شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
منصور الحازمي و ((زمرته)) (1)
بقلم: مرزوق بن صنيتان بن تنباك
ـ في تكريمه تسابقت الكلمات، جاء بعض المتكلمين يقطع مئات الأميال ليقول كلمة، وجاء بعضهم من أطراف الحي ليقول أخرى، مُلئ البيت الكبير معنى ومبنى بأجيال من أهل الأدب وسعهم لطف المضيف الشيخ عبد المقصود خوجه بصدر رحب غمر الجميع ببشاشة الاستقبال وكأن كلاً منهم محتفى به لشخصه. جئت مع الركب وبدأ الحديث بكلمة لعمِّنا حسين زيدان لا فضَّ فوه. وتوالت الكلمات من زملاء الرجل ومريدي أدبه فانصبت على ذكريات الجامعة وليالي القاهرة وأيام ((دحلة)) حرب. ففرحت أن طلاب الرجل وهم آلاف قد غابوا وأنا الحاضر منهم وعددت ذلك سبقاً لنفسي في هذه الليلة عندما أتحدث عن جانب لم يطرقوه فسجلت اسمي في قائمة المتحدثين وأخذت أكتب هذه الكلمة.
لو أجزت لنفسي الحديث عن منصور كاتباً ما زدت على ما تعلمون ولو تحدثت عنه شاعراً لقصرت عما تعرفون ولو وصفته أديباً لكنت كمستبضع تمراً إلى أرض خيبرا فأنت أهل الأدب، وأهل مكة أعلم بشعابها ولو وصفته مربياً لما زاد وصفي له عما يعرفه للرجل طلابه الذين تخرجوا على علمه وعرفوا فضله.
لهذا فإن حديثي سيكون عن نفسي في ظل العلاقة الشخصية لا معناها وفي فحوى الزمالة لا مبناها. عرفت نفسي طالباً من طلابه في القرن الرابع عشر للهجرة وعرفته أستاذاً في جامعة الرياض في ذلك القرن فتعاملت معه على مبدأ الطلب وأدب التلقي وعرفت أن منصور لم يكن معلماً بل باني أسس لحركة ثقافية شمولية لا ينظر إلى موقعه فيها بمقدار ما ينظر إلى سواد الذين يستفيدون منها، يهتم بالمنطلقات العريضة لهذه الشمولية الواعية ولا يثقل كاهل أحد بدقة التفاصيل واختلاف صور الاجتهاد، يؤمن بتعدد الوسائل إلى تحقيق الغاية الكبرى لهذه الأمة بثقافتها الواسعة.
وأظن أن هذا هو السبب في أنه لم يشتبك يوماً ما مع أحد في معركة هجائية أدبية أو شعرية على الرغم مما قد يوحي به بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً، مع ما وهب من سرعة البديهة ولذعة السخرية إذا أحوجه أحد لذلك عرف كيف يضحك ويضحك الآخرين.
عرفت صدق أحاسيسه معلماً ورغبته في أن يكون طلابه مناقشين لا مستمعين، يشعرهم أنهم يعرفون كثيراً ويحسنون ما عرفوا يحمل إليهم مكتبته الخاصة أحياناً ويبقى معهم الساعات الطوال في بحث مسألة لا يحتاج تحقيقها إلى أكثر من الإحالة إلى مصدر.. يحبب ما يقول إلى من يسمع لا يغضب ولا يتجهم كان وسيع البال وكنا نضيق بذلك أحياناً فنبتعد عنه لكننا لا نجد بداً من السعادة بالعودة إليه والتبجيل له وكلما لهونا عنه جرنا الشوق إليه ثم بعدت عنه بقية ذلك القرن وعدت إلى صحبته في القرن الخامس عشر للهجرة وفي جامعة الملك سعود في الدرعية، لكني لست طالباً هذه المرة بل زميلاً، وضعوا زميلاً هذه بين قوسين. عرفته زميلاً فانكشف لي الجانب الآخر الذي لم أعرفه طالباً فعلاقة منصور مع زملائه حديقة غنّاء لا تنبت أرضها شوك القتاد وليس فيها هجير الصحراء ولا في رقتها ملمس الأفعى، ماؤها طيب وظلها يتفيأه أصدقاء الرجل ومحبوه وقد يكون معهم شيطان تغريه أو جاحد تغويه لكن منصوراً لا يقوِّم العلاقات الأخوية بمضامين التعامل اليومي، فيعانُ على الشيطان والإنسان ويبقى منصور منصوراً.
أيها المكرم المحتفى به الليلة والمحتفى به غداً، أشعر أنك أتعبتني معك في السير وقد قررت ألا أصحبك بعد هذا القرن ولن أبتلع قرناً ثالثاً. أما أنت فستعيش قروناً كثيرة لأنك أحببت الحياة وأحببت الناس وسلكت طريق الخلود بما تركت من آثار للدارسين.
فشكراً على حسن الصحبة وشكراً للأيام على حسن المصادفة وشكراً لمن كرم بك الأدب وكرمك به.
ولم أصل إلى نهايتها حتى أعلن مدير الحفل أن الوقت المخصص للكلام قد انتهى فرفعت يدي وصوتي محتجاً وذهبت إليه راجياً أن يكون حديثي في الوقت الضائع ـ وقد كان ـ وأخبرته أن لدى الجميع ما هو أغلى مما أقول لكنني أتيت من الرياض لأقول كلمة فلم تفلح المحاولة، ولم أجد بداً من قراءة ما كتبت في طائرة العودة بعد منتصف الليل لنفسي فقط.
شعرت بمرارة التفريط وخطأ انتحال التواضع وصدقت شوقي بأن الدنيا تؤخذ غلابا. وذكرت أنها لم تكن المرة الأولى التي أفشل فيها مع المحتفى به ((وزمرته)) كما سماهم أخونا فهد العرابي الحارثي تلك الليلة. كان الفشل الأول حين انتقلت الجامعة إلى مقرها الجديد في الدرعية وكنت أشارك في يوميات إحدى الصحف فأردت أن أذكر عنهم ما أعرف وجعلت انتقال الجامعة مناسبة للحديث أتلعث به وجاء عنوان مقالي الجامعة الكبيرة والرجال الكبار، تحمست لكتابة ذاك المقال مثلما تحفزت للحديث تلك الليلة وذكرت منصوراً و ((زمرته)) بما أعرف عنهم، فخرج المقال لم يخرم منه حرف واحد غير اسم منصور وزمرته فحمدت الله على كل حال والسلام.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :419  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 26 من 204
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الثالث - النثر - مع الحياة ومنها: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج