وَدِّعْ هَوَاكَ، فَقَدْ وَدَّعْتَ أَيَّاماً |
حَفِيلَةً بِالمُنَى، تَخْضَلُّ أحْلامَا |
تَحْكِي النِّطافَ العِذابَ اللاَّءِ أَيْسَرُهَا |
تُولِيكَ فِي اليَوْمِ مَا يُغْنِيكَ أعْوامَا |
يَا رُبَّ سَحرَةِ ليلٍ ظَلْتَ تَحْسَبُهَا |
مِنَ الفَرَادِيسِ أضْوَاءَ وأنْغامَا |
وَأَضْحِيَانِ غَداةٍ مَا ترُومُ لهُ |
فَكّاً فَلَوْ دَامَ يَوْمٌ لِلْمُنَى، دَامَا |
كِلاَكُما أَمَلٌ فِي نَفْس صَاحِبِهِ |
مُحَقَّقٌ، قَدْ حَبَاهُ الدَّهْرُ إنْعَامَا |
* * * |
وَدِّعْ، وَقَلَّ لَكَ التَّوْدِيع -إنَّ لهُ |
نَاراً تَزِيدُ على التَّذكارِ تَضْرامَا |
شَرِبْتَ جَاماً، وَجَامٌ بَاتَ مُمْتَلئاً |
فَقُمْ وَثَنِّ وافْرِغْ ذلكَ الجَاما |
مَنْ يأخُذ الصَّفْوَ يأخُذْ بَعْدَهُ كَدَراً |
ورُبَّ مَظْلُومِ قَوْمٍ عَادَ ظَلاَّمَا |
فَنَلْ مِنَ العيْشِ ما تَنْدى يَداهُ بِهِ |
ولا تُبَلْ! أتَجَلَّى الجَوُّ أمْ غَامَا |
* * * |
كانَ الهَوَى لَذة ما شَابَهَا ألَمٌ |
فَعَادَ كُلُّ هَوًى بَرْحاً، وآلامَا |
متَى أرَدْتَ الَّذِي تَهْواهُ جَدَّ لَهُ |
نَقْضٌ، إذا ما عَقَدْتَ الوَجْدَ إبْرَامَا |
* * * |
وَدِّعْ هَوَاكَ وَدَاعَ الغَيْثِ مُجْدِبَةً |
لَمَّا اسْتَهَلَّ لَهَا بِرّاً وإكْرامَا |
فَقَابَلَتْهُ بِزَلْزالٍ وعاصِفةٍ |
هَوْجَاءَ تَقْتَلِعُ الأقْدَامَ والهَامَا |
وَغِيضَ في التُّرْبِ ماءُ ما أفادَ ثَرًى |
ولا سَقَى وَرَقاً، أوْ فَضَّ أكْمَامَا |
* * * |
يَا طَالما كُنْتُمَا خِدْنَيْنِ، رَامَكُمَا |
هَوًى، وشايَعْتُماهُ كَيْفَمَا رَامَا |
رَأْدُ الضحَى دَافَ مِمَّا اشْتَرْتُما ضَرَباً |
واللَّيْلُ سَامَ مِنَ الإمْتاعِ مَا سَامَا |
والشُّهْبُ في الأُفْقِ العُلْوِيِّ ذاتُ خُطًى |
وَئِيدَةً تَسْتَزِيدُ الحُبَّ إعظِامَا |
كَذَاكُمَا، كُنْتُمَا ثُمَّ اسْتَزَلَّكُمَا |
قَرْحٌ -إذا الْتَامَ قرْحُ الجِلْدِ- مَالْتَامَا |
مُفَرَّق مِنْ هَوَى خِلَّيْنِ، ذَاكَ مَضَى |
إلى الجَنُوبِ، وذاكَ اسْتَقْبَلَ الشَّامَا |
لا مِنْ مَدًى طَالَ، أوْ فَيْفاءَ قدْ بَعُدَتْ |
لكِنَّ شُؤْمَ اللَّيَالِيْ كانَ صَرَّامَا |
مَا كانَ أبْعَدَها داراً وأقْربَهَا |
فَيَا لإقدَامِ شَوْقٍ عادَ إحْجَامَا |