شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
نفوذ الشراكسة في مكة
من المعروف أن مكة عاشت تابعة للأمويين على أثر انتقال الخلافة إلى الشام ثم تبعت العباسيين على أثر انتقال الخلافة إلى بغداد.
وعندما فتح الفاطميون مصر أرادوا أن يهيمنوا على مقدرات مكة فاتصلوا بأحد أشراف مكة من بني عمومتهم أو اتصل الشريف بهم كما يذكر بعضهم. واستطاع هذا الشريف أن ينهض بمكة ويستقل بمقدراتها بدعم من الفاطميين لقاء أن يدعو فوق منبر مكة للخليفة الفاطمي وأن يقدم الفاطميون جميع المساعدات المادية والأدبية لحاكم مكة الجديد كما هو الشأن اليوم عند ساسة الأمم المعروفة.
ولكن العباسيين فطنوا للفكرة فاتصلوا بشريف مكة وحاكمها يعرضون عليه استقلاله بالأمر ومساعدته بكل ما يطلب لقاء أن يدعو فوق المنبر للخليفة العباسي بدلاً من الخليفة الفاطمي فقبل مرة أخرى فعاش المنبر حائراً بين القوتين في مصر وبغداد.
في تلك الأيام عاشت نظرية لا ندري كيف ابتدعت، تقول هذه النظرية إن نفوذ الخلافة لا تكمل عناصره في نظم الأمم الإسلامية ما لم يؤيده الدعاء للخليفة القائم فوق منبر مكة لهذا عانت مكة من جرّاء هذه البدعة ويلات لا نهاية لشدتها فكان كل ثائر على الخلافة في أي بلد قصي لا يرى عناصر النصر تكمل إلاّ إذا هاجم مكة وفرض الدعاء لاسمه على منبرها كخليفة جديد.
فرض العباسيون اسم خليفتهم على منبر مكة ردحاً من الزمن كما فعل الفاطميون في مصر، كما فعل الرسوليون في اليمن كما فعل الأيوبيون في مصر كما فعل القرامطة يوم هاجموا مكة وأذاقوا المسلمين فيها ما لا يطاق كما فعل الأخشيد، كما فعل مماليك الأتراك ثم مماليك الشراكسة يوم حكموا مصر، كما فعل غيرهم وغيرهم مما يطول مجاله هنا.
ويهمنا هنا دراسة علاقة الشراكسة بمكة وكانوا قد اتصلوا بها في أواخر القرن الثامن الهجري اتصال صديق أو عميل أو حليف بادئ ذي بدء ثم ما لبثوا أن حكموها كما حكموا مصر بقوة الجيش، وظلت هذه العلاقة طيلة القرن التاسع الهجري ونحو 25 عاماً من القرن العاشر الهجري إلى اليوم الذي امتد فيه نفوذ العثمانيين إلى الحجاز في عام 1923م وقبل شريف مكة بركات بن محمد بهذا النفوذ سلمياً وبه فرض الدعاء على منبر مكة للخليفة العثماني.
عندما سقطت حكومة المماليك الأتراك في مصر وقام على أنقاضهم مماليك الشراكسة بقيادة أبي سعيد برقوق الذي نادى بنفسه ملكاً على مصر. في هذه الأثناء كان يحكم مكة الشريف أحمد بن عجلان من أحفاد أبي نمي الأول فما لبث أن اتصل بأبي سعيد برقوق، قدم تهانيه وعرض صداقته وأن يدعو له على المنبر لقاء تقديم المساعدات والمخصصات التي كانت تقدم في عهد مماليك الأتراك، فأجيب بالموافقة.
استمرت علاقة الشراكسة بمكة سنوات طويلة كانت لا تتعدى فيها إسداء النصح لا أكثر لقاء دعاء المنبر وتقديم المساعدات دون أن يتدخل النفوذ الشركسي في أي شأن من شؤون الحكم في مكة كما يفعل بعضهم اليوم إلاّ أن منازعات الأشراف في مكة ما لبثت أن دفعت بعضهم للاستعانة بالشراكسة لتأييدهم ضد مناوئيهم فكانت فرصة لحكومة الشراكسة استطاعت استغلالها فأرسلت من جنودها حامية تقيم في مكة لتوطيد الأمن فيها وبهذا تم وضع اليد وباتت مكة في حكم التابع للنفوذ الشركسي في مصر.
يذكر المؤرخون أن مكة استفادت كثيراً من حامية الشراكسة في مكة فقد كانوا أصحاب غنى ووجاهة وأن هذا الغنى فاض في مكة بشكل واسع فقد كانوا أصحاب جود وبذخ لهذا نمت ثروات مكة وتوفر النقد فيها وكان المتصلون برؤساء العسكر يربحون أرباحاً طائلة ظهرت آثارها في الأسواق والمتاجر.
ومما يذكره التأريخ في هذا العهد أن علماء مكة اجتمعوا على توقيع عريضة طلبوا فيها إلغاء بدع المؤذنين وما يتغنون به من المدائح النبوية فوق المآذن وإلغاء الاحتفال بليالي ختم القرآن في رمضان ومنع إيقاد مشاعل المقامات في ليالي رمضان وهلال ربيع الأول ورجب فقبل ما عرضوه وصدر الأمر بإلغاء جميع ذلك.
وفي هذا العهد رتب الملك المظفر الشركسي ألف أحمر سنوياً علاوة على المخصصات السنوية تقدم إلى شريف مكة حسن بن عجلان لقاء أن يلغي المكوس الخاصة بالخضار في مكة.
وسجل السلطان محمد الأول الشركسي بعض الأوقاف ترسل غلتها إلى فقراء الحرمين فكانت أول غلة ترسل للفقراء بصورة علمتهم الاستكانة والاعتماد على ما يصلهم من إحسان.
وفي هذا العهد كان لا يعين بوابو المساجد إلاّ من الفقهاء والعلماء والقضاة ولكن الأمر ما لبث أن ظهر فيه بعض القصور فأحيلت وظائف الأبواب إلى غيرهم من عامة الناس والمحتاجين.
وفي هذا العهد بدأت مراكب الهند تتوارد إلى جدة بكثرة كانت الأولى من نوعها، ففرض الشريف بركات بن حسن بن عجلان رسوماً على حجاجها وظل يتقاضاها لنفسه، لكن السلطان برسباي الشركسي لم يعجبه هذا فأرسل يطلب أن ترسل نصف الواردات إليه في مصر، كما أرسل يطلب إرسال عشرة آلاف دينار سنوياً تحسم من مصالح خزانة مكة المالية وطلب إليه ألاّ يتعرض لعشور البضائع في جدة بل يتقاضاها موظف مختص يبعث بها إلى خزانة مصر وهذا يدلنا على مبلغ ما انتهى إليه نفوذ الشراكسة في مكة ولنا أن نعجب للتوفيق بين المخصصات التي كانوا يمنحونها مكة وأميرها وبين هذه الأوامر. وبين الغنى الذي يقول المؤرخون أنه ساد مكة وبين هذه الفروض التي كانوا يفرضونها على خزينتها.
ومما يذكره التأريخ من مناقب الشريف بركات أمير مكة يومها أن السلطان جقمق استدعاه لزيارة مصر فلما وصلها خرج السلطان للقائه وأن القاهرة ارتجت للقائه واستقباله وخرجت العذارى من خدورهن لرؤيته وكان يوماً مشهوداً.
ويقول العلامة السخاوي كنت ممن لقيه في مصر أنا والقلقشندي والبقاعي والسنباطي وسمعنا عليه بإجازته من الزين العراقي والهيثمي عشرة أحاديث وسمع غيرها غيرنا لعلو سنده وقد أجاز كثيراً منهم.
وفي هذا العهد استوردت مكة أول مطبعة للنقود استوردها أمير مكة الشريف علي بن عنان وضرب عليها النقود باسمه.
ومن طريف ما يذكره التأريخ عن علاقة مكة باليمن في هذا العهد أن ملك اليمن أحمد بن اسماعيل كتب إلى الشريف بركات بخروجه إلى الحج وطلب إليه إخلاء البيوت الكبيرة في مكة وأن يتلقاه عند الحدود فغضب بركات لهذه العنجهية وكتب إليه يقول:
قل لمن رام بنا ديناً ومن
رام يأتي بيتنا مغتصبا
لا يحج البيت إلاّ خاضعاً
دافعاً عشراً لنا ثم جبا
وإذا ما كان رأساً لم يعد
عندنا يا صاح إلاّ ذنبا
في قصيدة طويلة استاء لها ملك اليمن فتخلف عن الحج.
وكانت التجارة مع اليمن نشيطة، كانت مكة تستورد الحبوب على أصنافها وأنواعاً كثيرة من المنسوجات وكانت موانئ الحجاز الجنوبية تغص بالسلع والبضائع اليمنية من كل نوع حتى قيل إنها في بعض السنوات كانت تزاحم جدة بكثرة ما تستقبله من بضائع اليمن ودوابها وماشيتها وكان الطريق البري لا تنقطع سلسلة الأحمال من بواديه وكان تجار مكة دائمي الاتصال بتجار اليمن، وكانت بيوت الوكالات التجارية في مكة وثيقة العلاقات بالوكالات والمتاجر الكبيرة في اليمن كما كانت النقود السائدة في اليمن تحتفظ بأسعارها في مكة كما كانت النقود السائدة في مكة تجد رواجاً وافياً في أكثر مخاليف اليمن ومدنها الكبيرة.
وفي هذا العهد حج السلطان قايتباي الشركسي فندب أمير مكة من يستقبله في قرية الحوراء وهي بالقرب من أملج شمالي ينبع وأنهم مدوا له سماطاً عربياً كان من بين أنواعه صنف من الحلوى أعجب به السلطان فسأل عن اسمه فقيل له أن اسمه (كل واشكر).
وبوصول السلطان إلى مكة أغدق من خبراته على سكانها الشيء الكثير الذي لا يحصى. ومن طريف ما يذكره التأريخ بهذه المناسبة أن الشيخ محب الدين الطبري إمام المسجد الحرام لم يكن بين مستقبليه خارج مكة فوشى به بعض حساده فعاتبه قايتباي في ذلك فقال إني استقبلتك في أشرف بقعة وهي المسجد الحرام فسر لجوابه ثم أبلغه أنه لا يتقاضى شيئاً لوظيفة الإمامة فقال إني فرضت مائة دينار شهرياً لقاء إمامتك فقال إمامتي حسبة لله لا أقبل عليها شيئاً ثم ما لبث أن أنسل من المجلس دون أن يستأذن ومع هذا فقد أكبره السلطان وعندما عاد إلى مصر أرسل أمراً بتعيينه رئيساً للقضاة فوصل الرسول إلى مكة وأراد تسليم الأوامر إلى الشيخ نفسه فلما انتهى إلى بيته قيل له إنه ذهب يحمل عجين بيته لخبزه في فرن في أقصى الشارع فوقف ينتظره حتى حضر فسلمه الأمر فأهداه الشيخ رغيفاً من خبزه فصعب ذلك على الرسول وقال له إن مثل هذه التعيينات لا تقل مكافأتها عن الألف فأعاد الشيخ إليه أوراق التعيينات وقال تفضل فأعدها إلى سلطانك فأنا لا حاجة لي بها.
وأحسبني أن أؤكد أن الطوافة نشأت أول ما نشأت في هذا العهد في القرن التاسع، ذلك أن الشراكسة بحكم جهلهم باللغة العربية وميلهم إلى الأبهة والبذل كانوا يفضلون أن يعتمدوا على من يخدمهم ويدلهم على مشاعر الحج ويتلو أمامهم أدعيته.
ولعلّ أول مطوف مارس الطوافة هو قاضي مكة إبراهيم بن ظهيرة فقد تقدم لتلقين السلطان قايتباي أدعية الطواف في هذا العهد ولم يذكر التاريخ فيما قرأت اسم مطوف كان يلقن الحجاج أدعية الطواف قبل إبراهيم بن ظهيرة.
وبمناسبة الحديث عن ابن ظهيرة لا يفوتني أن أذكر أن آل ظهيرة وهم قرشيون من مكة كانوا بيت علم وأنه ظهر من بينهم عدة علماء كانوا يضطلعون بالتدريس في المسجد الحرام جيلاً بعد آخر كما أنجب آل الطبري كثيراً من العالمات المتفوقات كان من بينهن أم سلمة بنت المحب الطبري وأنجب آل النويري مثلهن وكان من بينهن خديجة النويرية كانت في بيتها تقدم الفتاوى في أدق المسائل الفقهية وآل القطبي وآل العتيقي وفي هذا العهد اشتهر الشيخ مجد الدين بن يعقوب الفيروز أبادي صاحب القاموس وقد ألف كتابه القاموس في منزله بمكة بجوار الصفا واشتهر غير هؤلاء كثيرون.. يطول البحث بنا لو حاولنا استقصاء أسمائهم أو أسمائهن.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :554  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 17 من 92
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الجمعية النسائية الخيرية الأولى بجدة

أول جمعية سجلت بوزارة الشئون الاجتماعية، ظلت تعمل لأكثر من نصف قرن في العمل الخيري التطوعي،في مجالات رعاية الطفولة والأمومة، والرعاية الصحية، وتأهيل المرأة وغيرها من أوجه الخير.