الاثنينية ::المكتبة

مكتبة الاثنينية

> > > > > - 8 -

(8) ⁽¹⁾

ذهبت إليه اليوم رداً لزيارة كريمة.. فوجدته مكوعاً.. وفي حالة استرخاء تام. والمهم في الموضوع أنه كان يضع بجانبه قرطاسين من الفصفص الأبيض. والأسمر. وكلاهما على وشك الانتهاء.. وأمامه وعلى يمينه وشماله تتناثر النشور في إهمال تام.. فقلت له.. ما هذا؟

أجاب.. ذلك آخر مبتكراتي العلاجية الممارسة عملياً.. وهو في الواقع اختراع شعبي قديم.. ولكني أدخلت عليه بعض التحسينات.. وأنا على استعداد تام لشرح وصفة الفصفصة بجميع ما تشتمل عليه من فلسفة عريقة.. وحكمة بلدية عتيقة.

لقد عشت يا صديقي أسيراً مقيداً بسلاسل عادات سخيفة ـ فأولاً ـ كنت لا أطيق أن أرى فمي مطبقاً لا تخرج منه حلقات الدخان المتموج.. لأقضي على أربع بكتات يومياً.. وثانياً.. كنت لا أصبر عن الشاي. فنجالاً وراء فنجال. وثالثاً.. عشت حياتي لا أقوى عن السكوت عن مزع سيرة فلان. ولحس قفا علان.. والمزمزمة في سمعه فلان.. بالحق.. وبالباطل.. وضقت أخيراً.. بهذه المساوىء تركزت في عادات يومية مثلثة غلبت إرادتي.. وتسلطت علي.. وذات مرة. وأمامي بائع التسالي جازفت فاشتريت قرطاس فصفص فإذا أنا لأول مرة أتذوق طعم الهدنة من عاداتي الثلاث في ساعة مرت كالأحلام الهانئة في فصفصة لذيذة ممتعة انشغل بها فمي ولساني عن ممارستها.

ومن ذلك اليوم عقدت اتفاقاً كتابياً مع صاحب.. واتسلى ببوعلي.. بتأمين قرطاسين يومياً من هذا الدواء السحري الذي اعتدت عليه.. وشيئاً فشيئاً خف كثيراً بعض عاداتي الثلاث ـ ويكاد يندثر تقريباً البعض الآخر منها.. وأكاد أجزم أنها سوف تتلاشى كلها بسبب إدماني على هذه العادة الجديدة.

إن العادة قيد.. ومن لا يملك الخلاص من عادته التي هي قيده.. فعليه أن يتخلص منها باستبدالها بقيد آخر يختاره هو على ذوقه.. وبمقاسه.

وهنا مر بائع التسالي. فقال له صديقي وجاري.. من يوم غد سيكون المقرر أربعة قراطيس.. اثنان منها لهذا.. وأشار إليّ.. وهناك بيته ـ وأشار إلى بيتي ـ والاثنان الباقيان لي أنا.. هنا.. كالعادة.. كالعادة.. كالعادة!

وكررها ثلاثاً.. بعدد عاداته الثلاث المشهورات!.

* * *