شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(58) (1)
حضرت في هذا اليوم.. حفلة ضمت كثيراً ممن أعرف.. ومن امتد الأمد الطويل.. دون أن أراهم. وكانت الحفلة... في الواقع.. مناسبة طيبة جداً.. استعدنا فيها مع هؤلاء وأولئك ما رث من علاقة. وربطنا بها حبال الذكريات والأحاديث المقطوعة!
وبمناسبة هذه المناسبة نفسها.. فقد تطرق البحث مع بعض من اجتمعنا به هناك إلى أن الناس هنا.. في جدة مثلاً.. ممن يتميزون في نظر أبناء البلد ذواتهم.. بأنهم السكان الأصليون القدامى بها قد أصبحوا لا يرون بعضهم البعض إلا في مناسبتين رئيسيتين هما نقطتا ارتكاز الحياة.. في دوران عجلتها الكبرى.. وهما الموت.. للعزاء.. والزواج.. للتهنئة!
وإن الملاحظ كذلك أن حضورهم في حالات الموت أوكد.. وأعم من حضورهم في حفلات الزواج مما يؤكد أنّ عواطف الناس هنا وميولهم للمواساة أقوى من الميل للتبريك.. فهم في ليالي العزاء أثبت وجوداً ـ وأكثر عدداً ـ وذلك فيما يبدو يقطع بسوداوية المزاج.. أو بما لا يستطيع قاموس فلسفتي العاجز الآن عن تعليل وتحليل أسباب القطعية..
وعجبنا.. وإن كان طبيعياً لدى التعمق ـ من أن تكون خاتمة الحياة القديمة.. وفاة.. وفاتحة الحياة الجديدة ـ زواجاً ـ هي صلة الوصل الوحيدة بين أبناء البلد الواحد فرقت بينهم أسباب كثيرة أهمها زوال سور البلدة.. وانتشار العمران.. وتدفق السكان الجدد ـ وتطور الحياة ـ وعصريتها الزاحفة باستمرار صاروخي.. في القياس الزمني المحدود!
واضطرنا البحث.. بدواعي أصوله السابقة.. لاستعراض بعض ما يمنع هذه القطيعة الاضطرارية غير المستحبة.. وجرياً على أصول الدردشة.. أو الهلس كما يقول بعضهم.. أجمعنا على أن الوسيلة الأشد ربطاً ـ والأعم نفعاً ـ والأوفق رابطة للصلة تكوين نادٍ عام ـ أو نوادي مختلفة.. وإن لم ننس.. في غضون هذا البحث.. أن هناك نوادي غير مسماة ممثلة في المقاعد.. أو البلكونات.. أو الدكاك التي تجتمع فيها كل بشكة.. ليلياً.. للسمر تقوم أساساً على الدستة والصن..
وكما يقول أصحاب الفصحى القدماء والأقحاح.. فقد أدلى كل من المشتركين في البحث بدلوه.. وتبين بعد المتح.. والكدح للأذهان أن هناك ممانعة نفسية ثابتة الجذور ضد النوادي والإقبال عليها.. حيث فشلت كل الترتيبات محاولة كانت.. أو تجربة مجسّدة ماتت.. في أن تقوم أندية اجتماعية يكتب لها النجاح بضمان الإقبال.. والمواظبة عليها:
وللمرة الثانية.. أؤكد أننا لم ننس الأندية الرياضية ـ أو كرة القدم وحدها.. ولكننا استبعدناها لاقتصار روّادها على نمط خاص أولاً ـ ولارتباط وجودهم ودوامهم بها بموسم الكرة ـ في دوريها العام ـ أو المباريات على الكؤوس ـ والدروع المعتادة.. وإن كانت فكرة إلقاء المحاضرات بها جاءت ببعض الثمار.
وأخيراً.. حك بعض الباحثين رأسه.. وقال.. لقد وجدتها!.. لقد عرفت السر في عدم نجاح النوادي أو الإقبال عليها.. ببلادنا إقبالاً يضمن لأبناء البلد اتصالهم ببعضهم اتصالاً يقوي الروابط بينهم.. ويساعد على الاستمرار على رؤية بعضهم بصورة أعم وأضمن من حالتي الموت.. للعزاء.. والزواج.. للتبريك!
وحين طالبناه.. بالإجماع.. بالإفصاح.. اعتصم بالصمت ـ قائلاً: سوف أكتب في هذا الموضوع كتابات متوالية في حلقات أتناول بها العادات والتقاليد ـ وارتطام عصرية الحياة وتطورها بالتشبث بالقديم ـ القديم الذي عناه الشاعر جميل صدقي الزهاوي بقوله:
سئمت كل قديم
عرفته في حياتي
إن كان عندك شيء
من الجديد.. فهاتي!
ولزم مكانه ـ من موقفه الصامت ـ لم يصرح بما يراه مكتفياً بأن الشكوى في الانقطاع تقتصر على الرجال وحدهم.. بل إن النساء يعانين من انقطاعهن عن بعضهن نفس ما تعانيه.. وإنهن يتحملن الوزر..
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :577  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 97 من 168
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.