شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أهداف الأسرة في الإسلام والتيارات المضادة
الأستاذ حسين محمد يوسف
هذه دراسة قيمة يتحدث فيها مؤلفها الفاضل عن أهداف الأسرة في الإسلام.. ثم عن محاولات الغرب المستمرة ضدها بما يثيره من حملات التشويه والتضليل، وما يتظاهر به أتباعه ومقلدوه من عطف مكذوب على المرأة المسلمة في صورة دفاع عنها حيناً، أو إشفاق عليها حيناً آخر.. وليس لهم أي غرض من كل ذلك سوى القضاء على النظام الإسلامي للأسرة وهو ما تسعى جاهدة إليه محاولات الغزو الفكري -الصليبي- والصهيوني للإسلام والمسلمين.
وقد أفاض المؤلف في بحثه عن الدعوة المشبوهة لتحديد النسل.. وأبان لنا في وضوح وجلاء كيف أن القائمين عليها في الغرب يركزون على نشر هذه الدعوة في الدول النامية -وفيها شعوب الدول العربية والإسلامية- في حين يدعون إلى عكسها في بلادهم المتحضرة. أي يدعون إلى تزايد السكان! وهو ما يكشف نواياهم الشريرة في الهدم، ويعبر عن حقدهم وما يرمون إليه ويخططون له من رغبة في إضعاف هذه الشعوب لتبقى دائماً خاضعة لسيطرة الاستعمار والصهيونية، وهو ما لا يمكن.. ولن يمكن.. أن يتحقق على أي الأحوال!
وهذا الكتاب تنشره دار الاعتصام في القاهرة.. وهو جزء أول -حافل بحقائق ووثائق.. يدعونا إلى أن نتبصر دور الأسرة في الإسلام لنعي ما يراد للإنسان المسلم في هذه الآونة ممثلاً فيما يحاك من أساليب الهدم للأسرة المسلمة.
يقول المرحوم، محمد طلعت (باشا) حرب:
إن رفع الحجاب والاختلاط: كلاهما أمنية تتمناها أوروبا من قديم الزمان لغاية في النفس يدركها كل من وقف على مقاصد أوروبا بالعالم الإسلامي.
"إنه لم يبق حائل يحول دون هدم المجتمع الإسلامي في الشرق -لا في مصر وحدها- إلاّ أن يطرأ على المرأة المسلمة التحويل، بل الفساد الذي عمّ الرجال في الشرق".
"إن إرادة الوصول إلى تغيير حال المرأة المسلمة، شيء كامن في نفوس الفرنج، لذلك كانوا يطالبون به كل من حادثهم من أدباء الشرق وعلمائه حتى أنك ترى الواحد منهم متى ناظرته مشفقاً على المرأة إشفاقاً غريباً، ويرثي لحالها ويصدر منه من الأقوال ما يدل على جهله بحالة المرأة وحقوقها في الإسلام..." أ.هـ.
* * *
ومع أن الكثير من عقلاء الغرب وكبار مفكريه، وقفوا موقف الإنصاف والتقدير من تعاليم الإسلام وتقاليده، فوضعوا الأمور في نصابها، وأعلنوا لبني قومهم ما في الإسلام من سمو وحكمة، وما في تعاليمه من تكريم للمرأة، وإعلاء لشأنها.
ومع أن الكثير من إحصاءات وتقدير الهيئات الدولية جاءت مؤكدة لعظمة الإسلام، ومعلنة أن تقاليده في الأسرة كانت خير علاج للمشاكل المعقدة التي عجز المجتمع الغربي عن حلها.. مع ذلك كله فإن بعض المتأثرين بالمدنية الغربية ما زالوا يرددون الأباطيل والمفتريات، ضد التقاليد الفاضلة التي تقوم عليها الأسرة المسلمة، وكأنها التنزيل المحكم، أو الوحي المقدس. حتى لقد طالب البعض منهم بقانون جديد للأسرة يمنع تعدد الزوجات، أو يقيده بقيود تجعله في حكم العدم.. ويحرم الطلاق إلاّ إذا وقع بإذن القاضي، مستنداً في طلبه لا إلى نص شرعي، أو حكم فقهي، أو حجة قوية، وإنما كل سنده "حقوق الإنسان" التي أعلنتها الأمم المتحدة.. الأمم المتحدة التي كانت وما زالت أداة مسخرة في قبضة الدول الاستعمارية الكبرى، لهضم حقوق الأمم والشعوب!!
يقول المؤلف: "لذلك عنيت بوضع هذا البحث، موضحاً أهمية الأسرة في المجتمع الإسلامي، وهدف الإسلام الحنيف في تكوينها، والوسائل التي كفلها لحمايتها من العواصف، ووقايتها من الانحلال، مع المقارنة بما تعانيه الأسرة في بلاد الغرب من تفكك في العرى، وما تقاسيه المرأة من استغلال وامتهان، ومع بيان وجه الحق في الضلالات التي رددها بعض المعاصرين وموقف الكتاب والسنة منها، بما يوضح كل غموض، ويدحض كل ادعاء، ويطمئن أبناء الإسلام إلى أن دينهم القيم لاَّ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ (فصلت: 42)، وأن نبيهم الصادق الأمين وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (النجم: 3-4)".
* * *
قسم المؤلف هذا البحث إلى مقدمة وفصلين: الفصل الأول حول "مكانة الأسرة في دولة الإسلام" والثاني حول "أهداف الإسلام من تكوين الأسرة".
مكانة المرأة المسلمة في الأسرة
حظيت الأسرة في دولة الإسلام بقسط وافر من عناية شريعتها، يناسب أهميتها في كيان المجتمع، وأثرها في حياة الأمة ومستقبلها، ويبين كل ما يتصل بتكوينها من الأحكام والواجبات، وما تقوم عليه من التقاليد والآداب، وما يكفل سلامتها من الفتن والخلافات ويوفر لها الحماية من عوامل التحلل والفساد، كي تؤدي رسالتها الخطيرة في أمن واستقرار، في إعداد الجيل الجديد، وتربيته على القيم الفاضلة، والمثل العليا.
وسواء كانت الحدود التي تعنيها كلمة "الأسرة" تقتصر على مفهومها القريب الذي ينحصر في الزوجين والأولاد، أو تمتد إلى أبعد من ذلك، بحيث تشمل الوالدين والأقربين، وتسمى حينئذ أحياناً بالعائلة.. وأحياناً أخرى بالعشيرة فإن الشريعة الإسلامية قد أحاطت بتعاليمها السامية، ونظامها المحكم الأسرة في حدودها القريبة والبعيدة على السواء.
* * *
... ولما كانت المرأة من أهم مقومات الأسرة فقد كان من الطبيعي أن يعنى الإسلام -في تشييده للمجتمع الفاضل- بانتشالها من الهوة التي دفعتها الجاهلية إليها، ووضعها في المكانة الكريمة اللائقة بها، كزوجة تشاطر زوجها السراء والضراء.. وكأم منوط بها تنشئة الأبناء، وكربة بيت تقوم بتدبير شؤون الأسرة وتوفر لأفرادها كل سعادة وهناء..
- أنقذ الإسلام المرأة في طفولتها من الوأد الذي طالما تعرضت له خشية الفقر، أو مخافة العار. قال تعالى: وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (الإسراء: 31).
- وندد الإسلام بهؤلاء الذين كانوا يتبرمون بالإناث إذا ما رزقوا بهن، قال تعالى:
وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِٱلأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ، يَتَوَارَىٰ مِنَ ٱلْقَوْمِ مِن سُوۤءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي ٱلتُّرَابِ أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ (النحل: 58-59).
وكانت المرأة في الجاهلية تورث كما يورث المتاع والمال، فإذا مات زوجها، ورثها ابنه من غيرها أو أقرب عصبته، إن شاء تزوجها بغير صداق، وإن شاء زوجها غيره وأخذ صداقها، وإن شاء عضلها -أي تركها معلقة لا هي بالأيم، ولا هي بالمتزوجة لتفتدي نفسها منه بما ورثته عن زوجها أو تموت فيرثها!
وأحياناً يمسك الزوج امرأته مع كراهيته لها، دون أن يقربها حتى تفتدي نفسها منه بما تملكه.. أو تموت فيرثها كذلك!!
وقد جاء الإسلام فحرم كل ذلك، فقال عز وجل:
يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَآءَ كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ آتَيْتُمُوهُنَّ (النساء: 19).
- وقد تعودت بعض قبائل العرب أن يخلف الابن على زوجة أبيه، وكانت هذه الحالة شائعة في الأنصار ومباحة في قريش مع التراضي.. فأنقذ الإسلام المرأة من المهانة، وحرم على الأبناء ذلك، مبيناً ما فيه من "قبح" وبعد عن الكرامة، فقال عز وجل:
وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَآءَ سَبِيلاً (النساء: 22).
* * *
- ونظم الإسلام الطلاق.. وقد كان أمره في الجاهلية فوضى.. يطلق الرجل امرأته متى شاء.. ويراجعها متى شاء.. ولو تكرر ذلك مائة مرة، فجعل الإسلام الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ (البقرة: 229)، واعتبره أبغض الحلال عند الله.. وكفل للمرأة من الحقوق بعد الطلاق ما يكفل لها كل كرامة ورعاية، ويوفر لأبنائها التنشئة الصالحة.
- وعنى الإسلام بوضع حد لفوضى الزواج في الجاهلية، حين قيد تعدد الزوجات بأربع، بعد أن كان مطلقاً وحين اشترط فيه العدل في النفقة والمبيت.. وإلا وجب الاقتصار على واحدة.. وحين حرم الكثير من أنواع النكاح الشائعة.. حفاظاً على كرامة المرأة، وصيانة لشرفها.
- وأنقذ الإسلام المرأة من الظلم والحرمان حين قرر حقها في الميراث، وقد كانت محرومة منه -كما كانت ممنوعة من التصرف فيما تملك بغير إذن من الرجل..- فرد لها الإسلام حقها في التصرف. قال تعالى:
لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا (النساء: 7).
- ولم يكتف الإسلام بذلك، بل عني بتوفير الحماية للمرأة في جميع أدوار حياتها، وأعفاها من مشقة السعي لكسب رزقها بنفسها فهي مسؤولة من أبيها حتى تتزوج.. ومن زوجها بعد الزواج.. ومن ابنها وهي أرملة.. وهكذا يتكفل برعايتها الأقرب فالأقرب حتى تلقى ربها.
* * *
- وبلغ من تكريم الإسلام للمرأة أن اعتبرها جوهرة مكنونة، يسعى الرجل إليها، ويخطب ودها، ويدفع مهرها ولا يستطيع الوصول إليها إلاّ عن طريق زواج شرعي، يصون شرفها ويحفظ حقوقها ويوفر الحياة الآمنة لها.. والحماية الكافية في حاضرها ومستقبلها.
- وبلغ من تعظيم الإسلام المرأة وتقديسه لسمعتها وشرفها أن جعل عقاب المفتري عليها أن يجلد ثمانين جلدة مع سقوط عدالته والحكم بفسقه قال تعالى:
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (النور: 4).
- وعني الإسلام بحماية المرأة من العناصر الدخيلة على الأسرة، التي تواضعت الجاهلية على إلصاقها بها عن طريق التبني والادعاء.. مما قد يضعف من تماسك الأسرة، أو يعرض ربتها لما يمس الشرف والكرامة..
وهكذا حرم الإسلام التبني وأمر بألا يدعى الرجل لغير أبيه، قال عز وجل: ادْعُوهُمْ لِأَبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُواْ آبَآءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ (الأحزاب: 5).
- وأوجب الإسلام على الرجل أن يحسن معاملته للمرأة.. واعتبر إكرامه لها مقياساً لكرم أصله وشرف منبته، كما اعتبر إهانته لها دليلاً على لؤمه وخسته.. فقال صلى الله عليه وسلم:
خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي، ما أكرم النساء إلاّ كريم ولا أهانهن إلاّ لئيم (1) .
- وزيادة في رعاية الإسلام للمرأة وتوقيره لها حرم على غير المحارم النظر إليها وأمرهم بغض الأبصار عنها تشريفاً لقدرها.. وحرصاً على كرامتها، وسمواً بمكانتها وتنزيهاً لها أن تكون مظنة لنزوات آثمة.. أو مثار شهوات دنيئة.. قال تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (النور: 30).
وقال صلى الله عليه وسلم: النظرة سهم مسموم من سهام إبليس من تركها مخافة من الله أعطاه الله إيماناً يجد حلاوته في قلبه رواه الحاكم وصححه، وتأكيداً لما تقدم من المعاني النبيلة أمر الإسلام المرأة كذلك بغض البصر وضرب الخمر، وعدم الاختلاط بغير المحارم.. تنزيهاً لها عن الدنايا.. وتأكيداً لحرمتها وطهرها.. وتمييزاً لها عن العاريات الكاسيات ممن تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وزيادة وحماية لها من طمع الفساق والمستهترين، قال تعالى: وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَآئِهِنَّ (النور: 31).
ويصل الإسلام في تكريم المرأة إلى الأوج حين قدم التفرغ لرعايتها على الجهاد في سبيل الله.. فقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: يا رسول الله أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك فقال: هل لك من أم قال: نعم! قال: فالزمها فإن الجنة من تحت رجليها (2) .
* * *
هذا بعض ما حققه الإسلام للمرأة المسلمة من الحماية والكرامة ولا عجب في أن يعنى الإسلام بالقضاء على كل الأوضاع الجائرة.. والتقاليد الفاسدة التي كانت المرأة ترزح تحت عبئها لما لها من تأثير خطير في كيان الأسرة التي يحرص الإسلام على قيامها قوية الجذور.. ثابتة البنيان.. سليمة من عوامل الضعف والانحلال.
مكانة المرأة في بلاد الغرب
حصلت المرأة المسلمة منذ أربعة عشر قرناً على هذه المكانة الرفيعة في الوقت الذي كانت فيه أوروبا في ظلمات القرون الوسطى.. حتى لقد اختلف أهل الرأي منهم في حكم المرأة وإنسانيتها؟!!
- هل هي إنسانة ذات نفس وروح عالية -كالرجل أم لا؟
- وهل تلقن تعاليم الدين وتقبل عبادتها أم لا؟
- وهل تدخل الجنة والملكوت في الآخرة أم لا؟
وانتهى أحد المجامع العلمية وقتئذ إلى أن المرأة حيوان نجس!! لا روح له ولا خلود!! ولكن يجب عليها الخدمة والعبادة.. وأن يكم فمها كالبعير أو الكلب العقور.. لمنعها من الضحك أو الكلام.. لأنها أحبولة الشيطان!!
وبالرغم من تقدم المدنية الغربية ومظاهرها الخداعة في تقديم المرأة في المجتمعات.. وتقبيل يدها.. ومنحها المساواة المزعومة في الحقوق مع الرجال، وبالرغم من كل ذلك فإن المرأة ما زالت تعامل معاملة جائرة.. وتحمل من الأعباء ما ينوء به كاهلها.
فما زالت المرأة في كثير من بلاد الغرب محرومة من حق الميراث الذي قرره لها الإسلام منذ أربعة عشر قرناً كما أنها ما زالت محرومة من حق التصرف فيما تملك.. حتى أنه لم يعترف لها بهذا الحق في إنجلترا إلاّ في عام 1926م بموجب قانون يجعل للزوجة الإنجليزية شخصية مستقلة لها حق التصرف في أموالها وأملاكها.. -وفي إسبانيا- مثلاً فإن المرأة المتزوجة ليس لها حق الملكية وليس في استطاعتها أن يكون لها حساب خاص في البنوك إلاّ إذا حصلت على إذن كتابي من زوجها.. إلى أن تم افتتاح خمسة بنوك في مدريد عام 1974م تحمل اسم البنك النسائي تستطيع المرأة أن تودع فيها مدخراتها دون الحصول على تصريح قانوني من الزوج.
* * *
وما زالت في كثير من بلاد الغرب مطالبة عند بلوغها سن الرشد بكفالة نفسها بنفسها واكتساب ما يقوم بأودها بأي وسيلة، ولو أدى بها ذلك إلى حياة التبذل والاستهتار.
- وما زالت المرأة هي التي تبحث بنفسها عن الزوج المنشود.. وتختلط في سبيل ذلك بكل من هب ودب من الذكور.. وتتعرض لأقسى التجارب حتى توفق إلى الرجل الذي تتراضى معه على الزواج بعد أن تتمكن من جمع المهر المطلوب منها لا منه.
- وما زالت قوانين الغرب قاصرة عن حماية عرض الفتاة إلاّ في سن القصور.. أما بعد ذلك فإن التغرير بها.. أو الاعتداء عليها لا عقاب عليه لا سيما إذا تم في تراضٍ معها!!
* * *
وما زالت المرأة في الغرب محرومة من أي حق قبل زوجها في حالة طلاقه لها.. بل إنها علاوة على ذلك مكلفة بالإنفاق على أولادها مناصفة مع الرجل..
وبالرغم من دعوى تحرير المرأة في الغرب، وتكريمها ومساواتها بالرجال فإن ذلك لم يحل دون الزج بها لتعمل في المصانع والمكاتب لكسب رزقها أو الدفع بها إلى الحانات والمراقص والمواخير للمتاجرة بعرضها.. أو القذف بها في ميادين القتال للترفيه عن الجنود بأوسع معاني الترفيه -دون مبالاة بما تتعرض له من أهوال الحروب.. ومعرة الأسر والسبي!!
تلكم هي مدنية الغرب.. وذلك هو مبلغ تكريمهم للمرأة.. ويا له من تكريم يهدف إلى استغلالها إلى أقصى حد ويرمي إلى تسخيرها لإرضاء الشهوات وإشباع النزوات!!
اعتراف المنصفين من كتّاب الغرب
ولقد اعترف كثير من عقلاء الغرب وكبار مفكريه وأهل الإنصاف فيه بسمو مكانة المرأة في الإسلام، ونادى البعض منهم بالأخذ بالنظم الإسلامية كحل لمشاكل المجتمع الغربي، حتى انتهى الأمر أخيراً بإيطاليا مهد الكاثوليكية إلى إباحة الطلاق.. خضوعاً للواقع ومجاراة لاحتياجات الإنسانية.
يقول العالم الفرنسي المشهور "جوستاف لوبون":
"إن الإسلام قد أثر تأثيراً حسناً في مقام المرأة أكثر من قوانيننا الأوروبية وخير طريقة لنقدر التأثير الذي أحدثه الإسلام في تحسين حال المرأة في الشرق أن نبحث عما كان عليه حالها قبل القرآن".
ويقول الفيلسوف الإيرلندي الذائع الصيت "برنارد شو":
"في المستقبل العاجل.. عندما يريد الرجال المفكرون أن يلجأوا إلى دين يحمي الفضيلة، ويقي المجتمع ويكون سبباً للحياة السعيدة في البشر سيجدون الإسلام هو الدين الوحيد الذي يضمن لهم ذلك مع السعادة والنجاح!
إن الإسلام هو الدين الذي تجد فيه حسنات الأديان كلها ولا تجد في الأديان حسناته.. ومن الممكن أن يصل الرجل إلى أعلى درجة في الفلسفة والعلوم ويكون مع ذلك مسلماً نقياً".
أما تعدد الزوجات الذي لا يستسيغه مقلدة الغرب فإن "جوستاف لوبون" يشيد بمزاياه قائلاً: "إن تعدد الزوجات المشروع عند الشرقيين، أشرف من تعدد الزوجات عند الأوروبيين وما يتبعه من مواكب أولاد غير شرعيين وأن النساء المسلمات قد أخرجن في غابر الدهر من الصالحات المشهورات بقدر ما تخرج مدارس الإناث في الغرب اليوم".
أهداف الإسلام من تكوين الأسرة
يهدف الإسلام من تكوين الأسرة إلى تحقيق تماسك المجتمع وترابطه وتوثيق عرى الأخوة بين أفراده وشعوبه بالمصاهرة والنسب.
وفي سبيل هذه الغاية اعتبر الإسلام المسلمين أمة واحدة.. دون أية تفرقة في الجنس أو اللون أو اللغة فجاز التزاوج بين العربي والعجمي وبين الأسود والأبيض، وبين الشرقي والغربي، وبذلك سبق الإسلام جميع النظم الديمقراطية إلى تحقيق وحدة الجنس البشري باعتراف الكثيرين من فلاسفة الغرب ومفكريه حتى أن "برنارد شو" يقول:
"والإسلام دين حرية لا دين استعباد وقد قرر أخوة الإسلام منذ ألف وثلاثمائة وخمسين عاماً.. وهو المبدأ الذي لم يعرف عند الروم السابقين ولا عند الأوروبيين، والأمريكيين المعاصرين".
"إذا سألت العربي أو الهندي أو الفارسي أو الأفغاني: من أنت يجيبك أنا مسلم! أما الغربي فإذا سألته: من أنت؟ قال: أنا إنجليزي أو طلياني، أو فرنسي.. الغربي يترك الدين ويتمسك بالجنسية والوطنية في حين أن المسلم يقول: أنا مسلم بصرف النظر عن وطنيته أو جنسيته وهو أكبر دليل على أن الإسلام وحد بين أهل العقيدة المشتركة، دون أن يجعل أي فرق بينهم بسبب أوطانهم أو ألوانهم أو جنسياتهم.. ولقد نصب الإسلام شاباً أسود البشرة -يقصد أسامة بن زيد- أميراً على جيوش المسلمين وفيها كبراؤهم.. فالحكومة الديمقراطية الصحيحة لم تعرف إلاّ في الإسلام".
فأين هذه السماحة الإسلامية الكريمة من التفرقة العنصرية الصارخة التي تحرم على "الملونين" الزواج بالبيض من النساء أو الالتحاق بمدارسهم، أو الجلوس في الأماكن العامة المخصصة لهم أو الدخول في مطاعمهم.. وإلا تعرضوا لأشد صور الانتقام، والموت الزؤام..
الهدف الأساسي من تكوين الأسرة
كما يعتبر الإسلام تكوين الأسرة وسيلة إلى أهداف سياسية هامة لها أثرها في عزة الأمة وسيادتها.
ثم يقول المؤلف مشيراً هنا إلى المسلمين الأوائل من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم:
"إن التكاثر في النسل من أهم العوامل التي حفظت للقلة المؤمنة كيانها، وعاونتها على البقاء رغم ما قدمته من تضحيات في سبيل الله فقد عوضها التكاثر أكثر مما فقدته فاستطاعت الإبقاء على لواء الحق عالياً، وإن تقوض عروش الباطل وتهزم جيوشه، رغم تفوقها في العدد والعدة.
وإذا كان عدد المسلمين في الوقت الحاضر زهاء سبعمائة مليون فإن الحاجة ما زالت ماسة إلى اتباع التوجيه النبوي في التكاثر حتى تستطيع الدول الإسلامية أن تقاوم القوى الجبارة المعادية لها والتي ما زالت تفوقها عدة وعدداً".
ثم يناقش في حديث طويل دعوة تحديد النسل التي انتشرت في العهد الأخير قائلاً:
ومن أعجب العجب أن الدول التي تدعو البلاد النامية إلى تحديد النسل هي الدول الاستعمارية الكبرى مع أن هذه الدول لا تأخذ بهذه الدعوة.. ومع أن كثافة السكان فيها أضعاف أضعافها في الدول الإسلامية!!
تحديد النسل يخدم التوسع الصهيوني
وقد جاء بالنشرة الأمريكية للشؤون الخارجية عام 1957 ص291 وما بعدها أن الدعوة إلى تحديد النسل في مصر وسوريا تخدم التوسع الصهيوني!
ومعنى ذلك أن تزايد السكان في مصر وسوريا يهدد التوسع الصهيوني المرسوم كما أن تزايدهم في البلاد الإسلامية التي ما زال البعض منها تحت سيطرة الاستعمار، لا يتفق مع مصلحة المستعمرين.
وفي حرص الاستعمار والصهيونية على تحديد نسل البلاد الواقعة تحت سيطرتهم يصل الأمر إلى التهديد باتخاذ وسائل إجبارية.
ففي حديث العالم الأمريكي "بيرترام" يقول "إن الخطر يهدد العالم إذا لم يوقف تزايد النسل في المستعمرات.. وإذا ثبت عدم كفاءة الوسائل الاختيارية لخفض السكان في المستعمرات فإنه يصبح من اللازم اتباع وسائل إجبارية".
ولم يذكر "بيرترام" ما هي الوسائل الإجبارية المقترحة لخفض السكان؟! ولعلّ منها عمليات "الإفناء" بالجملة التي يقوم بها المستعمرون في جنوب أفريقيا ضد السكان الأصليين.. وفي الفليبين ضد المسلمين!
اقتراح خطير في مؤتمر لهيئة اليونسكو
ولقد بلغ من اهتمام الدول الاستعمارية الكبرى بخفض سكان الدول النامية أن هذا الموضوع كان محل بحث الأوساط الجامعية والعلمية في أمريكا للوصول إلى أنجع الوسائل لتحقيق هذه الغاية الحيوية بالنسبة لهم.
فقد عقدت هيئة اليونسكو مؤتمرها الثالث عشر في سان فرانسيسكو بحضور مائة من العلماء لبحث مشكلة التضخم السكاني، والحد منه في الدول النامية!!
وكان من أعجب المقترحات التي عرضت للبحث: ذلك الاقتراح الذي تقدم به الدكتور "بول أريش" الأستاذ بجامعة "ستانفورد" الأمريكية ويقضي بوضع مركبات منع الحمل في الغذاء المرسل للدول النامية!!
وفي نفس الوقت أعلن الدكتور "لي دوبريدج" المستشار العلمي للرئيس الأمريكي نيكسون في المؤتمر المذكور أن الاحتفاظ بالعدد الحالي لسكان العالم دون زيادة مسألة هامة وحيوية. وأن الولايات المتحدة تفكر في قطع معوناتها الاقتصادية عن الدول التي لا توقف تزايد سكانها. وقال: إن استخدام مركبات منع الحمل في مياه الشرب والطعام قد يكون حلاً لهذه المشكلة في الدول النامية!!
في الدول النامية.. نعم.. في الدول النامية؟!! هكذا يخططون.. فما معنى هذا؟!
* * *
أما في الدول التي تسمي نفسها متقدمة فالأمر هناك يختلف.
- في إسبانيا كان الجنرال فرانكو أشد ما يكون حرصاً على زيادة تعداد الشعب الأسباني، وتشجيع بني وطنه على الإنجاب والتكاثر.
- أما في إيطاليا مركز الكاثوليكية فإن البابا بول السادس -وهو الزعيم الديني لأكثر من 50 مليون كاثوليكي قد قرن اسمه بالجملة المضادة لتحديد النسل.. وأخذ يعلن طوال الشهور العديدة الماضية بطريقة لا تحمل أي لبس "إن استخدام وسائل تحديد النسل إثم.. وأن مستخدميها آثمون"!!
- وفي اليونان قررت حكومتها صرف مكافأة شهرية ثابتة لكل أبوين على الطفل الثالث.. أو عن أي طفل ينجبانه بعد الطفل الثالث.. تبلغ عشرة جنيهات!
- وفي بولندا -التابعة للقطاع الشرقي- نجد أن رجال الدين فيها قد وقفوا موقفاً حاسماً من الحكومة البولندية لإصدارها قانوناً بإباحة الإجهاض.
وقد ندد الأساقفة البولنديون بشدة بالقانون المذكور.. وأكدوا أن الإجهاض فضلاً عن أنه سيحدد عدد السكان فإنه سيؤدي حتماً إلى إضعاف الأمة البولندية!!
وهكذا اتحدت أهداف المعسكرين الكبيرين الشرقي والغربي في موقفهما من الدول النامية وتشابهت قلوبهم في سعيهم إلى إضعاف هذه الدول بالدعوة إلى تحديد النسل، أو تنظيمه -كما يزعمون.. وتيسير الوسائل اللازمة لذلك!!
بلايين الدولارات لتحديد النسل في الدول النامية
وفي سبيل ذلك بذلت أمريكا وغيرها من الدول الأوروبية الكبرى -وما زالت تبذل- الأموال الطائلة لنشر الدعوة لتنظيم النسل في الدول النامية.. لا سيما الدول الإسلامية والشرقية.. ومن أجل ذلك أنشأت عام 1952 ما يسمى بالمجلس الدولي لمكافحة التضخم السكاني ويشرف عليه خبراء أمريكيون يعاونهم خبراء بعض الدول الأخرى.
قلق الاستعمار من تزايد سكان المستعمرات
إن الحقيقة التي لا مرية فيها هي أن تزايد السكان في الدول النامية -التي تشتري الدول الغنية منتجاتها بأبخس الأثمان.. وتبيع لها مصنوعاتها بأغلى الأسعار- هذا التزايد هو الذي يقلق بال الدول الأوروبية والأمريكية.. لأنه يهدد استغلالها المستمر للشعوب الفقيرة والنامية وينذر بتخفيض النسبة العالية التي تحصل عليها من الدخل العالمي!!
أما تزايد السكان في الأمم العربية والإسلامية فهو أشد خطراً على الدول المستعمرة لأنه يزيد من قدرة العرب والمسلمين على التحرر من نير الاستعمار ويحول دون التوسع الذي تحلم به إسرائيل.
لذلك لم يكن عجباً أن نرى الهيئات الدولية التي تخضع أكثرها للدول الاستعمارية الكبرى تعمل بكل جد على نشر الدعوة إلى تحديد النسل وتنذر بالأخطار التي تهدد العالم من جراء الخطر الحقيقي على البشرية والسبب الأصلي في شفائها.. وكأنهم ليسوا هم الذين يستنفذون 87% من الدخل العالمي.
ثم يتابع المؤلف الفاضل حديثه القيم عن الأهداف العليا في تكوين الأسرة في الإسلام.. يتحدث عن الهدف الاقتصادي.. والهدف الخلقي.. والروحي والصحي وغيرها والحق أنه حديث مفيد وشيق.. غير أنه سيطول أكثر فلنكتف بما سبق.. معذرة إلى القارئ الكريم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1728  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 10 من 56
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتورة مها بنت عبد الله المنيف

المدير التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني للوقاية من العنف والإيذاء والمستشارة غير متفرغة في مجلس الشورى والمستشارة الإقليمية للجمعية الدولية للوقاية من إيذاء وإهمال الطفل الخبيرة الدولية في مجال الوقاية من العنف والإصابات لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية، كرمها الرئيس أوباما مؤخراً بجائزة أشجع امرأة في العالم لعام 2014م.