شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الرأي الثقافي
إخوانيات الشعراء (1)
د. غازي زين عوض الله
فن الحب باب واسع من أبواب المشاعر الإنسانية، كتب عنه ((اندريه موروا)) في كتابه الثامن ((فن الحياة)) ومن قبله كتب عنه ابن حزم أروع الفصول في طوق الحمامة، وهو فن يشمل الإنسان في علاقاته المتعددة بجميع الكائنات، وبالوجود والطبيعة وبالله ـ سبحانه وتعالى ـ لذلك ليس عجيباً أن تكون ألفاظ فن الغزل في شعرنا العربي قريبة ومؤثّرة في ألفاظ الحب الإلهي.. ليس الحب رجلاً وامرأة فقط، إنها إحدى الصور التي تتجلّى فيها علاقات الحب، إنها الصورة التي تحافظ على بقاء النوع الإنساني، لذلك جعل الله سبحانه وتعالى ـ العلاقة القائمة بين الزوجين ـ الذكر والأنثى ـ مرتكزة على المودّة والرحمة.
إن المودة والرحمة قيمتان أساسيتان تتفرّعان من محور واحد هو الحب، لكنها السلوك الفعلي للحب، الحب شعور، حالة وجدانية، وحدة من وحدات المعاني المجرّدة، أما المودة والرحمة فهما سلوك المحب الملتزم تجاه من يحب.
المودة، التي نحن بصددها في هذا الموضوع، هي فن إظهار الود، وبالطبع فالود المقصود هنا هو الود الطبيعي الشعوري غير المتكلّف، من حق البشر الذي يتسمون بصفة الحب أن يحولوا هذا الحب إلى سلوك إنساني راق، قد تحب شخصاً ما حباً خالصاً ولكن ما قيمته بالنسبة إليه إذا لم تظهر له ذلك بالمسلك الفعلي، بالقول الطيب الذي هو صدقة من الناحية الإيمانية، المودة هي حب منطلق في أثير الوجود يلمسه الآخر فتصيبه عدوى الحب ويمارس فعل أهل المودة.
إن الحب بين الرجل وأخيه، حب إنساني خالص بغير غرض، الحب قيمة بين الرجل وصديقه، لذلك لم تتصل كلمة الحب في المعجم العربي بحقل الجنس كما هو شائع في اللغات الأجنبية. فالمحبة بين الرجال هي أخوة مطلوبة، وهي منتجة للإبداع إذا توافرت في أصحاب الود الموهبة، وهناك فن شعري ونثري له وجود تاريخي طويل في الثقافة العربية هو فن الإخوانيات. وقد كاد ينقرض لولا أن قام بعض المؤلّفين الذين يملكون طاقة خاصة، فقد جمع الأستاذ خالد القشطيني مجموعة طريفة من نوادر الإخوانيات الشعرية في كتاب قيم بعنوان ((مع الشعراء في إخوانياتهم)) وهو عمل لا يكتفي بذكر أبيات الشعر التي تواصل بها الشعراء في القديم، والأهم من ذلك في عصرنا الحالي، وإنما يذكر لنا المواقف التي قيل فيها هذا الشعر في صورة قصصية قريبة من الأخبار العربية القديمة التي كان يجمعها كبار مؤرّخي الأدب والفن من أمثال الأصفهاني صاحب الأغاني أو المبرد صاحب الكامل أو ابن رشيق القيرواني صاحب العمدة.. وأمثال هذه الكتب مفتقدة في عصرنا الراهن. مع أن لها مجموعة من القيم المختلفة، ففي مجال الأدب هي ديوان في حدِّ ذاتها وهي حافلة بلون قصصي متميّز، أما على المستوى الاجتماعي فهي وثيقة تاريخية عامرة بالمكان والزمان والعلاقات المرتبطة بفئة من أهم فئات المجتمع، وعلى المستوى الإنساني هي دليل على صدق العلاقات الإنسانية بين الرجال والرجال بحب يصل إلى حدّ الأخوّة والأخوة مفهوم إنساني وإسلامي نحرص على تنميته في مجتمعاتنا العربية الإسلامية، وهي أيضاً مادة ثرية لفن المودة، فن التعبير عن الحب في كلمات بليغة، وهي كذلك تتميّز بالعفوية، فمعظم هذه الأشعار يكون على البديهة من غير إعداد مسبق ولا تصنع متكلّف.
وهذا الفن كثيراً ما يحفل بالمواقف الطريفة لذلك تأتي الأشعار فيه متميّزة بخفّة الظل، إنها من هذا النوع الذي يواكب الحياة ويعبر عنها بألفاظها في لغة قريبة هي لغة ((المتكلّم)) الذي قد يكون طبيباً أو مهندساً أو إدارياً، الذي يسخر حتى من نفسه في بعض الأحيان بتواضع إنساني نبيل. إنها فن صناعة الابتسامة، وأظن أنها نوع من الشعر يتجاوز كل الأنواع الأخرى لأنه قائم على المحبة، فهو عودة بالشعر إلى منابعه الأولى التي تجعل منه عملاً شفهياً متداولاً خالصاً من الغربة والتغريب والغموض وهي سمات تحفل بها بعض أنواع الخطاب الشعري المعاصر وقى الله القارئ شرّها.
وقد صدر كتاب ((الشعراء في إخوانياتهم)) للأستاذ خالد القشطيني عن سلسلة كتاب الاثنينية العدد 12 التي ينشرها الأستاذ عبد المقصود خوجه راعي الأدباء.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :346  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 58 من 142
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج