شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
-9-
أخي:
طابت حياتك.
تلقيت خطابك من مكانه في حظيرة الدجاج، وآنسني عتابك الودّي فيما سمّيته نكسة القلب المريض.
والواقع أن مثلي، وقد أبل من أوجاعه في القلب، قمين بأن يقي نفسه مرامي الأهداب؛ والأعين الجميلة، وأن يتقي ما أمكنه مظان الهوى.. ولكني أحسبني، وقد أبليت في مهاوي الفتنة ما أبليت ستجدني أرسخ من أن تجمح به عاصفة من عاديات الجمال.. مهما بلغت شكيمتها، واشتد جماحها.
ولعل هوى الجن هنا لا يبعد كثيراً عن رأيي في عقيدة الحب، وعسى أن يكون أسلوبهم أشبه بالأساليب التي عشتُ أتخيّلها فيما يجب أن يكون عليه المغرمون؛ فدعني أتلذذ بتجربة تصادف من هوى نفسي ما يصادفه المغرم بمبدئه الذي يعتنق.
لم أسدر في غفوتي إلاَّ ريثما يمضي أثر الدهشة الأولى.. وما أن أزف موعد الدرس من ليلتنا الأخرى و (لحظتها) تتهادى بين أثلات نائية في طريقها إلينا، حتى كنت أخف منها لملاقاتها على نجوة من المتجمهرين في انتظار المدرس..؛ ورأيتني أبتدرها في طلاقة.
أتأذنين في كلمة مختصرة؟
فشاعت في وجهها بسمة هادئة، والتفتت تنثني على عطفيها في رقة المنصت المستجيب.
قلت: وننتحي جانب هذه الأثلة إذا كنت توافقين.
فجمعت غديرة من شعرها كانت مرسلة على كتفها وشرعت تمشطها بأطراف أناملها، وتتقدم مني إلى حيث أشرت.
قلت: ولا يضير هذا القوام اللدن أن يستريح إلى هذه الرمال الناعمة.
قالت، وقد بدت نواجذها عن بسمة مشرقة: ولكن فيمَ كل هذا والدرس على أهبة الافتتاح؟
- دعينا نبدأ مثل درسه، وعسى أن يكون أحفى منه بلغة الحياة وأحفل بها.
- أمدرِّس يستفتح بأول تلميذة يصادفها؟
- بل تلميذ يناقش أول معلّمة يستعذب روحها.
- لعله فصل من رواية لم تؤلّف بعد؟
- بل هو رواية مختزلة في فصل واحد..
- ما اسمك لو تسمحين؟
- هبوب.
- ما السحر الذي يلمع ذوبه بين عينيك؟؟
- يكفي أن تعلم أنه ((سحر)) لتعرف أنه خداع النظرة الخاطفة واللمحة العابرة.
- وإذا أثبت الاستقراء أنه حقيقة لا خداع فيها فهل لديك ما تفسرين به فتنته؟
- وإذا ثبت أنه سحر فهل لديك ما يعوذك من خداعه الفاتن؟. وهل تحفظ شيئاً ممّا يتمتم به أشياخكم من الإنس ضد عاديات السحر؟!!
- أَوَتعرفين أنني من الإنس؟
- وأعرف أنك لم تخلص بعد من أوشاب الإنس.. غدرهم ومينهم وسعة احتيالهم.
- أرى أنك تتحاملين في تعسف.. وإلا فأينك من تطفل الجن على حياة الآدميين، وفرضهم أنفسهم عليهم؟.. يتجلّى ذلك في المسلوبين منا، والمعتوهين، والمأخوذين، والممرورين، والمرضى، بعللهم وشتى أنواع أذاهم!!
- تلك أرواح شريرة نمقت ظلمها، ونزدري عدوانها، ونساعد عليها كل من يحتمي منها.
ليس على وجه الأرض من يمقت الظلم إلاَّ لفائدة يجنيها ممّا يمقت، أو يحارب العدوان إلاَّ لمصلحة ينالها لنفسه ممّا يحارب..
وليس على وجه الأرض بينكم عادل إلاَّ أن لا يحول العدل دون جشعه، ولا يحد من أطماعه، وليس بينكم مخلص إلاَّ أن يخلص لهواه وغايته قبل أن يفكر في غيره.
- لعلّها مساوىء الثقلين؟
- لعله يبدو لك هكذا.
- إنها فلسفة في غير موضوع.
- ذلك لأن الموضوع في نظرك سحر عينيّ الجميلتين وفتنة أهدابي.
- قالت هذا وهي تزوي ما بين عينيها، وتستجمع أطراف ثوبها استعداداً للانصراف.
قلت: وهل لموضوعنا من بحث؟
قالت: بلى.. وستكون له بحوث تتوالى كلّما جمعتنا الفرصة، وواتتنا الظروف.. وإلى الملتقى..
ومدت يدها لتصافحني، فأحسست بطراوة الحِسِّ ونعومة الحرير.. وسلمت.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :345  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 92 من 114
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الثالث - النثر - مع الحياة ومنها: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج