تَرَكْتُ رَوْضِي خَدّاً نَاعِماً ويَدَا |
خَضِيبَةً، وفَماً يَفْتَرُّ مُبْتَسِمَا |
تَهْوِي إليْهِ طُيُورٌ ما يُؤَلِّفُها |
رَوْضٌ سِوَاهُ، وإنْ غَطَّى الثَّرَى عَمَمَا |
تَظَلُّ تَصْدَحُ فيهِ كُلُّ جَارِحَةٍ |
مِنْها تَمورُ، لساناً شَادِياً وفَمَا |
لا أُرْجِعُ الطَّرْفَ مِنْ وَجْدٍ وَمِنْ شَغَفٍ |
إلاَّ إلَيْهِ، ولا أُعْطِي الخُطَى قدَمَا |
يا حُسْنَ أزْهَارِهِ ما كانَ مُنْتَثِراً |
يَبْهَى، وما كانَ في الأغْصَانِ مُنْتَظِمَا |
وجَدْوَلاً مِنْ جُذُوعِ الدَّوْحِ مَنْبَعُهُ |
ثَرْثَار، يَرْتَجِلُ الأحْلاَمَ والنِّغَمَا |
إذا أسَوْتُ لِهَمٍّ جِئْتُهُ خَبَباً |
وإنْ مُنِيتُ بِبَرْحٍ ذُقْتُهُ شَبِمَا |
عَهْدِي بهِ، وفَضِيضُ الطَّلِّ مُنْعَقِدَا |
مِنْ فَوْقِهِ، وشُعَاعُ الشَّمْسِ مُزْدَحِمَا |
يَهْذِي كَطِفْلٍ رأى شيئاً فأنْكَرَهُ |
فَجَاشَ باللَّغْوِ رَمْزاً مِنْهُ أوْ كَلِما |
تَرَكْتُهُ غيرَ مُهْتَمٍّ، ولا حَذِرٍ |
على هَوَاهُ، ولا مُسْتَشْعِرٍ نَدَما |
وَرُحْتُ أعْمَه ضَلِّيلاً، ولا أرَبٌ |
أُرِيغُهُ مِنْ زَمَاني، شَحَّ أوْ كَرُمَا |
أرْعَى الخَصيبَ، كما أرْعَى الجَدِيبَ سُدًى |
وأَشْرَبُ الضَّحْلَ أوْ أسْتَمْطِرُ الدِّيَما |
كِلاَ النَّقِيضَيْنِ مأْلُوفَانِ في قِيَمٍ |
وفي قَوَامٍ، ألا ما أتْفَهَ القِيَمَا!! |
قَدْ كانَ لي لَذَّةٌ، أيَّامَ لي نَفَسٌ |
أسْمُو بِهِ، وأجُوسُ الغابَ مُقْتَحِمَا |
والآنَ بَالَغَ دَهْري في مُشاكَسَتِي |
وسامَني الهَمَّ والتَّبْريحَ، والسَّقَمَا |
يا دَهْرُ مَا طَابَ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ كَدَرٌ |
فيهِ، ولا لَذَّ إلاَّ أعْقَبَ الألَمَا |
ولاَ أرَحْتَ فُؤاداً في شَبِيبَتِهِ |
إلاَّ ابْتَعَثْتَ لَهُ الأوْصَابَ والهَرَما |
يَلْهُو الغَبِيُّ، ومَا يَدْرِي! إذا امْتَلأَتْ |
يَدَاهُ مالاً، وفَاضَتْ دَارُهُ نِعَمَا |
أنا الأسِيرُ فَمَا يَرْجُو، وَقَدْ عُصِبَتْ |
عَيْنَاهُ لَيْلاً، ومَجَّتْ راحَتَاهُ دَمَا |
قَدِ انْطَوَى غَدُهُ في أمْسِهِ ومَضَى |
يَجْتَرُّ آهَتَهُ المُزْجَاةَ مُحْتَدِمَا |
ورُبَّ صُبْحِ غَزِيرِ النُّورِ مُرْتَقَبٍ |
يُخْفِي ورَاءَ ثَنَايَا ضَوْئِهِ الظُّلمَا |
والرَّوْضُ بالحُسْنِ، لا بالزَّهْرِ قِيمَتُهُ |
وإنْ أفَاحَ الشَّذَى، أوْ زاوَجَ العَنَمَا |
أنْ يَسْتَجِيبَ لَهُ الإحْسَاسُ مُنْطَلِقاً |
ويَسْتَرِيح إلى الأحْلاَمِ مُنْسَجِمَا |
كَمْ رَوْضَةٍ عُطِّلَتْ إنْ غابَ عاشِقُهَا |
وأصْبَحَتْ تَتَفَانَى بَعْدَهُ عَدَمَا |
كانَتْ تَعِيشُ بِحُبٍّ فانْقَضَى جَذَذاً |
وتَسْتَجيشُ بِرُوحٍ فاغْتَدَتْ رِمَمَا |
* * * |
لِيَهْنَ بالرَّوْضِ غِرٌّ لا يُقدِّرُه |
ولاَ يُمَيَّزُ مِنْهُ البَانَ والسَّلَمَا |
يَرَى اخْضِرَارَا، فمَا يَدْرِي أَخُضْرَتُهُ |
مِنْ لَوْنِهِ، أمْ مِنَ الطَّرْفِ الذي رأَمَا |
* * * |
يَا أيُّها الرَّوْضُ أغْضَتْ مُقْلَتي تَعَباً |
مِمَّا أرَى، وتَنَزَّتْ مُهْجَتي سَأَمَا |
وَصِرْتُ غَيْري، وَلَوْ أقْبَلْتَ تَنْفُضُني |
لَعُدْتُ عِنْدَكَ في المِيثَاقِ مُتَّهَمَا |
فَعِشْ لِنَفْسِكَ وامْنَحْ مَا حُيِيتَ بِهِ |
لِوَاغِلٍ جَالَ أوْ مُسْتَحْوِذٍ حَكَمَا |
قَدْ كُنْتُ أرْجُو، وكانَ القَوْلُ يُسْعِفُنِي |
فإنْ صَمَتُّ على كُرْهٍ، فَلا جَرَمَا |