شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عَاصِمة الإسلام متى تحتل مكانها من القيادة؟
قضى الحج..
قضى المسلمون -والحمد لله- حجهم في خير ما قضت سنوات الحج قبله، بالرغم من الهنات التي صادفت الحجيج في لحظات الزحام والتجمع بين المشاعر والمشاعر.
ربما استكثر بعضهم هذه الهنات، ولكنه إذا استطاع أن يقابلها بما كان يصادف الحجاج من نصب طوال قرون عفا عليها الزمان تجلّى له الفرق واضحاً بين حاضر الحج وماضيه..
لقد مضت قرون كانت إمارة مكة تتجاذبها دول الإسلام ودويلاته كل يدعيها لنفسه، ويحاول أن يستصيغها لحسابه ويذيع فوق منبرها أصول مذهبه وفضائل دعوته، وكانوا لا يجدون لميدانهم متسعاً إلاّ في أيام الحج وبين مواقفه المقدسة.
كان الحجاج يفاجأون في عرفة أو في أيام التشريق من منى أو قبل نهاية مناسكهم في مكة بالسيوف تلمع، والرؤوس تتطاير فتركب القوافل بعضها من هول الفاجعة، ويتشتت شمل أصحابها فيعتصمون بالجبال أو يلوذون بالوهاد المعطشة فيموت الألوف من ضربة الشمس أو وطأة الجوع وحر العطش.
ويغتنم اللصوص فرصهم في معمعة الاضطراب ليصيبوا مَن نجا من ويلات السيوف ويتركوه مجرداً ممّا يقيم الأود أو يبرد الظمأ.
قد يُقال إنها كانت عهود الفوضى في عامة بلاد الشرق، وإن الزمان قد نفض اليوم غباره وبدأ يواجه الحياة على غير الأسلوب الذي كان يعيشه.
ونحن نعرف هذا ونعترف به، ولكننا نود ألاّ يغيب عن البال أن بلادنا مثقلة بما ورثت من عصور التأخر في عامة مرافقها، وإننا لم نقف على أرجلنا إلاّ من سنوات معدودة، وإننا حتى في سنواتنا المعدودة كنا لا ندرك حاجة الحياة إلى كل قرش نربحه ليكون وقفاً على العمل الجاد الصالح، فأفرطنا في البذل وأسرفنا في اللعب كما لو كنا نثأر لعهود الحرمان ولم نستفق من غفلتنا إلاّ مؤخراً..
وعندما استفقنا كان علينا أن نعالج تركة مثقلة من مئات السنين، فمرافق البلاد عاشت متأخرة في جميع معانيها وليس في هذا ما يستغرب، فإن كافة الدول الإسلامية التي كانت تنافس على جعل هذه البلاد منطقة نفوذ لها كان يهمها أن يعيش مَن فيها على برهم وصدقاتهم كما يعيش خدام الأضرحة على حسنات المحسنين حتى لا تقوم باسم البلاد المقدسة أية قائمة يهوي إليها المسلمون أو يقتدون بالبارزين فيها.
هذه الأفكار المغرضة هيأت عاصمة الإسلام في جميع أدوار التاريخ الإسلامي بعد الخلافة الراشدة للتأخر العلمي والأدبي والاجتماعي وتركتها في مؤخرة الصفوف دون سائر بلاد الإسلام ليسلم الحاكمون في بلاد الإسلام من عواقب تثقيفها ويقظة الوعي فيها.
واليوم وبعد هذه الآماد الطويلة فإننا لا ندري بأي خرق نبدأ ومن أي طرف نرقع، فإذا استطعنا في هذه السنوات المعدودة أن نقيم بعض الأود وأن نمضي قدماً فيما رسمنا، فإن الآمال معقودة على الوعي الجديد الذي شرع يتفتق ويدرك مبلغ ما قصّرنا أو قصّر من أجلنا.
إلاّ أن هذا لا يكفي فبلادنا في أشد الحاجة إلى يقظة الوعي في عامة بلاد الإسلام حولنا ليدركوا حقوق هذا البلد عندهم.
لا نريد لها حقوقاً في الإحسان، ولا مربوطاً في الصدقات.. فتلك وسائل كانت علّة تأخرنا، ولكننا نريد نوعاً من التقدير يجل قبلة المسلمين ويهيئها لمركز يشرف المسلم في أي بلد قاصٍ من الأرض ويرفع رأسه عالياً.
إن كثيراً من أمم الإسلام في أطراف الأرض تدعونا إلى التكتل، وأن ننضم إلى دعوتها دون غيرها، ونحن نتمنى التكتل على أن تتوحد الدعوة وأن نحتل مركزنا كبلد مقدس في مقدمة الصفوف. فقد عانينا من مآسي المؤخرة مئات السنين ما قضى على قداستنا وتركنا في العالمين أحدوثة لا تشرف المسلمين..
أرأيت لو كنا نحتل مركز القداسة في غير صفوف المسلمين أكنا نحيا هذه الحياة التي عشناها من مئات السنين موكولين إلى العطايا والصدقات؟!
لا أعتقد هذا فالتجلّة في الأمم الحيّة لا ترسي قواعدها على مثل هذا اللون، فهل آن الأوان لنظفر من بلاد الإسلام بالتقدير الحيّ الذي يدفع عجلتنا إلى ما تستحقه بلادنا من مقدمة الصفوف، أم أننا لا نزال مطمح أنظار الدعاة في كل صقع من أقطار الأرض؟.
والحج.. ما هو الحج؟؟
أليس هو فكرة عالية هيأها الله لتهوي أفئدة الناس لهذا البلد، فتنسج في بطحائه أوشاجهم، وتتآلف روابطهم، وتنعقد في ظل قبلتهم ألوية الزحف المقدس؟
فما بالهم ينكرون عليه مركزاً ندبه الله له ورشحه لقياده.
ألأنه ضعيف؟؟
ألأنه متأخر؟؟
ألأن إمكانياته محدودة؟؟
إنها إساءة المسلمين إليه من ألف سنة. فقد نفسوا عليه هذا المركز وزاحموه على ما ميّزه الله وهيأوه لحياة "السبهللا" وعيش (تنابلة السلطان).
تواطأت دول الإسلام عليه فحاربت زعامته.. مدت له في العيش الرخي وأعفته من الجندية، وحرمته التعليم، وأغنته عن التصنيع وأنشأته لا يعرف من الحياة إلاّ أن يأكل.. ثم يدعو للسلطان ابن السلطان ابن السلطان.. خان.
وليتهم وقد بنوا لزعامتهم على أنقاض ما هدموا فيه استطاعوا أن يحتفظوا بما تزعموا.
لقد ضاعوا مع كل أسف.. بعد أن أضاعوا.. وليتك تدري أي فتى أضاعوا..
وبعد.. فهل يقتنع المسلمون بما كان، وهل يتوبون إلى قبلتهم فيولونها عنايتهم ويعقدون آمالهم في ظلها، ويتضافرون على تجلّتها وتقدير جيرانها ويتفقون على اعتماد زعامتها الإسلامية؟
أم يتركون آمالهم بدداً للدعاة لا توحدهم كلمة، ولا يجمعهم مركز له قيمته التي تهوي إليها أفئدة الناس؟
ثم الحج؟
ما هو الحج؟
أهو هذه الحشود التي لا تجد مَن يطعمها أو يؤويها؟
أهو هذه الحشود التي تسابقت إلى القبلة لتستعطي الناس في ظلها ما يشبع جوعتها؟
إذا ظل مركز الإسلام لا يستقبل إلاّ الشحاذ والمقتر والعاجز والجاهل وسائر الألوف التي لا تعرف من معاني الحج إلاّ أنها ظفرت بلقب الحاج، فثق أنه سيظل مركزاً عاجزاً لا يربح لحضارة الإسلام خطوة ولا يستفيد لمدنيته فائدة.
نتمنى لبلادنا عمراناً يضاهي أرقى العواصم، وتنسيقاً يجاري أحدث ما عرف التنسيق ونظافة فريدة في مثالها، وتنظيماً يرقى إلى أفضل تنظيم، ولكن الدوافع تنقصنا.
فإذا عرف المسلمون أن بيت الله للمستطيع، وأن الدِّين لم يكلف العاجز والجائع أن يتسكع في سبيل أن يحج، إذا عرف المسلمون كيف ينفقون عن سعة لفائدة هذه البلاد فسيضعون لبنة قوية في عمرانها ويهيئونها للتنظيم والتنسيق، أمّا أنهم يتركون موازنة البلاد تتحمّل الملايين في سبيل استعدادها للحشود الفقيرة وأنصاف الفقيرة وعددهم وحدهم لا يقل سنوياً عن مائة ألف، فإن في ذلك ما يعثر خطاها ويجعل الطريق أمامها طويلاً وشاقاً..
إذا عرف المسلمون كيف يجلّون قبلتهم ويقدرونها كمركز للبعث الجديد، ففي استطاعتهم أن يفخروا بما يرفع رؤوسهم عالياً بين سائر الأمم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :358  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 68 من 92
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج