شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الدُّودَة الأخيرة (1)
[القصة تتلخص -فيما أظن- أن الدود يزدحم على جثة الميت، فإذا فرغ منها، عاد الدود فالتهم بعضه بعضاً، ويبقى منه بعد ذلك دودتان كبيرتان، فتتنازعان البقاء، فتفترس أقواهما أضعفهما، ثم تموت الدودة الأخيرة، بعد أن لا تجد ما تقتات به].
ازْدَحَمَ الدودُ عَلَى جُثَّةٍ
أضْفَى عَلَيْهَا نَسْجُ أضْرَاسِها
حُلَّةَ نُعْمَى، أذْهَبَتْ طِيبَهَا
وَاسْتَنْفَدَتْ آخِرَ أنْفَاسِها
* * *
كمْ قُلِّبتْ فَوْقَ فِرَاشٍ وَثِيرْ
وَكَمْ تَرَوَّتْ مِنْ مَعِينِ السُّرُورْ
وَاسْتَخْدَمَتْ فِي عَيْشِهَا زُمْرَةً
كَبِيرُهَا يَهْرَعُ قَبْلَ الصَّغِيرْ
* * *
الأَمْرُ أمْرٌ نَافِذٌ حُكْمُهُ
وَالنَّهْيُ نَهيٌ بَالِغٌ شَأْنُهُ
حَازَتْ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعَ المُنَى
فَأَيْنَ (هارون) وسُلْطَانُهُ؟
* * *
هذِي الملايينُ بِلاَ حَاسِبٍ
مِنْ ذلِكَ الدُّودِ الكَثِيرِ الكَثِيرْ
امْتَارَهَا مَائِدَةً دَسْمَةً
وَبَاتَ يَرْعَى في حِمَاهَا النَّضِيرْ
* * *
لَوْ شَامَهَا في قَبْرِهَا شَائِمٌ
لَتَلِفَتْ لِلْهَوْلِ أعْصَابُهُ
مَنْظَرَ قُبْحٍ بَعْدَ حُسْنٍ فَمَا
لَذَّةُ عَيْشٍ تِلْكَ أعْقَابُهُ؟!
* * *
أمْسَى يُغَنِّي الدُّودُ في رَوْضَةٍ
مَا أخْرَجَتْ أحْسَنَ مِنْهَا السَّمَاءْ
أغْصَانُها، أثْمَارُها، نورُها
يَقْطِفُ مِنْ ألْوانِهَا مَا يَشَاءْ
* * *
قَدِ اسْتَوَى المَأْمُورُ وَالآمِرُ
فِيها، وأمْسَى العَبْدُ كالسَّيِّدِ
فَمَنْ يجدْ في رأْسِهِ عزَّةً
شُجَّتْ غداً، بِالتُّرْبِ والجَلْمَدِ
* * *
ثُمَّ خَلاَ الدُّودُ إلى بَعْضِهِ
مِنْ بَعْدِ أكْلِ الجُثَّةِ العَافِيَهْ
وابتَدَأَتْ مَعْرَكَةٌ فَذَّةٌ
تَسْحَقُ أوْهامَ المُنَى الغَافِيَهْ
* * *
تَنَازُعُ العَيشِ لَهُ عِبْرَةٌ
كأنَّهُمْ بَعْدَ الوَغَى يَخْلُدُونْ
للنَّفْسِ آمالٌ، وَطُولُ المَدَى
يَقْصُرُ إنْ أذْوَتْهُ ريحُ المَنُونْ
* * *
الدُّودُ يُرْدِيْ بَعْضَهُ جَاهِداً
يَقْتَاتُ أَقْواهُ مِنَ الأضْعَفِ
كالنَّاسِ، والطَّبْعُ لَهُ شَاهِدٌ
في حَيْثُمَا يَمَّمْتَ مِنْ مَقْذَفِ
* * *
واخْتُتِمَ المَرْأَى عَلَى دُودَتَيْنْ
مِنْ بَعْدِ فتْكٍ وَافْتِراسٍ وأيْنْ
قَدْ رَامَتَا خُلْداً فَيَا سُخْفَ مَا
تَوَخَّتَاهُ مِنْ خُداعٍ وَمَيْنْ!!
* * *
واحْتَدَمَ الجُوعُ فَلَمْ تَصْطَبِرْ
إحَدَاهُمَا وَانْبَرَتِ الثَّانِيَةْ
كِلْتَاهُمَا تَبْغي البَقَاءَ الَّذي
أعْيَا جَميعَ الأُمَم المَاضِيَةْ
* * *
واشْتَدَّتِ المَعْمَعَةُ الدَّائِرَهْ
واسْتضْرَمَتْ جَبَّارَةً جائِرَهْ
فَيَا لَها مِنْ صُورَةٍ إنْ تَكُنْ
صُغْرَى فَفيهَا المُثُلُ السَّائِرَهْ
* * *
ما الفَرْقُ بَيْنَ الحَرْبِ عِنْدَ الأنَامْ
والحَرْبِ عِنْدَ الدُّودِ، فَوْقَ الرَّغَامْ؟!
مَنْ كانَ ذَا نَفْسٍ ضَنِيناً بِهَا
فَلَنْ يُبالي في هَوَاها الصِّدَامْ
* * *
حَتَّى وَهَتْ إحْدَاهُما وارْتَخَتْ
فَابْتَلَعَتْهَا الدُّودَةُ الظَّافِرَهْ؟!
كَمْ دُودةٍ في بَطْنِهَا يَا تُرَى
مِنْ بَعْدِ أنْ كَانَتْ هِيَ الآخِرَهْ؟!
* * *
وأصْبَحَتْ في القَبْرِ غَلاَّبَةً
لاَ مُلْكَ إلاَّ مُلْكَها في التُّرَابْ
انْفَرَدَتْ بالعَيْشِ وَاسْتَيْقَنَتْ
وَهْماً، بأنَّ العُمْرَ رَحْبُ الجَنَابْ
* * *
ماذا وَرَاءَ النَّصْرِ في حَوْمَةٍ
مَغْلُوبُها يُشْبِهُ غَلاَّبَهَا
إنَّ الرَّدَى كَأْسٌ ولا بُدَّ أنْ
يَجْرَعَ جَبَّارُ القُوَى صَابَها
* * *
يَسْتَبْشِرُ المَنْصورُ في غَدْوَةٍ
وَمَا دَرَى ماذا يُجِنُّ المَسَاءْ؟!
وَكَمْ لوَاءٍ فَازَ صُبْحاً فإنْ
جَاءَ الدُّجَى حُطِّمَ ذاكَ اللِّوَاءْ
* * *
وَخُدْعَةُ العَيْشِ طَبِيعيَّةٌ
لِكنَّها تُذْهِلُ عَمَّا يُرامْ
أعِشْتَ ألْفاً؟ أمْ ثَلاَثاً؟ فَمَا
بَعْدَ، سِوَى تَرْكِكَ تَحْتَ الرِّجَامْ
* * *
وَغَبَرَتْ سَاعَاتُ بَرْحٍ ألِيمْ
ونَالَهَا في الجُوعِ أمْرٌ عَظِيمْ
حَالَةُ نَحْسٍ بَعْدَ سَعْدٍ، وَهَلْ
مِنْ حَالَةٍ عِنْدَ اللَّيالِي تَدُومْ؟!
* * *
وَجَهِدَتْ تُبْقِي على نَفْسِها
مَا ادَّخَرَتْهُ مِنْ ذِمَاءِ الحيَاةْ
تَنْهَشُ مِنْ أحْشَائِهَا مَا تَقِي
بِهِ كَريمَ الرُّوحِ كَرْبَ الوَفَاةْ
* * *
خُطْبَتُها تَمَّتْ، ولاَ ضَيْرَ أنْ
يُمْنَى خَطِيبٌ مِصْقَعٌ بالسُّكُوتْ
بَالِعَةُ الجُثَّةِ مَعْ دُودِهَا
آنَ لها مُرْغَمَةً أنْ تَمُوتْ؟!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :403  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 12 من 288
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج