شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الأستاذ عبد الله فراج الشريف))
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله المنعم علينا بالعقل، الذي به أدركنا ما أرسل به إلينا يهدينا على لسان رسله، وأصلي وأسلم على سيد خلقه، وخاتم أنبيائه، وإمام رسله، سيدي محمد بن عبد الله رسول الرحمة، الذي ما ترك من بعده إلاّ علماً ورثه عنه الأوفياء من علماء أمته، ينشرونه ما استطاعوا في أرجاءِ المعمورة، لينشروا به بين الخلق والنور الذي يستضاء به عندما تداهم العقول ظلمات الجهل والزيغ.
وبعد: عندما هيأت نفسي لأتكلم عن ضيفنا هذه الليلة أستاذنا الجليل الدكتور محمد الحبيب الهيلة، استحضرت في ذهني منارات العلم في عالمنا المسلم، والتي بدأت بظهور الجامع والجامعة في المدينتين المقدستين مكة والمدينة، ثم أولاً في جامع وجامعة الزيتونة، التي هي أول منارات العلم ظهوراً في البلاد التي وصلها الإسلام مبكراً، ثم في جامع وجامعة القرويين، ثم جامع وجامعة الأزهر، وضيفنا نتاج مدرسة فكرية رائدة في الزيتونة عرفنا لها نجوماً مضيئة في شرقنا الإسلامي، علماء كثيرون أفدنا من علمهم، لعلّ من أهمهم فضيلة الشيخ محمد الخضر حسين شيخ الأزهر في بداية القرن الرابع عشر الهجري، وصاحب التفسير الذائع الصيت، الذي برز في علم مقاصد الشريعة فضيلة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور.
لهذا فقد تنوّع نتاج ضيفنا العالم المؤرخ الفقيه الأستاذ الدكتور محمد الحبيب الهيلة تنوعاً أثرى ما قدم من نتاج علمي، ومحور نتاجه الأساسي علم إسلامي خالص، بآليات ومناهج العصر التي تقود إلى جودة هذا النتاج، فهو من نال أعلى شهادات الزيتونة (العالمية)، وأعلى شهادات جامعة السربون الباريسية الدكتوراه الجامعية المؤهلة للتدريس في الجامعات، ثم دكتوراه الدولة المؤهلة للباحث العلمي المتميز، وقد غطى نتاجه العلمي جوانب كثيرة من ما تحتاجه الأمة من معارف.
ولعلّ من أهم ما شدني إلى نتاج سعادة ضيفنا الكبير بقدره المتقدم بعلمه، هو اهتمامه بمكة المكرمة (أم القرى)، ونحن المكيين يمتلك منا القلوب من يهتم بأم القرى تاريخاً وواقعاً، وقد بذل أستاذنا الجليل جهداً كبيراً في فهرسة مخطوطات المكتبة المكية في علوم القرآن وفي التاريخ وحقق كتاب نيل المنى بذيل بلوغ القرى المتحدث عن تاريخ مكة في القرن العاشر الهجري، للمؤرخ المكي جار الله بن فهد، وكان هذا لصالح مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، التي هي فرع موسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة، التي هي الوجه المشرق لمؤسسة يماني الثقافية الخيرية، التي أنشأها ويرعاها معالي الشيخ أحمد زكي يماني وفاء لأم القرى قبلة المسلمين ولطيبة مهاجر رسول الله -صلَّى الله عليه وآله وسلم- وأستاذنا الجليل الدكتور محمد الحبيب الهيلة مشارك بجهد مشكور في ملتقيات مؤسسة الفرقان التي تعقد في لندن، ومن بحوثه المقدمة إليها (مناهج كتب النوازل في المغرب والأندلس في القرنين الرابع والخامس الهجريين)، وعناية أستاذنا بالفقه عناية فائقة يبرزها عمله الجليل (فتاوى اليرزلي)، الذي صدر في سبعة أجزاء احتلت أربعة آلاف صفحة، ثم تحقيقه ودراسته لفتاوى الشيخ أبي القاسم عظوم القيرواني في القرن العاشر الهجري، الذي وقع في عشرة أجزاء، وفيه رصد لما كان عليه المجتمع التونسي في عهد المؤلف، لوصفه الكثير من أحواله وجماعاته وقبائله ومظاهره الحضارية، وقد اهتم حتى بعلم المناظرة والجدل، فحقق كتاب استخراج الجدل من القرآن، لابن الحنبلي، ناصح الدين عبد الرحمن بن نجم.
وعناية أستاذنا الجليل بالتراث والمخطوطات، تجلّت في هذا الثراء الذي نلحظه عبر ما ألف وحقق منذ حصوله على الدكتوراه مرتين واهتمامه فيهما بالدراسة للتاريخ الأندلسي والتاريخ الاجتماعي للمغرب، ثم عنايته بالموروث الفكري لعلماء المغرب مثل كتاب "سياسة الصبيان وتدبيرهم" لا بل الجزار، ثم عناية بمخطوطات مكة وتونس وفلسطين، وتاريخ تونس بتحقيق كتاب "الحلل السندسية في الأخبار التونسية" للوزير السراج، وتحقيقه لبعض الرسائل الديوانية الصادرة عن إمارة سبتة ثم دراسته المتأنية للظواهر الدينية الاجتماعية مثل بحثه عن الزاوية وأثرها في المجتمع الإفريقي، والزهد وأثره في هذا المجتمع.
ثم اهتمامه ببرامج العلماء ومعاجم شيوخهم، ونظرة فاحصة إلى ما ألقى من بحوث في المؤتمرات وما اشترك فيه من ندوات، وما ألقى من المحاضرات أو إلى إدراك مقدار شغف ضيفنا الجليل بهذا التراث من مثل بحثه في النظم الإدارية بمصر في القرن التاسع الهجري، ومن بحثه (القدس وأثرها الثقافي بالمغرب والأندلس، وبحثه الشهير عن الكلية الزيتونية، ودفاعه عن التعليم الزيتوني، ثم بحثه عن بعض مظاهر العلاقة بين الدين والثقافة).
ولسنا هنا في مجال الاستقصاء لكل ما ألّف أستاذنا الجليل وأنتج، إنما أردت أن أؤكد له إعجابنا بقامته العلمية السامقة، وهي المقدرة من كل علماء هذه الأمة، التي خدمها بجهوده العلمية المثمرة، التي تفيد منها أجيالها المتلاحقة وتكتشف بها قدرات هذه الأمة المسلمة ومشاركتها الحقيقية في بناء حضارة علمية لا تقتصر ثمارها على أرضنا الإسلامية، بل نفيد منها البشرية كلها سائلين الله عز وجل له التوفيق الدائم والسداد الملازم لكل عمل يأتيه إنه سميع مجيب.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :464  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 165 من 223
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.