شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
من أحاديثي.. في التلفزيون
أخي المشاهد.. أختي المشاهدة..
أقول أختي وأحب أنك تنتظرين مني أن أقول سيدتي وهو أدب جميل دون شك ولكني رغم جماله أكاد أنسى في نفسي منه شيئاً فدعيني أقول أختي.. لا أكثر.
ودعيني بعد هذا أستسمح أخي المشاهد فحديثي الليلة لا يخصه في شيء.. إنه حديثك وحدك.. فهل تعيرينني سمعك؟
هل تنسين ولو للحظة هذا الرغي الستاتي الذي لا يكاد ينتهي في الفارغ والمليان وتعيرينني سمعك من صحيح.
أنا لست محاضراً بالمعنى الذي تسمعينه في الكتب فذلك ميدان له رجال يا أختي.
أنا إنسان حكاي.. ما جئت هنا إلاّ لأسلي من يسمعني ببعض حكاياتي عن الحياة.
وحكاياتي الليلة لأنها تخصك أرجو أن تكون خفيفة على نفسك.. حذار يا أختي أن تغضبي إذا تراءى لك في بعضها شيء سخيف، حذارِ أن تصيحي في وجهي: أجل.. مو لاقي كلمة يقولها.
لا يا أختي فأنا صديق.. وأحلف أني صديق ولكن كما كانت جدتك تقول: رحم الله من بكاني وبكى عليّ ولا رحم الله من ضحكني وضحك الناس عليّ.
أصحيح هذا يا أختي.. إذا كان هذا صحيحاً فإليك حكايتي.
جاري إنسان فقير الحال لا يكسب من دكانه ما يكفي قوت أولاده إلاّ بشق النفس جاء يحدثني وفي عينيه ملامح دمعة.. تكاد تسبقه إلى الكلام.
قال منذ أسبوع أبت السيدة المصونة أن تحضر زواج خالها إلاّ بفستان كلفني أن أقترض نحو مائتي ريال عجزت إلى اليوم عن سداد بعضها ومع هذا تأبى اليوم أن تلبس الفستان الجديد في حفل (قيله) دعيت إليها عند بعض الأقارب.
ليش هادا؟.. (وي يا خويا شافوه فوقي أيش يقولوا الناس.. عيب..) أصحيح يا أخواتي: أن هذا عيب وإذا أراد رجل بليد الفهم مثلي أن يفهم منكن وجه العيب فهل يجد لديكن ما يضع يده على هذا العيب؟
ترى ماذا يصنع رجل محدود الدخل إذا كانت السيدة المصونة تأبى إلاّ أن -تلبس لكل مناسبة فستاناً جديداً ثم ماذا يصنع إذا تعددت هذه المناسبات وتوالت بعضها في أعقاب بعض.. هل يختلس؟ هل يسرق.. هل يتعرض لذل الاقتراض.. هل يمتهن نفسه بسؤال الناس.
أليس هذا عيب.. أم العيب أن يشوف الناس الست المصونة تلبس الفستان أكثر من مرة..؟!
أليس بينكن سيدة رشيدة تستطيع أن تصحح لأخواتها معاني العيب في مثل هذه القصة الدامية.
لقد كان لأمي رحمها الله بدلة تسميها بدلة العيد.. كانت تطويها وتكويها وتودعها بقجتها في قاع الصندوق السيسم حتى إذا دقت الطاسة في الزير وجاءتها الست العزيمة رحبت بدعوتها وقامت إلى بدلتها تتهادى فيها كأنها عروس.
كأني أراكن الآن تتضاحكن ساخرات بي (شوفي يا أختي.. هذا الراجل المهبول يبغانا نعيش مثل ما كانت أمه تعيش).
لا.. لا يا ستات.. أنا أعرف أن بلادنا تحضرت.. وإننا أصبحنا متمدنين.. ولكن من قال أن المدنية معناها أن نعرض الرجل محدود الدخل ليختلس أو يسرق أو يمتهن نفسه بأي شكل من الأشكال.. إذا كانت هذه هي المدنية.. وإذا كان هذا هو التقدم فلا عاشت المدنية ولا عاش لنا فيها تقدم.
رحم الله أمي في ثوبها الباهي.. ورحم الله صندوقها السيسم.. ورحم الله الست العزيمة في بساطتها وحلاوة أسلوبها.
إذا كان لي ما أتمناه بعد أن حلّت بطاقات الدعوة محل العزيمة.. وهو أن نرسل العزيمة في سياق البطاقات لا لتعزم عليهن بالحضور بل لتعلن فيهن بجاه الله عليكن يا ستات.. كل واحدة تلبس أنظف ما عندها وبس.. ترى اللي تفصل جديد تنكد علينا وعلى الستات الحاضرات.
* * *
أخي المشاهد.. أختى المشاهدة..
لي صديق يقوم على تربية أربعة من أولاده بشكل يثير العجب.
يصطفيهم ويتحبب إليهم ويبذل في سبيلهم أفضل ما يملك في سخاء كريم ويحاول كل جهده أن لا يزعجهم، أو يغضبهم أو يكدر عليهم.
ألفوا هذا فيما بدا لي من نعومة أظفارهم حتى أصبح في نظرهم جزءاً من حقوقهم وأصبح لا يدور في خلدهم أن في الإمكان غير ما كان.
((يا ولدي قلت لك كم مرة بلاشي تمشي مع هذه البوطة ما هي أولك ما سمعت كلامي.. أنا يا ولدي والله أحب لك الخير لكن أنت ما تسمع كلامي.. يا ولدي فين أنت تروح تذاكر.. أنا كم مرة قلت لك عندك المجلس فاضي تعال ذاكر فيه برضك ما تسمع كلامي.. هيا الله يهديك، إن كان لك رفيق، وإلاّ اثنين تحب يذاكروا معاك جيبهم يذاكروا في المجلس)).
((يعني أنت رايح وخاصر كلامي أنا داري بتذاكر مع مين وتتمشى مع مين وفين عمَّال تذاكر.. والله يا ولدي بهواك إلاّ تبغى تروح، هيا روح على كيفك.. بس يا ولدي لا تتحير في الليل كثير ترى.. أنت عمال تشغل قلبي)).
ويمضي الولد منهم في طريقه دون أن يقبل مراجعة فيما خطط.. ويترك والده لا يملك إلاّ أن يلتفت إلى مثلي ليقول (أولادي الله يهديهم).
وفي رأيي أن مثل هذا الوالد في أشد الحاجة لأن يوفر دعاءه لنفسه هو في أشد الحاجة لأن يهديه الله ليعرف كيف يبني شخصيته في الحياة قبل أن يبني أولاده ويربيهم على احترام كلمته.
كيف له أن يعرف أن الإلحاح في الأوامر والنواهي يعلّم العصيان، وأن الناشئ إذا استمرأ المداراة وأخذ الخاطر شب وهو يعتقد بأن علاقته بوالده لا يصح بحال من أن تتعدى وظيفة المداراة وأخذ الخاطر بل ربما خدعته هذه التربية فاستهان بعلاقته بالحياة، وانتظر أن يداريه الناس في كل علاقاتهم به وأن يطيبوا خاطره في كل ما يفرضه لنفسه عندهم على غرار ما تعود من أبيه.
مثل هذا الفتى يعيش فاشلاً إلى جانب ما يتعرض له من قسوة الحياة وهو يواجهها، بمثل هذا الأسلوب المدلع.
أنا لا أقول أن على الوالد أن يشتط، فلا يهتم لما يرضي أولاده، ولا أقول أن عليه أن يأخذهم بالعنف ويحيل تربيتهم إلى العصا كما يفعل البعض.. لا..
لا.. فالتربية على هذا النحو لا تقل فشلاً عن التربية التي يحاول سيدي الوالد أن لا يكدر على أولاده فيها بأي حال.
هناك أمر وسط يستطيع الوالد فيه أن يبر ولده ويعامله في عطف ويثبت له في الوقت نفسه أن مثل هذا الفيض الحاني سيبقى ما بقي الولد باراً بأبيه وظل مقدراً له هذا الصنيع.
وليس في استطاعة الابن أن يعيش باراً يقدر أباه إذا كانت أوامر أبيه تتلاحق بشكل معقول وغير معقول: لا تقعد كدا.. لا توقف كدا.. لا تمشي كدا.. روح إحفظ.. روح ذاكر.. روح سوي كذا.. اعمل كذا بشكل قاطع لا يقبل مراجعة، فذلك أسلوب يعلم الخنوع أو يجر إلى العصيان فيفقد الوالد مركزه من ابنه ويقضي على شخصيته.
يستطيع الوالد في لباقة، أن يشير إلى مواطن الخطر، في كل ما يرى من الضروري أن ينهي الولد عنه وأن يكشف فائدة الموضوع، الذي يرى من الضروري أن يأمر به.. فيفعل كل هذا في غير إلحاح ومن غير كلام كثير اللوم ويزيده واللي يزيده يعيده يفعل كل هذا وهو يوحي إليه أنه ولد عاقل يعرف كيف يميز طريقه ليشعر الولد أنه شريك في هذا الشقاء وأن الموضوع ليس فيه أمر صارم قاطع، بل هو مداولة لاختيار الأحسن فيجد نفسه منساقاً إلى الأحسن ويتدرب على هذا حتى يألفه.
حذار أن تقول لولدك.. (لا) ثم تتغاضى عن عصيانه. حاول مداراة الموضوع ولا تقل لا، إلاّ بنسبة واحد في المائة واعرف أنك إذا قلتها تعين أن تقف دونها لئلا يتعلم عصيانك.
* * *
أخي المشاهد.. أختي المشاهدة..
لا تزال لحكاياتي مع الأخوات بقية.. أرجو أن لا تكون ثقيلة لأني سأحاول أن (ألايمها شويه).
هذا الحلي الذي تتحلى به بناتنا وأخواتنا ولا أقول أمهاتنا.. أليس في بعض أحواله ما يلفت النظر..؟
لقد كنت أفهم حسب ما علمني الفقيه طيب الله ثراه الشيخ إبراهيم الخزامي أنه يندب للمرأة أن تتزين ببعض الحلي إظهاراً لنعمة الله على عبده.
هذا كلام طيب.. فالسيدة التي استطاعت أن تملك قطعة من الصيغة، عقداً من اللؤلؤ أو طوقاً من ألماس، من الخير أن تباهي بما تملك تحدثاً بنعمة الله.
أما أختنا هذه التي تستعير القطعة من جارتها أو قريبتها أو تدفع أجراً لمالكها لقاء أن تتزين بها ليلة واحدة تتمخطر بها أمام المشاهدات وليس بين المشاهدات إلاّ من يعرف أنها ملك فلان أو علان فهذا شيء لم أفهم معناه ولم يحدثني شيخي الخزامي بما يفسر مغزاه.
أنسمي أختنا عارضة أزياء مكلفة من أصحاب المال أن تعرض مقتنياتهم على الحاضرات؟
لا أعتقد أن بين المشاهدات الفاضلات من تستطيع أن تقنعني بغير هذا التفسير.
وي يا أختي شوفي عقد آل فلان اللي لابسته الست اللي وراكي.. شوفي كيف اللولو كيف يصقل مصاقله..
إذاً فالفخر في صقاله وجماله سيعود إلى أصحاب الملك وليس للست التي أماطته بجيدها إلاّ نصيب عارضة الأزياء مع فارق واحد هو أن عارضة الأزياء تحقق ربحاً مادياً من عملها في العرض أما أختنا هنا فأكبر ظني أنها تؤدي خدمتها بالمجان.
شيئاً من الفهم يا أخواتي.. إن مجتمعنا كأي مجتمع عاش ويعيش على وجه الأرض يضم الغني والفقير وصاحب الدخل المتوسط فإذا أبينا جميعاً إلاّ أن نغالط لنظهر بغير المظهر الذي يدل عليه مستوانا فتلك مكابرة لا جدال فيها.
شيئاً من الفهم يا أخواتي..
ومع هذا فمجتمعات بلادنا تكاد أن تكون محدودة بمعنى أن السيدات الحاضرات في أي حفل قل أن يجهل بعضهن بعضاً.. كل واحدة بينهن معروفة أسرتها معروف مستواها في الغنى أو الفقر فأية مغالطة تتكلفها الست أمام الحاضرات لا تغير شيئاً في أمر مستواها.
وشيء آخر مهما غالت الفقيرة في ثمن الفستان الذي تلبسه فهي لا تستطيع أن تضاهي نوع الفستان الذي تلبسه فتاة من بنات الأغنياء.
فإذا صح هذا فسيكون البون شاسعاً بين الفستان العادي فوق جسم الفقيرة وبين قطعة الماس التي تتحلى بها إعارة أو تأجير وفي هذا مدعاة للهزء والسخرية.
أي أخواتي لقد عالجت البلاد المتمدنة تلك التقاليد البالية التي كانت تتجلى في مشاكل الحلي من المصوغات فنساؤها اليوم لا يتحلين إلاّ بالأنواع المقلدة من الحلي الزائف.. حتى الأسر الغنية التي تملك القطع الثمينة من النوع الأصيل اكتفت بإيداع ما تملك باطن الصناديق المقفلة وباتت تتزين (بالفالصو) اعتماداً على دقة صنعه وجمال بريقه فأي مانع يمنعنا ونحن جماعة شطار في المتابعة والتقليد أن نحذوا حذوهم.
لقد سرق أكثر سيداتنا ألواناً من الموضة لا حصر لها لملابسهن الداخلية والخارجية ولما لا أعرفه من شؤونهن الخاصة والعامة فأي مانع يمنعهن من سرقة موضة الحلي التقليد.
إنكن بهذا توفرن على أزواجكن تكاليف باهظة لا يستهان بها وتستغنين عن سؤال اللئيم أن يمد إليكن يد الإعارة وتترفعن بعد هذا أو قبله أن تنزلن منزلة عارضات أزياء. وتسلمن من مشاكل الضياع التي تعرفن حوادثها وما جرت من ويلات ومصائب على المعيرين والمستعيرين.
وبعد فهل يرى أخواتي في كل ما قلت شيئاً لا يستحق العناية والتأمل؟
* * *
أخي المشاهد.. أختي المشاهدة..
حديثي الليلة أو حكايتي بالأصح عن الأب الذي جاءني خبره.
بل سأتكلم في شخصه إلى كل أب يجعل من ابنته سلعة يؤمل من ورائها الربح.. يؤمل أن يجعل منها بضاعة يثري على حسابها دون نظر إلى حساسية فتاته ودون أن يجعل لعواطفها أي معيار في ميزانه.
أليس هذا صحيحاً يا أخي الأب؟ أليس صحيحاً ما بلغني من أنك عقدت عزمك على قبول الخطوبة التي تقدم بها إليك العجوز الثري وأنت تعرف أن كل مؤهلاته خزانة طافحة بالأحمر والأخضر والأصفر وإن كل مبرراتك أنك (ناوي تغمّس اللّبة).
نسيت أن فتاتك في عمر الورود وأن عريسك رجل أوفى على السبعين إن لم يكن قد تجاوزها.
نسيت أن فتاتك في عمر تحس بإحساس كل فتاة وتشعر بشعورها وأنها تتألم كما يتألم كل مغبون مقهور وهي ترى والدها يقدمها ضحية على مذابح أطماعه (إسمعي كلامي يا بنتي وخلينا نعيش في طرفك) أنسيت أنك تقتلها بكل خطوة وتنقلها إلى بيت غريمها العجوز وأنك لا تكاد تهيئ لسعادتكم بما ظفرت من ثمن حتى تكون قد أجهزت عليها وقضيت على حياتها إلى الأبد.
فهل تساءلت في أعمق أعماقك: بأي ذنب قتلت هذه المسكينة؟
وبعد.. دعني أنتقل إلى أفق آخر جاءتني منه حكاية لا تقل غرابتها عما كنا بصدده.
وحكايتنا هذه تشير إلى شخص مرموق ليس لي أن أذكر اسمه رأى أن يؤمّن حياة فتاه الشاب فاختار له ما يرضي ذوقه الخاص دون أن يعير مشاعر الابن أي التفات أو يجعل لذوقه في الاختيار أي معيار.
رحت أسأله أتراك تريدها زوجة لك؟.. أم أنت تنوي تزويجها لابنك؟
قال لقد وصفتها أمه بما لا يزيد عليه من الثناء فهي طباخة وهي خياطة وهي كفء لمهام بيتها.. قلت: وهل فهمت من صاحب الحق ابنك أنه يسعد بزواجه من جهاز أو ماكنة للخياطة.
قال: لست أعني هذا.
قلت: ليس من حقك أن تعني هذا أو غيره لقد أسديت معروفاً يوم تفضلت فأعلنت استعدادك بما يلزم لزواجه فلا تعكر صفو ما تفضلت به إن كنت تنوي بحق أن تهدي إليه ما يسعده (يعني بركة عطر لا توسخ فيها).
من حقك على نفسك أن تقف عند الخطوة التي أعلنت فيها استعدادك لتترك ابنك يبحث ما يتفق مع ميوله ويوافق مزاجه.
إخواني المشاهدين..
كأني أحس الآن بما يشبه الهمهمة تلوك بها بعض مجالسكم مما يتعذر عليّ تعيينها وتحديد مواقعها وكأني أتبين من خلالها حروفاً تنطق ببعض السخرية (ما بال هذا الأبله الحكّاي يشايع الفتى الغرِّير وينسى تجارب الأب ودربة السنين) وهي سخرية أرى أن لها وجهاً من الحق إذا ثبت أني أنكر على الأب حق التجارب.
إني يا سادة أول المقتنعين بضرورة ما تمليه التجارب ولكني أتمنى أن لا ينسى مزاج الفتى وميله العاطفي إلى جانب تجارب أبيه.
من حق الوالد أن يدلي بتوجيهاته ونصائحه ومن حق الابن أن يستنطق أحاسيسه على ضوء ما اجتمع إليه من إرشادات أبيه.
* * *
أخي المشاهد.. أختي المشاهدة..
وحكايتي الليلة حكاية لها معنى غريب شائك.
ألم أقل لك قبل اليوم أني رجل حكاي أكثر مني محدث أو محاضر..
فإذا لذّ لكم أن تسمعوا مني وإلاّ ففي برامج التلفزيون من المحاضرين والمحدثين ما يغنيكم عن حكّاي مثلي..
حكايتي الليلة عن قريب لي مات والده وتركه وأخوته على (الخصف).
لقد كانوا خمسة أخوة أكبرهم رئيّ يلعب الكبوش قبيل خروج الجنازة لأن سنه الصغير لم يقدّر معنى ما حدث في البيت.
لقد تعاون الجيران والأقارب على الإنفاق على الجنازة، تكفينها وتجهيزها ودفنها رحمة بالأسرة التي تركها لا تملك شروى نقير.
إلى هنا والأمر بلغ غاية المعقول ولكن ما حدث بعد هذا يثير الدهشة ويدل على أننا نعيش في دوامة لا تتفق مع منطق ولا يقرها عقل.
كيف يا أخي هذا فلان اللي مات الله يرحمه كان على رغم فقره صاحب موجب.. عمره ما يتأخر عن الواجب عاش يا أخي كبير لازم يموت كبير.
برضه الناس بالناس.. تقدر الست الوليه الأرملة تشوف طريقة من هنا والا من هنا.. تقدر تستلف ولو ألف ريال وتكبر يوم الرجال.. بلاش كل يومين ثلاثة وجبات للحريم.. لا.. هي واحدة مرة تسويها قطع عزا وتخلص من الناس.. ها.. أجل إيش نقول للناس.. إيش نقول للستات المعزيات.. يسير لا دي ولا دي ولا بنت اللّدي.. لا مو صحيح لا بد من قطع العزا.
وهكذا أبت التقاليد إلاّ أن تظفر رغم كل أحوال الضنك التي تحيط بالأسرة المنكوبة.
نسينا أن نفكر في أمر أيتام خمسة لا يجدون ما يطعمهم أو يكسيهم.. نسينا أن ندبر لهم حياة تعينهم ليعيشوا ولو على الكفاف. نسينا كل هذا ولم نفكر إلاّ في ميّتنا الكبير كيف يعيش كبيراً ولا يموت كبيراً.. كيف ننسى واجب التقاليد مع رجل يفهم الموجب.
لقد كنت على كثب يومها من المجلس التقليدي فقلت يا قوم لنصفع هذه التقاليد ونلعن خاشها دون أن نبالي بمن يقول وما يقول. حسبنا أن نفكر اليوم كيف نؤمن حياة هؤلاء الأيتام..
لقد كان لوالدهم مرتب في الضمان الجماعي فما يمنعنا أن نساعد الأرملة لتقدم إلى أولياء الأمر بما يفصل حالها وحاجتها ليضيفوا إلى مرتب الأب ما يساعد على تنشئة الأولاد وتربيتهم.
قال لي أعقلهم اطمئن سوف نفعل هذا بعد أن نفرغ من أعمال الواجب ونؤدي ما علينا للفقيد الكريم الذي عاش رحمه الله لا يفرط في الموجب.
ألا يا قوم هل بينكم من يعرف عقلاً أميز به أمثال هذه المفاهيم الشائكة؟
* * *
يسألني طويلب في سنته الأولى من المتوسطة كيف يا عمي كنتو تقضوا أيام العطلة، وإيش تسووا فيها.
ما أحلاك يا صغيري.. أتحسبنا كنا مدللين، بالصورة التي تتمتعون بها اليوم.
كان الأولى بك أن تسألني هل كانت لديكم عطلة، لا بل هل لديكم فسحة.. أثناء النهار الدراسي.. لا بل تسألني كيف تدرسون، وكم ساعة تستغرق دراستكم في اليوم.
اسمعني يا صغيري كنا لا نعرف العطلة إلاّ في الجمع والأعياد وأيام الموسم التي تزدحم فيها مكة بالحجاج، وهناك استثناءات في أيام الغيوم والأمطار.. والله يا سي الشيخ دحين المطر تغرق البيت، كمان يا سي الشيخ السقوف عندنا تخرخر.. والله أنا كمان يا سي الشيخ دحين السيل يدخل دهليز.
وينظر الشيخ طويلاً هذه الجباه الصغيرة.. التي ارتسمت عليها البراءة في دقة (اصطنعها فراخه متناهية) فلا يلحظ الشيخ فيها إلاّ ما يرضي سذاجته.. وبذلك لا يملك إلاّ أن يهيب بجميع الطلاب هيا (فيدوس).. هيا اخرجوا ألحقوا بيوتكم وليس بيننا من يلحق بيته بحق، لأن (الترويش) تحت المطر لذيذ ننسى معاه ثيابنا المكوية المنشأة، وننسى محافظنا فوق رؤوسنا ولا يصل أكثرنا إلى بيوتهم إلاّ وقد جعل المطر من أثوابهم ودفاترهم وأوراقهم عجينة سائلة.
لا تعجب يا صغيري، فقد كان جوع الانطلاق، والمرح والجري يهيئنا لكل هذه الشقاوة عند أول فرصة يواتينا فيها الظرف.
كانت دراستنا اليومية حصصاً متسلسلة إلى الظهر دون انقطاع فإذا آن أوان الظهر انصرفنا للغداء ثم عدنا لنستأنف الحصص إلى العصر ولما ابتدعت بدعة الفسح بين الحصة والأخرى كان نظام الحصة ستين دقيقة وافية كاملة، تعقبها فسحة عشر دقائق نترك فيها الفصول إلى الدرج والدهاليز نتفسح فيها.
ألم أقل لكم يا صغاري أنكم اليوم مدللون.. لقد قامت قائمة كبارنا يوم ابتدعت الفسح.. هادا إيه.. هادي بالله مدارس.. مدارس إيه.. اللي ما تدخل على الأولاد إلاّ تلتقيهم يلعبوا، هذه أصوات الاستنكار التي قوبلنا بها. اليوم يوم ابتدعت الفسح في المدارس.. ترى ما رأي كبارنا أولئك، لو شافوكم اليوم مفلوتين لا شهر ولا اثنين ولا ثلاثة.
وبعد أتسألني يا صغيري كيف نقضي عطلتنا بعد الانصراف مساء كل يوم وأيام الأعياد والجمع.
إن الأكثرية الساحقة منا مربوطون من طريق آبائهم، بحلقة أو أكثر من حلقات المسجد هيا يا واد شيل محفظتك على الحرم، الحق الدرس درس النحو عند الشيخ المنصوري وإذا صليت المغرب شوف جنبك حلقة الشيخ بابصيل علشان تحضر درس الصرف وبعد العشاء تلاقيني قدامك في درس الشيخ الشنقيطي.
هذه برامج عطلاتنا اليومية، أما عطلة الجمعة فربما كان أمرها أيسر عند بعضنا روح يا ولدي العب شويه في البرحة لكن لا تجي الساعة خمسة من النهار إلاّ أنت جنبي في الحرم عشان تسمعني الجزءين اللي غيبتها أشوف حافظها زي البلبل وإلاّ لأ.
هذه عطلاتنا يوم كنا، فهل يسمعها صغارنا المدلّلون.
* * *
حديثي الليلة أو بالأصح حكايتي فأنا رجل حكاي أكثر مني محدث أو محاضر.
أقول حكايتي الليلة لا تزال في بند الستات أما إخواننا الخشرين فسألتقي معهم في وقت لاحق، ليش؟! -لأن ستاتنا يتمنوا يكونوا قدامنا في كل شيء.
حكايتي الليلة تتلخص في كل عزابنا من الشباب يشوفوا الستات هم العثرة الوحيدة في سبيل إكمال دينهم.
وي يا خويا.. هي فرحة العمر.. هو كل يوم نبغا نزوج بنتنا.. لا.. لا شوف فلانه حطوا لها أربعين ألف غير الثلاجة والتلفزيون والغسالة والبكب والبوتوغاز.
ليش هي فلانة أحسن من بنتنا. يا سيدي قدامها نصيبها.. أما شيء على أصله وإلاّ ربنا يسهل عليه.
وهكذا.. هكذا أيتها الأخوات الله يسهل عليه.. وكما يسهل على اللي بعده.. واللي بعده.. وتفضل بنتنا نخمر عليها العيش.
وي أيش بك يا بنتي دي الأيام زي المسحورة.. إنها ليست مسحورة ولكنها الآلام النفسية تضغط على صدرها فتذيب حيويتها وتطحن جسدها وأنتم على كثب منها لا يهمكم من أمرها إلاّ أنكم تنتظرون الخطيب المليان اللي يكيد العدو.. استنى يا حمار حتى يجيك العليق.
ارحموها يا ستي فهي ما خلقت لتعيش خدامة لطامة عندكم.. خلقت ليكون لها بيت تسميه بيتها وزوج تفتح له صدرها وأطفال يناغونها فتناغيهم.
هذا ما كان من أمر فتاتنا البائسة.
أما فتانا الغلبان فنسي أنه جديد على الحياة هو يا دوبه طالع.. من فين يجيب.. لا.. لا احنا مالنا شغل.. بلاشي عليه جواز. وإذا كان أبوه ما عنده فالناس بالناس.. يقدر يا ستي يستلف وربنا معوض.. هذه بنتنا مسكينة ما شافت دنيا.. ما نصرها ونرسلها هي ما هي غنمه.
لا بأس ها نحن قد أرهقنا الوالد، والد الفتى ثم ملنا على الأصحاب والأقارب ألف من هنا وألفين من هناك وها قد زرنا معارض التقسيط كفالات هنا وسندات هناك فهل ثمة بعد هذا ما نخشاه؟
هنا جاء دور الست والدة العريس: ((وي يا خويا بلاشي فضائح قرش الزفاف مخلوف.. والله نبغى نفرح بك.. هي ليلة العمر)). شوف أبوك يمكن يشوف واحد من أصحابه الناس ما تتأخر عن بعضها قم بس أنت ((الحركة فيها بركة)) والله ما احنا مخلينها إلاّ زهر.. وبكرة على رب بكرة..
صحيح يا ستي بكره على رب بكره ولكن رب بكره قال (بل الإنسان على نفسه بصيراً) وقال (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة).
ماذا يفعل مثل هذا الفتى وقد أثقلتموه بكل هذه الديون.. ترى كيف يواجه الحياة هل يختلس.. هل يسرق.. هل يمد يده لذل السؤال.
إنكم في سبيل فرحة العمر.. في سبيل ليلة واحدة ((هيصتم)) فيها.
حكمتم على فتاكم بالشقاء والبؤس.. حكمتم عليه وعلى زوجه أن يعيشا إلى سنوات لا يعلم عددها إلاّ الله محرومين منكوبين وربما حكمتم على أطفاله بأكثر من هذا.
شيئاً من العقل يا أخواتي فقد أجمع الفتيان والفتيات وأجمع سائر الغلبانين من الرجال أنكن مصدر كل هذه المشاكل.. وأنكن في سبيل أن تكدن بيت علان في سبيل أن تحينها ليلة بها الحادي والمنادي لا تبالين بالعواقب مهما كان شأنها ولا يتبادر إلى خيالكن مبلغ ما سوف يعانيه فتاكن بعد تمام الأفراح والليالي الملاح.
بين صفوفكم اليوم عاقلات.. ولعاقلاتكن اليوم ندوات وجمعيات فما يمنعهن أن يتفقن على قرارات يبدأن بتنفيذها في بيوتهن لتكون بيوتهن قدوة.. إني أتمنى ذلك وما هو عليهن بعزيز.
حكايتي الليلة حكاية بعض الشطار الذين يسيئون إلى سمعة بلادهم في نظر الحاج دون أن يبالوا بما يترتب على ذلك بالنسبة لسمعتهم كجيران لبيت الله.. خليك يا عمي (اللي تغلبوا العبّوا).
أنا أعرف أن هذا النوع من الناس والحمد لله قلّة وأن عددهم أخذ في النقصان بعد أن انتشر التعليم وعم المدن والقرى ولكن مهما كانت هذه القلّة ضئيلة العدد فإن حوادثها القليلة ستترك أثراً سيئاً ستتناقله الألسن من وسط إلى آخر حتى يشيع أمرها وربما صادفت من يخلق من الحبة قبة فتنتهي النتائج إلى نهاية لا تشرف بلادنا.
ربما صادفنا بدوي يعرض قارورة ملأها بسائل أبيض وسماها للحاج لبن العشار أو فرعاً من (الشواحط) العادية سماها عصا موسى.
ربما صادفنا حضري يؤكد أن قماشه سليم الفتلة أو أن عطره لم يعرف الخلط وأن سبحته من خشب اليسر الخالص ثم ثبت للحاج أي لون من الحيلة مهما كانت ضآلته فإن سمعتنا سوف تتعرض لما يخدشها ويسيئها.
كأني أرى بين مجالسكم الآن من يصعّد نظره في وجهي ساخراً: هذا أخونا ما عرف إلاّ الحضري والبدوي ونسي حضرته ألوف الطارئين من أجناس الحجاج الذين يندسون بين الباعة ويملؤون الأسواق.
أنا لا أنكر هذا ولكن هذا لا يخلينا من المسؤولية ففي رأيي إن على المواطن الغيور لبلاده أن يجند نفسه لخدمتها.. (يعني ما يمكن أشوف واحد أجنبي يحاول أن يزيف على حاج ثم أرخي رأسي وأمشي لأني بهذا أعطيت للحاج فرصة يتهم فيها بلدي وأهل بلدي بالغش دون أن يدري).
على أن هذا ليس معناه أن الغش وقف على الحاج المدسوس على الباعة في بلادنا فلدينا كما قلت أقلية وإن كانت ضئيلة ترى أن من الشطارة أن تكون فهلوياً (اللي تغلّبوا تلعبّوا).
لا يا أصحابي إن سمعة بلادنا أفضل من أي كسب تحققه في أسلوب غير مشروع.
وفي سبيل أن نخدم هذه السمعة لا يكفي أن يركن النزيه إلى نزاهته (وتشقى لمن تلقى).. وكيل ما هو كيلك لا تحضر كيله تتغير ذقنك وتتعب في شيله.
لا.. لا لا يا أصحابي.. فهذا شيء لا يقره غيور على بلاده.. يجب أن لا نقر شاطراً على شطارته الكذابة.
لا أريد أن أقول: حط أيدك في حلقه وسويها دشمان ذلك أسلوب لا يقره رجل متحضر.. تستطيع أن تستخدم لباقتك في إفهامه مبلغ الإساءة التي يقدمها بمثل هذا العمل لبلاده فإذا عجزت فلا أقل من أن تستنكر فعله بقلبك.. وذلك أضعف الإيمان.
* * *
أخي المشاهد.. أختي المشاهدة..
استاء مني بعضهم وجاء من يصارحني: أنت يا راجل بس تهبّش كلام؟ يعني أنت موعاجبك تربية الناس..؟ خلي الناس في حالها!! يعني أنت ما تشوف نفسك.
الحقيقة أنا أشوف نفسي وأعرف من حقائقها ما لا تعرفون ولهذا لا أجدني راضياً عنها كل الرضا بل ولا بعض الرضا.
وإذا لذّ لكم أن تسمعوا مني ما أتهم به نفسي فإليكم الجوانب الآتية..
أنا قبل كل شيء إنسان مدلّع وأنا عندما أقول مدلع أعني هذا بكل معانيه.
صحيح أنا راجل شحط أمامكم عريض الأكتاف ضخم الكراديس تشوف القبة تحسبها مزار ولكن جوتها كله حجار. أنا إلى اليوم أخاف من الشمس أمشي فيها، أخاف من البرد لا يصفقني لا أعرف كيف أواجه مدلهمات الأمور وعظائمها.. كثيراً ما فوّتُّ على نفسي مئات الفرص بسبب عزيمتي الخائرة ولقلّة شجاعتي تجدوني أتلمس طريقي في الحياة من أهون السبل وأكثرها طراوة وأتجنب الطرق الشاقة مهما ثبت لي نجاحها.
لماذا لأني رجل نشأت على طراز أمي (الحس مسنّي وأبات مهنّي) وهو أسلوب كما ترون لا يواجه الحقائق بقدر ما يزوغ منها فهل تستنكرون اليوم إذا أنا عمّيت الحقائق على نفسي ولبّست الأمور عليها وعشت كالنعامة تدفن رأسها في التراب حتى لا ترى الصياد.
لم تخطئ أمي رحمها الله فقد كانت بنت جيلها وكانت معلوماتها عن الحياة مستقاة من معارف جيلها لا في بلادنا وحدها بل وفي أكثر بلاد الشرق فيما أفهم.
ولكن ألا يزال بيننا إلى اليوم من يدين بأمثال هذه النظريات؟؟
هذا ما أخشاه فنحن في أشد الحاجة إلى نشء جديد يواجه الشمس ويتحدى البرد يمشي إلى المجهول بقدم ثابتة يقتحم الأبواب دون أن يهابها ويواجه الحقائق دون أن تثبط عزمه الوساوس أو تفل إرادته الأوهام.
نحن في أشد الحاجة إلى أم تعلم طفلها كيف يرفع صدره توحي إليه أنه رجل وأنه أهل لثقتها وأنه على صغره كفء لأن يحميها نفسها -(بكره يا ولدي تسير سيد في بيتك وكبير في أهلك.. بكره تمشي قدامهم وتفتح لهم أكبر باب) في أسلوب دبلوماسي معتدل دقيق لا يهيئ للغرور.. هذا الإيحاء يترك أثره في نفسية الطفل فينشأ ثابت الجنان قوي الشخصية لا تغريه الطراوة ولا تلذ له الميوعة ولا يدلع نفسه إذا داهمته الحياة، كأنه نونو جميل.
هذه التربية الحاذقة نتمناها في إخلاص لنشئنا الجديد لئلا يفشلوا.
أنا أيها السادة والسيدات امتداد لأمّي.
كانت رحمها الله على غرار جيلها -(يا واد غطي رأسك من الشمس- يا واد زرر ثوبك من البرد، ولدي يا حبيبي يا دلوعة أمك يا حبيبي.. لا تفتح الباب لحالك يكون شيء ورا الباب يفجعك.. لا تمشي في الظلام ترى باسم الله الرحمن الرحيم يندرو في الظلام).
فإذا نشأت دلوعة أخاف الشمس وأخشى البرد فلا عجب في هذا فقد تركت هذه الرواسب أثرها في تكويني.
وإذا رأيتني أجبن عن اهتبال الفرص وأفوت على نفسي كثيراً من فوائدها فلا غرابة فيما أفعل فقد غرست أمي في نفسي الخوف من اقتحام الأبواب خشية أن يكون وراءها شيء يفجعني.
وإذا ساءك من هذا الشحط تردده عند مواجهة الأمور وإذا رأيت هذا الطري الذي تشاهده أمامك على طوله وعرضه يخيب ظنك في أدق المواقف فلا تلحاه فقد هيأته أمه أن يتوقى الظلام ويخاف المجهول تحاشياً (من أن يندر عليه حقّون باسم الله الرحمن الرحيم).
ولا أعتقد أن بينكم من يجهل أن حقّون باسم الله الرحمن الرحيم هو الجن الذي لا يجوز أن تسميهم بأسمائهم لأن ذكرهم في الكانون.. حسبنا أن نكنى عنهم بقولنا بسم الله الرحمن الرحيم.. بسم الله على دمنا ولحمنا.
* * *
أخي المشاهد.. أختي المشاهدة..
حديثي الليلة واقعة حال.. تلقيت فيها من أحد الطلاب خطاباً يقول فيه كنت تحدثت قبل اليوم عن أسلوب التعليم في زمانكم وما كنتم تبذلونه من مشاق وأنتم تواصلون الدراسة الصباحية بالمسائية دون أن تتخللها فسحة كافية للاستجمام ثم تتبعونها بحصص ليلية لا تقل وطأتها عن الحصص النهارية فهل كان هذا هو كل الفرق بين أسلوب التعليم في العهدين.
وللجواب على هذا.. أرجو أن تسمعني.. كان أستاذ الأمس يعني -سيدك الشيخ في المدرسة- ما يعرف هادي الفرقلة اللي زاد حالها هادي الأيام وكان ولي أمر الطالب في أغلب الأحيان لا يرى إلاّ أن اللحم لك يا سيدي الشيخ والعظم لنا لأنه يعتقد عن يقين بصدق الحكمة القائلة (ربِّ ولدك وأحسن أدبه.. ما يموت حتى يفرغ أجله وأن عصاية الشيخ في المدرسة من الجنة).
أنا لا أقول أنها فكرة سليمة ولا أتمنى لو بقيت سائدة إلى اليوم.. لا ولا أقول أن الفرقلة اللي عاشت بين طلبتنا هي أسلوب الحياة الصحيحة فهذا ليس بحثنا لا يزيد عن عرض بعض الأساليب الشائعة بين العهدين.
كان الشيخ في المدرسة يرى أن معدل الجلد بين عشرين أو ثلاثين ضربة على الرجل أو اليد معدل معقول لمتوسط الأخطاء ومتوسط التقصير وأن من الحق أن تزيد عدد الضربات كلما زاد مستوى الخطأ.
لعلّك ترى أنه أسلوب بالغ القسوة.. إني أوافقك على هذا بل أزيد فأدعي أن هذه البالغة أدت إلى رد الفعل الذي انتهى أمره في عهدكم إلى إلغاء الضرب بشكل يكاد أن يكون باتاً.
أتسمعني.. أرجو أن تواجهني بكل حواسك فلي إليك سؤال..
أيش رأيك اليوم في إخوانك الطلبة وأنت شايف ناس كثير منهم نسيوا حقوق الأستاذ في الوقار والحشمة.. ليش يا أخي أيش لو علينا احنا محنا عبيد أحد يقل لي كلمة ما يلوم إلاّ نفسه.. أنا إنسان حر ما أستحمل الكلام الزائد.. قال أيش يقول لي قوم اندر برّه من الصف.. طيب ماني نادر من الصف أشوف أيش أيسوي.. وإلاّ قال إيه قال شافني أشرب سيجارة طيب ما هي فسحتي.. قال بدّو ينصحني لا ينصحني ولا شيء أنا أنصح عشرة زيو.
هذا ما انتهى إليه إلغاء الضرب فهل حمدنا العاقبة.. أشوفك قدامي يا أخي السائل راخي رأسك ليش ساكت هل تنتظر أني أقولها.. أنا لا أرى إلاّ أن -الأمر يحتاج إلى كثير من الحزم على أن لا يكون الضرب وسيلتنا الوحيدة للحزم وقولهم عصاة الشيخ من الجنة خرافة لا يمكن سماعها وفي هذا دراسة واسعة يجب أن نفرد لها بحثاً خاصاً.
وهناك فرق بين طلبة اليوم وطلبة الأمس.
كان المصروف الجيبي للطالب لا يزيد معدله عن هللات.. أرى في مبسمك ضحكة ساخر كأنك تريد أن تقول لي ولم تنس القوة الشرائية التي كانت للهللة بالأمس.
طالع فيّ، يا أخويا المسألة مو بس القوة الشرائية.. كمان في شيء ثاني.. ما كنا نعرف الكاكولا ولا السينالكو ولا (المجاغالكو) ولا هذه الأصناف من علب البسكويت والشيكولاته الغالية.
كان مشروبنا السوبيا أو منقوع الحمر أو الزبيب وكانت حلاوتنا فشار معجون بالسكر أو سكر معجون بالدقيق نسميه فوفل جنجاوي شغل بنات الجاوي أو سكر معجون بالسمسم أو بالنارجيل وكانت فاكهتنا الجزر الأسود التمري الجزر اليماني وكان مجال التسالي واسعاً من الفصفص والحمص من المقلاة يا مجوهر للنبق التفاحي للوز البجلي للمخيّط للوز الهندي، للبن الدجاج لدجاج البر وطبطاب الجنة وكنا نحدق باللّيم مع الشرش أو القتة العجوري اللي مغموسة في الشرش.. لعلّك تعرف الشرش إنه ماء وملح لا تعرف لذته يا صغيري إلاّ إذا غمست فيه الليم أو القثاء ورحت عليها باللاهط.. أقول الليم وهو غير البرتقال اللي أصبحتم تتهادونه حبات بعد حبات.
هذا التفكير بل هذه المشروبات وهذه التسالي كانت لتواضعها تكفيها هللاتنا المتواضعة وكانت صالحة حتى للجبا.. شوية حمص في يد زميلك أو وصلة سمسمية أو حبة فوفله قامت بالموجب.
أما اليوم فمشروبك من المجاغالكو يكلف ربع ريال تقدر تضيف عليها كم ربع وأنت تناول صاحبك من هنا وزميلك من هناك قارورة بعد قارورة أما هدايا أصابيع الشيكولاته أو قراطيس النعناع أو الليمونة أو حبات البرتقال والتفاح فحدث عن تكاليفها ولا حرج.
رحم الله أيام النبق والمخيط وأعان الله أولياء طلبتنا اليوم على تسليك الريالات.
* * *
أخي المشاهد.. أختي المشاهدة..
يعود الحديث إليكن الليلة يا أخواتي المشاهدات في سياق لا أدري كيف جاءت مناسبته.
مما ألاحظ في أكثر بيوتنا أن القليل جداً من سيدات البيوت من يهمهن موضوع المقارنة بين الدخل والصرف.
هذا موظف محدود الراتب وذاك رجل يتعاطى البيع والشراء في السوق ولا يحقق كسباً ذا قيمة وذلك شخص يمتهن حرفة ضئيلة الدخل.
كل هؤلاء لهم بيوت. وفي بيوتهم أطفال صغار وكبار يعولونهم وعلى رأس كل هؤلاء زوجة تمثل مركز سيدة البيت أو مديرته أو بالأصح تمثل مركز وزيرة المالية فيه.
وإحنا نعرف وزير المالية لازم يكون صاحب بصيرة يعرف أيش القرش دا إيش معناه ويعرف فين يحطه وإلاّ اضطربت عليه وظيفته، وعرض بيته للإفلاس.
لا يا أختي لا تزغري فيّه بهادا الشكل، ولا تتشامقي بيّا يمكن أنت ست مدبرة صاحبة حواس تعرفي اللي لك واللي عليك، فالهرجة إذا ما تخصك ولا تعنيك.. خليني أهرّج مع اللّي أنت عارفاهم.
أهرج مع الست اللي ما يهمها كم مدخول زوجها.. ما تعرف غير هات.. هات حتى تجيب لو الهتهات.
يقول أبو شنب في النكت التي يرويها أن الراجل قال لزوجته أنت ما عندك طول النهار غير هات.. هات.. هات يعني ولا مرّة ما تقولي خد.. فقالت الزوجة طيّب خد المسجل صلحه.
ها أيش رأيك مو صحيح دا الكلام؟
أنا أعرف ناس، غيرك أنت طبعاً يا ست لأني ما أعرفك.. أعرف ناس كل يوم في مغنى جديد على هذا الهتهات..
يا ستي أنا مدخولي كل يوم ما يزيد على الشيء الفلاني وهادا الشيء الفلاني يا هل ترى يكفي المقاضي والا الكساوي والا حاجات البزورة والا مصاريف الروشتات للوجعانين.
كل هدا يقولوا زوجها المسكين وما فش فائدة، تقول هو ينفخ في قربة مخروقة كل يوم اللي يعيدوا يزيدوا، ولكن مع مين، مع الست المصون.. استنيني.. هادي طينه وهادي عجينه.
إن هذا العناء الذي يكابده الزوج المسكين في سبيل أن تفهمه شريكة حياته وأن تحس بإحساسه وتشعر بشعوره، في غير جدوى هذا من شأنه أن يصرم حبال الود، يوماً بعد يوم آخر، حتى ليصبح اليوم الذي يعتقد فيه الرجل أن مديرة بيته ليست معه بقلبها وأن علاقتها به لا تزيد عن عنيتها بقضاء مآربها وإذا رسخ هذا في ذهن الرجل، فالويل للبيت ومستقبل البيت. الويل للبيت يوم يتراءى للرجل أن عدم عنايتها بظروفه المالية دليل على بغضها له وعدم محبتها.
يقول لي صديق وهو راجل على قد حاله ودكانه لا يربح إلاّ يا دوب رجلك على قد فراشك.. يقول هذا الصديق (تقول لهم تور يقولوا لك أحلبه.. طيب كيف أحلبه؟ ما لهم شغل لازم تحلبه.. تقول وطمت الطامة هادي اسنين لما اخترعوا هادا الشيء الجديد.. تجي الست قال تبغي تهرج عندها عصرية.. كان زمان فنجان القهوة أبو النانخة ساير ويمكن جنبه براد الشاي؟ وإذا طلع الطوق لفوق بالكثير بكرج الحليب على الدفه يعني هادي لمن تزيد فوق الفوق.
تعال شوف يعني لازم قوارير الكاكولا وعلب العصير من كل شكل في الثلاجة.. دايما هو يا بلكي يجينا أحد على الغفلة.
طيب مرحباً هادى يكفي.. لا كيف يكفي الناس دحين يا خويا يعبوا علب البسكويت الكبار أم 30 ريال وعلب الشيكولاته وجنبها يا سيدي فاكهة وإلاّ تنين هادا ما لو شغل القهوة هيا والشاهي هو بس هاد من باب التزلكة كمان شوية فستق شوية حلاوة نعناع.. كدا يا خويا الناس لازم يعرفوا واجب بيتهم مو تخلينا قشقلة قدام الناس.
حاشاكم يا أخواتي من هذه اللي تسمونها (قشقلة) ولا أعرف كيف تسمى بلغة العرب حاشاكم منها، ولكن أليس من القشقلة أن ترهقي زوجك بالديون وتحيلي حياته إلى جحيم، تنتابه فيه الوساوس والأوهام وتترك أثرها في صحته.. أي نفع ينالك بعد هذا، إذا كثرت الديون على زوجك فأسلمته للأسقام وتركته طريح الفراش وصورت له -الآلام إنك مصدر شقائه وخراب بيته.
مو لازم يا ستي تبيني للناس أنك بنت سيدي وسيدي وأن جوزك حاله منغنغ ضيوفك يعرفوا أنك منت صادقة فبلاش من الفنجرة الزائدة.. ليش ما تقولي لهم والله أنتو حقكم طلي يندبح لكم لكن الرجال حاله معذور دي اليومين.. هادا مو عيب يا ستي الناس يشوفوا كدا يقولوا هادي ست مريحة ما يقولوا مسكينة تحب البنجخة الفارغة اللي في غير محلها.. ها أيش تشوفوا كلامي في محله وإلاّ أحسن تخربوا بيوتكم بهواكم على كيفكم والسلام عليكم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :424  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 57 من 92
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.