شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أمين مدني والدور العلمي لمدرسة المدينة التاريخية
لقد كانت بداية علم التاريخ عند العرب منذ الحقبة الجاهلية، ويذكر باحث التاريخ الإسلامي محمّد حميدالله "أن المنافرة أو المفاخرة، التي كان يحذق فنّها العرب في الجاهلية، كانت تحتاج إلى معرفة التأريخ الدولي؛ لأن كل قبيلة كانت حينئذٍ دولة مستقلة في حدّ ذاتها، وكانت المنافرات تحدث مع قبائل العرب وحتى أحيانًا مع الملوك المجاورين من الفرس والحبشة والروم يفدُ إليهم العرب". [انظر: سيرة ابن إسحاق، تأليف محمّد بن إسحاق بن يسار، تحقيق وتعليق محمّد حميدالله، معهد الدراسات والأبحاث للتعريب، المقدمة].
وبعد مجيء الإسلام اعتنى الخُلفاء الراشدون بحفظ الحديث أي بمصادر التأريخ الإسلامي، ولقد دوَّن كثير من الصحابة، كما يذكر الباحث حميدالله، ما كانوا يعرفونه من حديث الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وتبرز أسماء مهمة في كتابة التاريخ الإسلامي وفي مقدّمتها وهب بن منبه المتوفى في العام 110هـ/ أو114هـ، الذي ألّف كتابًا في مغازي الرسول صلّى الله عليه وسلّم. توجد قطعة منه على البردي في مكتبة جامعة "هايدلبرج" واقتباسات منه عند الطبراني وغيره، وله كتب أخرى في قصص الأنبياء وأخبار الملوك وغير ذلك. [المصدر السابق، المقدمة].
ويرى الباحث المعروف في التاريخ الإسلامي د. عبدالعزيز الدوري "أن أول مدرسة للتأريخ هي مدرسة المدينة، مدرسة المغازي، وترتبط نشأتها ووجهتها بجهود اثنين من الفقهاء والمحدثين عروة بن الزبير وتلميذه محمّد بن مسلم بن شهاب الزهري (50-124هـ) الذي قام ببحث واسع في المدينة عن أحاديث الرسول وأصحابه ساعدته في ذلك مكانته الاجتماعية وذاكرته القوية واستعانته بالكتابة". [انظر: د. عبدالعزيز الدوري: بحث في نشأة علم التاريخ عند العرب، دار المشرق ب وت, 1983هـ, ص78-80 ]، ويعتبر الباحث التأريخ الإسلامي شاكر مصطفى: مدرسة المدينة هي أول المدارس الكبرى في تدوين التأريخ الإسلامي مرجعًا السبب في ذلك "أن المدينة كانت عاصمة الرسول صلّى الله عليه وسلّم والخلفاء من بعده ومركز تجمع الصحابة والبلد الأساسي للدين الجديد صاحب الدولة والفتوح، كما يرى هذا الباحث أن مؤسس هذه المدرسة العلمية لمختلف فروع العلم في المدينة هو سيدنا عبدالله بن العباس - المتوفى سنة 78هـ، وكان أبرز فقهاء المدينة وأوسعهم اطلاعًا، وكان يسمى البحر لا لكثرة علمه في الفقه فحسب ولكن في الأخبار الماضية أيضًا والنسب بجانب الشعر واللغة وتفسير القرآن والحساب والفرائض".. [شاكر مصطفى، التاريخ العربي والمؤرخون، دار العلم للملايين، ط3, 1983م, ص150] .
وكان من رواد هذه المدرسة أيضًا سعيد بن سعد بن عبادة الخزرجي وسهل بن أبي خيثمة المدني الأنصاري وسعيد بن المسيب المخزومي، وإبان بن عثمان بن عفان، وعروة بن الزبير بن العوام. [انظر: عاصم حمدان، المدينة المنورة بين الأدب والتاريخ، إصدارات نادي المدينة الأدبي،ط1, 1412هـ/ 1991م ص37].
مع منتصف القرن الهجري المنصرم، كان الحرم النبوي الشريف يحفل بحلقات العلم في مختلف علوم الشريعة واللغة والأدب وكان من أبرز هذه الحلقات، حلقة الشيخ محمّد الطيب الأنصاري، والد الأستاذ الدكتور عبدالرحمن الأنصاري أستاذ التاريخ والآثار بجامعة الملك سعود بالرياض، ويذكر المؤرخ أمين عبدالله مدني في كتابه "الثقافة الإسلامية وحواضرها " أن حلقة الأنصاري أو مدرسته تقابل مدرسة الفلاح في مكة، ونجد أن معظم من تلقوا العلم تلك الحقبة على يد الشيخ الأنصاري، وسواه من علماء تلك الحقبة قد تأثروا بالنزعة التاريخية والأدبية عند الشيخ الأنصاري وكانت البداية على يد الأستاذ عبدالقدوس الأنصاري الذي أصدر كتابه القيّم "آثار المدينة المنورة" والمؤرخ والأديب عبيد مدني في كتابه المخطوط عن مؤرخي المدينة المنورة، كما اعتنى السيد أحمد ياسين الخياري بمعالم المدينة في كتابه "تاريخ معالم المدينة المنورة قديمًا وحديثًا"، وقد أخبرني الأستاذ المربي محمّد حميدة بأن هذا الكتاب هو مفتتح التدوين التاريخي في المدينة وظل - مخطوطًا إلى عهد قريب، وخرجت طبعته الأولى بمقدمة لاستأذنا المرحوم عبيدالله كردي، ثم أصدرته الأمانة العامة للاحتفال بمرور مائة عام على تأسيس المملكة السعودية بتاريخ 1419هـ/ 1999م ، كما أصدر السيد علي عبدالقادر حافظ كتابه "فصول من تاريخ المدينة المنورة"، كما أصدر شقيقه السيد عثمان حافظ كتابه "صور وذكريات عن المدينة المنورة"، ويحتوي على معلومات قيّمة عن المدينة المنورة وأدبائها ومنتدياتها الفكرية والأدبية، ولقد قام نادي المدينة الأدبي بطباعة هذا الكتاب عام 1403هـ/ 1983م، كما أصدر السيد عبدالسلام هاشم حافظ سنة 1381هـ كتابًا بعنوان "المدينة المنورة في التاريخ.. دراسة شاملة".
ويعتبر كتاب الشريف إبراهيم العياشي "المدينة بين الماضي والحاضر" تتويجاً للدراسات التاريخية والعلمية عن المدينة، وقد التزم العياشي في كتابه هذا بالمنهج العلمي دراسة آثار المدينة المنورة، لذا نجده عند الحديث عن مساكن القبائل التي استقرت بالمدينة المنورة بدءًا بالعمالقة ومرورًا باليهود وانتهاءًا بالأوس والخزرج "الأنصار" ثم المهاجرين، يرجع العياشي إلى النصوص التي أوردها مؤرخون من أمثال: الطبري، وابن كثير والسيد السمهودي صاحب "وفاء الوفا" ويثبت ما توافق فيه النص مع التطبيق العملي وينفي ما خالف هذه القاعدة. [انظر: منهج الشريف العياشي في البحث التاريخي، المدينة المنورة بين الأدب والتاريخ، مصدر سابق، ص 127 -131].
 
أمين عبدالله مدني (1328-1404هـ) وكتاباته التاريخية:
هناك قلة من أدبائنا ومفكرينا الذين تجاوز إبداعهم البيئة المحلية إلى بيئة أكثر اتساعًا وشمولاً وهي البيئة العربية والإسلامية، ويعتبر المؤرخ أمين مدني واحدًا من هذه القلة، وقد أهّله لصعود هذه القمة العلمية ذلك النتاج العلمي الذي اتخذ البحث الموضوعي منهاجًا له في ما يكتب ويستنتج، ففي عام 1385هـ/ 1965م صدر الجزء الأول من الموسوعة التاريخية الشاملة "العرب في أحقاب التاريخ"، ويبحث هذا الجزء في "التاريخ العربي وبدايته" ويوضح الأستاذ محمّد المدني الأستاذ بجامعة الأزهر والعميد السابق لكلية الشريعة بها تلك الصعوبات التي تعترض الباحث في تاريخ العرب القديم بقوله عند تقديم هذا الجزء من الموسوعة: "وما من شك أن تاريخ العرب القديم منطوٍ على كثير من الغيابات والمجاهل التي ترهق السالكين وتحير المدلجين". ثم ينتقل الأستاذ المدني في تقديمه إلى ناحية أخرى وهي الموضوعية التي اتسم بها منهج المؤرخ العربي أمين مدني فيقول: "ولذلك جاء بحث الأستاذ أمين مدني هادفًا إلى الحقيقة ذاتها ولا يميل إلى التعصّب لأحد أو على أحد فتراه يقف وجهًا لوجه أمام الآراء المتصارعة ويناقشها في أسلوب العالم المنصف الذي لا سلطان لشيء عليه إلا الحجة والمنطق" ويوضح مؤلف الموسوعة التاريخية نفسه الصعوبات التي صادفته عند كتابته لهذا العمل التاريخي الموثق والذي يصل في أجزائه الثلاثة التي أتمها في حياته الحافلة بالعطاء الأصيل والمتميز إلى حوالي 1650صفحة، يوضح الأستاذ أمين مدني موقفه من ذلك كله فيقول: فلولا ما جاء في الكتب المنزلة، ولولا ما جاء من الآثار المكتشفة لدفن تاريخ الجزيرة القديم إلى أبد الدهر فالذين يؤمنون بالكتب المنزلة من السميع العليم لا يستطيعون أن يكذبوا بما جاء فيها من آيات بينات تدل على وجود أمم في غابر هذه الجزيرة كانت تبني في كل ريع آية، وكانت تنحت من الجبال بيوتًا، وكانت إذا بطشت بطشت جبارة فتاكة، والذين اقتنعوا بالآثار الدفينة لا يستطيعون أن ينكروا ذهب الجزيرة ونحاس الجزيرة وبخور الجزيرة وأسواق الجزيرة وقوافلها وطرقها في الجزيرة، ولا يستطيعون أن ينكروا آثار ثمود ومدين ومدن السبئيين والجرهميين، والعمانيين وقصورهم المزخرفة بالذهب والفضة والأحجار الثمينة، ولا يستطيعون أن ينكروا قدم البيت وطهره، وقداسته منذ رفع قواعده إبراهيم وإسماعيل.
لقد احتفى الصديق الأستاذ الدكتور عبدالرحمن الأنصاري بالطبعة الثالثة الجديدة من موسوعة المؤرخ العربي أمين مدني، وذكر في مقدمته للجزء الأول من هذه الموسوعة "التاريخ العربي وبدايته" النتائج التي توصل إليها الباحث من خلال عمله هذا؛ وهي "إثبات صحة الكثير مما جاء في مصادر التاريخ العربي من عصور ما قبل الإسلام؛ إذ ثبت لديه أنها لم تكن كلها قصصًا خيالية وضعها الإخباريون العرب ودلل على ذلك بأن البحوث الأثرية أثبتت صحة بعض تلك القصص والروايات.
وقد ختم معالي السيد إياد أمين مدني تقديمه لكتاب "محب التاريخ" للدكتور مصطفى إبراهيم حسين، والدكتور شكري فيصل بهذه العبارة الهامة عن هذا العمل التاريخي الشامل وتفعيله في حياتنا المعاصرة: >بقي فقط أن يعطيه الناس حقه، ولعل المسؤولية تبدأ بجامعاتنا وأساتذتها وإن كان بعض من خطوا للأدب خطوطه الأولى بدءوا في أخذ حقهم من العناية والاهتمام؛ فإن للمؤرخين والمحققين واللغويين حقًّا ينتظر الأداء كل محفل يعلو على أرض هذه الجزيرة. وإن كان الأديب هو ذلك الذي يبلور ضمير الأمة ووجدانها؛ فإن المؤرخ والمحقق هو الذي يوصل تاريخها ويؤكد جذورها..".
ويمكنني القول بعد عبارة الابن الوفي أبي مازن لتراث والده الجدير بالاحتفاء والدراسة والتقدير: إن عددًا من رموز الكتابة التاريخية في بلادنا يستحقون الاهتمام والرعاية العمليين من أمثال عبيد وأمين مدني، وحمد الجاسر، وعبدالقدوس الأنصاري، وأحمد السباعي وعبدالله بن خميس، وأحمد عبدالغفور عطار، ومحمّد العقيلي، ومحمّد حسين زيدان وأحمد جمال، وعبدالكريم الجهيمان، وعاتق بن غيث البلادي، وسواهم من جيل الأكاديميين العاملين وفي مقدّمتهم الدكتور عبدالرحمن الطيب الأنصاري.
 
 
طباعة
 القراءات :238  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 58 من 107
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتورة مها بنت عبد الله المنيف

المدير التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني للوقاية من العنف والإيذاء والمستشارة غير متفرغة في مجلس الشورى والمستشارة الإقليمية للجمعية الدولية للوقاية من إيذاء وإهمال الطفل الخبيرة الدولية في مجال الوقاية من العنف والإصابات لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية، كرمها الرئيس أوباما مؤخراً بجائزة أشجع امرأة في العالم لعام 2014م.