسفاسف الأمور: "لكن الموضوع الذي احتلّ بؤرة شعوره هو ترسيخ نقد أدبي حديث يقوم على أسس سليمة ومناهج حديثة بعيدًا عن الادّعاء والسطحيّة والمهاترات والسُّباب والنّزعة الساديّة لهدم الآخرين".
إنّ البناء الحضاري والفكري لا يقوم على هدم جهود الآخرين، ولا بإلقاء الكلام على عواهنه من غير رؤية وتبصّر، ولقد ولّى الزّمن الذي يطلب فيه البعض أن تتلف كتب هذا، وتحرق كتب ذاك، ويرمى هذا في عقيدته كما حصل في حقبة محاكم التفتيش، أو في عهد المعتصم عندما كان يجلد بالسّياط علماء ربّانيين من أمثال أحمد بن حنبل -رحمه الله-.
الأسلوب الذي استخدمه البعض للتقليل من جهود الشيخ ابن دهيش في تحديد معالم حرم مكة المكرمة، والصواب والخطأ يجوزان في حقّ كلّ إنسان والمعصوم هو سيّد البشر وشفيع النّاس محمّد بن عبدالله عليه صلاة الله وسلامه، ذلك الأسلوب أبعد ما يكون عن أخلاق أهل العلم، ودليل على شيء من التّعالي الذي إذا ما تبطّن نفسًا إنسانيّة أوردها موارد صعبة، وإذا كنّا غير قادرين على إنصاف الرّجال في مجتمعنا؛ فلا أقلّ من أن نحبس ألسنتنا عمّا يؤذي الآخرين.. نعم إنّها مهمّة صعبة في هذا الزّمن الصّعب، ولكنّها ليست مستحيلة.
آخر الكلام: من شعر المفكر والأديب الأستاذ محمّد حسن عوّاد، يخاطب فيها معاصره الأستاذ والشاعر الكبير حمزة شحاتة بعد أن زالت أسباب الجفوة بينهما بسبب المعركة الشعرية المعروفة التي دارت بينهما قبل أكثر من نصف قرن منالزمن يقول العوّاد -رحمه الله-:
أخِي "حَمْزةَ" كيف الوشاة تغلَّبُوا؟
وكيف تَحرّانا السخيفُ المُذبذبِ؟
أما منك إنْ زادتْ عليكَ حَماقَتِي
تحملُ مَن إن شاءَ يَرضى ويغضبُ
وهبني أسأتُ القولَ نحوَكَ مرّةً
وذاك بمرأى منكَ ما كان يُحجبُ؟
فهلْ ليسَ لي في الودِّ عندكَ شافعٌ
وإنّي ذاكَ الصَّادقُ المتأدِّبُ؟
وإنّي إذا ما غبتَ ركنٌ محصنٌ
أدافع عنكم بالتي هي أصلبُ
ولست بمستبقٍ أخًا لا تلمُّه
على شعثٍ أيّ الرِّجالِ المهذَّبُ
لك الحبّ موفورًا بنفسي، كامنًا
تباعده أسبابُهُ وتقرِّبُ
ومهما تدجى ذلك الجوُّ بيننا
فقلبي للودِّ البناء المطنَّبُ
فلا تشدد الحبل الذي مدّ بيننا
ولا تعتبرني في الصًّداقةِ أكذبُ
وسامحْ، وأنت المُرتجى من تواصلتْ
أواصرُهُ واصفح فإنّي مُذنبُ
 
 
 
طباعة
 القراءات :230  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 93 من 107
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج