شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
يا صابراً عقدين إلاّ بضعة
أَلْقَيْتُ بين أَحِبَّتي مرساتي
فالآنَ تَبْدَأُ ـ يا حياةُ ـ حَياتي
الآن أَبْتدِئُ الصِّبا ولو أنني
جاوَزْتُ ((خمسيناً)) من السَنَواتِ
الآن أَخْتَتِمُ البكاءَ بضحكةٍ
تمتدُّ من قلبي إلى حَدَقاتي
الآن يَنْتَقِمُ الحبورُ من الأَسى
ومن اصْطِباري ظامئِاً كاساتي
أنا في ((السَماوة)) .. لنْ أُكَذِّبَ مُقلتي
فالنهرُ و ((الجسرُ الحديدُ)) هُداتي (1)
وهنا ـ جِوارَ الجسرِ ـ كانت قَلْعَةٌ
حَجَريَّةٌ مكشوفةُ الحُجُراتِ
هذا هو ((السجنُ القديمُ)) .. وَخَلْفَهُ
جِهَةَ ((الرُمَيْثَةِ)) ساحُ إعْداماتِ
وهناكَ بيتُ أبي .. ولكن لم يَعُدْ
لأبي به ظِلٌّ على الشُرُفاتِ
لا يُخْطِئُ القلبُ الترابَ .. شَمَمْتُهُ
فَتَعَطَّرتْ بطيوبِهِ نَبَضاتي
وهناكَ بُستانُ ((الإِمامي)) والذي
عَشِقَتْ نعومةَ طينِهِ خَطَواتي
النخلُ نفسُ النخلِ .. إلاّ أنه
مُسْتَوْحَشُ الأَعْذاقِ والسَعْفاتِ
لكأنَّ سَعْفَ النخلِ حَبْلُ مشيمةٍ
شُدَّتْ به روحي لطينِ فراتِ
* * *
أنا في ((السماوةِ)) .. لا أشكُّ بما أرى
فَلَقَدْ رأيتُ بأَهلها قَسَماتي
سأصيحُ بالقلبِ الذليلِ: كفى الضنى
فاغلقْ كتابَ الحزنِ والنَكَباتِ
وأنامُ مقروراً يُوَسِّدني الهوى
ريشَ الأماني بعد طولِ أناةِ
مَرَّتْ عليَّ من السنينَ عِجافُها
ومن الرياحِ الغاضباتِ عَواني
أَلْقَتْ بأَشْرِعتي إلى حيثُ الندى
جمرُ يُمَرِّغُ باللظى زهراتي
يشكو لساني من جَفافِ بَيانِهِ
في الغُرْبَتَينِ فأَصْحَرَتْ غاباتي
وَحْشِيَّةٌ تلك الهمومُ .. وديعُها
أقسى على قلبي من الطَعَناتِ
أنا يا عراقُ حكايةٌ شرقيَّةٌ
خُطَّتْ على رَمْلٍ بِسَنِّ حَصاةِ
غَرَّبْتُ في أَقْصى الديارِ فَشَرَّقَتْ
روحي .. وَحَسْبُك مُنْتهى غاياتي
مولايَ! كم عصف الزمانُ بِمَرْكبي
فَأَغَظْتُ مُزْبِدَ موجِهِ بِثَباتي
ناطَحْتُهُ ـ وأنا الكسيحُ ـ فلم يَنَلْ
من حَزْمِ إيماني وَعَزْمِ قَناتي
وأسَيْتُ حرماني بكوني حَبَّةً
عربيةً من بَيْدَرِ المأساةِ
واللَّهِ ما خِلْتُ الحياةَ جَديرةً
بالعيشِ إلاّ هذه اللحظاتِ
واسْتَيْقَظَ الزمن الجميل بمقلتي
من بعدِ أجيالٍ بِكَهْفِ سُباتِ
اللَّه! ما أحلى العراقَ وإنْ بَدا
مُتَقَرِّحَ الأنهارِ والواحاتِ
سامَحْتُ جلاّدي وكنتُ ظَنَنْتُني
سأنالُ منه بألفِ ألفِ أداةِ
وَطَرَدْتُ من قلبي الضَغينَةَ مثلما
طَرَدَ الضياءُ جَحافلَ الظُلُماتِ
فَوَدَدْتُ لو أني غَرَسْتُ أضالعي
شَجَراً أُفيءُ بهِ دروبَ حُفاةِ
جَهِّزْ ليومي في رحابِكَ فُسْحَةً
وَحُفَيْرَةً لِغدي تَضمُّ رُفاتي
((أُفيَّشْ يا ريحَةْ هليْ وطيبَةْ هليْ
وكهوةْ هلي وشوفَةْ هلي لعلاتي)) (2)
* * *
عاتَبْتُهُ ـ أعني الفؤادَ ـ فَضَحْتَني
فاهْدَأْ .. أخافُ عليكَ من زَفَراتي
هَوِّنْ عليكَ .. فَقَدْ تُعابُ كهولةُ
تَرْفو ثيابَ الصَّبْرِ بالعَبَراتِ
أمْ أنتَ أَهْرَقْتَ الوقارَ جميعَهُ
فَعَدَوْتَ عَدْوَ طريدةٍ بِفَلاةِ؟
هَوِّنْ عليكَ فإنَّ حَظَّكَ في الهوى
حَظُّ ((ابنِ عَذْرَةَ)) في هُيامِ ((مَهاةِ))
يا صابراً عِقْدَينِ إِلاّ بضعةً
عن خبزِ تنّورٍ وكأسِ فُراتِ
ليلاكَ في حُضْنِ الغريبِ يَشِدُّها
لسريره حَبْلٌ من ((السُرُفاتِ)) (3)
تبكي وَتَسْتَبكي ولكن لا فَتىً
فَيَفكَّ أَسْرَ سبيئةٍ مُدْماةِ
يا صابراً عِقْدَينِ إلاّ بضعةً
((ليلى)) مُكَبَّلَةٌ بِقَيْدِ ((غُزاةِ))
ليلاك ما خانَتْ هواكَ وإنما
((هُبَلُ الجديدُ)) بِزيِّ ((دولاراتِ))
إنَّ ((المريضةَ)) في العراقِ عراقَةٌ
أمّا الطبيبُ فَمِبْضَعُ الشَهَواتِ
* * *
وَطَرَقْتُ باباً لم تُغادِرْ خاطري
فكأنَّها نُقِشَتْ على حَدَقاتي
مَنْ؟ فارْتَبكْتُ .. فقلتُ: حَيٌّ مَيِّتٌ
عاشَ الجحيمَ فتاقَ للجناتِ
وَصَرَخْتُ كالملدوغِ أَدْرَكَهُ الرَّدى
متوسِّلاً من بلسمٍ رِضَفاتِ
أينَ العجوزُ؟ فما انْتَبَهْتُ إلى أخي
يبكي .. ولا الشَهقاتِ من أخواتي
عانَقْتُها .. وَغَسَلْتُ باطنّ كفِّها
وجبينَها بالدمعِ والقُبُلاتِ
وَحَضَنْتُها حَضْنَ الغريقِ يَشدُّهُ
رَمَقٌ من الدنيا لطوقِ نجاةِ
قَبَّلْتُ حتى نَعْلَها .. وكأنني
قَبَّلْتُ من وردِ المنى باقاتِ
وَمَسَحْتُ بالأجفانِ منها أَدْمعاً
وأنَابَتِ الآهاتُ عن كلماتي
وسألتُها عَفْوَ الأمومةِ عن فتىً
عَبَثَتْ به الأيامُ بَعْدَ شَتاتِ
واسْتُكْمِلَ الحفلُ الفقيرُ بِزَخَّةٍ
مزحومةٍ بـ ((هَلاهلِ)) الجاراتِ
* * *
عَتَبَتْ عليَّ وقد غَفَوْتُ سُوَيْعَةً
عَيْني .. وخاصَمَ جَفْنُها خَطَراتي:
قُمْ بي نَطوفُ على الأَزِقَّة كلِّها
نَتَبادَلُ الآهاتِ بالآهاتِ
طاوَعْتُها .. وَمَشَيْتُ يُثْقِلُ خطوتي
صَخْرُ السنينَ ووحشةُ الطُرُقاتِ
اللَّه! ما أحلى ((السماوةَ)) .. ليلُها
باكي النَداوةِ ضاحكُ النَجْماتِ
اللَّه! ما أحلى السماوةَ .. صُبْحُها
صافٍ صفاءَ الضوءِ في المرآةِ
فَتّانَةٌ .. حتى نِباحُ كلابِها
خلفَ القُرى يُغوي ثُغاءَ الشاةِ
أتَفَحَّصُ الطُرُقاتِ .. أَبْحَثُ بينها
عن خَيْطِ ذكرى من قميصِ حياتي
* * *
فَزَّ الفؤادُ على هتافٍ غابرٍ
عن أَصْدَقِ الأوهامِ في صَبَواتي
هل كان حُبًّا؟ لستُ أدري .. إنما
قد كان درساً للطريقِ الآتي
كانت تُمَشِّطْ شَعْرَها في شُرْفةٍ
خضراءَ .. تَنْسلُهُ إلى خُصُلاتِ
رَفَعَتْ يَداً منها تشدُّ ستارةً
لِتَصدَّ عن أَحْداقِها نَظَراتي
فَظَنَنْتُها رَدَّتْ عليَّ تَحِيَّتي
بإشارةٍ خجلى وباللَفَتاتِ
كنتُ ابنَ عشرٍ واثنتينِ .. فَلَمْلَتْ
شفتايَ ما اسْتعْذَبْتُ من كلماتِ
غازَلْتُها .. ثُمَّ انْتَبَهْتُ إلى أبي
خلفي يَكِرُّ عليَّ بالصَفَعاتِ
أَتَخونُ جاري يا أثيمُ وَعِرْضُهُ
عِرْضي وكلُّ المُحْصِناتِ بَناتي؟
تُبْ للغفورِ إذا أَرَدْتَ شفاعةً
واسْتَمْطِرِ الغفرانَ بالاياتِ
لا الدَمْعُ يَشْفَعُ والنحيبُ ولا أبي
سَمَعَ اختناقَ الطفلِ في صَرَخاتي
واسْتَكْمَلَتْ أُمي العقابَ .. وراعَني
وَيْلٌ بإطْعامي إلى ((السَّعْلاةِ)) (4)
فَنَدِمْتُ ـ رغم براءتي ـ وأظنُّهُ
كان الطريقَ إلى جِنانِ صلاةِ
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :507  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 34 من 53
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور زاهي حواس

وزير الآثار المصري الأسبق الذي ألف 741 مقالة علمية باللغات المختلفة عن الآثار المصرية بالإضافة إلى تأليف ثلاثين كتاباً عن آثار مصر واكتشافاته الأثرية بالعديد من اللغات.