شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة الأستاذ الدكتور محمد بن سعد آل حسين))
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد..
فلقد استحقت هذه الجامعة، (جامعة أم القرى) الشكر والتقدير على ما تقدمه من خدمة لهذه البلاد من طريق الاحتفاء بسير أولئك الروّاد الذين كان لهم شأن في خدمة مجتمع هذه البلاد.
ولم يكن هذا بالسهم الوحيد لهذه الجامعة الأصيلة، بل إنها قدمت خدمات جليلة لفكر هذه الأمة ليس هذا مجال ذكرها وحصرها. فيكفي منَّا أن نقدم الشكر الجزيل لهذه الجامعة على كل ما تقدمه لهذا المجتمع وخصوصاً ما نحن في صدد الاجتماع فيه وهو الحديث عن المصلح الاجتماعي الشيخ/محمد سعيد عبد المقصود خوجه.
ونحن حين نقدم الشكر لهذه الجامعة إنما تتمثل في أذهاننا جهود هؤلاء الرجال الذين قاموا على توجيه العمل في هذه الجامعة بدءًا بصاحب المعالي الأستاذ الدكتور/ناصر بن عبد الله الصالح ثم أخوته الذين ظلوا يعملون معه بكل جد وإخلاص.
ولقد بدأت صحبتي للأستاذ محمد سعيد عبد المقصود خوجه يوم أن اطلعتُ على تلك المقدمة التي قدَّم بها (وحي الصحراء) وذلك حين أهدى إليَّ هذا الكتاب أحد شيوخي وهو الأستاذ الدكتور/محمود فرج العقده -رحمه الله- وكان ذلك في نهاية عام 1378 للهجرة النبوية الموافق: 1985 للميلاد. ولقد رسخت مودة ذلك الشخص في قلبي فكنت أتحيّن الفرص للبحث عن كتاباته حتى إذا ما فرغت من إعداد أطروحتي الماجستير والدكتوراه كان أول عمل علمي أتجه إليه هو جمع مقالات الأستاذ/محمد سعيد من الصحف والمجلات وكان أن بدأتُ في ذلك بحديث عنه وعن مقدمته لكتاب (وحي الصحراء) في مجلة كلية اللغة العربية بالرياض جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
قلتُ إني بدأتُ أستنسخ ما في الصحف والمجلات مما له صلةٌ بالأستاذ محمد سعيد، حتى إذا ما تكوّنت لدي مجموعة من مقالاته بدأتُ في تصنيفها ثم دراستها ليتكوّن من ذلك كتاب هو (محمد سعيد عبد المقصود خوجه، حياته وآثاره) وقد طبعت تهامة الكتاب بناءً على طلبها، ومعلوم ما كان لذلك الكتاب من صدى في جميع الأوساط الأدبية إذ ذاك كونه قد سدّ ثغرة كانت محسوسة في ثقافتنا في الصدر الأول من النصف الثاني من القرن الرابع عشر من الهجرة النبوية الشريفة وخصوصاً في العقدين الخامس والسادس من ذلك القرن.
ثم كانت لي أحاديث عنه رحمه الله في الصحف والمجلات ثم في ((الاثنينية)) جزى الله صاحبها كل خير، والغريب أني بدأت الكتابة عن هذا الرائد قبل أن يُتاح لي التعرّف على ابنه الشيخ/عبد المقصود محمد سعيد عبد المقصود خوجه صاحب ((الاثنينية)) الشهيرة التي قدمت خدمةً لفكرنا وثقافتنا حتى باتت مصدراً لا يستهان به في حياة هذا المجتمع.
وفي المئوية التي أقيمت بمناسبة مرور مائة عام على فتح الرياض أرادت (مجلة دارة الملك عبد العزيز) وقف بعض أعدادها على الحديث عن الرجال الذين خدموا الملك عبد العزيز فكان من نصيبي الحديث عن محمد سعيد وذلك في العددين الثالث والرابع -السنة الرابعة والعشرون 1419هـ- وأنا في هذا الحديث أوجز لكم كل ما تحدثت به عن محمد سعيد:
دخل الملك عبد العزيز -رحمه الله- الحجاز عام 1343هـ-1924م، وكان فيه ثلة من شباب الحجاز الذين ساءهم موقف الملك حسين منهم حيث صدهم عن دواوين الحكومة، وصد أقلامهم عن الصحافة مستعيضاً عنهم برجال وافدين، وعن أقلامهم بأقلام وافدة، فلما جاء الملك عبد العزيز -رحمه الله- فتح لهم أبواب العمل، ولأقلامهم صفحات من صحيفة (أم القرى) التي أنشأها في مكة المكرمة في 12 جمادى الأولى 1343هـ-الموافق 12/12/1924م وكان محمد سعيد عبد المقصود خوجه أحد أولئك الشباب، بل إنه كان أسرعهم مبادرة واستجابة وتفاعلاً مع العهد الجديد، وكأنه ينظر إلى المستقبل بعين بصيرته النافذة.
وفي ذلك العهد نشط شباب الحجاز وبدأوا يكتبون المقالات وينظمون القصائد، وينشئون الخطب، على نحو ما تقرأه في (أدب الحجاز) و (المعرض) و (وحي الصحراء)، وقد حوى هذا الأخير مختارات جيدة من الشعر والنثر تعطي صورة واضحة عن النشاط الأدبي الذي عمر به منتصف القرن الرابع عشر الهجري.
وفي أي حال، فإن عصر خوجه كان عصر يقظة التقى فيه القديم بالجديد، ودبت الحركة والنشاط في جميع جوانب الحياة في هذه البلاد، وكان العبء في ذلك على كواهل الناشئين.
استثمار الكفاءات:
كان الملك عبد العزيز يقدر الرجال العاملين المخلصين حتى وإن كانوا ما زالوا في مقتبل الشباب، وكان الشاب محمد سعيد ممتلئاً بالحيوية والنشاط، مقبلاً على العمل بكل جد واجتهاد وكانت المطبعة التي أسسها الأتراك في مكة المكرمة، واستولى عليها الملك حسين، مكوّنة من آلة واحدة تدار باليد فاهتم بها الملك عبد العزيز لتؤدي مهمتها في العهد الجديد، وتطبع صحيفة (أم القرى)، فالمطبعة والصحيفة محتاجتان إلى نموذج من الرجال يتحلّى بالصبر والجلد والإخلاص وحب التطوير، فوجد الملك عبد العزيز في محمد سعيد الشخص الذي يمكن الاعتماد عليه في هذه المهمة على الرغم من حداثة سنِّه.
وكان إذ ذاك في الحادية والعشرين، ومع ذلك أسند إليه الملك عبد العزيز أمر تطوير هذه المطبعة وتسيير الصحيفة، فعينه مديراً للجريدة ومطبعتها وكان ذلك في عام 1345هـ.
محمد سعيد من شواهد فراسة الملك عبد العزيز:
إن شواهد فراسة الملك عبد العزيز -رحمه الله- تطالعنا كلما قلّبنا صفحات تاريخ هذه البلاد، مما لا يحتاج إلى شيء من تأكيد، لكننا نذكره هنا للمناسبة، وهي إسناده إدارة صحيفة أم القرى ومطبعتها إلى هذا الشاب الذي يدرج في الحادية والعشرين من العمر، فما الذي استطاع هذا الشاب تقديمه لهذه الصحيفة ومطبعتها.
لقد عُيِّن مديراً لجريدة أم القرى ومطبعتها سنة 1345هـ، وكان يقبل على عمله الجديد بنشاطه المعهود، وأخذ على عاتقه تطوير المطبعة بعد أن سماها ((مطبعة الحكومة)) وأرسل بعثتين إلى مصر، الأولى في عام 1345هـ ومهمتها إجادة فن الطباعة والتجليد، والثانية في آخر العام نفسه ومهمتها الدراسة في معمل الطوابع الزنكوغراف، وكان لهاتين البعثتين أثر كبير في تطوير فن الطباعة إلى ما أضافه إلى أجهزتها من إضافات.
أما التحاقه بالحسبة -هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- فكان في عام 1350هـ، وهو أول من التحق بها من أهل مكة، وكان الناس يعجبون من أمر هذا الشاب الطويل، الأبيض الوسيم، العصري الأديب، الذي يدور على أرباب المحلات ويلزمهم بالقيام إلى الصلاة، وذلك أنه ما كان يلتحق بهذا العمل إلاّ من جاوز مرحلة الشباب وكان إذ ذاك في السادسة والعشرين وظل مديراً للجريدة والمطبعة إلى أن اشتد به المرض عام 1360هـ، فأناب مكانه في الإدارة الشيخ عادل ماجد كردي، ورحل إلى الطائف حيث نصحه الأطباء بالإقامة هناك وأنزل في قصر الشيخ يوسف ياسين، حيث توفي هناك -رحمه الله- بعد مغرب أحد أيام الخميس 1360هـ وكان قد شرع في إقامة مبنى جديد للمطبعة والصحيفة يكون أرحب وأكثر ملاءمة لمتطلبات هذين العملين.
وكان الملك عبد العزيز يثق فيه ويعرف حسن نياته وإخلاصه في العمل، ولذا كان سريع الاستجابة لاقتراحات الرجل. ومن تقدير الملك عبد العزيز له أن أجرى لأبنائه بعد وفاته مرتباً تقاعدياً فكان أولاد محمد سعيد أول من أجري لهم مرتب تقاعدي.
ولقد عرف صاحبنا الحياة واستقبل التعليم في أيام كان يرى كل ما من حوله مشوباً بالعجمة إن لم يكن جميعه أعجميًّا.
فلقد دخلت اللغة التركية الدواوين الرسمية، والمطابع، والمكتبات، والصحف مع قلة هذه الوسائل وهزالها، ثم كان حزب الاتحاد والترقي الذي كان يحاول فرض آرائه وأهدافه على الناس، وفي عام 1334هـ انتهى عهد الأتراك في الحجاز، وبدأ العهد الهاشمي. ومع أن دبيب الحياة في الوسائل التثقيفية من مدارس وصحف ومطابع ونحوها كان بطيئاً هزيلاً، إلاّ أن البون كان شاسعاً بين العهدين التركي والهاشمي.
وفي عام 1343 بدأ العهد السعودي في الحجاز، العهد الذي وحدت فيه البلاد وباتت بنجوة من الحروب وويلاتها، ومن أطماع الطامعين الذين يرهقون بنزواتهم العباد، ويمزقون بأهوائهم البلاد، فيسود الفساد والاستبداد -لقد انتهى ذلك في العهد السعودي فاستقرت الأحوال وهدأت النفوس، وأخذ الناس يصلون العمل بالعمل، والجد بالجد ليلحقوا بركب ما جاورهم من البلدان فانتشرت المدارس والصحف والمطابع وتقدمت أساليبها.
ومما كان له الأثر البالغ في اليقظة الأدبية، أمر الملك عبد العزيز -رحمه الله- بإلغاء الحظر ورفع القيود عن الكتب والصحف والمجلات الوافدة، تلك التي منع دخولها الحجاز فيما قبل العهد السعودي، ولذا كانوا في تلك الأزمنة يتلقفون ما يُهرَّب منها فيجتمعون على قراءتها إذا كانت صحفاً، ويتبادلونها إذا كانت كتباً ومجلات.
شيء من صفات محمد سعيد:
كان -رحمه الله- جمّ التواضع، ومن دلائل تواضعه أنه لم يثبت له ترجمة في كتاب (وحي الصحراء) مع أنه أثبت ترجمة لزميله وصديقه عبد الله بلخير وهو أصغر منه سنًّا، وكان بلخير لا يزال طالباً، ومن ذلك أيضاً تجنبه فضول الكلام في ما اطمأن إلى وفرة البحوث فيه، ومنه عدم حديثه عن الأدب الجاهلي في الحجاز في مقدمة كتاب (وحي الصحراء). ومن جميل صفاته العلمية أنه لا يكابر في الباطل، ولا يستمر في قول قاله، ثم ثبت له عدم صحته، ونضرب على ذلك مثالاً بقوله في صدر بحثه عن مكان (الحجون) وتحديده إياه: ((قلت إني لآسف على ما بدر مني في الهامش الثاني من القسم الرابع من بحثي المياه بمكة المنشور في العدد 521 من جريدة أم القرى ما نصه: (أما الآن فقد تغيّر الوضع، فأصبحت المياه تسير من القبة من قناة واحدة حتى تصل إلى المقسم الذي فوق الطريق المرتفع على يسار الداخل إلى مكة، والطريق هذا الحجون وكنت يوم ذاك معتقداً صحة هذه النظرية ولكنني لما قمت بالبحث الدقيق اتضح لي أني واهم في نظريتي فأوجبت عليّ الحقيقة تصحيحها وأني أسحب كل ما قلته عن الحجون وأثبت ما يأتي بدلاً منه))). وكان -رحمه الله- يحب النظام في كل شيء، ومنه أنه إذا تناول بحثاً تاريخياً جعل الحديث فيه يسيراً مسلسلاً من بداية وجود موضوع البحث إلى عصر توقف تاريخ الموضوع، تشهد بذلك بحوثه في:
1- الأدب في الحجاز.
2- المياه بمكة.
3- الحجون.
4- دار الندوة.
ورغم قلة ما عثرنا عليه من أخبار الرجل، فإن الشيء الكثير قد فاتنا بدليل ما يرد في كتاباته من إرشادات إلى شيء من أحداث حياته، وفيه دليل واضح على أن الرجل كان يتمتع بعبقرية فذّة تجلّت وهو صبي في المدرسة الابتدائية، ومن المؤكد أيضاً أن أباه قد أحس هذه العبقرية فانقاد لها وإلا لما أقدم على نقل ابنه من المدرسة.
وكان أدباء زمانه ينفسون عليه تفوقه عليهم، وسبقه إياهم، ولذا تألبوا عليه، ونقدوه، وعابوا عليه من كتاباته ما يستحق عليه الشكر والثناء، ومن ذلك موقف محمد راسم ومن رمز لنفسه بالمنسف وغيره كثير.
ولقد بلغ من حقد بعضهم أن شمتوا به حين اخترمته يد المنون وتشفوا منه، وكان أحرى بهم على الأقل أن ينقادوا لما روي عن المصطفى -((اذكروا محاسن موتاكم)) رواه أبو داود والترمذي عن ابن عمر.
ومن هذا القبيل ما همَّش به محمد حسن عواد -عفا الله عني وعنه- على أحد أبيات قصيدته (الساحر العظيم).
وقد بحثت عن ذلك النقد الذي أشار إليه الأستاذ محمد حسن عواد -رحمه الله- فلم أعثر في الصحف والمجلات على أي شيء منه، ولم يرو لي أهل عصره منه شيئاً حتى سألت الشيخ حمد الجاسر فذكر لي أن ذلك كان في صحيفة، كانت تخط باليد، ويقوم على تحريرها طلاب المعهد السعودي الذين طلبوا من الأستاذ محمد حسن عواد أن يكتب لهم كلمة تنشر في صحيفتهم فكتب لهم نقداً للأستاذ محمد سعيد عبد المقصود، وقد حوكم العوّاد في المحكمة الشرعية على ذلك النقد وأدين عفا الله عنا وعنهم.
والواقع أنه لا يمكن لأي شخص أن يتصور دور (خوجه) في الإصلاح الفكري والاجتماعي إلاّ من أتيحت له قراءة الصحف والمجلات التي كانت تصدر في زمانه، ذلك أن تلك الصحف تنطق بالدور العظيم الذي كان لذلك الرجل الذي وقف حياته وكل طاقاته في سبيل الإصلاح، وكان حريًّا أن ينال حقه من الذكر والتمجيد، لكنه كان يلقى من مزامنيه من كان يقف في وجه أعماله ثم لقي منهم وممن أتى بعدهم إغفالاً وإهمالاً.
لقد كان مخلصاً كل الإخلاص لأمته حكومة وشعباً، وكان يقضي وقته في خدمة هذه الأمة، ويتفانى إخلاصاً في العمل الذي ائتمنته عليه الدولة، فلقي التقدير من الملك عبد العزيز غفر الله له، غير أن إخوانه من الأدباء غفلوا عن حقه عليهم، وراحوا يغرون صحيفة (صوت الحجاز) برمي مقالاته في سلة المهملات. والدليل على صدق هذا ما ذكره في مقال نشره في (أم القرى) رداً على المنسف بعنوان ((الغربال ومفتقدوه)) حول مقال المنسف.
وذكر في إحدى مقالاته أنه ينوي أن يطبع المقالات التي كان ينشرها بتوقيع الغربال في كتاب يضم فيه إليها مقالات الناقدين له، فعاجلته المنية، وبدد الضياع ما كتب وجُمع إلاّ ما حفظته الصحف.
الصحافة والطباعة والمكتبات:
ليس بالعجيب أن يهتم محمد سعيد خوجه بهذه الوسائل الثلاث لا لكونها من أهم وسائل التثقيف والتنوير فحسب، وإنما أيضاً لاتصال عمله بها. فهو مدير صحيفة (أم القرى) ومطبعتها، وله سهمه في الميدان الصحفي.
ثم هي من العلامات البارزة في رقي المجتمع الذي يسعى في إصلاحه سعياً حثيثاً، ومن منطلق هذه الأهمية عني الأستاذ محمد سعيد عبد المقصود بالحديث عنها، إذ كتب عن الصحافة مقالاً نشره في سنة 1347هـ، أتبعه بكلمة عن المكتبات.
وفي عام 1357هـ، نشر حديثاً مفصلاً عن الطباعة في الحجاز، وتعد مقالاته هذه، رغم قصرها وإيجازها من أهم ما كتب عن الصحافة والمكتبات والطباعة في الحجاز وخصوصاً أن الرجل كان يتحدث حديث العارف بهذه الأمور، لأن عمله كمدير لمطبعة ((أم القرى)) وصحيفتها جعله أعرف بتاريخ هذين المرفقين.
ثم إن مقالاته تلقى اهتماماً من أهل زمانه، يدل على ذلك الاستدراك الذي استدركه عليه في موضوع الصحافة الشيخ محمد ماجد الكردي. ويبدو من عبارات الأستاذ محمد سعيد عبد المقصود أنه يحترم الفكر وأهله ولا يرى حرجاً في نشر ما يستدرك عليه الآخرون، وهذه صفات أولي الفضل المتحلِّين بأخلاق العلماء.
الإصلاح الاجتماعي:
كان محمد سعيد مذ كان صبياً ينفر من ذلك التباين الاجتماعي الذي كان عليه المجتمع المكّي، وكذلك كان المجتمع المدني والجِدِّي. فلما كان العهد السعودي الجديد المتسم بالانفتاح المتعقل والانضباط الجاد، وجد محمد سعيد فرصته حين استطاع حمل القلم فبدأ الدعوة إلى الإصلاح ليس فيما يتعلق بالتباين الاجتماعي فحسب، بل شملت دعوته الإصلاحية جميع ميادين الحياة في ذلك المجتمع. وهذا هو أوسع باب طرقه حيث عالج فيه كثيراً من مشكلات المجتمع وأدوائه، وتحدث عن شؤونه الخاصة والعامة، يجول في حياة المجتمع، يدعو حيناً وينصح ويرشد حيناً آخر، ولم يدع موضوعاً قائماً إلاّ طرقه، فتارة نجده يتحدث عن اللبس والزي في مدارس البنين، فيدعو إلى توحيد زيهم بحجة أمرين أساسيين:
أولهما: المظهر العام، فإن ظهور الطلبة في زي واحد يعطيهم نظرة اجتماعية خاصة.
وثانيهما: أنه يكون مظهراً من مظاهر التساوي، وفي هذا ما فيه من طمأنينة نفسية تنعكس آثارها على حصيلتهم العلمية.
ومن تلك القضايا مسألة المرأة، وفي هذا الموضوع تحدث عن الزواج والزوجين، ثم عن المرأة في الحجاز ومبلغ محافظتها ودورها في المجتمع والبيت، ثم ما امتازت به عن النساء في البلدان الأخرى، وكان في ذلك يطرق حيناً أموراً تعد بدعاً في مجتمعه كدعوته إلى أن يجتاز الرجل فحصاً طبياً يثبت صلاحيته لإنشاء أسرة، كما يثبت لياقة الرجل البدنية.
ويتحدث عن الأخلاق فتدفعه ثقافته وحرصه على عدم مس مشاعر الآخرين إلى أن يجعل نفسه موضع الملحوظات التي طرقها في أحاديثه فيلوم أمته أفراداً وجماعات على التهاون في ميدان الأخلاق، ويحمِّلهم جزءاً من المسؤولية لأنهم لم يقوموا بدورهم في بناء الخلق الفاضل في نفوس الناشئين. وقد درس ابن عبد المقصود العادات والتقاليد بعد أن نظر إلى واقعهما في مجتمعه نظرة المصلح الغيور فساءه كثير منها، فأقبل عليها بفكره وقلمه وأخذ يتتبعها مثنياً على حسنها، مشنِّعاً على سيئها، داعياً مجتمعه إلى إصلاح ما اعوجّ من عاداتهم وتقاليدهم، وكتب في ذلك كثيراً جداً. ونودّ أن نشير إلى شيء منها. لا لأهميتها في حياة مجتمعنا فحسب، بل لأنها في أيام الرجل كانت بداية داء يصل سريانه في جسم مجتمعنا حتى بات علاجه عصياً، فمن ذلك حديثه عن الألفاظ التي اتخذها الناس عادةً في حديثهم رغم كونها لا تمت إلى لغتهم بسبب، وإنما هي ألفاظ وفدت علينا من الخارج وكان يمكن أن يستعمل بديلها في اللغة العربية مثل (ألو -تلفون -سنترال) وما أشبه ذلك.
ومن ذلك أيضاً حديثه عن الشوارب واللحى والتواليت والعمامة ولست أدري ما الذي سيقوله (خوجه) لو عاش في زماننا، حيث شاع فيه بشكل واسع حلق اللحى، وأساليب إرخاء الشعور على نحو ينطبق عليه قول الدكتور حسن جاد:
من مجيري من الأولى واللواتي
حرت فيهم بين الفتى والفتاة
وكان كثير من أهل عصره لا يوافقونه على هذا المنهج الإصلاحي، وربما جهروا بذلك في الصحف على نحو من موقفهم في حديثه عن العمامة -مثلاً- ومنه أيضاً تلك الكلمات التي تناثرت في الصحف مهاجمةً (الغربال) وهو الذي كان يوقع به في كتاباته.
وأحاديث (خوجه) عن العادات والتقاليد تظل جديدة ما بقيت بقايا من تلك العادات، غير أننا نجد كثيراً من العادات والتقاليد التي عالجها لم يستفحل أمرها ويستطير شرها إلاّ في زماننا، من ذلك ما أشرنا إليه آنفاً، ومنه أحاديث عن التجار وعاداتهم فلقد عالج في كلماته عن التجار حال أولئك الذين يقومون على التجارة برأس مال ضعيف فيفضي بهم ذلك إلى الغش والخداع والمماطلة والمخالفات التجارية الكثيرة.
ومما طرقه من عادات التجار الغمز واللمز، ثم إسراف أبناء ذوي الأموال في الإنفاق إسرافاً جر بعضهم إلى الإفلاس، وهذه مشكلة كان منشؤها فساداً في التربية، كما أشار إلى ذلك (خوجه)، وهو في أحاديثه هذه لا يغفل الإشارة إلى عادات الصالحين من أهل هذا الميدان غير أنه يركّز كثيراً على العادات الفاسدة تحرياً منه لسبل علاجها.
ومن مقالاته الهادفة التي كانت تناسب زمانها ولكن لم يبق لها في زماننا إلاّ دلالة تاريخية لجوانب من الحياة والفكر والعمل عند أسلافنا ما كتبه حول مشروع القرش الذي اقترحه ونظمه ثم دعا قومه إلى أن يباشروا العمل فيه.
فقد وضع نظاماً لمشروع يقوم على أساس يسهم فيه كل فرد من المجتمع بقرش يدفعه في كل يوم لمدة معينة، ثم تجمع هذه القروش ليفتح بها مشروع صناعي، تستثمر فيه طاقات الشباب وقدراتهم الجسمية والفكرية، ثم عرض هذا المشروع على رجال الفكر في الحجاز، فجروا معه جادين أو لاهين، لكن شيئاً من ذلك لم يتم، لأنهم لم يتفقوا على الرئيس، وأمين الصندوق فلم ينجح المشروع لعدم توافر رأس المال بسبب عدم الاتفاق. وهذه مشكلة انتهى زمانها. فقد توافرت الأموال وصارت الدولة تبذل الإعانات لكل صاحب مشروع ولم يبق على الطامح لمثل هذا العمل إلاّ أن يصدق مع نفسه، ومع الدولة التي ضمنت للعاملين كل ما يهب لهم أسباب النجاح، وأهم الأسباب في فشل ((مشروع القرش)) الذي دعا إليه هو المثالية الموغلة، حيث أراد ألاّ يكون للمسهمين نصيب في رأس المال، وأن المسؤول عنه المنتجون ولا يحل إلاّ بأمر الحكومة، وتعود ممتلكاته إلى بعض الهيئات العامة مثل أمانة مكة المكرمة والأوقاف.
ومما ورد في مقالاته في هذا الباب الحديث عن مشروع التعليم الليلي، وما ذكره من وجوب استئذان الحكومة، ويظهر لقارئ مقالات (خوجه) أنه كان يعاني من مزامنيه الأمرّين، وهو يدعو إلى إصلاح أوضاعهم الفكرية والاقتصادية والعمرانية. ومما يجب التنبيه إليه أن مثل تلك الأعمال كانت في زمن لم تفتح فيه الكنوز على خزانة الدولة. ومما يتصل بذلك -أعني معالجة (خوجه) لمشكلات مجتمعه- حديثه عن العمل وشرفه ومنزلة العامل الجاد في مجتمعه، وموقف الإسلام من العمل والعمال وتشجيعه، وذلك معروف في كتاب الله وسنَّة رسوله.
ولقد منيَ الحجاز ببعض الحاقدين المغرضين الذين كانوا يعودون إلى بلادهم فيشرعون في الطعن والذم والتشنيع، ربما ليقال إنهم لحظوا أشياء فاتت غيرهم وكانوا ينشرون غثيانهم في صحف بلادهم.
وكان أن تصدى الأستاذ محمد سعيد عبد المقصود لكشف هذه الشبهات بمقالات من جميل ما فيها أن القارئ يجد فيها صورة جليلة للمجتمع الذي عاش فيه كاتبه، ذلك أنه يتحدث لك تارة عن الزواج وعاداته وتقاليده، وتارة أخرى يصف لك لبس القوم وزيهم، وثالثة يتحدث عن طرق المعيشة ومصادر الكسب في هذه البلاد المقدسة في تلك الأيام التي سبقت انفتاح أبواب الخير على هذه البلاد، ثم ما إلى ذلك من العادات والتقاليد التي يندر -جداً- أن تجد حديثاً عنها في ما كتب الآخرون.
ولعلّ اتجاه (خوجه) إلى وصف العادات والتقاليد إنما كان من منطلق حبه لإصلاح مجتمعه، وهذا أمر معروف من سيرته -رحمه الله- غير أن أحداً لم يجلّ هذه الجوانب الخيرة في حياة الرجل بعد.
لقد تحدث عن وجوه الإنفاق فأشار إلى الإسراف، ثم دلف إلى حضِّ ذوي اليسار على الإنفاق في وجوه الخير.
وما تحدثنا عنه من معالجته الاجتماعية لا يعني إخراج ما عدا ذلك من هذا الميدان الاجتماعي، وذلك أن أعمال محمد سعيد الفكرية كلها اجتماعية إلاّ ما قلّ منها، وهو قليل لم يخل من التفاتات اجتماعية أيضاً.
العادات والتقاليد:
ينطلق محمد سعيد في حديثه عن العادات والتقاليد من طريقين، أولهما: ديني، وثانيهما: اجتماعي، وهو في هذا يهدف إلى الإصلاح الاجتماعي ويدعو إليه ويلحّ في ذلك حتى عدّ بعض خصومه هذا من عيوبه، والعجيب أن يعاب المرء بما هو جدير بأن يثني به عليه ولكن كما قال أبو الطيب المتنبي:
ومن يك ذا فم مر مريض
يجد مرًّا به الماء الزلالا
ومن هذا المنطلق الاجتماعي كان حديث (خوجه) عن التحية والسلام، حيث عاب على أبناء مجتمعه هجر السنّة فيه، والصيرورة إلى ما سواها مثل: صباح الخير، ومساء الخير، ومرحباً، والتحية بالإيماء بالرأس أو اليد فحسب.
حفل عشرة ذي الحجة:
وكانت له نشاطات اجتماعية وأدبية، منها أنه كان يقيم في يوم 10 ذي الحجة حفلاً كبيراً (بمنى) في منزل الشيخ ماجد كردي، لأنه يحتوي على صالة واسعة جداً وكان يدعو إلى هذه الحفلة التي يقيمها سنوياً كبار شخصيات الحجاج من علماء وأدباء وسياسيين وعسكريين، وقد أطلق عليها ((حفلة التعارف)) وكان يطبع لها بطاقات بهذا العنوان تسلم لكبار الشخصيات وكان يحضرها أيضاً وجهاء البلاد السعودية، ويتولى افتتاحها بخطبة أدبية بليغة فيها ترحيب بالحاضرين والوافدين، ثم يتولى تقديم الخطباء والشعراء واحداً بعد الآخر، وكان رجال الفكر من المسلمين العرب وغير العرب يقبلون على هذه الندوة ويعدّونها بمثابة احتفال العيد والحج.
ويبدو أن السبب في إعراض الأدباء عن الإشادة بالشيخ محمد سعيد والاهتمام بتراثه أنه كان المنافس الأول في ميدان الفكر والإصلاح للشيخ محمد سرور الصبان الذي كان أقوى نفوذاً منه.
ويقول الشيخ محمود حافظ: ((ومع هذا بلغني أن الشيخ محمد سرور الصبان قال بعد وفاة الشيخ محمد سعيد: (لقد خسرت البلاد بوفاة هذا الرجل خسارة كبيرة، ربما أحسها أنا أكثر من غيري))).
التربية والتعليم:
عندما يتحدث محمد سعيد عن التربية والتعليم، فإنه يتحدث عن أشياء كثيرة، عن المدرسة مبنى، وأساتذة، ومناهج، وأساليب تعليم، ومنافذ إنفاق، وعن المنزل، والأسرة وكيف تُنشئ وتربي. وعن المرأة وتعليمها، وعن المجتمع وموقفه من التربية والتعليم ووسائلها. وهو لا ينسى ما تبذله الدولة في ذلك على الرغم من شحّ مصادر دخلها إذ ذاك، ومع هذا فقد أنشأت الكثير من المدارس والمعاهد، وبذلت العون للمدارس الأهلية التي كانت قائمة ((كالفلاح)) و ((الصولتية)) وهذا ما أشاد به صاحبنا.
وكان محمد سعيد قد نشأ في بيت علم وعلى يد رجل تعليم، فلقد كان أبوه أزهرياً وفد على الحجاز وامتهن التدريس، لذا لقب (بخوجه) كما هي عادة أهل ذلك الزمان في تلقيبهم من يلبس الجبة والعمامة ويمتهن التدريس، وكان أسلاف خوجه من العرب النازحين إلى مصر، فوفوده على الحجاز عودة إلى موطن أسلافه، وفي مكة المكرمة كان مولد ابنه محمد سعيد الذي عني أبوه بتربيته، وغرس حب العلم والعربية في نفسه، ومن هنا كانت عناية هذا الابن بالتربية والتعليم وإدراكه ما بينهما من تلازم جعل كمال كل واحد منهما مرتبطاً باقترانه بالآخر، فجدّ في الدعوة إليهما وإصلاحهما.
لقد كان الأستاذ محمد سعيد عبد المقصود من الرجال المثقفين الذين هيأهم استعدادهم لأن يطرقوا بأقلامهم كل باب وأن يسيروها في كل طريق من طرق الإصلاح، وذلك ما جعل الكثيرين من أقرانه ينفسون عليه ويتهمونه بادعاء المعرفة في كل شيء، ولو أنهم نظروا إلى المثقفين من الأدباء لشمل الحياء أقلامهم، وهذا حديث له موضع آخر، فما شأن أبي عبد المقصود مع التربية والتعليم. لقد نظر إلى مدارس زمانه فوجدها على نحو لا يكفل لها أداء رسالتها على الوجه الأمثل، فأراد أن يسهم في إصلاحها بالدعوة إليه، فتحدث عن المدرس ومهمته وما يجب في إعداده ثم ما يطلب منه وهو يؤدي عمله من أساليب فنية وعلمية وتربوية.
وتحدث عن المدرسة والقائمين عليها، وعن النظم والمناهج، وأوضح أن ذلك كله لم يكن في مدارس الحجاز على الوجه المرضي إذ ذاك ولم يغفل عن مسؤولية البيت والمجتمع وأنهم شركاء للمدرسة في المسؤولية عن أجيال المستقبل وكان لا يهمل في مسألة التعليم شيئاً حتى بنايات المدارس وطرق الإنفاق عليها.
وقد يحس القارئ لمقالته أن الرجل كان يقسو على المسؤولين عن التعليم وخصوصاً المدرسين، وأنه كشف عيوبهم في كلمات، غير أنه كان معذوراً لأنه تيقَّن أن المدرسة هي الأساس الأول والمتين لبناء المجتمع الأمثل -وذلك ما ذكره في صدر حديثه- ووجد أن هزّ تلك المدارس هزًّا قوياً لتستيقظ فتتنبه لمسؤوليتها فتسهر على إصلاح ما فسد من أمرها، وتقوّي ما كان صالحاً فيها.
ولم ينسَ المرأة في أحاديثه عن التعليم، فدعا إلى تعليمها لأن في ذلك سبيلاً لإصلاح ذريتها. وتحدث عن الطفل وتربيته وأوضح أن المسؤولية الأولى تقع على الأسرة ورأسها في ذلك (الأم) وأشار إلى دور المدرسة في تربية الطفل وأن عليها جزءاً من المسؤولية، لكنه طالب بإعداد المدرسة أيضاً لهذه المسؤوليات.
أما التربية التي هي جزء من التعليم في أغلبها، فإنه قد وسع دائرة الحديث فيها حيث تحدث عن الوقت الذي يضيع هباء عند أبناء زمانه اللَّهم إلاّ في زمن المواسم وهو محدود. ثم عن الرياضة وهي لون من ألوان التربية البدنية إذا أحسن توجيهها عادت على المجتمع والفرد بخير كثير.
ومن أمثلة حديثه عن التربية البدنية حديثه عن الكرة، فلقد كتب عنها داعياً إليها ومشجعاً عليها، حتى إذا أبصر الناس ينقسمون عليها إلى أحزاب وشيع تشتد بينهما الخلافات التي قد تصل إلى المنازعات والمشاجرات نادى بوجوب التوجيه السليم لهذه الرياضة البدنية التي لم يقصد من وراء تشجيعها سوى تنمية القوى البدنية إلى ما يصحب ذلك من تنشيط القوى العقلية من طريق التفكير السريع في الحركة المفضية إلى حصول الهدف. ومن حديثه أنه يرى أن المدارس في حاجة إلى إصلاح يشمل جميع مقوماتها، ولذلك فهو يقول عنها: إن حاجة مدارسنا إلى التحمل أكثر من حاجتها إلى الغربلة.
ومنه أيضاً قوله: لقد كانت بعض المدارس مقلوبة الكيان في نظامها وتنظيمها. أما الآن، فقد طرأ عليها شيء من التعديل لكنه يحتاج إلى عناية أكثر وترتيب أجمل. وهو لا يقف عند حد كشف العيب وإبراز النقص، بل يدعو إلى ما يسد به الخلل ويصلح به العيب ويكمل به النقص.
تعليم المرأة:
هذا الموضوع جزء من سابقه، إلاّ أن وضع المجتمع إذ ذاك استلزم الفصل بين الحديث عن تعليم الفتيات وتعليم الفتيان، إذ لم تكن هناك مدارس لتعليم البنات إلاّ ما هو داخل في مفهوم (الكتاتيب) وعلى نحو يسير جداً، في حين كان تعليم المرأة قد نشط في بعض البلاد العربية، فأراد محمد سعيد أن يكون لفتيات مجتمعه ما لفتيات تلك المجتمعات مع فارق تفرضه خصوصية هذه البلاد.
ومن هذا المنطلق جاء حديثه عن مسؤولية المدرسة والأسرة وأنه لا بد في تربية الأطفال من التقاء جهود المدرسة والأسرة لتحصل الفائدة. ولكون الأسرة هي المنطلق الأول فقد أكّد على أن تكون مؤهلة لذلك وهذا لا يعني أن المدرسة في حل من المسؤولية قبل تأهيل الأسرة لذلك.
وهو يرى أن الكتابة في هذه الموضوعات التربوية والاجتماعية ونحوها أولى من الكتابة في الأدب الذي هو مظهر من مظاهر الترف الفكري، كما يرى بعضهم، ولذا فهو يدعو أدباء مجتمعه إلى أن يتجهوا بأقلامهم إلى هذه الميادين التي هي الأساس في حياة الأمة.
ولست أراه محقًّا في التهوين من شأن الأدب الذي هو الوسيلة الأقوى في الدعوة إلى الإصلاح، وإن كان محقًّا في لوم أهل زمانه على الانقطاع للأدب المجرد من خدمة الصالح العام.
اللغة ولعبة الكرة:
على الرغم من أن لسان صاحبنا لم يسلم من الخطأ اللغوي، فإنه كثير الإلحاح على صحة اللغة وعلى صيانتها، ومحاربة الألفاظ الأجنبية التي أخذت تسري في ألسن الناس. وخصوصاً الشباب، وأول ما لحظ هذا في لغة أرباب تلك الرياضة (الكرة) التي شجعها لكنه يحارب فيها شيئين:
أولهما: هذه الألفاظ الأعجمية التي أخذوها متباهين باستعمالها.
ثانيهما: ذلك الصراع العنيف الذي نشط بين الفرق الرياضية على نحو أوجد عداوات وحزازات بسبب التنافس على الفوز، فما الذي يمكن أن يقوله لو أطلع على ما يحدث في هذه الأيام؟
وأشار إلى أن هذه اللعبة عربية الأصل اختلف أسلوبها فبدلاً من أن تضرب بالصولجان صارت تدفع بالأقدام ومما استدل به على قدمها هذا البيت:
والخيل تلعب بالقتلى سنابكها
لعب الصوالج يوم الروع بالأكر
البحث التاريخي:
نظر الأستاذ محمد سعيد عبد المقصود إلى التاريخ نظرة فيها اهتمام واعتبار، فقرأ كثيراً من كتب التاريخ مثل البداية والنهاية لابن كثير، والكامل لابن الأثير، والمروج للمسعودي، والعبر لابن خلدون. وكان يهتم كثيراً بتاريخ البيت الحرام، ومن هنا كان منطلقه في عمله على إخراج تاريخ الأزرقي وأمثاله.
ومن دلائل احترامه لكتب التاريخ أنها كانت في المقدمة مما أشار به على الناشئة، ومع هذا الاهتمام الكبير بكتب التاريخ، فإنه لم يكتب فيه مثل ما كتب في الأدب، وإن كان قد التقى مع الأستاذ أحمد السباعي واتفقا على تأليف كتاب شامل لتاريخ مكة والبيت الحرام، ولكن لم يكتب الله لأبي عبد المقصود أن يكون له فيه سهم، وقدر أن يستقل به أحمد السباعي إن لم يكن تم في حياة محمد سعيد.
ومن مباحثه التاريخية:
المياه في مكة، تاريخ الحجون وتحديد مكانها، تاريخ دار الندوة وما تعاورها من أحداث، السيول في مكة، خرافة فوران بئر زمزم. وهي بحوث أقرب إلى معاجم البلدان منها إلى التاريخ، لكنها في أي حال قريبة من التاريخ وقوية الصلة به.
ولقد شهد أبو عبد المقصود آخر أحداث زحف السيول إلى البيت الحرام فوصفه وصفاً حسناً، لكنه كان يستصحب التاريخ في الحديث عن الأماكن كأبواب الحرم الشريف وما إليه، الأمر الذي أعطى حديثه صبغة علمية..
محاربة الخرافات وتصحيح المفاهيم:
كان ابن عبد المقصود يرقب دائماً أحداث مجتمعه وأوضاعه فيبادر إلى مدح الحسن ويشنع على القبيح، ومن ذلك حديثه عن خرافة بئر زمزم التي كان النفعيون يستخدمونها في العبث بعقول الناس واستدرار المال من أيديهم. لقد كتب عن هذه الخرافة موضحاً بطلانها، مشنعاً بالمروجين لها وداعياً الناس إلى نبذها والاتجاه إلى العمل الصالح، ومع أن هذه الخرافة قد انتهت شأن جميع الخرافات إلاّ أن ذكرها مهم لسببين:
1- أنها تصور وضعاً كان قائماً فعلاً.
2- ثم إنه قد ورد لها ذكر في بعض كتب التاريخ.
من أجل هذا وجدنا خوجه يعود إلى التاريخ فيناقش ما ورد فيه عن هذه الخرافة مبيناً بطلانه.
ويعود إلى الحاضر فيصف ما كان يجري في بئر زمزم في زمانه ووصف المشاهد مثبتاً بطلان الدعوى في هذه الخرافة التي تقول إن عين السلوان في المسجد الأقصى تتصل بماء بئر زمزم مرتين في العام. الأولى في العاشر من الشهر المحرم، والثانية في ليلة منتصف شعبان فتفور بئر زمزم بماء يُحِسُّ حلاوته العارفون والأولياء. وفي أي حال فقد انتهت هذه الخرافة وما أشبهها في العهد السعودي.
الغربال:
عندما عزم محمد سعيد خوجه على تتبع ما في المجتمع من عادات وتقاليد يشيد بصالحها ويكشف زيف طالحها اختار لفظاً يرمز به إلى نفسه وهو ((الغربال)).
ولا نريد تتبع ما جاء في هذا الباب وإنما نضرب مثالاً بإحدى القضايا: كتب خوجه مقالات عن الزواج كان فيها يبحث عن الأسباب التي بها تكوّن أسرة قوية عاطفياً وجسميًّا ومادياً، وفي إحدى هذه المقالات دعا إلى وجوب إيجاد نظام الكشف الصحي على الزوج لمعرفة صلاحيته صحيًّا، ولم يتحدث عن الزوجة مراعاة للواقع الاجتماعي إذ ذاك. فردّ عليه محمد راسم منكراً هذا القول لأن مثل هذا العمل لم يظهر في أوروبا فكيف يكون عندنا. وكان من الطبيعي أن يرد خوجه لكنه ركّز ردّه في هذه الجزئية على إنكار التبعية لأوروبا.
وما كان يدعو إليه (خوجه) منذ ما ينيف على 70 عاماً تقريباً بات مطبقاً في كثير من أنحاء العالم، ولم يقف عند الكشف الصحي على الرجال، بل شمل المرأة أيضاً، وهذا من أدلة صدق ما قلنا من أن الرجل كان سابقاً عصره وهو في الوقت نفسه مكذب لما زعمه محمد راسم.
الأدب في أعمال محمد سعيد:
كان الشباب المثقف في عهد محمد سعيد يتجه إلى الأدب يجرون فيه أقلامهم بعدما حاولوا إشباع أفكارهم به، وذلك انقياداً لاتجاهات من كانوا يحاكونهم من أدباء العرب الذين جاؤوا بعد طبقة الاجتماعيين الذين قامت على أيديهم النهضة الحديثة في تلك الأقطار، فجاء شباب الحجاز ليبدأوا من حيث انتهى الآخرون غافلين عما كان عليهم أن يبدأوا به وهو الإصلاح الاجتماعي تعليماً وتربية واقتصاداً وعمراناً وما إلى ذلك ما لا تقوم حياة المجتمع إلاّ به.
أما الأدب فيمثل حياة الترف في المجتمعات، وإن كان يمكن استخدامه وسيلة في الإصلاح، بل إنه الوسيلة الأقوى في ذلك. ومن هنا كان اتجاه محمد سعيد اتجاهاً اجتماعياً في الدرجة الأولى، على أنه لم يغفل الجانب الأدبي لإدراكه أهميته في حياة الأمة.
ولذا كان له النصيب الأوفر من اهتماماته، بل إنه كان يدعو أدباء الشباب إلى أن يتخذوا من الأدب وسيلة في الدعوة إلى الإصلاح، ويعيب عليهم الانقطاع إلى الأدب المنفصل عن واقع حياة مجتمعهم، ويدعوهم إلى استثمار مواهبهم الأدبية في ما ينهض بمجتمعهم الذي يقف على أبواب عهد جديد وهو عهد يقودهم فيه الموحد الباني الملك عبد العزيز. وحين نقف عند إسهامات محمد سعيد الأدبية نجدها إسهامات فاعلة في حياة الأمة تأتي على النحو الذي دعا إليه مزامنوه في البلاد العربية الأخرى، ومن هنا كان إسهامه في خدمة الأدب إسهاماً متميزاً لم يقدم مثله أديب في عصره.
فعندما ننظر إلى البحوث الأدبية التي كتبها ابن عبد المقصود نجد أنها تدل دلالة واضحة على أن الرجل قد بلغ مبلغاً ممتازاً في أسلوب البحث الأدبي، وحين كتب هذه البحوث كان في الخامسة والعشرين -تقريباً- من عمره، وحين نضم إلى هذا أو ذاك ما كان عليه أدباء عصره في الحجاز في تلك الأيام من إقبال أكثرهم على التأثر بأدباء المهجر مصر والشام وتقليدهم لهم، ومجيء أدبهم على نحو من أدب أولئك مع ما كان يعتري نثر ناشئي الحجاز في تلك الفترة من تخلخل في اللفظ والأسلوب.
عندما ننظر إلى هذا كله نجد أننا أمام عبقرية فذّة خرجت على معايير زمانها، وأتت بما هو في الذروة من البحث الأدبي فكراً، ولفظاً، وأسلوباً وطريقة بحث.
بدأ ابن عبد المقصود في جمع مادة كتاب (وحي الصحراء) وكان أثناء ذلك يطالع الكتب القديمة ويقرأ فيها أخبار الحجاز، ومن تلك الكتب التي ورد ذكرها فيما كتب (كتاب الأغاني) لأبي الفرج الأصفهاني، (ورحلة ابن بطوطة) و (العقد الفريد) لابن عبد ربه و (مروج الذهب) للمسعودي و (كتب ابن قتيبة والمبرد، وأمثالهما) وسوى ذلك من الكتب الكثيرة التي وردت إشارة إليها في ما كتب. وكان يجمع أخبار الحجاز في السياسة والعلم والأدب والاقتصاد والعمران ونحوها فيقوم بدراسة تلك النصوص التاريخية والأدبية ثم يستخلص منها بحوثاً تصور حياة الحجاز في مختلف أدواره التاريخية، فخرج من ذلك بسلسلة متصلة الحلقات قام بنشرها في الصحف وخصوصاً في صحيفة أم القرى ثم جعلها مقدمة لكتاب (وحي الصحراء) الذي عاونه فيه الشيخ عبد الله عمر بلخير. وتعد هذه المقدمة أطول بحث أدبي عثرنا عليه لهذا الرائد، حيث بلغ عدد صفحاتها في كتاب (وحي الصحراء) أربعاً وثلاثين صفحة.
لقد صوّر الرجل بداية ما آل إليه أمر الحجاز حين تعاورته الفتن والقلاقل من بعد ما أهمله الخلفاء وأرباب الشأن في الدولة الإسلامية فتعاورته الأهواء وتقاذفته النزوات، وكان أحرى بالمواطن العناية وصون الكرامة.
ولم يقف ابن عبد المقصود عند العصر الجاهلي ولم يزد في الحديث عنه على ثلاثة أسطر على الرغم من ازدهار الأدب العربي فيه، ولعلّه أغفل ذلك لأحد سببين أولهما أن العصر الجاهلي قد حظي بعناية الباحثين قديماً وحديثاً حتى صار أثرى العصور الأدبية بحثاً ودراسة وجمعاً وتحقيقاً، والثاني أن سلسلة تاريخ الإسلام تبدأ بعد العصر الجاهلي والله أعلم.
ويرى ابن عبد المقصود أن الشعر في صدر الإسلام قد مر بحالتين متغايرتين تمام التغاير فهو في زمن النبي -قوي جزل، استصحب في عهده الجديد ما كان له من قوة في أيام الجاهلية، إلى ما أضافه الإسلام إلى الأدب من أفكار ومعانٍ سامية كانت تظهر في شعر شعراء الإسلام، ثم ما نفى عنه من مستهجن الألفاظ والأساليب والأفكار الجاهلية.
وكان الصراع الفكري الذي اشتد بين شعراء المسلمين وشعراء المشركين مصدر قوة دفعت بشعر تلك الأيام إلى ميادين رحبة كان فيها تهذيب وتجويد. أما في زمن الخلفاء الراشدين -رضوان الله عليهم- فقد تغيّر وضع الشعر وتبدلت حاله حيث فرض الوضع الجديد تقدم الخطابة وتقهقر الشعر. وكان في بحثه يخرج في الحديث عن السياسة بأحاديث عن الأدب وسائر شؤون الحياة، وحين وصل إلى الحديث عن الحجاز في العصر العباسي الأول أورد قول الأصمعي عن الأدب في المدينة وهو ((أقمت بالمدينة زماناً ما رأيت قصيدة واحدة صحيحة إلاّ مصحَّفة أو مصنوعة، وكان بها ابن دأب يصنع الشعر، وأحاديث السمر، وكلاماً ينسبه إلى العرب فسقط وذهب علمه وخفيت روايته)).
وقد ناقش هذا القول مناقشة الرافض له محتجاً بقول الدكتور/طه حسين في مقالة (الحياة الأدبية في جزيرة العرب) في كتابه ألوان، وقول المتأخر ليس بحجة على المتقدم إلاّ إذا نصب المتأخر دليلاً مادياً على صدق قوله، ويتدرج محمد سعيد عبد المقصود في بحثه تحت سلسلة التاريخ يتلمس الأدب، ويستنبط الأخبار، حتى يصل في مسيرته إلى زمن تأليف الكتاب.
وأهم ما نلحظه في بحوث الرجل الصدق والتجرّد من الأهواء، وتحكيم ما تنطق به الأخبار والآثار، وهذا لا يعني خلو بحوثه من هنات هينات يستطيع نظر الناقد التسلل من خلالها، فمن ذلك -على سبيل المثال- أنه لا يحيل إلى المصدر، بل يكتفي بذكر المؤلف حيناً، وحيناً آخر يكتفي باسم الكتاب دون ذكر المؤلف أو قد يذكر المؤلف والكتاب لكنه لا يشير إلى الصفحة (وهذا خلاف صنيعه في بحوثه الأخرى) ومن ذلك أنه جعل الضعف الأدبي الذي اعترى الحجاز ناجماً عن الفتن والقلاقل، ونسي أن لذلك أسباباً أخرى من أهمها هجرة ذوي الطموح وطلاب الشهرة في الأدب والسياسة والعلم إلى مراكز الخلافة، وعندي أن هذه أهم الأسباب وأقواها إلى ما أصيب به الحجاز من إهمال ذوي الأمر، والنقص من شأنه وخصوصاً في العصر العباسي الثاني وما بعده.
ولقد كانت تلك البحوث التي دأب الرجل على نشرها محل عناية مزامنيه وإعجابهم، كما لقيت من المعارضين من ناقشها على صفحات الصحف ومنهم الذي رمز لنفسه بكلمة (ناقد).
فلقد أشار ابن عبد المقصود إلى شعر الغزل، وفي تلك الإشارة وصف شعر ابن أبي ربيعة بأنه يتسم بالعفة، ولعلّه كان يعني أنه من باب الشعر العذري وأظنه كذلك، لكن هذا لم يرق (ناقداً) فكتب مقالاً نشره في صحيفة (أم القرى) عمد فيه إلى نقد ما أثبت الأستاذ محمد سعيد.
ويبدو لي -والله أعلم- أن منطلق حديثه الغيرة على الأخلاق وهذا منحى حسن ما لم يصطدم بحقائق موضعية، وعندي أن خوجه لم يجهل وجود الغزل في العصر الجاهلي وإنما أراد أن هذا الضرب من القول قد توقف في صدر الإسلام فجاء العصر الأموي فنبهه وأعاده إلى الحياة الأدبية من جديد، ومثل هذا القول يقال في الشعر السياسي أيضاً، وذلك أن الأشعار القبلية وكذا المناقضات في صدر الإسلام ما هي إلاّ شعر سياسي.
أما ظاهرة التبذل التي غشيت المدن الحجازية أو قل بعض جوانب الحياة الاجتماعية في تلك المدن أيام بني أمية فأمر معروف لا يقبل الجدل، وإن كان الباحثون، وخصوصاً من أهل هذا الزمان، قد بالغوا في ذلك حتى صوروا الحياة في مدن الحجاز صورة تبدو فيها وقد تحولت إلى مسارح للَّهو والعبث والتهتك وهذا باطل وضلال، واتهام لأهل ذلك الزمان بما هم منه براء. على أن الشعوبيين قد أوغلوا في وضع الأخبار في تاريخ الحجاز ولا سيما الاجتماعي.
ومما يلحق البحث الأدبي ما نشر بقلم الرجل في الصحف المحلية وخصوصاً (أم القرى) و (المنهل)، ومنه إسهامه في استفتاءين طرحهما صاحب مجلة المنهل الشيخ عبد القدوس الأنصاري -رحمه الله- على بساط البحث أمام أقلام الأدباء:
أولهما: كان عن الأثر الذي تركه الأدب الحديث على أقلام الحجازيين.
وثانيهما: كان حول الكتب والصحف التي ننصح الناشئة بقراءتها.
ولقد أسهم ابن عبد المقصود في الاستفتاءين فجاء جوابه عن الأول تصويراً جيداً لحياة الأدب الحجازي في منتصف القرن الرابع عشر الهجري. كما جاء الثاني دالاً على ثقافة الرجل وسعة إطلاعه على الكتب والصحف والمجلات، وإن كان في ذلك يمثل رأي الرجل المثقف لا المتخصص يدل على هذا مزجه في الاختيار بين الحديث والتفسير والتاريخ والأدب وغيرها من فروع المعرفة.
وكما كان باحثاً مبدعاً وكاتباً مجوداً، كان كذلك خطيباً مفصحاً ومرتجلاً قديراً يقول على البديهة مثل ما يكتب مستأنياً ومن ذلك خطبته التي ارتجلها في حفل افتتاح مدرسة العلوم الشرعية، وكانت قد وجهت اهتمامها بادئ ذي بدء، إلى الخطابة لمسيس الحاجة إليها. وفيها حثه على الخطابة التي يعد فيها من المحسّنين، وقد جاء هذا الحث في قوله ((يسرني أن أشاهد افتتاح مدرسة العلوم الشرعية لدرس الخطابة في عام 1357هـ، وهذا الفن الذي اهتم به الغربيون اليوم اهتماماً عظيماً لما لمسوه من الفوائد الجمة، وأهمله العرب اليوم إهمالاً فظيعاً، إن هذا الفن لم يك للغرب، بل هو للعرب قبل أن يكون للأوروبيين، وللإسلام قبل أن يكون للغرب، فنحن إذا اعتنينا بهذا الفن فإنما نعتني بتراث آبائنا الذي أضعناه بعد أن أخذه الغربيون عنّا وأصبحوا لا يعتمدون على شيء كاعتمادهم عليه، فهم بالخطابة يؤثرون على قلوب شعوبهم، ويصلون إلى بغيته فيحاربوننا بها، ويحاربوننا بسلاحنا)).
إن الخطابة فن جليل، وله قواعد وأصول، وليست الخطابة الأصوات المرتفعة والجعجعة المزعجة، لقد سمعت كثيراً من الخطب في مختلف المدارس والمحافل فكانت أشبه بالندب في المآتم.
كلمة أخيرة:
أريد التذكير بحقيقة ثابتة، وهي أن أصحاب المواهب في أي مجتمع كثيرون، أما أصحاب المواهب المتعددة فهم قلة. هذه حقيقة ما أحسب أحداً يماري فيها. وحين يبرز متعدد المواهب يظهر في أهل زمانه من ينفس عليه ممن لم يهبهم الله مثل ما وهبه، وخصوصاً من كانت له موهبة ما يراها شيئاً كبيراً يميزه، ويؤهله لمثل منزلة متعددة المواهب.
هذا هو شأن محمد سعيد خوجه مع كثيرين من أهل زمانه فهم أصحاب مواهب لكنها ليست متعددة كما هي عند خوجه وهذا هو تفسير مواقف بعضهم منه، وما كان لهم أن يفعلوا لو أنهم أنصفوا أنفسهم وأنصفوه.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :328  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 139 من 153
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج