شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(1)
الجبل الذي صار سهلاً
ستكون حكايتنا عن الجبل الذي صار سهلاً.. بمثابة مسلسلة استعراضية.. على طريقة المسلسلات البوليسية.. ترد فيها الذكريات ـ موصولة كاملة.. أو مبتورة الأطراف..
ونتعشم بتلك الصفة ـ أو بهاتيك.. أو بكلتيهما معاً ـ أن تصور هذه السلسلة بعض جوانب الماضي البعيد القريب في بلادنا.. وتشمل.. فيما تشتمل عليه.. تسجيل بعض ما زال واندثر من أماكن وشخصيات.. وعادات مأثورة.. ومسميات. وسيكون الاستطراد كشرط أساسي ـ حجر الزاوية فيها ـ سواء طال به اللف والدوران أو قصرت به الجادة.
وربما جاءت هذه السلسلة.. غير الفقرية.. في فصلين أو في ثلاثة.. أو في أربعة فصول أو أكثر إن لزم الحال ـ وإنا لنرجو مخلصين أن تكون فصولاً حارة.. متفقة مع حرارة الجو الآن.. ونعتذر ـ بحرارة أيضاً ـ أن أتت باردة.. لقدمها.. فهي كالأكل ـ أي الطعام ـ البايت كما نقول لا تنفع فيه كشكشة أو تسخين.. وشفيعنا إن أتت باردة حينذاك ترويجاً لاستساغتها وتجاوزاً على قدمها.. ما جاء في الأثر.. اللّذة في الحار.. والبركة في البارد!!
ولقد كان باستطاعتنا.. أن نرويها بالطريقة الساندويتشية.. وحتى نكون على بصيرة من معاني الألفاظ ترد سواء في دهليز حكاية الجبل.. أو في الحكاية نفسها فيما بعد.. أن نحدد تاريخ الكلمات الدخيلة المستعملة منا.. سواء دخلت الفصحى في الاستعمال اليوم من الباب الخلفي لها.. أم من بوابتها الأمامية.. وتحت أبصار الأساتيذ: الأنصاري، الجاسر، أبي تراب، ممن حضروا والعطار ممن انزووا وأبي مدين ممن غابوا عنا.
فكلمة ساندويتش منسوبة يقيناً أو إشاعة إلى اللور د ساندويتش وهو رجل إنجليزي أدمن الانكباب على لعب الورق.. حتى لا يستطيع هو ورفقاؤه في اللعب أن يغادروا مائدة اللعب إلى مائدة الطعام.. فكان أن طلب من خادمه يوماً أن يعمل لكل منهم أكله السريع الجاهز الخفيف في قطعة من خبز.. بينها ما تيسر من جبن، لحم، زيتون، وفيها شيء من ملح، أو خص.. ويخص من شاء من أفراد الجماعة بما شاء.. فأصبحت هذه الوجبة الرمزية تسمى باسم مؤلفها وهو اللورد ساندويتش في بعض الأقوال.. ومن ذلك التاريخ أطلق على الساندويتش من أي نوع من الأنواع ـ اسم الساندويتش وكثيراً ما ترد الكلمة مع كثرة التداول ـ بالسين بدلاً من الصاد للتخفيف.. والأناقة في النطق..
ولقد استعملناها قريباً للذكرى.. عنواناً لحلمنتشية لنا استطعنا بواسطة شيوعها أن نحدد الغرض ببساطة تامة.. فأصبح مفهوماً.. ببساطة كذلك.. ونوردها لما سلف وللتأكيد في الآتي:
ولقد دخلت على الفتاة
الخدر... في اليوم المطير
قالت: علامك (1) ؟ ما تبي (2)
منا.. خمير.. أم فطير؟
قلت: ادهني ساقي..
فقد أزرى بها طول المسير
وتنشدت مني الحكاية..
قلت: موضوعي قصير
السندوتش... اليوم.. مو
ضا.. للصغير.. وللكبير
شقفا من العيش المقمر
بينها النزر اليسير
جبناً بملح.. بين خص
.. أو بزبدا.. كالحرير
كالفن في ركن الجرايد
ـ سلق بيض ـ أو شعير
أو كالغنا.. خطفا من
الكلمات.. في السوق الصغير
حتى الموظف.. بين
أوراق المعاملة الكثير
تكفيه آخر صفحة..
فيها تآشير المدير!
* * *
وبعد هذا الفاصل غير الموسيقى نعود لما كنا فيه.. من أننا كنا نستطيع أن نروي سندوتشياً حكاية هذا الجبل الذي صار سهلاً.. في سطور معدودات.. معلقة في عمود أو نصف العمود من صفحة أو ركن اليوميات.. كأن نقول مثلاً عنه.. أنه جبل كان به طريق للدواب يسلكه الناس بالصيف لزيارة الطائف، وأصبح طريقاً يومياً للسيارات وللناس مسفلتاً.. وبه كبارى.. أي جسور.. وفيه المعسل يقف عنده الركاب للاطمئنان على أن الدنيا بخير، وأن الماء الحلو.. موجود وبهذا الأسلوب التلغرافي الموجز نكون قد سلكنا طريق سيدنا الفقيه الذي أجاب حين أريد إشغاله بالرواية وبالكلام عن موالاة الأكل وتتابع ازدراد اللقمات الكبيرة من كل صنف من أصناف المائدة دون رحمة.. وقد سأله أحد الخبثاء.. ما هي قصة سيدنا يوسف.. يا سيدنا؟ فلم ينقطع عن الأكل.. بل أجاب في سرعة بديهية.. وبإيجاز يحسد عليه.. ولد ضاع من "أبوه" والتقاه..
ومن المناسب.. لتحقيق بعض فصول التاريخ الأدبي الحديث أن نذكر أن أول من أطلق تعبير ـ الأسلوب التلغرافي بمحيطنا العربي ـ رمزاً للإيجاز في الأسلوب، على أساس أن يجيء وافياً بالغرض، مصوراً للفكرة، خالياً من الزوايد، ومن الحشو، لا فضول فيه لفظياً ـ أو ذهنياً.. كان هو الأستاذ سلامه موسى، شأنه في هذا التعبير شانه في كلمة "الثقافة" وهنا الحرص منا على نسبة الأمر لصاحبه.. لم يأت لمجرّد الإنصاف وجدية التحقيق فحسب، وإنما بسبب ذكرى مدرسية ـ فقد كنا جماعة من الشبان المتأدبين تنقسم صفوفهم الأدبية إلى العقادزمية ـ وإلى الطحسنية ـ وإلى ما عداهما فروعاً من المدرستين الأدبيتين المشهورتين.. وصادف أن تحدانا أحدنا يوماً ما.. ببعض كتب سلامه موسى هذا.. فكان أبرز ما لفت نظرنا إليه دعوته الأدبية إلى مزايا الأسلوب التلغرافي ـ كما سماه ـ قتلاً مشروعاً لأسلوب العك والإطالة المضنية وقد شهدنا نوعاً من التعصب له.. فيما بعد ذلك التاريخ بزمن.. على يد الأخ الأستاذ حمزة شحاته.. فقد حافظ عليه دون حذافيره، حتى اللحظة الأخيرة لدخول الأستاذ زيدان من البوابة الرافعية الزرقاء.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1078  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 5 من 168
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الثامن - في مرآة الشعر العربي - قصائد ألقيت في حفل التكريم: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج