شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الدكتورة هند بنت صالح باغفار))
بسم الله الرحمن الرحيم.. يا رب لك الحمد والشكر حتى ترضى.. إخواني أنا سعيدة بهذا الجمع الجميل، وكنت أتمنى أن أكون جالسة في القسم الآخر من هذا الجمع- في القسم النسائي- قرأت في بداية حياتي مواصفات لتكريم الكاتب، فكان حصوله على الجائزة بعد وفاته، والحقيقة ما توقعته في هذا التاريخ، وقد مد الله في حياتي حتى كُرِّمت من الدولة ومن نواحي أخرى دولياً وداخلياً، وها أنا أقطف ثمار الليلة، ولو لم تكن هناك جائزة يكفيني أن أسمع هذا الكلام الجميل من الشيخ عبد المقصود خوجه-رجل الثقافة- الذي طلب أن لا أشكره، ولكن هذا الرجل يكفيه أنه نذر نفسه للعلم والثقافة، ولي معه حوار طويل على أبجديات المسرح الذي تحدث عنه. وشكراً جزيلاً للأب الروحي الدكتور محمد عبده يماني، وشكراً لمعالي الدكتور رضا عبيد، وشكراً للدكتورة منيرة العكاس، والدكتور هالة الشاعر، ونازك الإمام، وشكراً من الأعماق لرابعة العدوية القرن الواحد والعشرين صديقتي من قديم الأزل ياسمين الخيام. في الحقيقة أنا لم أكتب كلاماً، ولكن حياتي العملية لا تهم أحداً سواي، ولا سيّما حين ترتبط البدايات أو حياة أي إنسان لصناعة أكثر من 14 أولية أو ريادة في تاريخ دولة حديثة. لذا، لابد أن يسمح لي وقتكم للوقوف بعض الدقائق لاستعراض هذه الريادة. من قال أن الحزن دائماً لا نرث منه إلا الهدم، من قال أن الدموع دائماً لا تنجب إلا الفراغ؟ كنت طفلة مدللة جداً لوالدي رحمه الله، الذي توفي بعد تخرجي من الابتدائية بعد أن أعطاني اهتماماً غير عادي، وشعرت بالفراغ بعد وفاته وبأني فقدت كل شيء، كانت أمامي خيارات مفتوحة، اثنين لا ثالث لهما أن أترك تعليمي وأتزوج أسوة بإخوتي. كنت بنت بين سبع بنات وولدين جاؤوا في آخر المطاف، أو أن أختار الطريقة الأصعب وأبدأ في صناعة درب جديد وخط آخر وأحقق فيه أحلام (والدي) الرجل الكبير، كانت البداية في بحثي عن إمكانياتي المادية (تحت الصفر)، والثقافية (تحت الصفر)، وماذا أمتلك وأنا في سنيّ مراهقتي- في الصف الأول المتوسط- أفكانت البداية حين عملت في "جريدة عكاظ"، أشهر جريدة في ذلك الوقت عام 1970، لمدة شهرين، أُسندت إلي فيها رئاسة القسم النسائي، لم تكن هناك فرصة للعلم ثم العمل، كان لابد أن أمشي في خطَّين متوازيين، ولم أُكمل السنة الأولى حتى أسند لي إعداد البرامج الإذاعية، تلاها التلفزيونية؛ تلاها الخروج من الصحافة السعودية إلى الخليجية إلى العربية، كانت كلها في غضون سنوات قليلة. أول رواية كتبتها كان عمري 17 سنة، وكنت في الكفاءة، كان هذا المشوار شاقاً ولم يكن ميسوراً أبداً.. ولكن قلت في نفسي ولو كانت إمكانياتي ضعيفة إلا أن أحلامي توازي مناكب النجوم. قيل لي في عام 1977م- بعد ما كنت أول كاتبة قدمت دراما للتلفزيون ونجحت أعمالي في أمريكا- ماذا تنتظرين بعد؟ فقلت: "أعتبر نفسي فاشلة لو لم أخرج بتراث وأدب بلادي إلى العالمية".. باعتباري أول عضو نسائي في الأندية الأدبية كانت هناك محاضرة محورها هذه الظاهرة، وكان رئيس النادي في ذلك الوقت الأب الروحي الشاعر الكبير الأستاذ محمد حسن عواد رحمة الله عليه، وخاطبني وقال إنه أتى إلى هذه المحاضرة أكبر كتّاب البلد، الذين قالوا: "لو نزلت هذه البنت السوق نحن لابد أن نُعزل"، وبفرحة ذلك العمر الصغير قلت له لازم يقول هذا الكلام، والحقيقة أنه (خانقني وهزّأني)، وعلمني أشياء جديدة وقال لي: "أتوسّم فيك الخير،.. أنا قرأت تصريحك بالنسبة للعالمية وإذا كان ما مات نباح الشيطان في داخلك"، وكما جرَّدني أبي رحمه الله من عقدة الخوف إلا من الله، جردني أبي الآخر من عقدة الغرور، ومنذ ذاك التاريخ، ومنذ أكثر من خمسة وثلاثين عاماً إلى اليوم.. أنا لا أجرؤ أن أقول عن نفسي أديبة، ولا أجرؤ أن أقول إني من الصفوف الأولى، إن ما صنعناه لم يكن أمراً ميسوراً في كل زمان ومكان ومحطات، وجدت فيها من هم ضد النجاح وضد المرأة من المتعصِّبين. بدأت مسيرتي الأولى بخطابات التهديد والشتائم، تلتها أحداث مريرة وبعد حرب الخليج تفاقمت خلالها الأمور، بتعرضي لحادث مروري مؤلم، وبعد أن خرجت من المستشفى جئت مكتبي وأنا مؤمنة بما قدمت، وما سلبني حياتي من أسوأ مخلوق في يوم من الأيام، ولهذا وصفني الدكتور محمد عبده يماني بالمكافحة، لأنه كان يعلم هذا الجزء من الصراع، تخطيت المصاعب في بيتي وعملي ومع أبنائي، والحمد لله انكشفت هذه الغمامة، واليوم لا أجد سوى الكثير من التقدير. كانت دروب المبادرة صعبة دائماً، لا أعلم إن كنت أغرد خارج السرب كثيراً، فأنا أحب البدايات؛ أحب تعبيد الطريق حتى لو ضرب في بدايته يعود ليصبح منهجاً وطريقاً لآخرين. استثمرت العمر في الكثير من الأعمال، وأؤمن كما قال نيتشه-الضربة التي لا تقتلني تقوِّيني- كل الضربات والتحديات التي جاءتني أعطتني عزيمة جديدة، وآمنت بتحقيق الهدف وبالخروج طبعاً برسالتي الفكرية أدبياً وثقافياً إلى العالمية، هواجس ثلاثة تشغل حياتي منذ طفولتي، التراث السعودي والأدب والفن اليدوي والفن عموماً، هذه الأشياء عملت على جعلها في نسيج واحد وسيرة واحدة، أعطتني بصراحة ثراءً كبيراً في الأعمال، لا يخلو كثير من عملي من التراث والأدب.. كلها أشياء مكمِّلة لبعضها البعض، التراث الذي نعتبره اليوم مصمماً هو في الواقع موجود بيننا وحين مهرنا به وجدنا الناس تقف وتهتف، وأحمد الله، ففي كل مكان كرِّمت فيه قدمت فيه تراث بلدي، تراث غني لا يدركه إلا قِلَّة من القليل، بسبب تباعد المناطق والاختلافات الجذرية للثقافات من منطقة إلى منطقة، وفَّقني الله سبحانه وتعالى، لتكملة الموسوعة الكاملة للتراث الشعبي من سبعة أجزاء، سواء ما كان منها مكتوباً أو مقدَّماً في برامج، وما عُرض منها حصل على جوائز عالمية، والذي لم يُعرض فإن عندي أمل في عرضه لاحقاً.. طبعاً في مهرجان عكاظ كنت أول سعودية ترأس مهرجاناً عالمياً، وكما كُتب في الصحف كنت الرئيس التنفيذي للمشروع-ومررنا بتحديات أنا والأخوات اللواتي شاركنني في العمل، الدكتورة هالة الشاعر وغيرهن موجودات ويسمعنني- قدمت فيه الملحمة موطن الضاد، المسرحية، وكان هذا أجمل مهرجان عالمي قُدم في المملكة، ولا تزال العجلة تدور بعد هذا الكفاح الطويل من العام 1970م، إلى العام 2008م، وكما يرتشف الإنسان القهوة أحتسي هذه الذكريات الطويلة: ماذا أخذت وماذا خسرت وماذا كسبت وأين استثمرت هذا العمر الطويل. ليس هناك شك في أن الوصول إلى العالمية بأعمال بلادي أعطاني الكثير من راحة الضمير، لأنه كان عهداً ووعداً وفيت به ولا زلت، ولكن أين ذهب استثماري! بحثت كثيراً ووجدت أن أعظم استثمار هو في الإنسان، فعلى الصعيد الشخصي أقول بأن أخي خالد باغفار، وأبنائي المهندسين، هؤلاء أجمل ما طلعت به من الدنيا، أما على الصعيد العام فأقول إن الله سبحانه لم يرزقني ببنت لكن الله سبحانه وتعالى رزقني أجيالاً من الفتيات والفتيان يحبونني، صاروا اليوم رجالاً ونساءً، وقفت إلى جوارهم في بداياتهم، واليوم-يا رب لك الحمد والشكر- أنعم بهذا الحب وهذا التودد، هو حب يجعلني أغنى أغنياء الأرض من كل مسؤول في الوطن من كل مواطن ومواطنة فلا أشعر أبداً بالفراغ، ولكن هل كان عمري كله عملاً، صحيح أنني أعمل 18 ساعة في اليوم، ولكن وجدت كل الراحة في: سماع الشعر والطرب والسفر وعشق البحر والجمال؛ وبقيَتْ مساحات كبيرة للحب في نفسي وفي قلبي من خلال كل هذه الغابات الجميلة التي تنمو حولي من حب الناس. أنا اليوم أغنى أغنياء الأرض بحب الناس وتقديرهم؛ وبكفاح العمر وصبر السنين الطويلة. سألتني إحدى الأخوات بعد أن منَّ الله سبحانه وتعالى عليّ بكل شيء-المال والبنون، وهذا الحب الكبير- ألم يئن الأوان للفارس أن يترجّل؟ فقلت وما زلت أقول: إذا كان هذا الفارس لا يجد وطنه إلا على صهوة هذا الجواد، إذا كان أملي هو الحبل السري الذي يهبني الحياة والأوكسجين والغذاء، إذا كنت منذ سنوات طويلة وحتى الآن لا أنام إلا بعد أن أسأل الله أن لا أموت إلا وأنا أقف على رأس العمل، إذا كنت في طريقي لتحقيق رقم قياسي في هذا العام، في أعمال جديدة لم يسبقني إليها كاتب سعودي من قبل، إذا كان هذا سر تواجدي في الحياة، وسر الصحة والقوة التي لا تأتيني من فراغ بل هي من الله رب العالمين، الذي يعلم ما في سري ويعلم أني أسعى دائماً لا لنفسي ولكن لوطني ولأمتي ومجتمعي. لقد علمني التاريخ بأن الأفكار الكبيرة للكتّاب لا تموت، الكتّاب الخالدون في وجدان أممهم وشعوبهم وذاكرة تاريخهم، ولازلت أسعى لكي أكون خالدة في فِكْر الأجيال القادمة، لا أرى هذه الأجيال بعيني ولا أسمعها بأذني ولكني مؤمنة بأنها ستراني في اليوم الذي ستقرأ لي، وستؤمن بقصة كفاحي الطويلة، والحمد لله رب العالمين.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :813  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 181 من 255
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج