شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الفِدَا.. الرّجل
بقلم: محمد حسين زيدان
لم أكد أفتح صبيحة يوم الجمعة جريدة البلاد حتى وجدت النعي.. يذيعه فلم يرعف بالبكاء دمعته عين.. المدرسة والجامعة في شخص الأعضاء المؤسسين لجامعة عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود رحمه الله.
ينعون أخاهم.. زميلهم محمد فدا.. مات في غربة.. ليعيش في دموع الباكين.. في قلوب المعجبين.. في عقول المحترمين.. في نفوس أبنائه.
لم أكن وثيق الصلة به من قبل.. لا لأنه الموحش في ظاهره.. ولم أكن كثير الاتصال به بعد، لأحظى بما يدخره في باطنه المؤنس.. ولكن لأن المثالية عنده تبعده عن المادية في أمثالي.. كما كان يتصور.. (كان جفولاً.. يؤثر فيه الخبر.. ليكون ذلولاً يستأنس بالمخبر).
كانت المثالية في وجدانه هي ماديته.. أما عند غيره فقد تكون المادية هي مثاليته..
لئن بكاه ولدي بدمعه.. من أعماق قلبه.. فإني أبكيه بعقلي.. فقدت فيه رجلاً تكوَّن ليكون.. فمتى أجد الرجل مثله يكون؟!
لقد تقاربنا صلة.. وتعاركنا معرفة.. فوجدت المثالية فيه واقعية تعمل في نفسه.. من يده.. من عقله.. ووجد المادية في أمثاله فراغاً يذهب مع الريح.. ليبقى محمد فدا والمعلمون من أمثاله أحياء في وجداننا.. يتضوع من ذكرهم ريح طيب يفوح منه شذى هذا التراب من أرض بلدي.
لقد كان محمد فدا يمشي على هذا التراب.. يشم منه العبير.. لم يكن من الذين يمشون على الأرض القدس.. يرفعون أرجلهم لئلا..
هذا التقديس في فقيدنا الراحل جعل فيه صرامة الاستقامة.. واستقامة المعلم.. لتكون السلامة في خلق نظيف.. يصنع رجلاً.. لمستقبل هذا التراب.
الصرامة في تصرفه، استقامة في خلقه.. والاستقامة في خلقه كتبت لمعاشريه.. ولتلامذته السلامة والكرامة.
فيه طبيعة المعلم، ولا تحسبوني أصغر من شأنه حين أدعوه معلماً.. فقد كان أكابرنا الأولون لا يسبغون هذا اللقب إلاّ على من تأثر بالمعرفة.. وأثر في المتعلمين..
أرسطو المعلم الأول.. وابن رشد المعلم الثاني.. لطفي السيد المعلم الثالث.
هكذا كان المعلمون.. ولعلّ محمد فدا لم يكن من هذا الطراز بما تأثر به.. لكنه من طراز كريم بمن أثر فيهم).
لم أره مرة إلاّ وجدت مني التقدير له.. لأجد منه بعد الإنصاف لي.
قرَّب بيني وبينه رجال رباهم أطفالاً.. فأصبحوا الأصدقاء لي وله.. لأني وأباه إن عشقنا الماضي.. فلن نعق الحاضر.. ونحتضن المستقبل..
قرب بيني وبينه من رباهم.. حتى لأحسب أن الدمعة في أعينهم الآن تلمع..تتصعد.. من قلبه المضرج بحسرة البعاد.. بألم يحز في نفس.. لم تدرك أقدامها سعياً وراء نعش الفقيد.
ويرحم الله شوقي حين يقول:
في الموت ما أعيا وفي أسبابه
كل امرئ رهن بطي كتابه
والرحمة لأبي العتاهية حين يقول:
الناس في غفلاتهم
ورحى المنية تطحن
والكلمة ليست مني.. هي من عقلي.. من قلب ولدي.. من عواطف أهلي.. لكل المآثر والمفاخر.. يزخر بها تاريخ بلدي.. ولكل ما صنع محمد فدا للعلم والمعرفة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :540  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 24 من 52
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور معراج نواب مرزا

المؤرخ والجغرافي والباحث التراثي المعروف.