شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
يا كأس
مهداة إلى أخي الصديق الأستاذ محمد عمر توفيق، ذكرى حياة لحياة.
يا كأس يا مصباح قلب قد تحطم في الدياجرْ
ما جاء حولك أو تسكع غير زنديق وفاجر
ومعاقر تَخِذَ المدام صناعة القلب المغامر
يشقى بها لا يستفيد ولا يفيد سوى المخاطر
الفجر حولك كاذب فالليل في دنياك سادر
شفقاً تلفّعَ بالغيوم مبرقش الألوان مائر
وأراه عن نور العيون المبصرات عمى البصائر
مهما استسر فإنه ليل! وهل لليل ساتر؟
والوحش منطلق الأسار ببردتيك له مغاور
ولغ الدّماءَ سعارُه شهْد على شفتيه ساخر
يتناش أكباد الفضائل بالمديّ وبالخناجر
لا يستحي وحيا النفوس على الحياة لها بشائر
والفكر منك على الضباب المدلهم الجو داعر
حيران منداح الجوانح راجف الأطراف هاذر
يطأ الوحول فلا يفيق ولا يطيق سوى المقابر
أشلاء معركة النهى في راحتيه لها مجازر
واليوم عندك ساعة حفلت بألوان الكبائر
يمضي بها العمر الشجي معربد الخطوات ثائر
لهفان يحدوه الظما القتّال لا يرويه هامر
بدداً تمزق زائغ النظرات كالمخبول دائر
واللحن صوبك ثورة الشهوات تبتعث المشاعر
للمنكرات تبهرجت وتزخرفت رهن الخواطر
البعض حن لبعضه، كُلاً وما للكل آخر
لا حد يُعرف عندها والحد مجتمع الأكابر
والقول بينك فلتة ضاقت بها دنيا السرائر
يتلقّف الأسرارَ طولُ حديثها السلس المساير
ما لا يجوز وما يجوز مقاله عند الخناصر
وتجاورا متلاحمين فواجراً ضمت حرائر
شأن الأباحي المشرد شائع الخلجات سافر
يوحي بما تُملي الطبيعة للطبيعة لا تساتر
باللهو بالأيام تُهدر، بالحياة بلا زواجر
بالفرد مجتمعاً تركّز فيه مجتَمعٌ مغاير
يا كأس يا خفقَ الجناح شأى وليس هناك طائر
لصغائر النزوات أنت مُددت من كف الصغائر
أبعدت أحزان النفوس وتلك صيقلها المعاور
واعدتها داءً وليس دواؤه إلاك دائر
مثل المزيج ضنىً يلمّ بعاهة رسخت أواصر
قيد تحجب في الغلائل للأساري شر آسر
يا كأس حسبك أن تكون حطام أخيلة دواثر
وعلالة الأمل المطاول لطمة الأمل المصابر
ونهاية الوهم البئيس أضلّه الوهمُ المكاشر
لتكون عبرة من تبصّر في العواقب لم يكابر
يا كأس، بل يا خدعة الواني ونى العصب المقامر
بعض الأمانيّ الكذاب حقيقة الأمد المعاصر
لمعَ السراب تعشقتْه على الخيال منىً عواثر
لفّت فجيعتها الزمان فدار مختلط الخواطر
أغفى بها الجَلد الرثيث مطاول اللحظات صابر
وأراد مسلوب الإرادة متعة رُبطت بحاضر
يا ويل مأمور تمثّل أن يقوم مقام آمر!
يا كأس قد يطأ الصخارَ محلقٌ في الصخر سائر
السعي كان دليله، والعزم منه له منائر
وهو الحقيقة بالحقيقة في الجوانب منه عامر
فإذا المؤَمِل والمؤَّمل وحدة دانت لقاهر
لكنما يا كأس أنتْ خديعة الراجيك غادر
فلقد يدانيك المرجّي ما يحاول غير حاذر
فإذا المُواتي منك خلفة ما تنظّره البوادر
همٌ أران على الفؤاد وحسرة كثرت مصادر
يا كأس يا آناً تحدد في المصير بلا مصائر
قد يستطيب بك المعاقر ما يريد وما يعاقر
لكن إلى الأمد الذي مهما استطال أطل خاسر
ولقد تضيء بك الحياة بداية تعست أواخر
وتغرد الألحان منك هنيهة جرت جرائر
وترفرف الآمال حولك برهة عزت نظائر
لتقرّ دونك جُثّماً عبثت بها أيدي الكواسر
ولقد يلوذ بك المعاني سفح حصباء الهواجر
ليبيت ملتحف الثرى في زمهرير النفس خائر
تقفوه للذكرى ما لها في الحس ذاكر
غيماً تلبد في الرؤوس ألَحت فيه وأنت غامر
وأشحت عنه وأنت طيف في مدار الظن غابر
يا هول ما تذرو الحقائق من حطام الوهم صائر!
يا كأس قد تحلو الحلاوةَ لا تُملّ بها المخابر
وتلذ لذتك الخفية زانها الشوق المخامر
وتعز عزتك العتية هاجها النزق المخاطر
حتى تؤوب كطبعك الطيفيّ أشباحاً لعابر
فإذا معانيك الطروبة كلها حركات ساحر
وإذا حطام العابديك هياكلاً بشعت مناظر!
يا كأس أنت الشعر لا يرضى به إيمان شاعر
معنى تشعب في الرؤوس ولم تشع به الضمائر
ومنىً تولدها الظلال من الخيال وكان عاقر
أما أنا فالشعر عندي ما علمت وما أفاخر
روح تعلّق بالسماء وجَاس بالآفاق طائر
وهوىً تغلغل في الصميم ورق كالنسمات طاهر
آليت، إذ أسمو به، ألا أبيت لديك غائر
ونذرت، إذ يعلوك، إن أعلو به ثمل المشاعر
لا بالمشعشع من صبوحك أو غبوقك إذ يساور
بل بالنديّ من الورود وبالشذيّ من الأزاهر
وبفرحة العصفور رفرف في ذيول اليوم ماطر
وببسمة الروض الحيي ولفتة الريم المحاذر
وبخفقة القلب المتابع في الصبابة قلب هاجر
وبلثمة الثغر المعيد إلى الهوى ماضيه زاخر
بعرائس الأسحار نشّرت الذوائب والغدائر
في حالك الديجور إبلس واهن الخطوات حاسر
يرنو إلى الفجر المطل بأعين باتت سواهر
والفجر مشتعل السنا الوردي بالأنداء عاطر
يخطو فتستبق الحياة خطىً إليه بها تباكر
خفاقة الأحشاء حرك وجدَها إقبالُ زائر
فتعانقا فوق التلال وفي البطاح بغير ساتر!
بنسائم الآصال رقّصت الخضم فخفّ هادر
تتواثب الأمواج فيه فنافرٌ في أثر نافر
يلغو بما يهوى فيبتعث الخريرَ صدى المزاهر
والأفق ذهّبه المرقرق من ذُكاءَ سنىً مغادر
والكون يعتنق المساء أطل للأحلام ناثر
والنفس كالأحلام شتّى في الخوالج والنواظر
هذا هو السكر الحلال دنانه دنيا الخواطر
الشعر أترع كأسَه السحريّ بالسحر المساور
ورقى به فوق الجسوم وللعقول به منابر
لا كأسه يا كأس يُحطم أو تدور به الدوائر
أو يستذل به الأكابر بين جمهرة الأصاغر
أو يدلهم به التُقى وجهاً تغضّن بالمناكر
بل إنه يا كأس كأس الخالدين من العباقر
ومعارج الإنسان صعّد في مراقي الكون فاكر
وربابة الشادي ومحراب الشجى وهوى المشاطر
ومسارح الأبصار مدتها النفوس لها معابر
لتطل دافقة الشعاع مجنّح اللمحات ساجر
كأس هو النبع المشاع لوارد ولكل صادر
من كل لماح الجمال هفا الجمال لديه وافر
هيهات تبلغ شأوه في الحسن في شتى المناظر
يا كأس يا زيفاً تلوّن في الحقائق والمظاهر
حتى تنال خسائسُ الأحجار مرتبة الجواهر
فاقبع بجحرك في الدنان أو الرؤوس وأنت صاغر
وتصيّد المحروم والمنهوم لا يثنيه زاجر
واستغفر المولى على رغم النوى، فالله غافر!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :714  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 104 من 207
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.