شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه))
أحمدك اللهم كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وأصلي وأسلم على خير خلقك حبيبك وصفيك سيدنا محمد، وعلى آل بيته الكرام الطاهرين وصحابته أجمعين.
الأستاذات الفضليات، الأساتذة الأكارم، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته:
حشد في نصه ببلاغة تصويرية مدهشة: أصواتاً وصوراً، جعلت فضاء النص يعج بغبار المعارك.. وقع سنابك الخيل، ومسابقات فحول الشعراء. فهاهنا شاعرٌ يصول ويجول. وهناك في خيمة قصية، في الركن الشرقي لبادية النص يتباهى آخر، يتأمل في الوجود والإنسان.. الحياة والموت.. وكل ذا المسرح الضاجّ بالحركة، هو بعضٌ من متاع ما حمله ضيفنا الكبير الدكتور عبد العزيز بن محمد الفيصل، الأكاديمي والباحث والإعلامي المعروف، قادماً إلينا من مخيلة معبقة بتاريخ عزيز على النفس، نجح في تشخيص ملامحه: مكاناً وزماناً، شخوصاً وأحداثاً.. في ما حققه من نصوص.. وما أجراه من أبحاث، وما بثّه من أحاديث للإذاعة والتلفاز بقدرة توثيقية كبيرة، وبلاغة تصويرية مدهشة، تجعلك وأنت تقرأ: تستعيد كل ذلك التاريخ، وكأنك تراه ماثلاً أمامك.
وعدا ما في جهوده المقدّرة لتوثيق تراثنا الشعري والأدبي من قيمة جمالية رفيعة، ودقة علمية مشهودة، فإنّ ما لفتني، في ما اطّلعت عليه من بعض ما تيسر لي من كتاباته، وما كتب عنه، هو ذلك الاختلاف البيّن بين منهجه ومنهج من توفّروا على درس المعلقات العشر، وبخاصة حين يتعلق الأمر بذكر الأماكن التي جرت فيها بعض الأحداث، من معارك وغيرها. فبينما اكتفى بعضهم بالإشارة إلى تلك الأماكن (كأسماء مواضع) من دون أن يبينوا موقعها الآن، وغير ذلك من المعلومات التي قد يشغف القارئ المعاصر بمعرفتها، فإن ضيفنا الكبير أتاحت له حظوة الانتماء إلى هذه الأرض المعطاءة، وإلى "نجد التاريخ"، أن يكون أكثر تدقيقاً في تحقيقه لما ورد من إشارات إلى "المكان" في نصوص شعر الأقدمين. ولعله تجول في تلك الأماكن متنسماً عبير ذلك الزمان، ومنصتاً في سكون وتأمل لما توشوشه الريح من خبر من غبروا، فلذا جاء تحقيقه متكاملاً للنصوص، ولملامح البيئة وخصائصها، ولعادات إنسانها في حلّه وترحاله. وهنا تكمن –بحسب تقديري- قيمة كبرى لمجهوداته المقدّرة، فهي توثيق، بقدر ما هي سياحة في الزمان والمكان، يمكن أن يستفاد منها في مناحٍ عديدة، ليس أقلها فهم هذه النصوص فهماً أكثر عمقاً وشمولية.
ثمة ملمح آخر شديد الأهمية في مؤلّفات الضيف الكريم، وهو اهتمامه بالمعاجم المختلفة التي خصّصها لبعض الحقول الأدبية والفكرية، والتي يستفاد منها عميم الفائدة في مجالات شتى. فقد توفر على دراسة غريب اللغة في معجم سمّاه (من غريب الألفاظ المستعمل في قلب جزيرة العرب)، ولعله رمى بذلك تجسير الفجوة بين الكلمات المستعملة قديماً، مع ما استجد من كلمات تحمل ذات المعنى، وإن كان لفظها الحديث لا يشابه ما كانت عليه الحال قديماً، وفي ذلك عون كبير لمن يهتم بالأصول التاريخية القديمة للهجات المحكية عند القبائل المختلفة. وهذا بحث مشوّق ومفيد في الوقت ذاته، إذ إنه كثيراً ما يتبادر الشك في صحة "عربية" بعض الألفاظ والكلمات المتداولة بين الناس. وحين انتبه ضيفنا الكريم إلى تصاعد وتيرة التحديث في منطقته (عودة سدير) كإحدى تجليات عصر الرفاه الاقتصادي، وكيفية انعكاس ذلك على جميع ملامح الحياة من نمط السكنى. فقد هُجرت بيوت الطين القديمة واستُبدلت بغابات الإسمنت والفولاذ، وضعف الاهتمام بالحِرَف والمهن التي اشتهرت بها المنطقة مثل زراعة التمور وغيرها، بانتقال شبابها إلى المدن. حين رأى ذلك كلّه، أحسّ بالحاجة، وهو القمين على التراث، بضرورة وضع كتاب يحفظ ثراء المكان كلّه: من طرق قديمة هُجرت، إلى حِرَف اندثرت، وعائلات انتقلت إلى مرابع أخرى. فحفظ ذلك كله في معجم آخر: "معجم عودة سدير"، حيث هدف منه ربط الأجيال الحديثة من أبناء المنطقة بتاريخهم، عدا إلقائه الضوء على علاقة "عودة سدير" بمناطق نجد الأخرى.
تعدّدت مسارات التأليف عنده، بما لا يتسع حيز كلمتي للتفصيل فيه، لكن لا بدّ من الإشارة إلى أنها شملت التاريخ والأدب، والأنساب والقبائل، ومعرفة البلدان، وهو ما يؤشّر إلى موسوعية اهتماماته التي توافقت مع ما أُتيح له من منابر متعددة، للتعبير عنها، سواء في قاعات الدرس محاضراً ومشرفاً على البحوث الأكاديمية، وفي الصحف والمجلات والإذاعة والتلفاز، وفي الندوات والمشاركات الثقافية الأخرى.
على أمل تجدد اللقاء بكم في ((الاثنينية)) القادمة، مع الدكتورة أروى بنت علي السيد، استشارية جراحة اللثّة وزراعة الأسنان، ورئيسة برنامج الزمالة السعودية لزراعة الأسنان، والحاصلة على وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى، تقديراً لجهودها المحمودة في اكتشافها لأسباب انتفاخ اللثة، طبتم وطابت لكم الحياة.
 
طباعة
 القراءات :375  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 95 من 163
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.