شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أصداء الطريق (1)
بقلم: محمد عبد الواحد
ـ 3 إنذارات بالموت..
ـ 3 أحكام بالإعدام حملته خارج أرضه ووطنه.. خارج جلده مسلوخاً منفياً.. أو قل: لاجىء سياسي إن شئت ذلك.
ـ في ليلة حالكة شديدة السواد والبؤس..
تسلل عبر نفق تحت الأرض يتصل بشاطئ البحر الأبيض المتوسط.. ومن ذلك الشاطئ الحزين في بيروت صعد إلى سفينة تحمل الآلام والأحزان وبقية أحلام لم تَمُتْ!!
ومن على ظهر تلك السفينة الرديئة والقديمة.. والتي تقاذفتها الأمواج.. ولا أحد يدري تبحر إلى أين.. أخذ يتطلع من بعد إلى أعمدة الدخان ليرى ومدينته الحبيبة تحترق.. ومعها مائة حكاية بطولة ونضال تختفي خلف ألسنة اللهب المتصاعد.
ـ لقد وضع قلبه وبضع كلمات على تابوت خشبي يحمل في داخله مدينة اسمها بيروت ولم يدر بخلده أن العواصم لا تموت!!
ـ رحل الدكتور نذير العظمة متجهاً إلى أمريكا محسور الرأس والقلب.. عارياً تماماً من أشيائه الأثيرة والحميمة مودعاً أعمدة بعلبك وتراث الأجداد وأمجاد أسرة عريقة في النضال.
ـ كانت عائلته ترى فيه عملاقاً سيرث بطولات الجنرال يوسف العظمة أول وزير للدفاع بعد استقلال سوريا، ولكن روح الشاب المرهفة.. وشفافيته الشعرية وحسه المتوقد رسمت له طريقاً آخر بعيداً عن بزة الجنرال وأمجاد العسكر.
ـ عندما رحل عن بيروت وعن الشام بشكل عام كانت لا تزال في جيبه بضع رصاصات صدئة.. وقلم وديوان شعر..
ـ واختار أن يتخلص من الرصاصات الخمس.. التي يحملها في جيبه.. وقذفها في البحر.. ولكنه احتفظ بالقلم.. وديوان الشعر ليصنع لنفسه مجداً جديداً في غربته في أمريكا.. وعرفته الجالية العربية هناك وأروقة الجامعات الأمريكية.. وانتزع بجهده ومثابرته مقعداً كبيراً بين الروّاد والمبدعين وأصبح أستاذاً في أرقى الجامعات الأمريكية..
ـ وانطلق يؤلف العديد من المسرحيات.. ودواوين الشعر والعديد من البحوث والدراسات النقدية المتميزة.. وذاع صيته في أمريكا.. وعرفه الشرق العربي شاعراً مبتكراً ومجدداً.
كان شعر الدكتور نذير العظمة جديداً بنكهة وخلفية قديمة.. وكان قديماً بأريج عطر حديث..
لقد استطاع أن يوائم بين الحداثة بمعناها المتطور المبدع والأصالة بمعناها العريق والراسخ الجذور في أعماق التاريخ.. كان يمتلك من الخارج ما يعمق أواصر صلته بموروثه من الداخل وكان ارتباطه الوثيق بالتراث قد أثرى خصوبته الشعرية وحسن نسل مواليده الإبداعية وحفزه لتجاوز الصور القديمة.. ليراها.. برؤية عصرية مبدعة..
لم يأتِ نذير العظمة بمواليد مشوهين في كل أشعاره ولم ترتبك الكلمات على شفتيه.. ولم تعاق أو تعرج.. أو تركع أو تهبط تراكيبه اللفظية.
لقد استقام الشعر على لسانه.. وحلق حرفه في بساطة من يود أن يصل إلى الناس.. وكان متوثباً.. مبتكراً مجدداً في قصيده ونثره..
وعندما احتفي بالدكتور العظمة.. في اثنينية الشيخ عبد المقصود خوجه.. ذكرنا.. بعمالقة الأدب والشعر الكبار الذين افتقدناهم.. في هذه الأمسيات الأدبية..
وأعادنا إلى شوقنا وحنيننا القديم.. وإلى شعرائنا العرب الكبار.. شوقي وحافظ وعمر أبو ريشة وبدوي الجبل ونزار قباني.. وزكي قنصل وحمزة شحاته والسياب.. وأمل دنقل وغيرهم من عمالقة الشعر العربي..
ـ لقد وثب إلى مائة عام قادمة في حداثة لفظه وحرفه.. ولكنه ذكرنا بألف وخمسمائة عام من مورثنا الشعري الهائل الرائع.. لقد كان المتنبي وامرؤ القيس.. وأبو تمام وجرير والفرزدق والنابغة كأن كلهم قد حضروا تلك الليلة.. ولكن على لسان شاعر معاصر يدعى الدكتور نذير العظمة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :428  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 52 من 204
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج