شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عبد المطلب بن غالب للمرة الثالثة
واتصل الخبر بدار السلطنة فوجه عبد الحميد الإمارة إلى عبد المطلب بن غالب للمرة الثالثة وكان يقيم يومها في الآستانة فتوجه منها في 17 ربيع الآخر عام 1298 (1) .
وقد نشرت جريدة الجوائب التركية (2) تقول: ((توجه حضرة السيد الجليل الأثيل مولانا الهمام الكامل عقد آل البيت النبوي المعظم سلالة الأماجد القاطنين ببلد الله الأمين والحطيم وزمزم الشريف عبد المطلب بن المرحوم مولانا الشريف غالب)).
ويذكر الحضراوي (3) في تاج تواريخ البشر أنه توجه في باخرة سلطانية خاصة كلفت الدولة ما يزيد عن 1700 جنيه (عثماني) عدا ألفي جنيه تسلمها كنفقات سفر وأنه صحبته في الباخرة لجنة فنية لتخطيط ديار حرب التي كانت تضطرب بالفتن وحوادث العدوان وقد انتهى إلى ينبع في 7 جمادى الأولى فأقام أسبوعاً ومنها بلغه أن المدينة تعاني من الضنك والشدة كثيراً لقلّة ورود الأرزاق إليها نتيجة لارتباك طرق القوافل فأمر بنقل الأرزاق إليها من ينبع فسارت الأحمال في قافلة بلغت ألف جمل فاستقبلت المدينة ذلك بسرور عظيم وهبطت الأسعار حتى بلغت أقة اللحم ثلاثة قروش وكيلة الأرز خمسة قروش ونصف وكيلة القمح أربعة قروش ونصف.
وبعد أن أقام عبد المطلب في المدينة نحو أسبوعين استأنف عودته إلى ينبع فاستقل الباخرة التي كانت قائمة تنتظره فتوجه بها إلى جدة حيث أقام أربعة أيام استقبل أعيان الأهالي في جدة وكبار الوافدين من مكة ثم انتقل إلى مكة فدخلها ليلة الجمعة 18 جمادى الآخرة 1297هـ في حفل عظيم ونزل في قصره بالقرارة (4) .
ويشير الحضراوي (5) إلى رجال الدوائر الأميرية فيقول إن عبد المطلب كان قد صحبه رجل من الشام يسمى جمال أفندي وآخر من اليمن يسمى محمد جابر وقد قيل أن الأخير كان مأموراً لبعض الجمارك فاعتقل في مكة بتهمة تبديد أموال الدولة في عهد الأمير عبد الله ثم استطاع أن يلحق بالآستانة وأن يتصل بالشريف عبد المطلب ويلتحق بمعيته فاصطحبه بعد أن تقلد الإمارة إلى مكة وجعله رئيساً لدائرته يعاونه في ذلك كاتب تركي يسمى إيوان أفندي وآخر من مولدي المدينة الأتراك اسمه حسين طلعت إلى أن قال ما معناه: إن هؤلاء الموظفين استبدوا بأعمال عبد المطلب على أثر وصوله إلى مكة ومنعوا الناس من الوصول إليه فاستاء الأهالي ورجال البادية ورجال قبائل حرب بالخصوص.
ويذكر الدحلان (6) ما معناه أن الشريف عبد المطلب تقلد إمارته الأخيرة بعد أن تقدمت به السن لذلك ارتبكت عليه بعض الأمور واستطاع بعض رجال قصره أن يستبدوا بالأمر دونه يوجهوه إلى وجهات كانوا يستغلون فوائدها لأنفسهم.
وما كاد الأمير يصل إلى مكة حتى لاحظ داراً في القرارة تعلو داره بناها الشريف مهدي بن أبي طالب العبدلي في مدة غيابه عن الإمارة فأمر بإحضار لجنة للإشراف على دعواه في الضرر فوافقته اللجنة فأحضر أبناء الشريف مهدي وقرر أن يدفع أربعة آلاف ريال ثمناً للدار فقبلوا مكرهين فكتب القاضي صكاً بذلك ثم أمر بها فهدمت وبذلك بدأ استياء الناس وكثر لغطهم في شأن الأمير.
وما لبث عبد المطلب أن قبض على شيخ حارة الغزة محمد الهابط وعبد الله بن قويحص ومحمد تركي بدعوى أنهم يتكلمون في السياسة وأمر بهم فجلدوا في بيته -البياضية بالمعابدة- حتى فقدوا وعيهم ثم جروا إلى الأبطح وتركوا فيه حتى مات اثنان منهم ولم يعش إلاّ شيخ الغزة واستمر القبض يومياً حتى اشتد نفور الناس منه.
وقبض على إبراهيم قاضي صاحب ينبغ وعايض بن هليل شيخ قرية السيل وابن حراثيم من أهلها وأرسلوهم مقيدين إلى الآستانة.
ولا أستبعد أن تكون أعمال الإرهاب هذه حلقة متممة لسلسلة الاضطهاد التي أعلنها عبد الحميد في الآستانة ضد خصومه من أنصار الاتحاد أو من يشتبه فيهم فقد رأينا عبد الحميد يختار عبد المطلب لإمارة مكة على أثر اغتيال الحسين الشهيد فلا يبعد أن يكون قد كلفه بتعقب من يشتبه فيهم من أنصار الاتحاديين خصوصاً وقد رأيناه يرسل بهم إلى الآستانة كما لا يستبعد أن تكون بعض أعمال عبد المطلب خاصة به وأنه اغتنم لتبريرها فرصة دعوة عبد الحميد ضد الاتحاديين ورجال السياسة تنكيلاً بخصومه ومجاملة للإرهاب العام في دار الخلافة.
وبلغ من وثوق عبد الحميد بعبد المطلب أن نفى كبار خصومه ويبلغ عددهم نحو 11 شخصاً على رأسهم مدحت وزملاؤه إلى مكة ووكل إليه المحافظة على سجنهم وإسكات من اقتضت سياسة عبد الحميد إسكاتهم فقد حوكم هؤلاء الخصوم في محكمة عبد الحميد في الآستانة وصدر الحكم عليهم بالقتل إلاّ أن عبد الحميد رأى تأجيل ذلك فأعلن العفو عنهم من القتل واستبدل ذلك بالنفي فرحلوا في محافظة شديدة على مكة حيث ظلوا فيها يومين ثم استأنفوا رحلتهم إلى الطائف حيث سجنوا بها في القشلاق المعروف (7) .
وما يؤيد صلة عبد المطلب بفكرة الملكية وإخلاصه لعبد الحميد ما أخبرني به الشيخ حسن عشي وكان من المقربين في قصر الإمارة في مكة فقد ذكر أن عبد المطلب كان يقيم في الطائف يوم وصول مدحت وزملاؤه إليها وأنه كان يطل عليهم من نافذته وهم في طريقهم إلى السجن ويقول ((نصحت لك يا مدحت فلم تقبل)).
وكان في معية الصدر الأعظم مدحت باشا زميله محمود باشا الداماد وكان صدراً أعظم قبله وخير الله أفندي شيخ الإسلام وكان قد أفتى بخلع عبد الحميد وكان الأخير قد نفي قبلهم إلى المدينة ثم ألحق بهم عندما وصلوا إلى الطائف واعتقل معهم في سجنه.
وقد وصل المعتقلون إلى الطائف في سنة 1297 وظلوا في اعتقالهم إلى أن اغتيل فيه مدحت ومحمود وبقي شيخ الإسلام.
وأخبرني بعض المعمرين أنهما قتلا بضغط الخصيتين ضغطاً شديداً حتى ماتا وقد أخبرهم بذلك من سمع أصواتهم المكتومة في بعض البيوت القريبة من القشلاق.
وقد ظل جثمان مدحت مدفوناً في الطائف حتى أوفدت الجمهورية التركية في عام 1370هـ لجنة تولت نقل جثمانه من الطائف إلى أنقره.
ويذكر الدحلان (8) في حوادث عام 1297 أن بازان أجياد تمت عمارته فيها وأجريت إلى خزانة عين زبيدة.
ويذكر أن عبد المطلب كان يعتمد في أعماله بجدة على وكيله الشيخ حسن هزازي ثم ما لبث أن غضب عليه فسجنه ونقل أعماله إلى عمر أفندي نصيف وكيل الأشراف من آل عون.
ويستمر الدحلان (9) في وصف الشدة التي كان يعامل بها عبد المطلب الرعايا في مكة إلى أن يقول وقد مات له ولدان كان قد توليا أعماله بعنف فلم تطل مدتهما ثم ولى حفيده مساعد بن رضا بك قائمقاماً فظل نحو أربعين يوماً يذيق الناس فيها أصنافاً من العذاب والسجن حتى ضجّ الناس ورجال البادية فنزل عبد المطلب يوماً إلى القرارة وأمر بإطلاق جميع المسجونين وولى القائمقامية علي بن سعد السروري فلم يكن أقل منه عنفاً في الحكم ثم ولى حامداً المنعمي فازداد السوء واضطربت البادية برجالها وارتبكت شؤون الأمن.
ويذكر أيضاً (10) أن عبد المطلب آثر بالمنافع بعض المقربين إليه في حلقات الفاكهة وغيرها. ويقول صاحب إفادة الأنام أن رجال إدارته كانوا يحسنون له ذلك مقابل الرشاوي التي يستفيدون بها لأنفسهم.
ولقد كان للفاكهة والخضار سوق شائع بين الدلالين يمارسون فيه عملية المزاد بين البائعين والمشترين، فاستطاع دخيل الله العواجي أن يحتكر حقوق الدلالة على جميع الخضار والفواكه لنفسه في الحلقة بموجب تقرير موقع من عبد المطلب وبذلك منع جميع المحترفين ثم أباح لهم العمل لقاء مبالغ تحصّلها لنفسه منهم وفعل مثل ذلك في حلقات الحشيش والفحم والحطب. فقد أقرّ فيها بعض الأشراف بموجب تقارير خاصة تمنع غيرهم من مزاولة الدلالة إلاّ برسوم يدفعونها لقاء ذلك لصاحب التقرير وفعل مثل ذلك في تقرير تخريج الجمال الخاصة بالجاويين في بيوت معيّنة تتمتع بمصالحها وحدها.
والواقع أن هذا الاحتكار لم ينفرد بتقريره عبد المطلب وحده فقد شاركه فيه كثير من أمراء مكة قبله من عهد أبي نمي الثاني ولا نزال نشاهد آثار ذلك باقية إلى اليوم في كثير من البيوتات القديمة وقد رزح الأهلون تحت وطأته أجيالاً طويلة دون أن يغير ذلك من وضعه شيئاً لأن العرف غشاه بمسحة يتألق فيها تقديس القديم، أمامنا بيوتات احتكرت تخريج الجمال لأقطار كاملة وأخرى احتكرت التطويف لأجناس خاصة وأخرى احتكرت ما لا أدري من أنواع الاحتكار فطغى احتكارها على مجال العمل في تلك الميادين وحرمت إلى جانب ذلك مئات الأسر التي كانت تزاحم بأقدامها ولم يكن ذلك الاحتكار قاصراً على تقارير عبد المطلب إلاّ أن تكون تقارير عبد المطلب صدرت في احتكار ميادين تأثرت أكثر من غيرها أو أنها كانت أشد محاباة من غيرها.
عل كل فإن الذي نستنتجه من أقوال المؤرخين أن أعمال عبد المطلب من هذا النوع بالإضافة إلى ما قدمناه من أعمال العنف أساءت إلى بعض رجال القبائل فبدأت القلاقل تنتاب البادية وشرع الناس يتذمرون من صاحب الحكم واضطرب حبل الأمن في كثير من الطرق بفعل عدوان بعض البدو فوجد الوالي التركي الفرصة سانحة للعمل ضد عبد المطلب لدى الخليفة في الآستانة إلاّ أن مركز عبد المطلب عند الخليفة كان أقوى مما ظن الوالي فقد اختار الخليفة أن يسخو بالوالي ويضن بعبد المطلب فأصدر أمره بعزل ناشد باشا وتعيين صفوت باشا في منصب الولاية وذلك في تمام ذي الحجة من عام 1297 واصطحب الوالي الجديد أوامر بإلغاء تقارير عبد المطلب التي خصصت الحلقات لبعض الأسر وإلغاء تقارير بعض الجمالة والمخرجين وإعادة ما كان إلى ما كان.
ويبدو أن عبد المطلب استاء لأوامر الإلغاء كما استاء من أسلوب التبليغ الذي أصدره الوالي الجديد فما لبث أن نشب الخلاف بينهما بسبب ذلك ولأسباب أخرى اقتضاها احتكاك القضايا وتنازع الحكم بين إدارتين في بلد واحد فتوسعت أمور الخلاف مع صفوت أكثر مما كانت مع من سبقه واتصلت الأخبار بالآستانة فصدر الأمر بعزل صفوت وتعيين أحمد عزت باشا الأرزنجاني وكان قد سبق أن تولى ذلك في عام 1269 أي في عهد حكم عبد المطلب في مرة سابقة وقد وصل عزت باشا في أوائل المحرم 1299 وكان قد طعن في السن وشارف عمره التسعين.
ولم يطل أمر أحمد عزت لأن الخلاف لم يلبث أن نشب بينهما فعزل وتولى أمر الولاية عثمان نوري باشا في شعبان من السنة المذكورة 1299 (11) .
والذي يبدو أن الشريف عبد المطلب كان بالرغم من كبر سنه يعتد بشخصيته اعتداداً كبيراً وكان يحول دون اتساع نفوذ الوالي التركي الذي تخوله صلاحيته التدخل في حكم البلاد إلى قدر يتسع بقدر ما يهن الأمير أو يضعف.
وتوزيع السلطة في مكة بين الإمارة والولاية سياسة لها غرابتها ولكنني أحسب أن العثمانيين كانوا معذورين في اتباعها للحيلولة دون استبداد بعض الأمراء بآرائهم في الحكم وغير معذورين لأنه كان في استطاعتهم تقرير نظام شامل يحد سلطة الأمير ويوضح علاقته بالرعايا في البلاد.
وبالجملة فقد ظل الخلاف على حاله إلى أن جاء عثمان نوري باشا وكان عثمان نوري باشا فيما يبدو أكثر جرأة من غيره فقد استطاع أن يقنع الخلافة بإقصاء عبد المطلب ويستصدر أمراً سرياً بعزله وتولية عبد الله بن محمد بن عون بالوكالة إلى صدور الأمر الأخير (12) .
وكان عبد المطلب يومها في مصيفه بالمثناة من ضواحي الطائف فأعدّ عثمان عدته للأمر بأن وزع في هدأة الليل بعض عسكره فوق الجبال المحيطة بالمثناة وزودهم بالمدافع وأعد بعض الأشراف بسيوفهم ثم أرسل في الصباح إلى الشريف عبد المطلب يبلغه أمر العزل فلما بصر المدافع في الجبال المحيطة به استسلم للأمر الواقع فتقدم إليه الباشا وطلب منه أن ينتقل إلى نزل العسكر ((القشلة)) الذي كان يعتقل فيه مدحت ورفاقه بالطائف.
ثم أقام عليه الحراس وأطلق المنادي في الطائف ومكة بعزله وتولية عبد الله بن محمد بن عون وذلك في 28 شوال عام 1299 (13) وقد أقام عبد المطلب بقشلاق الطائف إلى نهاية عام 1299 ثم نقل إلى قصره ((البياضية)) في المعابدة فظل معتقلاً تخفره ثلة من جنود النظام وكان يعيش بين أهله وخدمه إلى أن توفي في شهر ربيع الثاني عام 1303 وقد صلّى عليه مفتي السادة الشافعية السيد أحمد زيني دحلان وشيع جنازته الشريف عون الرفيق والوالي عثمان باشا وكان عمره يشارف المائة (14) .
 
طباعة

تعليق

 القراءات :914  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 197 من 258
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الشعرية والنثرية الكاملة للأستاذ محمد إسماعيل جوهرجي

[الجزء الخامس - التقطيع العروضي الحرفي للمعلقات العشر: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج