شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(62) (1)
قادتني اليوم قدماي في إحدى مشياتي السبهللا.. ودون إنذار سابق.. إلى أحد الأسواق الشعبية القديمة والمجاورة لبيتنا القديم. كذلك وما إن أخذت أدرس الملامح الجديدة التي غلبت على كل الحي هناك.. حتى شكرت لغريزتي دوافعها المستورة.. إذ تبينت أنني إنما وصلت حيث أنا لأطمئن. باسم الوفاء.. على وجود العم فلان.. أحسن من كان يعمل الفول في جرته الناصعة.. ونحن شبان!
وتلفت.. لعلّي أعثر عليه.. فإنني لا أعرف الآن أين هو بالضبط.. وأمام مطعم أنيق وعصري من الطراز الممتاز.. لمحته.. جالساً.. فأقبلت عليه بلهفة.. وقد ظننته زبوناً فحييته بتحفظ لاختلاف سحنته وهندامه حتى خشيت أن يكون توأماً لا أعرفه لمن كنت أعرفه.
وربما اختلفت أنا كذلك اختلافاً كبيراً عليه. ولكنا بعد التحية المعتادة لم نكد نستعيد الماضي كله.. حتى أخذ كل منا يشمشم رفيقه.. ويتنشق من أطرافه عرف الأيام البعيدة.. وللأيام رائحة يعرفها ويذوب فيها ذكريات.. ورائي.. وأحاسيس من أخلص للأيام مرّها وحلوها باعتبارها أجزاء حية من عمره ـ لا أرقاماً جامدة.. أو مسميات من شهور وأعوام تحددها نتائج الحوائط الورقية.
ولقد كدت أطير فرحاً حينما علمت من العم فلان إن هذا المطعم الذي يعتبر آخر صرخة فنية في مثل هذا الحي الشعبي مطعمه.. وإن القائمين على شئونه هما ولداه.. فلان. فلان. ويحمل أحدهما شهادة الإعدادية. وثانيهما في نهاية الثانوية العامة.. وقد تقاسما العمل بالمطعم بشقيه.. الخدمة بأنواعها.. والحساب بقيوده.
فقلت له: ضمن ما قلت.. أكثر الله من أمثالك المتطورين.. ومن أمثال ولديك المنفذين لمثلنا البلدي القائل ـ صنعة أبوك لا يغلبوك ـ فضحك وأجاب أن التطور هو قانون الحياة.. وواجب البلد.. على أنني لا أنكر أن للمزاحمة الأجنبية من الوافدين من إخواننا علينا أثرها غير المنكور في هذا التبديل.
ولإدخال السرور على نفسك المتعصبة لبلديتها أخبرك أن الولدين قررا العمل باستمرار في المطعم مع الاستمرار على دراستهما من منازلهم.. كما يعبرون عن الدراسة الحرة.. في سبيل مستقبل أفضل لهما حسبما يريان في حينه..
وعندما أخبرته إنما جئت هنا خضوعاً لطريقتي السبهللا في المشي أحياناً لغير هدف محدد مرسوم.. وإنني مسرور جداً بهذا اللقاء غير المرتب. وربما كان الاطمئنان على وجوده هو الدافع الخفي على ذلك.. باعتباره لاقطاً ريحة من روائح الأيام الماضية.. تأثر الرجل كثيراً وأعاد الشمشمة لأطرافي كما فعلت معه نفس الشيء.
واندفاعاً مع الفرحة الغامرة عرضت عليه عقد اتفاق يقضي بتقديم فوله يومياً إلينا على شرط أتعشم أن يحققه كي يكون قدوة فيه لغيره.. فقال وما هو هذا الشرط المقبول سلف.. قلت.. إيصال الطلبات إلى المنازل لاتساع العمران.. لي ولسواي من الزبائن الذين سأبشر عنك لديهم قال: غالي وطلب رخيص.. إنني وولداي بسبيل تطبيق هذا المشروع بعد دراسته التي أوشكت على الانتهاء.. فسردت له بعد إعطائه عنوان بيتنا.. عناوين بيوت بعض الأصدقاء.
وعدنا إلى الشمشمة من جديد.. لروائح الماضي.. وعرفني بولديه اللذين أكدا لي حبهما واحترامهما لي.. ولمثلنا القائل صنعة أبوك.. لا يغلبوك!!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :507  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 101 من 168
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

أحاسيس اللظى

[الجزء الثاني: تداعيات الغزو العراقي الغادر: 1990]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج