شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه))
أحمدك اللهم كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وأصلي وأسلم على خير خلقك، سيدنا وقدوتنا محمد، وعلى آل بيته الطاهرين، وصحابته الغر الميامين.
السيدات الفضليات
الأساتذة الأكارم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
نلتقي الليلة مرحبين بالسيدة الفاضلة الدكتورة ملحة عبد الله مزهر، القادمة من القاهرة خصيصاً تلبية لدعوة "الاثنينية".. وقد اشتهرت ضيفتنا الكريمة بلقب "سيدة المسرح السعودي".. وهو لقب أحسبه لم يخلع عليها ترفاً.. بل كافحت وأنجزت ثمرات نسعد بها في مجال المسرح، ما جعلها تتبوأ هذه المنزلة، وأهلها لتقتعد مقعد التكريم في هذا المنتدى الذي يمد يده لكثير من المبدعين إعراباً عن كلمة شكر مستحقة لهم، وإسهاماً في توثيق مسيراتهم التي تضع لبنات متجانسات في بناء حضاري شامل، فهو بناء لا تتنافر لبناته العلمية، والفكرية، والثقافية، والأدبية.. لأنها تشد بعضها البعض، وتسعى لرفع هامة الوطن والأمة بين الشعوب القادرة على العطاء والبذل، لما فيه خير الإنسانية.
ضيفة أمسيتنا الكريمة تخصصت في المسرح، وهو تخصص ينبئ عن ميول فطرية تجاه علم وفن نابعين من ذات الإنسان.. فمراحل الطفولة تشهد نزوعاً طبيعياً نحو التمثيل واتخاذ البيئة المحيطة مسرحاً لأداء أدوار الأب، والأم، وحفلات الزواج، مروراً بدور المدرس وما يجري في المدرسة بين المعلمين وطلابهم.. ثم يتطور الأمر إلى المسرح المدرسي والجامعي اللذين يشكلان منعطفين حقيقيين في مسيرة المبدع وهو يسعى لصقل هوايته عبر المران، وإيصال صوته للمتلقي رغم ضيق مساحة العطاء.
وفي النهاية تبقى الهواية، وضيق المساحة، عاملين مؤثرين ومستمرين في مسيرة المسرح السعودي، رغم مرور نصف قرن تقريباً، منذ محاولة رائد المسرح السعودي الأستاذ أحمد السباعي بالتعاون مع الأستاذ محمد مليباري "رحمهما الله" تقديم مسرحية "فتح مكة" التي كان من المزمع عرضها على "مسرح قريش" بمكة المكرمة.. ومعظم المتابعين للشأن الثقافي والمسرحي يعلمون إجهاض تلك المحاولة، وبالتالي توجيه ضربة قوية للنشاط المسرحي بمعناه الحقيقي.. ما أدى إلى تسرب الهواة زرافات ووحدانا لإنجاز أعمال مسرحية متفرقة في المهرجانات الصيفية، ومن خلال الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون، بالإضافة إلى ظهور بعض الأعمال التجارية التي تعرضت لكثير من القمع والنقد الحاد.. مع اقتران العمل المسرحي بنظرة إقصائية تحط من قدره، وتجعله منبوذاً مقهوراً محصوراً في أضيق نطاق.
مما لا شك فيه أن هذه البيئة الطاردة جعلت ضيفة أمسيتنا تتجه إلى القاهرة لتنطلق منها إلى أجواء العطاء الإنساني، وتسهم بدراسات قيمة على المستويين الأكاديمي والتطبيقي.. الأمر الذي يؤكد أن المسرح بطبيعته وتسميته "أبو الفنون" لا يصادم المجتمع، بل يحض على تعرية المثالب ويجسدها أمام المتلقي فيشكل نافذة مهمة لمعالجة الأمراض الاجتماعية، والأخلاقية، التي تنخر في التركيبة التنموية.. فالفساد بكل أشكاله وأنواعه، والانحلال الخلقي، والتفكك الأسري بما يحمله من كوارث على النشء، وتفرد التيارات الإقصائية الضالة والمضلة بالساحة وما تفرزه من أعمال إرهابية على المستويين الفكري والعملي، كلها تحتاج إلى معالجات تقود تدريجياً إلى كشف القناع عن تلك الممارسات الخاطئة، وإعداد المجتمع إلى نقلات نوعية في سلم التطور الاجتماعي.. ومنها المسرح الذي من وظائف الغوص في لجة التاريخ، واستلهام أحداثه، والعودة ببعضها لتنبض بالحياة مجدداً أمام المشاهدين لتكون أبلغ رسالة تحمل مضامين جوهرية ذات تأثيرات إيجابية في المتلقي، وتكرس القيم النبيلة التي تسهم في رقي وتطور المجتمع.
لقد قدمت ضيفتنا الكريمة أعمالاً مسرحية نالت تقدير الكثيرين، وأسهمت في إثراء الساحة بمؤلفاتها التي تناولت المسرح كأداة تثقيف وحوار متقدم على مستوى الفرد والجماعة.. كما اهتمت بثقافة الطفل كرافد أساسي في منظومة العمل المسرحي، وقد أعملت مبضعها في جسم المسرح السعودي من خلال كتابين على درجة كبيرة من الأهمية: "أثر البداوة على المسرح في السعودية" و "أثر الهوية الإسلامية على المسرح في السعودية".. وأحسب أنها وفقت بدرجة كبيرة في اختيار هذين المحورين كنماذج بارزة أدت إلى تهميش العمل المسرحي الذي يحتاج -نشوءاً وارتقاءً- إلى عامل الاستقرار البيئي قبل أن ينطلق نحو آفاق العطاء المرتقب، وليست البداوة نمط حياة فقط، بل هي تكريس لنظام اجتماعي متجذر رغم ظهور المدينة كوعاء جامع لمختلف البشر.. كما أن الهوية الإسلامية جمعت في إهابها الكثير من العادات والتقاليد التي اتخذت من الدين قاعدة وقناعاً وإن لم تكن منه في شيء.. وقد ظهر هذا التوجه فيما عرف أمنياً بالفئة الضالة، التي مارست قدراً كبيراً من العنف تجاه المجتمع انطلاقاً من توجهاتها الخاصة في فهم الدين والحياة.
إن الحديث عن المسرح متشعب بقدر علو كعبه اجتماعياً وثقافياً.. فهو كتاب مفتوح للمثقف، والأمي، والرجل، والمرأة، والطفل.. إنه حياة داخل حياة.. تموج بالحركة، وتأخذ المتلقي في جولات تمزج الخيال بالواقع، والمبالغات بالحقائق، وتقبض أثراً من الحياة الاجتماعية لتُشرِّحه على الطبيعة مباشرة في أقرب علاقة بين المبدع والمتلقي.. علاقة لا تحتاج إلى وسيط أثيري أو شاشة عرض.. مما يترك انطباعاً طويل المدى، وأثراً قوياً يضرب وتراً أو أكثر لدى المشاهد، ويسهم بدرجة أو أخرى مع وسائل الإعلام المختلفة في معالجة قضايا المجتمع وفق منظور نختلف أو نتفق عليه، لكن تبقى المهمة الأساسية هي التنوير.
من ناحية أخرى يشكل المسرح عالماً قائماً بذاته.. فما يظهر على خشبته على مدى ساعتين أو أقل أو أكثر، يحتاج إلى وقت طويل من الإعداد، وجيوش من المختصين كل في مجاله، فهناك شرائح المؤلفين، وكتاب السيناريو، والمخرجين، والمحاسبين، وفنيو الديكور، والمكياج، والملابس، والكهرباء، والإنارة، والمؤثرات الصوتية، وغيرها من النشاطات التي تستقطب أعداداً مقدرة من العاملين مما يسهم في محاربة البطالة، وإيجاد فرص عمل حقيقية للجنسين والنهوض بمستوى المعيشة.. كما أن "اليد الخفية" في النظرية الاقتصادية قادرة ومؤهلة على توليف مئات العلاقات المالية والاقتصادية ضمن هذا النشاط، أخالها تصب في مصلحة الوطن والمواطنين.
إن "المسرح" وصنوه "السينما" عاملا تثقيف ومد حضاري لا يرتبطان بمجتمع دون آخر.. ومهما أوصدت الأبواب أمامهما فإنهما قادمان لا محالة، فقد أغلقت الأبواب أمام مدارس البنات، ثم أمام التلفزيون، وأطباق البث الفضائي، وكثير من المنجزات البشرية لاقت إعراضاً من الذين يرفضون التغيير انطلاقاً من خدمة مصالح ذاتية أو نظرات ضيقة، إلا أن دروب التطور لا تقف عند رغبات الانطوائيين.. والإشعاع الحضاري قادر على التنفس وتبديد غياهب الفكر الظلامي رغم حملات البطش والعداء والتنكيل.. والتاريخ خير شاهد على ذلك.. والانفتاح نحو الآخر والأخذ بأحسن ما لديه لا يختلف عليه إلا مكابر أو صاحب أجندة خاصة.. ولا مكان لأمثال هؤلاء في صفوف العطاء الخير.
نحيي ضيفتنا الكريمة وهي تتصدى لكثير من التحديات، متمنين لها النجاح والتوفيق.. ويسعدني أن أترك الميكرفون للسيدة الفاضلة الأستاذة الدكتورة هانم ياركندي، أستاذ الصحة النفسية المشارك بجامعة أم القرى، مؤسسة ورائدة رواق بكة الثقافي، عضو مجلس إدارة جمعية أم القرى الخيرية.. لترعى هذه الأمسية بجميل فضلها وعلمها.
آملاً أن نلتقي الأسبوع القادم لنلتف حول الأستاذ الدكتور سليم الحسني، الحاصل على دكتوراه في الهندسة الكهروميكانيكية، وأستاذ كرسي هندسة الطاقة السريعة في جامعة مانشستر، والرئيس الشرفي لمؤسسة العلوم والتكنولوجيا والحضارة في المملكة المتحدة، وأسهم بأكثر من مائتي بحث ومقال علمي محكم في كتب ومجلات علمية دولية.. فأهلاً وسهلاً ومرحباً به بين أهله وعارفي فضله.
والسلام عليكم ورحمة الله.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :421  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 39 من 223
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.