شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عاصفة الجهات الأربع!؟
لم تكن عاصفة يسهل عبورها، بل وجدتها تحاصرني من الجهات الأربع.
هبت رياحها فور نشر مقال كتبته عن الواقع العربي، ومرحلة الضعف والهوان التي حاصرت العرب مع مطلع السبعينات في التاريخ العربي الحديث، ودور أمريكا الاستعماري، وخططها المعربدة... ولم يخل المقال من إسقاط على أقطار الخليج العربي التي سميت أمريكا "بالعمة"، فأثار الوصف الجهات الرسمية... وغضب "الناشر"/الأمير خالد بن سلطان مما اعتبر تجاوزاً وتعريضاً بالزعامة الخليجية، وأصدر أمره بإيقاف "نقطة حوار"، ومنعي من الكتابة في "الحياة"!
وهكذا طوح بأشرعتي في عرض بحر (الحياة) على شكل كلمات مائية، ورأيي صار منفياً في قمم الجبال، ومعد للتزلج بكل تقلبات الدنيا، وهذا الاصطفاء للأماني في هبوب العاصفة!
وكنت أكثر حرصاً على هذه الأشرعة لتبقى مرفرفة فوق سطح البحر، متعانقة مع أجنحة النوارس البيضاء... ذلك أن صحيفة "الحياة" من خلال تجربتي فيها: كاتباً يومياً منذ صدورها المتجدد، وهي صحيفة: تؤمن بالرأي المستقل، وتخاطب العقل والحوار بالحرص الشديد من توفير المصداقية.
لكن المشكلة المباشرة أمام الكاتب العربي عموماً، تتجمع في إشكاليتين:
تفسير النص المكتوب من قبل المتلقي لما نكتب، سواء كان: مسئولاً على درجة رفيعة وهامة من المسئولية، أو كان مسئولاً مباشراً!!
خطأ المعلومة التي يبني عليها الكاتب ما يكتب... وربما كان الخطأ ناتجاً من شح توفر المعلومة وبالتالي: الاضطرار للخوض في التوقع، والتحسب والظن.. إلى درجة السقوط في الإشاعة!!
وهكذا أوقف عمودي: "نقطة حوار"، وطرق فاكسي وهاتفي: ساعي بريد الحب... يحمل إلي مع ذلك "النحل والغيم": رسائل أزهرت بمقامات حب واشتياق من أصدقاء وتوائم لي من صلب الكلمة.. وفاكسات قادمات من حضارات الوعي خروجاً على زمن الماء... وأصوات: لا أنبل من عطشها الذي يثير شجون أوزاني وأنغام كلماتي... كلها كانت تحف هذا العمود (نقطة حوار) بالمحبة، مثلما زملته دائماً وأبداً بالمتابعة والتأييد، واحتضنته كسهر الحلم وارتواء الشجر!
وكانت عائلة المحبة قد تشكلت من: نزار قباني، غازي القصيبي، الطيب صالح، عبدالعزيز خوجه، سمير سرحان، محمد الفهد العيسى، فاروق جويده، عرفان نظام الدين... عناقيد شجرة القلق على اختفاء هذا العمود، ودفء الحضن الذي ارتفع بلحظات صمتي فوق الغمام حين تسلل اجتهاد كاتب عربي في تفاعلي مع الحس العروبي من ثقوب رخام فن السياسة وتعاطي الكتابة عنها!
هذه العناقيد، وباقة مصطفاة من أترابي وزملائي وأصدقائي الكتاب والكاتبات.. جميعهم: انخرطوا سعاة في بريد الحب، وتقدمهم الصديق الحبيب الدكتور/غازي القصيبي: يطرق أبواب (الناشر) لهذه المطبوعة الأولى في اهتمامات القارئ العربي التي انتشرت في الجهات الأربع من العالم تدعو إلى: (الحياة) بشعارها العظيم: إن الحياة عقيدة وجهاد... حتى ضحك الناشر الأمير/خالد بن سلطان بن عبدالعزيز في تدفق بريد الحب وقال لي بعد ذلك:
- لقد ظننتني سأنضم إلى عائلة المحبة هذه... وأنا -أولاً وأخيراً- على قناعة تامة بأنك قبل كل شيء: مفكر وطني، وكاتب وفي... أعتز بانتمائه إلى مطبوعة أنا ناشرها.
* * *
ومنذ احتجاب هذا العمود اليومي... وأعداد كبيرة تنطلق أسئلتها بفاكسات إلى رئيس التحرير الأستاذ/جهاد الخازن، وإلى فاكسي الخاص في جدة... وكل هؤلاء الرفاق من العناقيد، والزملاء، والأصدقاء: حائرون... يتساءلون، يتهامسون يفكرون.. والكثير قد بلغه السبب وخلفه العتب، ولكنه قلق يتساءل: متى العودة؟!
وكنت في هذا الاحتجاب أجمع أصداف الصمت، لعلني ألون بها الخيال، وأنجو بالحلم الجميل من رقصة النقوش على الماء حيناً وعلى الرمال حيناً آخر!
كنت في هذا الاحتجاب أفتش عن بذور عشق وسلام جديدة، عن غصن زيتون... وكنت أردد: آه... هذا نسغي: نغم، أغنية، أبعاد رأي، ومحاولة رؤية، وقوس قزح من الرؤى... لا بد أن تهمى جميعها مع دمي، ومن دمي!
ومواجهة للحقيقة في تعبيرها عن خطأ الإنسان أو اجتهاده أو شدة انتمائه لأهله إلى درجة الغضب، والتمسك الجذوري بصلاتهم... لم أجد أشمل وأصدق في المعاني التي توضح خلفية غيابي هذا المؤقت لكل من سأل وأشعل بريد الحب بالقلق.. من كلمات هذه الرسالة التي تفضل (الناشر) لصحيفة "الحياة" الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز، فبعثها إلي رداً على رسالة وجهتها إلى سموه بعد محادثة مع الصديق جهاد الخازن -رئيس التحرير- ومن حق كل القراء علينا أن نضع نصب عيونهم كل الحقيقة بتفاصيلها:
وفي رسالتي إلى سمو (الناشر): حرصت أن أقيم حواري على هذه القاعدة التي كتبتها بوضوح وصدق، فكتبت إليه:
- "صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز- حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... وبعد:
انطلاقاً من مكنون نفسي الصادق نحو وطني العظيم وقيادته الرشيدة.. وتمسكاً بما كان يفيض به شخصكم من محبة خاصة لي ألمسها في تعاملكم معي في اجتماعات أسرة صحيفة "الحياة" السنوية، وما كنتم تمحضونني إياه من تقدير وإكبار خاص أعتز وأتميز وأجاهر به.. أكتب لسموكم هذه الرسالة وأنا أعرف (حضارة تعاملكم) مع كاتب بنى تاريخه المهني والإبداعي من كلمات الوفاء لوطنه، والمحبة لقادته، والكرامة لقيمته كإنسان... وأكثر ما يهمني في هذا الموقف: أن أؤكد لسموكم حرصي الشديد على التمسك بمعاني الصداقة معكم وذلك التقدير منكم، وأنتم الحريصون جداً على ترسيخ هذه (القيمة) في معنى ومبدأ التعامل والعلاقة الأخوية والإنسانية، وحتى التقدير لبناء وقيمة الكاتب، وصعوبة إسقاطه في تأويلات الحاقدين والحاسدين".
وتقبلوا سموكم تقديري واحترامي.
* * *
رسالة من الناشر:
و... جاءتني رسالة الناشر الأمير/خالد بن سلطان حين كانت أشرعتي تضيع في عرض بحر (الحياة)، وحادثته ممتناً لكل كلمة حملتها سطورها وانبثقت من صدقه.. فدعاني للقاء ثنائي، وكان يضفي على اللقاء عبقاً من روحه المرحة، مستطرداً وهو يقول لي:
- هل ستصارح قراءك بالحقيقة كما حدثت في مقال عودتك الأول؟!
- قلت: إذا أذنت لي بنشر رسالتك التي بعثتها إلي!
وقد حسبت أنني (أتحداه) بنشرها... فإذا به يبتسم، قائلاً:
- لك مطلق الحرية.. لقد صارت الرسالة ملكاً لك.
لا.. لم أنجح في تحديه، بل كأنني سهوت أن هذا الرجل -أولاً وآخراً- هو: الجندي، العسكري الصلب، شديد المراس والانضباط... وأنه برغم ما واجهه في حياته العسكرية.. قد حافظ على ابتسامته التي واجه بها موقف الحرب وإقرار العدالة، كما واجه بها أيضاً هذا التحدي مني بنشر رسالته غير العادية لكاتب عربي يتأوه كل صباح في واقع أمته العربية.
وبكل هذه المميزات فيه، والقدرات له، والتفوق منه.. كتب إلي الأمير خالد بن سلطان هذه الرسالة:
الأستاذ/عبدالله الجفري:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تلقيت بالشكر والتقدير والقبول رسالتكم المؤرخة في 26/10/1418 هـ الموافق 23/2/1998 بالشكر لما ورد فيها من عبارات تدل على طيب عنصركم، وعمق أصالتكم، ونقاء سريرتكم، وبالتقدير، لمكانتكم، سعودياً، أولاً وقبل كل شيء، ومفكراً وطنياً، وكاتباً وفياً، وبالقبول لما شطرته من كلمات اعتذار رقيقة، تدل على حس مرهف.
إنك تعلم، أكثر من غيرك، مدى حرصي أن تتبع جريدة "الحياة" الاستقلالية في الرأي، والجرأة في المصارحة، والعمق في التحليل، وألا حجر على قلم الكاتب أو الصحافي، فإذا كانت البندقية سلاحاً، فكذلك القلم سلاح، وأي سلاح، فالقلم يخاطب العقل، ويغذي الفكر، لذا، كان حرصي، بالقدر نفسه، على ألا يكتب في الجريدة ما يشوه سمعة بلدنا الحبيب، أو يزعج قادتنا المخلصين، أو يشكك في قصد القائمين على شؤون سياستنا الخارجية.
ومن المؤكد أنني على حق، كل الحق، أن أغضب عندما يصدر في جريدة يمتلكها سعودي، يفخر بسعوديته، أن عمته هي الولايات المتحدة الأمريكية، كيف أعترف بذلك، وأحتفظ بجنسيتي السعودية في الوقت عينه؟ إن مثل هذه الكلمات لا تقدم ولا تؤخر، بل هي تضر أكثر مما تنفع، وتهدم أكثر مما تبني، فما بالك إذا صدرت عن كاتب سعودي قدير مثلكم! فما يقبل من الصغير قد يرفض من الكبير، وإذا كتبنا نحن السعوديين، أن عمتنا هي الولايات المتحدة الأمريكية، وهو خطأ فادح، يتنافى مع الحقيقة ويتعارض مع حقائق التاريخ، فماذا تكتب عنا الصحف الأخرى، المؤيدة أو المعارضة، الصديقة أو العدوة، المحبة أو الكارهة؟
إن مواقف المملكة مع الولايات المتحدة، لا تنكر، في الأمس واليوم. مواقف تتسم بالاستقلال في القرار، ووضع المصلحة العربية فوق كل اعتبار، مواقف تتسم بالوطنية الحقة، والعروبة الصادقة، عروبة أكثر من عروبة أي دولة عربية أخرى، قريبة منا أو بعيدة عنا، ولولا المواقف العربية الشجاعة للمملكة، لما تحررت دولة الكويت، ولما سيطرنا على قوات مسلحة من سبع وثلاثين دولة، ولما غادرت هذه القوات أراضينا بعد تنفيذ المهمة التي كلفنا بها القائد الأعلى للقوات المسلحة، وإذا قارنا المواقف العربية المؤيدة بالتصريحات الحازمة القوية، في الأزمة الأخيرة، لوجدنا أن أشجعها بلا شك موقف المملكة، وأقواها بحزم تصريح سيدي صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز، لذا فإن الخطأ في مقالك لم يتوقف عند عبارة "عمتهم الولايات المتحدة".
كن على ثقة، أن القرار الذي اتخذته، كان في مصلحتكم، قبل أن يكون في مصلحة الجريدة، وإن مكانتكم الشخصية لدينا لم تتغير، كما أنني على يقين أن هذه غلطة غير مقصودة، ويسعدني أن نلتقي خلال الفترة القريبة المقبلة لمناقشة الأمور كلها، ولنؤكد لكم اعتزازنا بشخصكم، وتقديرنا لقلمكم، وحرصنا على صداقتكم.
تمنياتي لكم بالتوفيق والنجاح.
والسلام عليكم ورحمة الله.
مع خالص التحية
أخوكم:
الفريق الأول الركن (متقاعد)
خالد بن سلطان بن عبدالعزيز
* * *
وبعد لقائي بالأمير/خالد بن سلطان في مكتبه بالرياض: أضاء اللون الأخضر، لتعود (نقطة حوار) إلى مكانها في (الحياة)، واخترت لـ "أول الكلام" بعد نشر خطابي وخطاب الناشر هذه الأبيات لشاعر أسفت على نسيان اسمه:
أول الكلام:
- "عليك السلام
متى الكبرياء.. متى العشق يأتي؟
يعانق فيك السنابل
يبذر حب السلام
وينعش زيتونة في الجدار..
وطير الحمام"!!
* * *
بقية (الحياة):
وسارت (الحياة) بي في الحياة، وعادت رسائل القراء المتابعين وأصدقاء الكلمة تتوالى كرشات المطر، وعدت أكتب بروح الأديب، تجنباً أن أكتب بروح الصحافي حتى لا أكتب (رأياً) محظوراً، أو أعبر عن (عروبتي) من خلال طرحي السياسي في "نقطة حوار".
وحدثت تغييرات في جهاز التحرير بدءاً من تعيين/جورج سمعان رئيساً للتحرير، واكتفاء/جهاد الخازن بكتابة عموده اليومي الشهير، وبقائه المستشار الأول في الشركة.
كنت (أحيا) مجدداً بقطرات غيث تأتيني كلمات من قراء لا أعرفهم، وتحفيزاً من قراء/أدباء وشعراء ومبدعين عرب... فأحس بدفء هذا (التأييد) والمتابعة لعمودي اليومي.
وكنت (أقتات) الكلمة الصادقة التي حافظت في مضمونها -ما أمكنني- على مصداقيتها، وحميميتها مع (الإنسان)... فهذه الكلمة المنتقاة حسبتها ستمد في عمري الكتابي داخل (الحياة) حرصاً مني أن أفقد هذه الشريحة الكبيرة العريضة من قرائي في الوطن العربي وأوروبا.. وهو الحرص أيضاً على تعميق الصلة والثقة معاً بيني ككاتب، وبين كل من يقرأ عمودي متابعاً ومحاوراً.
وكنت أذكر (من كان صديقي) الناقد والشاعر اللبناني/بول شاوول بعبارة له أطلقها كعيار ناري في منتصف عام 1991م وقال فيها متسائلاً:
- (لماذا تحاول أن تكون صادقاً ما دام صديقك يعزلك وسط قبائل من المنافقين، والكذابين الذين يبيعون الشعر والمسرح والسينما والنقد بمقال يمدحهم أو هدية)؟!
- وأقول له قافزاً فوق التبرير ومن يجيدونه: سأحارب لأبقى صادقاً في ما أكتبه، فأنا لا أجيد لعبة البيع والشراء، وكلماتي ليست بضاعة للبيع... وهذا هو (قدري) ككاتب.
وكنت أقرأ في صحيفة الحياة للكاتب (حازم صاغية) الملتزم بالكتابة فيها وحدها، وقد استوقفتني عبارة له كتبها في (الحياة) عام 1991م، ونصها:
- (ما يوجد وينشر ظلاله في الأرجاء العربية: لا يعدو كونه لغواً واحداً أحداً لا يغني ولا يسمن من جوع.. تهدر الأموال على نشره، وتعقد الندوات لسماعه ومناقشته)!!
ولم يكن "حازم صاغية" إلا ثائراً بكتاباته وتحمل بعض كلماته حزاماً ناسفاً... فهل كان متشائماً حين كتب عبارته هذه، أم تراه محبط جداً؟!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :579  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 33 من 39
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء العاشر - شهادات الضيوف والمحبين: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج