شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة معالي فضيلة الدكتور عبد اللطيف آل الشيخ))
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم. والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
لا يفوتني في بداية هذا اللقاء المبارك أن أشكر الأستاذ الكبير والشيخ الفاضل والوجيه، الشيخ عبد المقصود خوجه الذي أنعم علينا بكرمه بهذه الدعوة المباركة التي أتاحت لي الفرصة الالتقاء بهذه الوجوه الطيبة الذين نحبهم خاصة، وأكثرهم من هذه الأرض المباركة، من مكة المكرمة، التي من لا يحبها فلا يحب الإسلام.
أقول إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو أمر وتكليف وتشريف من الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة، أمة الإسلام التي اختصها بالخيرية في قوله سبحانه وتعالى كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ (آل عمران: 110)، كما اختص فئة من هذه الأمة بالقيام بمرتبة أكبر في هذه الوظيفة العظيمة -التي عدّها العلماء ركناً من أركان الإسلام، وهي شعيرة من شعائر الإسلام- من خلال التطبيق القولي والعملي لها، فقال الله سبحانه وتعالى وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ (آل عمران: 104)، وما قاله النبي العظيم محمد بن عبد الله صلى الله عليه و سلم "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه"، فجعل مراتب الإنكار بحسب حدود الصلاحيات، وكأنه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ينظّم هذا العمل، بحيث لا يكون فوضى، ولا يكون فيه ارتجال، ولا يكون فيه أن يتخذ كل من أراد أن يأمر أو ينهى المرتبة العليا التي هي الأخذ باليد أو باللسان، وإنما يتدرج بحسب القدرة، وبحسب ما لديه من آلية علمية تمكّنه من القيام بهذا العمل. والآلية هي القوة التي تُمنح إليه من قبل القيادة، ومن لهم حق الريادة في هذه الأمة. فقدرنا أن اختارنا الله سبحانه وتعالى، وميّزنا على الأمم، وجعل الخيرية فينا ما أقمنا هذه الشعيرة، وهذا الركن العظيم الذي هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والذي هو صمام الأمان لكل أمة تريد أن تعيش حياة رغيدة هنيئة سليمة من المنغصات. لذا لا بد أن نكون شريحة من شرائح الأمة نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، ونحقّق أمر الله سبحانه وتعالى فينا. فكلٌّ منكم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. فلا يوجد مسلم، ولا يوجد من يؤمن بالله وسبحانه وتعالى، إلا ويؤمن بأنه آمر بالمعروف وناهٍ عن المنكر بقدر ما لديه من إمكانات وقدرات، وبقدر ما هيأ له الله سبحانه وتعالى. فكل واحد منكم يعرف عِظَمَ هذه الشعيرة، ويعرف أن لا خيار لأحد من أمة الاسلام، ولا قدرة، ولا تمكين في الأرض ما لم نُقم هذه الشعيرة. كما أنه لا أمن ولا استقرار لنا ما لم تُقَم هذه الشعيرة، كلٌ بحسب جهده وقدراته. فإماطة الأذى أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، ومكافحة الغش التجاري من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإحسان إلى الأيتام والضعفاء من الأمر بالمعروف، والأمر بهذا وذاك وغيره كثير. فلذلك لا بد من أن نعلم كل مسلم يحمل هذه الرسالة ويؤديها يومياً من حيث يعلم أو لا يعلم. وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى عليه حتى يكون له رصيد في الآخرة، إن شاء الله، وسيكون في ميزان أعماله الصالحة، فسيذهب من هذه الدنيا وقد وجد له رصيداً من الخير العميم الذي ما كان يتوقعه، ولو كان بإسقاء قطة ماء أو إعطاء عصفور قليل من الحبّ.. فهذا كله من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أعود إلى الأمر بالمعروف وتكوينه في المملكة العربية السعودية. فباختصار، ذلك أن شيخنا الكريم الشيخ عبد المقصود والأساتذة الأفاضل لم يبقوا لي شيئاً فأتحدث فيه، فجزاهم الله عني وعنكم خير الجزاء. فأقول إنه بعد استعادة الملك عبد العزيز -رحمه الله- مدينة الرياض، وبعد أن أصبحت تحت ولايته المباركة، كان هناك من يقومون بالأمر بالمعروف وينهون عن المنكر تطوّعاً واحتساباً، لا يبتغون إلا رضا الله سبحانه وتعالى، وتحقيق مصلحة الأمة، وتحقيق مصلحة الناس بقدر جهدهم وطاقاتهم، وكانوا الناس يتقبلون منهم. فلم يكن لديهم شُرَطٌ، ولم يكن لديهم وسائل تجبر الناس على السمع والطاعة لهم، ولكن لما جبلوا عليه من حب الخير والرجوع إلى الحق، فكان ذلك سبباً في قبول الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر المتبرعين حينذاك. ولم يكن هؤلاء من عوام الناس، وإنما كانوا من علماء الأمة. ولم يقم بهذا أفراد، أو أناس لا يعون أبعاد ما يقومون به من خلال الأمر والنهي، وإنما كان يقوم به خيار الأمة، لأن هذه هي رسالة الأنبياء التي كلّفهم بها الله سبحانه وتعالى لإحياء أرواح البشرية وأفكارهم، وتحقيق الأمن والسعادة لهم على هذه الأرض الفانية. فحينما دخل الملك عبد العزيز إلى المدينة الرياض، وأعادها إلى حكمه المبارك، أنشأ نواة جهاز هيئة الأمر بالمعروف في عام ألف وثلاثمئة وتسعة عشر هجرية، وواصلت هذه النواة تتطور بتطور الدولة وتوسعها، حتى أصبح لها هيئات مستقلة ومراكز وأعوان ومعاونون يؤدون هذه الشعيرة وفق منهج محمد بن عبد الله صلى الله عليه و سلم. ولم يكن هؤلاء متجسسين، أو متسوّري أسوار، أو محطّمي أبواب، وإنما كانوا رحماء للناس، وكانوا يقدمون الرسالة الجميلة التي استقوها بما لديهم من سلاح علمي ماضٍ، ولم يقوموا بذلك من خلال قوة بدنية أو عصبية، أو تشفٍّ في الناس.
لقد كانت الرسالة واضحة، وكان العلم يمكّنهم من القيام بهذه الشعيرة. واستمر الأمر على هذه الوتيرة، حتى أنشئت في 20 صفر عام ألف وثلاثمئة وخمسة وأربعين هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من قِبَلِ أعيان مكة المكرمة وعلمائها الذين كانوا في وقتها من خيار العلماء، ومن يمثّلون الأسر الكريمة، ولهم قبول أيضاً في المجتمع، ويحسنون أيضاً إدارة هذه المؤسسة التي تحتاج إلى آلية علمية متميزة وعقول نيرة، فضلاً عن قوة في الحق وصبر على القيام به، فرشّح الملك عبد العزيز -رحمه الله رحمة واسعة- الشيخ محمد عقيل، والشيخ محمد شرواني، والشيخ عبدالله شيبي، والشيخ عبد الرحمن بشنابي، والشيخ عمر جان، والشيخ عباس عبد الجبار، والشيخ عمر فقيه، والشيخ عبد الرحمن زواوي، والشيخ حسين باسلامة، والشيخ حسين نائب الحرم، إذ كان أكثرهم محتسبين للقيام بهذه الوظيفة العظيمة. وكان هؤلاء من علماء مكة المكرمة، ومن وجهائها، ومن رجالها الأخيار الذين اشتُهروا بالعلم والحكمة والقبول عند الناس، فاستمروا بأداء هذه الرسالة، وتمكّنوا من خلالها بأداء الواجب الذي يُرضي الله سبحانه وتعالى، ويحقق العدل بين الناس، ويحفظ لهم دينهم وعقيدتهم، ويحفظ لهم أمنهم واستقرارهم، مستوحين بعملهم هذا منهج محمد بن عبدالله صلى الله عليه و سلم، في أداء هذه الرسالة العظيمة. وكانوا ممن حازوا سبق الفضل في تأسيس هذا الجهاز المبارك مع إخوانهم في الرياض الذين قاموا أيضاً بإقامة هذا الصرح العظيم، في عام ألف وثلاثمائة وست وأربعين. وفي عام ألف وثلاثمائة وسبعة وأربعين تم تعيين الشيخ الفاضل والعالم الجليل الشيخ عبد الظاهر محمد أبو السمح رئيساً عاماً لهيئة الأمر بالمعروف بمكة المكرمة. وتم في عهده أيضاً -رحمه الله- إعداد مذكرة تحدد مسار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، اقتبسها من مؤلفات العلماء، وما ذكروه في كتبهم للقيام بهذه الشعيرة وفق ما يُرضي الله سبحانه وتعالى، ويحقق المراد منها.
استمر هذا الجهاز المبارك في عهد الملك سعود -رحمه الله- الذي طوّره وحاول إيجاد الرجال والكوادر البشرية القادرة على القيام بهذه الرسالة. وحرص كذلك الملك فيصل -رحمه الله- شهيد الأمة على هذه الشعيرة وعلى إقامتها من خلال ما تمتع به من أفق إسلامي واسع في الداخل والخارج، فرحمه الله رحمة واسعة. وكما ذكر أحد الإخوان فإن الخطأ ليس في هذه الشعيرة، وإنما في المطبقين لها. فالخطأ ليس الإسلام كشعيرة، وإنما في المطبقين لبعض شعائر الإسلام. فالدين الإسلامي هو دين خاتم للأديان كلها، وهو دين صالح للبشرية جميعاً، فيه العدل والمساواة والرحمة وتنظيم أمور الإنسان، وما يسعده ويبقيه كريماً معززاً في الدنيا وفي الآخرة، وهذا بفضل الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة المحمدية.
في ذلك الوقت كانت الهيئة مقسّمة إلى قسمين، قسم في منطقة الرياض والشرقية وخط الأنابيب، يرأسه الشيخ عمر بن حسن رحمه الله. وأما القسم الآخر فكان في المنطقة الغربية، والتي تشمل منطقة مكة المكرمة وتوابعها وبعض المناطق الجنوبية والمدينة المنورة، وكان يرأس هذا الجهاز الشيخ عبد الملك إبراهيم آل الشيخ رحمه الله، ومعهم أعوانهم من أبناء المنطقة وعلمائها ومشايخها. فصدر في عام ألف وثلاثمئة وستة وتسعين أمرٌ سامٍ من الملك خالد رحمه الله، بجعل الهيئتين جهازاً واحداً أطلق عليه "الرئاسة العامة لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وعين رئيسها برتبة وزير. وكان أول من عُيّن لهذا المنصب، بعد ضم جميع أفرع الهيئتين اللتين كانتا تقومان بهذا العمل، معالي الشيخ عبد العزيز بن عبدالله آل الشيخ، شقيق معالي الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ، وزير المعارف السابق، فاستمر العمل في هذا الجهاز المبارك بجد وإخلاص. وقد اجتهد كل من أصحاب المعالي والفضيلة - ونحسن الظن بهم- ولا شك في أن الأمر لم يكن سهلاً، كما أن الإمكانات لا تتيسر في كل زمان، فضلاً عن أنه لم يكن من السهل إيجاد الطاقات البشرية للقيام بهذه الشعيرة، فهي من أخطر الأعمال التي تُسنَد إلى أي إنسان. وتولى هذا المنصب من بعده الشيخ عبد العزيز بن عبدالله آل الشيخ رحمه الله، ومن ثم الشيخ عبد العزيز محمد بن إبراهيم، ثم الشيخ الدكتور عبد العزيز بن سعيد، ثم الشيخ إبراهيم الغيث، ثم الشيخ عبد العزيز الحميد، ثم محدّثكم. وسننتظم في السبحة، ونرجو أن نُذكر في يوم من الأيام بالخير، إن شاء الله.
هنا أود أن أشيد بتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك، عبدالله بن عبد العزيز، هذا الملك الذي يحمل هَمَّ الأمة، ويحمل كل محبة لكل مواطن في هذه الأرض، ولكل إنسان يدب في هذا الوطن.. ولا أقول هذا مجاملة، ولا تصنّعاً، فالله سبحانه وتعالى سيسألني عن ما أقوله فيه.. فحينما صدر الأمر الكريم بتعييني في هذا المنصب، ولا شك في أن الحمل كبير والمسؤولية عظيمة والطريق خطر، وفيه ما فيه ممّا تعلمون منه الكثير وتجهلون اليسير، أوصاني بأمور مهمة:
أولاً: أن نحافظ على ثوابت الإسلام، وأن لا نقصر في المحافظة عليها وأدائها.
ثانياً: أن نلتزم بحق المواطن، بمعنى أن لا يُكدَّر صفو أي مواطن في هذه البلاد من خلال سوء استعمال سلطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إما جهلاً، أو تعسفاً. وقد أمر حفظه الله بأن يكون هذا الجهاز مثالاً في حسن التعاون، مقتدين بخطى محمد بن عبدالله صلى الله عليه و سلم، وعلى آله وصحبه، وبانتهاج نهجه العظيم، ونهج الخلفاء الراشدين والأخيار من هذه الأمة. فقد كان حفظه الله يتابع عملنا في كل دقيقة وجليلة. فكان إذا ما وصله أي تظلم من أحد المواطنين، يبادرنا في خلال مدة لا تتجاوز ثمان وأربعين ساعة بالسؤال عن المسألة، وعلينا أن نقدّم إجابة صريحة واضحة، إما باعتذار أو بنفي، أو نلتمس العذر في بعض الأحيان. فليس كل ما يُعلم يُقال. فخادم الحرمين الشريفين متّعه الله بالصحة والعافية وأبقاه وولي عهده الأمين سلمان بن عبد العزيز يوصيانني دائماً بالرفق بالأمة، وإقامة هذه الشعيرة وفق منهج محمد بن عبدالله صلى الله عليه و سلم. وكان يدأب على هذا قبلهما فقيد الأمة، الأمير نايف بن عبد العزيز. فكان رحمه الله كلما رآني أوصاني بما كان يوصيني به الملك عبدالله بن عبد العزيز. وكنت زرته رحمه الله قبل وفاته بمدة قصيرة في مكتبه، وكان معه رئيس مكافحة الفساد، ومعالي رئيس الادعاء العام، ونائب رئيس رابطة العالم الإسلامي، فحينما أردت توديعه أوصاني بوصايا عظيمة جداً لا أزال أعمل بها، وسوف أستمر بذلك إن شاء الله. لقد كان رحمه الله يستحق أن يُدعم بكل دقيقة من الوقت، فقد كان يقود الأمة ويعمل الأعمال العظيمة لمصلحة الوطن ومن على هذه الأرض. وحري بنا ذكر الأموات، فمن لا يذكر الأموات، فلن يذكر الأحياء بخير.
لا شك أن كثيراً من العقبات والمحاذير اعترضتني، ولكن بفضل الله سبحانه وتعالى، ثم بفضل توجيهات خادم الحرمين الشريفين، وبفضل مساندة إخواني من أبناء هذا الوطن، وبفضل كثير من منسوبي هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تمكّنا من تجاوز الكثير، ولكن لا يزال يعترضنا الكثير أيضاً. ونتمنى من الله سبحانه وتعالى العون في مسعانا.
لقد انتهجت في هذا الجهاز المبارك سياسة تعتمد أولاً على منهج الباب المفتوح، فلا يُغلق باب مكتبي أبداً. فيمكن لمن شاء أن يراني في أي وقت شاء، كما أنني أتلقى مكالمات هاتفية حتى الساعة الواحدة ليلاً من الرجال والنساء. وقد كان في هذا الفعل عون لي على أداء عملي بما أتلقاه من ملاحظات الإخوة المواطنين، وبدعمهم في بعض القضايا التي تقتضي التقصي والمتابعة. كما كان لرجال الإعلام فضل كبير، بعد الله سبحانه وتعالى، في مساعدتنا، وفي تبيين الرؤيا، وفي محاولة التشجيع والدعم، وهم مشكورون على جهودهم.
أنتهج في هذا الجهاز سياسة تنطلق من عدة محاور، فتدوير القيادات، وجعل الرجل المناسب في المكان المناسب، أتاح الفرصة للشباب، فضلاً عن التسامح فيما لو حدث خطأ ما، فإن كان خطأً من سوء، يؤاخذ صاحبه، وإن كان مجرد خطأ فينبه صاحبه، ويوضع في المكان الذي يتناسب مع قدراته وإمكانياته. كما ألغينا في غضون شهرين من تولي منصبي في 19/02/1432هـ، ألغينا ما كان يسمّى بـ "المتعاون"، واعتبرنا أننا إن لم نقم بكل شيء، فيكفي أن نقوم بجزء منه، على أن يكون عملاً منظماً لا اجتهاد فيه، ولا تطوع، ونالنا بسبب ذلك سباب وشتائم، ونعوت منها تغريبي وتشريقي وتيسيري، ولا أدري -والله- من أين جاءتنا هذه المصطلحات في هذا الزمان. المهم أننا منعنا المتعاونين، لأننا لا نستطيع تحديد من قام بأمر من الأمور، وقد يسيء لهذه الشعيرة بغير قصد أو بقصد. وحصل ما أردنا بفضل الله. وكان هؤلاء بعشرات الآلاف، منهم من كانوا من الموظفين، ومنهم من كان من قطاعات عسكرية، ومنهم من كانوا عاطلين، ومنهم من كانوا شباباً في المدارس، وكان كل منهم يرى أنه الحاكم بأمره، فانتهت هذه المرحلة، ولله الحمد والفضل.
ثم بدأنا في مجال التدريبات، وذلك بإقامة دورات وورش عمل، ففي العام الماضي تم استهداف حوالى ستة آلاف وسبعمئة حصة في الميزانية، موزعة على العاملين في الميدان. وفي هذا العام الذي بدأ مع الميزانية الجديدة، فقد تم استهداف أربع عشرة وسبعمئة حصة، وإن شاء الله لن ينتهي هذا العام، إلا وقد انتهى الهدف من القيام بعمل الدورات التوعوية والإرشادية، وما يعين العامل في الميدان على أدائه رسالته بأسلوب حضاري يتماشى، فضلاً عن تقديمه رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في القالب الذي أراده الله سبحانه وتعالى، وأراده محمد بن عبدالله صلى الله عليه و سلم، ويحقّق الحاجات، وما يريده أبناء هذا الوطن الغالي. ونحمد الله أن أبناء هذا الوطن كلهم مسلمون، أبناء مسلمين، وكلهم - ولله الحمد- يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. ولا شك في أن هناك تجاوزات، فحتى الأخطاء وُجدت في عهد الرسول صلى الله عليه و سلم، فُوجد من شرب الخمر وأُدِّب، ووُجد من سرق وقُطع، ووُجد من زنا وأُقيم عليه الحد، لكن هذا لا يعني أن المسلمين في عهد الرسول صلى الله عليه و سلم كان يغلب عليهم طابع الخطأ في أمور حياتهم. فنحن نمثّل الآن أمة الإسلام، ولدينا أخطاء، ونعترف بالأخطاء، وكلٌ يخطئ ويتوب، فالله سبحانه وتعالى يحب من أخطأ أن يتوب ويعود إليه راجعاً صادقاً تواباً.
أما القضايا التي قمنا بضبطها فهي قضايا نوعية، ولله الحمد. وأكاد أجزم أنها تسر الجميع، فقد ذكر شيخنا الفاضل وأستاذنا الكبير إحصائيات تخص مدينة الرياض فقط. وأما الإحصائيات في عموم المملكة من 06/02/1433هـ وحتى 19/05/1434هـ، فهي إلقاء القبض على 215 ساحراً ومشعوذاً، وأما قضايا الابتزاز الذي عمّ وكثر في المجتمع بالاستعمال غير الرشيد وغير السليم للتقنية الحديثة، فقد تم التعامل مع 700 قضية، وتم تصحيح الوضع -ولله الحمد- والستر على من وقع عليهن الابتزاز وتأديب المبتز عبر المحاكم الشرعية. وأما في قضايا الاتجار بالبشر، وهي فعل محرّمٌ دولياً، فكل ما يضرّ الإنسان محرّم في جميع الدول، وليس لدينا فقط، فالاتجار بالبشر الذي نسميه نحن القوادة أو تسمونها ما شئتم -أكرمكم الله- فضبطنا 554 قضية. وأما الخمور، فكما تعلمون فإن الخمور تفوح منها رائحة حين تصنيعها، فلو صنّعت في أي حي من الأحياء، فستفوح من مصانعها الروائح السيئة، فلذلك يستخدم الصناع ذكاءهم -والغاية تبرّر الوسيلة- ويقيمون مصانعهم في مجاري الصرف الصحي. وقد تم اكتشاف 426 مصنعاً، وتم تدميرها.. وكفى الله المواطنين والوافدين والزائرين شرور هذه المصانع. فكان أنّ ممّن وقع في مصيدة هؤلاء فشرب من خمرتهم في الصباح وفقد بصره في المساء. وفي حالات موثقة عندنا وجدنا أنهم يضعون المياه الآسنة في المتخمرة، كما يضعون فيها حتى الجراد الميت والمخلّفات البشرية والكلوركس، واليانسون والمعطرات كذا فيستعملها من يستعملها ظناً منه أنه سيجد نشوة وسعادة في لحظات، ثم ينتهي به الأمر إلى الإصابة بمرض الكبد الوبائي أو فقدان البصر أو غير ذلك.
ومن قضايا الابتزاز ثمة فتاة اتصلت بنا من كندا تطلب مساعدة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأبلغت عن شخص كان يبتزها في مدينة الرياض بواسطة صورها التي التقطها لها حينما تعرّف إليها في وقت من الأوقات، وكان يبتزها. فاتصلت بنا وقامت الهيئة بتتبع هذا الشخص وإلقاء القبض عليه، وسحب ما لديه من صور لهذه المرأة التي وقعت في سوء عملها.
هناك قضايا كثيرة جداً، منها التغرير بالمراهقات وصغيرات السن من خلال التقنية أو من خلال بعض الرجال الذين لا ضمير لهم ولا وجدان. فنجد بعض الأحيان فتاة لا يتجاوز عمرها اثنتي عشرة سنة مع شخص يجاوز عمره الأربعين سنة. ومن لا يصدق فليأتِ إلينا في الصباح وليرَ الأعداد التي يُلقى القبض عليها في مدينة الرياض، أو في المدن الكبرى، من فتيات قاصرات يستَغل سذاجتهن وبساطتهن بعض من لا ضمير له ولا دين ولا حياء.
نحن نعمل لهذا المجتمع ونعمل لحماية محارم المسلمين، ونعمل من أجل أن نسعد جميعاً في وطن ينعم بالأمن والاستقرار والعدل. ولم نقصد في يوم من الأيام إيذاء أي شخص. ولا شك في وقوع بعض الأخطاء أثناء أدائنا لعملنا. فمن لا يخطئ لا يعمل. نحن نعمل، وقد يخطئ الإنسان، ولكن نحمد الله أنه لم تقع أخطاء جديرة بالذكر منذ مدة ليست بقصيرة. فعلى سبيل المثال إذا أخطأ فرد، فهل يعمم هذا على ستة ألاف فرد، يعملون ليل نهار؟ ويعمل أكثرهم ثلاث عشرة ساعة في اليوم، وليس ثماني ساعات. ولا يتمتعون بأي ميزة عن أي موظف آخر يعمل في مكتب مكيّف، يأتي في الصباح، ينجز بعض معاملات ويغادر في الساعة الثانية ظهراً. هؤلاء يعملون في الشوارع، وفي الطرقات، ويصطدمون ببعض الأمور التي لا يعلم بها إلا الله سبحانه وتعالى، فيجب أن لا نصغي كثيراً إلى بعض السلبيات. لا بد من أن نقيم موازنة. فإذا كانت الإيجابيات أكثر فيجب أن نحمد الله سبحانه وتعالى، وأن نثني على من يقومون بهذا العمل. وأما إذا كانت السلبيات أكثر فهذا يدل على وجود خلل، ويجب ألا نستمر في هذا الخلل، ويجب أن يقول المجتمع لنا: (تراكم) أخطأتم، ويجب أن تعملوا ما يرضي الله سبحانه وتعالى قبل كل شيء، وما يحقق الأمن والاستقرار لنا في هذا الوطن، الذي ننعم فيه بقيادة -ولله الحمد - عادلة ورشيدة، فلا نرضى ولا ترضون أنتم جميعاً بأن ينال أي انسان في هذا الوطن سواء من الضيوف أو من الذين جاءوا لاكتساب الرزق الحلال أو من أبناء الوطن وبناته. رسالتنا للجميع أننا نخدمكم ونسهر على راحتكم، ولا ننوي إيذاء أحد، وأننا نعمل ساعات طويلة، فإذا أخطأنا فإننا نخطئ، ونعتذر ونستغفر الله سبحانه وتعالى. وعليكم أيضاً أن تصفحوا عن أي خطأ يحصل لأنه غير مقصود. فليس من العدل ولا الإنصاف أن يكبّر الخطأ وتذهب جميع هذه الحسنات. فحتى في الدول التي نسميها ديمقراطية، والتي تسود فيها الحرية، فهناك من يكافح المخدرات وينزل بهم أشد العقوبات، وهناك من يكافح التطرف، وهناك من يكافح الاتجار بالبشر، وهناك من يكافح من يريد أن يأخذ أموال الناس بالباطل بأية وسيلة من الوسائل، فلذلك يجب أن نقدر لهذا الوطن ما أنعم الله علينا فيه من أمن واستقرار وخير، وأن نقدر للعاملين فيه ما يقدمونه لنا، وأن نقدر أيضاً ما نقدمه جميعاً كل بحسب قدرته، ففي يوم سنقف فيه بين يدي الله سبحانه وتعالى، يوم لا ينفع مال ولا بنون. هذا هو العمل الصالح الذي يجب أن نتمسّك ونتعاون فيه.
عملنا ولله الحمد في رئاسة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عمل مؤسساتي الآن، فلا يتخذ القرار من طرف واحد، وكذلك لا يتخذ العامل في الميدان الإجراء من طرف واحد، وإنما يتصل برئيس الفرقة، ورئيس الفرقة يتصل بالآمر المناوب، ثم يكون هناك تنسيق فيما بينهم، فإن كانت قضية بسيطة انتهت، وإذا كانت قضية تستحق إجراء، فإنهم يتصلون بمن هو أكبر. وكثير من القضايا، بل المئات والآلاف يتم الستر على أصحابها. والله، نجد نساء وفتيات مع رجال، ونجد أشخاصاً تفوح منهم رائحة المسكر، فنقوم بمناصحتهم، والعتب عليهم، ونحاول ألاّ يعودوا لهذا الأمر. ولكن إذا ما كابر أو أصر على هذه الكبيرة، فليس لنا خيارٌ إلا أن نتعامل معه وفق ما يحقق الأمن والاستقرار والعدل لهذا الوطن. أما أن نُجرّم في قضية واحدة مثل ما قال بعض الإخوان، فأنا لا ألومهم إذ إن وطنيتهم وحسهم المرهف يدفعهم إلى إبداء الرأي، وليس اتخاذ موقف من الهيئة. ولا شك في أنني أقدّر كل من يبدي رأيه بصراحة وأُكبر فيه ذلك، ولكن يجب أن يكون عادلاً فيما يقول، فنحن بشر، ولسنا ملائكة. ومن قال أننا لا نخطئ فقد أخطأ، ومن قال أننا لا نعمل فقد أخطأ أيضاً، فنحن نعمل، ويعلم الله ما نقدّمه إلى هذا الوطن، وما نقدمه إلى أبنائنا وإخواننا المواطنين. فجهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سيحقق -بإذن الله الأمر بالمعروف بمعروف والنهي عن المنكر بلا منكر. وسيكون في ذلك رسالة إلى جميع شعوب العالم من خلال العمل الشخصي المنظم الذي يجتمع فيه العمل الوظيفي والعمل الاحتسابي الخيري. ونرجو أن تعينونا على هذا باقتراحاتكم، وسنكون إن شاء الله عوناً لولاة أمر هذه البلاد في إيجاد مجتمع صالح.. مجتمع سعيد آمن مستقر بإذن الله.
أكرر الشكر لله سبحانه وتعالى، ثم لرائد الإصلاح في هذا العصر الحديث خادم الحرمين الشريفين، ولعضده الأمين سلمان بن عبد العزيز، ولجميع من يبذل الجهد في تحقيق أمن واستقرار هذا الوطن ورخائه.. كما أشكر شيخنا وأستاذنا الكبير عبد المقصود خوجه، والأساتذة والإخوان جميعاً على تكرمهم علي بما أبدوه لشخصي الضعيف، وإن كان ثناؤهم لي قد أحزنني، لأنني أحس أنني لست كفؤاً لهذا، ولكن حسنهم بالظن هو من باب تطبيق الإحسان بالظن برجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فشكر الله لهم جميعاً وشكر الله من أهدى إلينا عيوبنا، وأعدكم إن شاء الله أنكم ستجدون جهازاً- اصبروا علينا، فنحن نعلّم الآن وندرب وندرّس، والإخوان مجتهدون، فعليكم بالصبر وعلينا إن شاء الله بذل الجهد والطلب من الله سبحانه وتعالى أن يسدد خطانا، وأن يوفقنا، وأن يجعلنا إن شاء الله عوناً لكل الخيّرين في هذا الوطن لتحقيق خيرية هذه الأمة من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن نبذل الجهد كلٌ بقدر استطاعته، وألا نصغي إلى المتطرفين، ولا نصغي إلى المتشائمين، ولا نصغي إلى من يستعمل أية آلة، سواء آلة التطرف الديني أو آلة التطرف في النيل من وحدتنا وقوتنا وتمسكنا، أو تشكيكنا في ثوابت ديننا، فنحن ولله الحمد أبناء هذا البلد الطيب وهذه الأمة النقية الطاهرة، وكل منا في هذا الوطن يقوم بحمل رسالة محمد بن عبدالله صلى الله عليه و سلم، ويقوم بما يستطيع لتحقيق خيرية هذه الأمة. فأسأل الله سبحانه وتعالى لي ولكم المغفرة. ولم أنسَ أخواتي، فالله يعلم أنني أجلّهنّ وأقدرهنّ وأحترمهنّ، فالصغيرة أعتبرها ابنتي، والكبيرة أختي. ولا أبدي لهن إلا ما أكنّه لابنتي أو لزوجتي، وأسأل الله سبحانه وتعالى لهنّ العفاف وأن ينعم عليهنّ بحياة اجتماعية وأسرية سعيدة. وأسأل الله لكم جميعاً أيضاً أن تنعموا بأمنكم واستقراركم، وأن يعينكم الله سبحانه وتعالى على أن تؤدوا واجبكم لتلقوا الله سبحانه وتعالى، وهو راضٍ عنا وعنكم، وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وشكر الله لمن أحسن إلينا في هذا اللقاء المبارك.. بارك الله له في عمره وعمله وصحته وماله، إنه على كل شيء قدير.
 
الشيخ عبد المقصود خوجه: في الحقيقة كلمات الليلة استهلكت كل وقت ((الاثنينية)) كما تعلمون، بل وزادت، ولكن لا بد من الحوار الذي يُجرى عادة بين الضيف والحضور الكرام، من سيدات وسادة، فأرجو من أستاذنا الكريم أن نبدأ بالحوار. وأن تكون الإجابة مختصرة حتى نعطي وقتاً لأكبر عدد من الأسئلة. شكر الله لكم وأحسن إليكم.
عريف الحفل: نعم.. نشكر فضيلة الدكتور عبد اللطيف آل الشيخ الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أنتقل بسرعة إلى قسم السيدات، إلى الزميلة نازك الإمام لترحب بضيفنا من قسم السيدات، وليكن السؤال الأول أيضاً من قسم السيدات.
 
طباعة
 القراءات :231  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 152 من 163
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج