شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عودة الدستور في الآستانة
لم تفت سياسة عبد الحميد القاسية في عضد أنصار الدستور الذي ألغاه ولم تحل يقظة جواسيسه وأساليبهم في الإرهاب دون مواصلة أعمالهم الثورية فقد استأنفوا نشاطهم على أثر قتل مدحت باشا في الطائف عام 1291هـ وشرعوا وعلى رأسهم نيازي وأنور يؤلفون الجمعيات السرية في سلانيك ثم في رسنة ومناستير وأخذوا بدورهم يتجسسون على أعمال عبد الحميد ويترقبون الفرص للثورة ضده وقد استمرت أعمالهم كذلك نحو 30 سنة استطاعوا في نهايتها أن يعلنوا أنفسهم في سلانيك وأن يضموا إليهم كثيراً من ضباط عبد الحميد وقواد جنده ولما بعث عبد الحميد جيشاً يؤدبهم انضم رجال الجيش إليهم وشرعوا يقاتلون في صفوفهم.
ومشى رجال الدستور حتى حاصروا عبد الحميد في قصره بالآستانة وأكرهوه على قبول الدستور مع بقائه في عرش الخلافة فوافقهم على ذلك وأعلن الدستور إلى جميع الولايات التابعة لعثمانيا في 27 جمادى الثانية عام 1326هـ.
وبذلك عاد الدستوريون إلى حكم البلاد بعد أن عاقبوا أنصار الملكية وأقصوهم من مراكزهم واستولوا على مقدرات البلاد وأحكامها، وأسسوا مجلس (المبعوثان) من أعضاء انتخبتهم الولايات التابعة للعثمانيين ثم ما لبث الاتحاديون أن اختلفوا على بعضهم لأن بعض العناصر كالعرب والأرمن وغيرهم شعروا بحاجتهم إلى الاستقلال الذاتي عن الأتراك كما أن المتدينين من رجال الإسلام انتقدوا على رجال الجمعية تساهلهم بأمور الدين ومخالفة بعض أحكامهم لأحكام الإسلام فاشتدت القلاقل وتأسست الأحزاب بعضها تدافع عن الدين وبعضها تدافع عن العناصر وارتفعت أصواتها بسقوط الاتحاديين فنشبت الفتنة في الآستانة وهوجم مجلس (المبعوثان) ففر بعض الأعضاء وقتل بعضهم وطار الخبر إلى سلانيك مستودع الاتحاديين وملاذهم فلم يبطئوا في إرسال فيالقهم بقيادة محمود شوكت لإخضاع الفتن في الآستانة وقد استطاع محمود باشا أن يسيطر على الموقف.
وكان الاتحاديون قد شعروا أن السلطان عبد الحميد الثاني ساعد على إثارة هذه الفتن فاجتمع مجلس الأمة في عام 1326هـ وقرروا خلعه بعد أن استفتى شيخ الإسلام عن حكم الشريعة في شخص خالف الشرع في أحكامه وحنث في يمينه وأحدث الفوضى في المملكة فأفتى بخلعه فخلعوه.
ثم رحلَّوه في بعض أهله إلى سلانيك مع قليل من خدمه حيث أقام مدة ثم رأوا إعادته إلى الآستانة فظل فيها أسير الاتحاديين إلى أن توفي في عام 1335هـ.
وبخلعه في عام 1326هـ بويع أخوه السلطان محمد الخامس ((محمد رشاد)).
أنصار الدستور في مكة: وعندما ظفر الاتحاديون جاءت الأوامر إلى الوالي التركي في جدة ((أحمد راتب باشا)) بإعلان الدستور في البلاد كأمر السلطان تباطأ أحمد راتب وصرح لكبار الضباط بضرورة نشره تدريجياً تحاشياً من الفتن في البلاد فلم يقتنع أنصار الدستور من الضباط والجند وبعض الأهالي برأيه ورأوا ضرورة تعجيل الإعلان فكتب الوالي إلى الأمير علي بن عبد الله وكان في مصيفه بالطائف -يطلب إليه شخوصه إلى جدة ومساعدته في إخماد الفتنة فكتب إليه أنه يوافق على إرجاء الدستور ولكنه لم يبادر إلى موافاته في جدة للعمل معه على إخماد الفتن.
واستطاع أنصار الدستور في جدة القبض على راتب باشا وإرساله إلى قلعة مكة ليبقى أسيراً فيها، ثم أعلنوا الدستور وأطلقوا من ينادي به في شوارع مكة وجدة والطائف.
وانتهت الأخبار إلى الاتحاديين في الآستانة فاستاءوا لتباطؤ الوالي في إعلان الدستور فصدرت أوامرهم بعزل أحمد راتب باشا وتولية كاظم باشا، فوصل الوالي الجديد إلى مكة في رمضان من العام المذكور عام 1326، ثم صدرت أوامر الاتحاديين بانتخاب مبعوث عن كل خمسين ألف شخص فانتخبت مكة المفتي الشيخ عبد الله سراج بصورة أقرب إلى التعيين منها إلى معنى الانتخاب، وسافر المنتخب إلى السويس، ثم ما لبث أن استعفى وبذلك عقد مجلس (المبعوثان) في ذلك العام ولم يحضره مبعوث مكة (1) .
ثورة القبوري: وفي هذا العام ثار بعض الأهالي في مكة لأن رجال الدستور من العثمانيين -كما أخبرني بعض المعمرين- قرروا استيفاء ضريبة خاصة على دفن الموتى وقدرها خمسة ريالات لتصرف على إصلاح القبور واستحضروا شيخ القبوريين ليبلغوه استيفاءها من أصحاب الموتى فاستنكر الشيخ أمر الضريبة وخرج من دار الحكومة صائحاً فاجتمع إليه الناس فأعلنهم الأمر في صورة استثارت شعورهم وكانوا لم يتوطنوا بعد على مبادئ الدستوريين ولم يقتنعوا بثورتهم على الخليفة وصاح صائحهم بالجهاد في سبيل الله فاستجاب الشباب من جميع الحارات وخرجوا بأسلحتهم ينادون بالثورة على الأتراك فاشتبكوا مع الجند في عدة مواقع من الأسواق وقتل وجرح من الفريقين عدد غير كبير ثم استطاع الأتراك بمساعدة بعض الأشراف إخماد الفتنة بعد ساعات من نشوبها وقد اتهم أمير مكة علي بن عبد الله باشا بالدعوة إلى الثورة ومساعدتها.
عبد الله بن محمد بن عون: وكان الاتحاديون في الآستانة قد بلغهم تباطؤ الشريف علي في إعلان الدستور كما ذكرنا ثم بلغهم ما قيل عن مساعدته لثورة القبوري، فأصدروا أمراً بعزله في 28 رمضان عام 1326 وتولية عبد الله بن محمد بن عبد المعين بن عون وكان يقيم في الآستانة فشرع يجهز أمره للسفر إلى مكة ولكن المنية عاجلته قبل أن ينتقل في 3 شوال من السنة نفسها (2) وقد قيل إنه كان ضعيف البنية أنهكته الأمراض، كما قيل إنه مات مسموماً.
الحسين بن علي: وبوفاته وجه الاتحاديون إمارة مكة إلى الحسين بن علي. ووافق الخليفة رشاد الخامس على ذلك فتوجه الحسين من الآستانة على أثر ذلك فوصل مكة في ذي القعدة عام 1326هـ.
وكان الحسين من أشد المحافظين وأكثرهم تمسكاً بما ورث من عقائد، ولهذا كان لا يميل إلى فكرة الدستور ولا يعترف في أعماقه بمبادئه التي تخول عامة الشعب شيئاً من حقوق الحكم، وكان إلى جانب هذا يعتقد أن نظامه لا يتفق وما ورث من تقاليد تفصل بين الحاكمين والمحكومين.
وكان بحكم إقامته في الآستانة عرف الكثير من خفايا أصحاب الدستور واختلط ببعض شبابهم وشاهد شيئاً من تهاون بعضهم بروح الدين فأثر ذلك في عقيدته السلبية نحو رجال الدستور.
وكان يعرف مبلغ الفوضى التي خلفت ظفر الدستوريين في الآستانة واتصل باضطرابات العناصر غير التركية فيها وماج مع المائجين لقضية العروبة واختلط بالداعين إليها باسم الاستقلال الذاتي وسمع منهم وأعطاهم فأثر ذلك في توجهه وهيأه تهيئة كان لها أثرها فيما بعد وقد قيل إنه كان شخصية لامعة في عاصمة الأتراك وكانت له حلقة واسعة من المعجبين (3) .
وأعتقد أن الاتحاديين لم يتح لهم إمعان النظر في مصالحهم عندما فكروا في توجيه إمارة مكة وإلاّ لكان الحسين آخر من يختارونه لها في ظرفهم العصيب وقد كانوا معذورين لأن حكومتهم الجديدة لم تتركز بعد. كما أن الحسين من رجالات الأشراف في الآستانة الذين لا يسهل التغافل عنهم والتخطي إلى غيرهم بالنسبة لإمارة مكة.
وقد ذكر أن عبد الحميد كان لا يرى توليته ويشاركه في هذا أكثر البارزين من رجال الاتحاد ولكنهم أرادوا معارضة السلطان (4) وانتقل الحسين إلى مكة دون أن يبدو منه ما يخالف مبادئ الدستور وبوصوله إليها لم يجاهر بمقتهم أو كراهيتهم بل ظل في مجالسه الرسمية يبتهل إلى الله أن يجمع كلمة المسلمين تحت راية العثمانيين وأن يسدد خطاهم ويمنحهم التوفيق.
وفي عام 1327 أمر الحسين بانتخاب اثنين لعضوية مجلس (المبعوثان) (5) في الآستانة كطلب الاتحاديين فاختار لذلك ابنه عبد الله والشيخ حسن عبد القادر الشيبي.
وشعر الوالي التركي كاظم باشا أن مجالس الحسين كانت تفيض حيوية وأنه دائم الاتصال بطبقات الشعب والأهالي وأنه يعنى عناية خاصة باستقبال وفود البلاد العربية في موسم الحج ويطيل في حديثه إليهم عما يتوجسه من رجال الاتحاد وأنه كثير الاهتمام بمرافق البلاد حريص على أن لا يترك للوالي فرصة يؤدي وظائفه فيها إلاّ في أضيق نطاق فأراد أن يستيقظ حرصاً على مصالح الدولة العثمانية وتنفيذاً لسياسة الاتحاديين فجره ذلك إلى مشاكل انتهى أمرها إلى الآستانة فلم يستطع الاتحاديون علاجه إلاّ بعزل الوالي وتولية غيره.
وعانى الوالي الجديد من حيوية الحسين ما عانى سابقه ثم انتهى أمره إلى العزل وعزل بعده غيره وغيره فلم تمض السنوات السبع الأولى من حكم الحسين حتى كان قد تعاقب على الولاية في مكة ستة ولاة هم كاظم وحازم وفؤاد وأحمد ونديم ووهيب وغالب مع حفظ الألقاب كما يقولون.
وظل الحسين على نشاطه في الدعوى ضد الحكم الدستوري حتى استطاع في عام 1334 أن يعلن الثورة وأن يحاربهم في صفوف الإنكليز سعياً وراء استقلاله بالبلاد كما سيأتينا في الفصل الخاص بالثورة العربية.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :481  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 201 من 258
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج