شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
بناء مراد للكعبة
كان الجدار الشامي قد تشقق بسبب بعض الأمطار في عام 1019 فلما انتهى الخبر إلى الخليفة العثماني فكّر في هدمه وإعادة بنائه فلم يرَ علماء الأتراك رأيه واقترحوا أن تحزم الكعبة بحزام نحاس قوي يشد جدارها فوافق على ذلك وغلف الحزام بالذهب الخالص فبلغت نفقاته نحو 80 ألف دينار (1) . ويذكر السيد أحمد دحلان أن الخليفة العثماني كان ينوي إعادة بناء الكعبة بحجارة موشاة بالذهب والفضة فمنعه شيخ الإسلام من ذلك، وفي 19 شعبان سنة 1039 هطلت أمطار عظيمة استمرت طيلة اليوم المذكور وبعض الليل وكان يصحبها برد شديد وسال في أثناء ذلك وادي إبراهيم سيلاً عظيماً طغت مياهه على المسجد حتى بلغ ارتفاعها باب الكعبة ثم فاض حتى ملأ الكعبة من داخلها وارتفع إلى نصف جدارها فانهار جدارها الشمالي والشرقي وثلثا الجدار الغربي وسقطت درجة السطح وبلغ عدد ضحايا السيل يومها نحو ألف إنسان فعمّ ضجيج الناس وهرع أمير مكة الشريف مسعود إلى المسجد فزعاً يتبعه وجوه الناس فأمر بنقل محفوظات الكعبة من الهدايا إلى دار آل الشيبي ثم دعا الناس لتنظيف المسجد وإزالة ما تراكم فيه من الطين وشاركهم في ذلك ثم نقل ما هدم من حجارة الكعبة إلى حواشي المطاف (2) .
وفي يوم السبت 22 منه عقد الأمير مجلساً حضره علماء مكة في المسجد فاستفتاهم فيما يجب عمله فاتفقوا على وجوب المبادرة ببناء الكعبة من أموالها المحفوظة بعد هدم ما تقتضيه الضرورة من جدارها، وأن يكتبوا في الحال إلى خليفة المسلمين ليبادر بالمساعدة اللازمة كما اتفق رأيهم على أن يستروا ما يحيط بالكعبة بأخشاب مكسوة بالحرير إلى أن يتم البناء.
وفي 25 رمضان وصلت الأخشاب الخاصة بالستر من جدة فشرع شمس الدين وهو مهندس من مكة في إقامتها حول الكعبة ثم أسدل عليها ستاراً أخضر.
وشاع النبأ في بلاد المسلمين فأحدث هياجاً شديداً وندب أمير مكة من يخبر والي مصر ليرسل بذلك إلى الآستانة.
وفي 16 ربيع الثاني عام 1040 وصل إلى مكة مندوب السلطان مراد وبعد أربعة أيام رست في ميناء جدة سفينة تحمل المؤن والأخشاب وسائر الأدوات اللازمة للبناء.
وفي 22 ربيع الثاني شرع النجارون بإحاطة الكعبة بسياج من الخشب أوسع من السياج الذي نصبوه من قبل ليعمل البناؤون من ورائه في تعمير الكعبة.

صورة الكعبة عندما فاض السيل فهدم جدارها في العهد العثماني الأول وهي كما تخيلها جيرالد دي غوري في

كتابه أمراء مكة

وتوفي الشريف مسعود في أثناء قيام السياج وتولى الأمر بعده الشريف عبد الله بن حسن بن أبي نمي فأشرف على أعمال الهدم والبناء وبدأ الحجّارون يقطعون للكعبة أحجاراً من جبل معروف في الشبيكة سمي جبل الكعبة ثم ينقلونها إلى المسجد لتسويتها وإصلاحها، وقامت قيامة المعارضين فقد قيل لهم لا بد بعد هدم الجدار الخربة أن يهدموا الجدار الباقي الذي تطرق إليه بعض الخراب من أساسه فاستنكروا ذلك وطلبوا أن يكتفي المهندسون بالترميم في الجدار الذي لم يصل الخراب إلى أساسه ولكن المهندسين أجمعوا على التوسع في الهدم لتقوم الجدار على أسس متينة فاستشاط بعض المشائخ غيظاً وألّف الشيخ محمد علي بن علان الصديقي رسالة سماها ((إيضاح تلخيص بديع المعاني في بيان منع هدم جدار الكعبة اليماني)) ووزع نسخاً منها على المكلفين بالعمل (3) ومع هذا فالمفهوم أن جميع الجدر هدمت عن آخرها وبنيت من جديد على خلاف ما ظن المشائخ وأعتقده بعض المؤرخين، وبذلك (4) يكون بناء الكعبة الماثل اليوم هو بناء العثمانيين ويؤيد هذا ما نقله السيد أحمد دحلان من قصيدة أنشأها شيخ المعارضين الشيخ محمد علي بن علان الصديقي وقد ذكر فيها الكعبة إلى أن قال:
ومن بعد ذا قد بنى البيت (كله!!)
مراد بن عثمان فشيد رونقه
وكان متعهدو البناء من مهندسي مكة وهم المعلم علي بن شمس الدين والمعلم محمد زين الدين وأخوه عبد الرحمن وقد سجل قاضي مكة ذلك عليهم قبل مباشرة العمل، ثم أضيف إليهم أربعة من مهندسي مصر وبنائيها.
وهكذا بدأوا العمل في نهاية جمادى الأولى سنة 1040 بهدم الجدار الغربي ثم الجدار اليماني ثم نقلوا حجر الركن اليماني كما نقلوا بقية الأركان إلاّ الحجر الأسود، وفي 23 جمادى الآخرة احتفلوا بوضع الأساس في الجدار الشامي وتقدم الشريف عبد الله بمباشرة ذلك ثم تبعه العلماء والأعيان ومندوبو العثمانيين والمصريين ووزعت الخلع والهدايا وذبحت الذبائح عند باب السلام وباب الصفا وباب الزيادة وباب إبراهيم ووزعت لحومها على الفقراء.
وقد ظل العمل مستمراً إلى نهاية شعبان سنة 1040 وفي غرة رمضان ألبسوا الكعبة كسوتها واحتفلوا بذلك ووزعوا الهدايا والخلع واستمروا بعد ذلك في عمل ملحقات البناء من تجصيص وترخيم ودهان وإصلاح إلى أن انتهت جميع الأعمال المتعلقة بذلك في 2 ذي الحجة من السنة نفسها 1040 (5) .
وفي أثناء عملهم فيما يحيط بالحجر الأسود انفلق الحجر إلى أربع شظايا فهالهم ذلك وأزعجهم فبادروا إلى جمع الشظايا بمركب عجنوه بالعنبر واللادن فتماسك إلى أمد طويل ثم تفكك فعالجوه بمركّب من قلفونية واسبيداج وسندروس ومسك فتماسك أمداً ثم عاد إلى التفكك فجيء بالمعلم محمود الدهان فاتخذ له مركَّباً خاصاً تماسكت به القطع تماسكاً تاماً (6) .
وأمر مراد خان بتجديد باب الكعبة وإرسال القديم إليه.
وفي سنة 1073 انكسرت خشبة في سقف الكعبة فعمروا السقف وبنوا إفريزاً لسطح الكعبة عام 1100 ثم أصلحوا السقف عام 1109 ورمموا الكعبة سنة 1138 وقاموا بإصلاحات أخرى (7) .
كسوة الكعبة: واختص العثمانيون بإرسال الكسوة الداخلية (8) وكسوة الحجرة واستمرت مصر في إرسال الكسوة الخارجية من ريع أوقاف الكعبة بمصر فلما كان عهد سليمان شاه بن سليمان خان لاحظ أن أوقاف الكعبة التي وقفها الصالح إسماعيل ((من الشراكسة)) لا تكفي لسد نفقات الكسوة فأمر بشراء عشر قرى أخرى ووقفها على نفقات الكسوة الخارجية وظل ريع القرى يصرف على نفقات الكسوة طيلة عهد العثمانيين الأول حتى ألغى محمد علي باشا في مصر تلك الأوقاف وأحالها إلى خزانة الحكومة المصرية لقاء صنع الكسوة من أموال الخزينة كما سيأتينا في عهد محمد علي باشا.
وقد أورد الأستاذ يوسف أحمد مفتش الآثار العربية سابقاً في كتابه ((المحمل والحج)) أسماء القرى التي أوقفها السلطان سليم فكان عددها عشر قرى وفي هذا يقول (9) :
((رجوت حضرة صديقي المؤرخ البحاثة صاحب العزة محمود رمزي بك المفتش بالمالية سابقاً أن يبحث عن أسماء القرى العشر الواردة في هذه الوقفية)) (10) .
وهل هي موجودة إلى الآن كلها أو بعضها وهل تغيرت الأسماء، فتفضل عليَّ بهذا البيان الطريف الآتي فله مني ومن جميع المسلمين خالص الشكر ووافر الثناء.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :518  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 168 من 258
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج