شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

الرئيسية > كتاب الاثنينية > محمد عبد الصمد فدا - سابق عصره > مدارس الثغر النموذجية > ندوة الأساتذة والطلاب عن: مشوار محمد فدا وإنجازاته (2)
 
ندوة الأساتذة والطلاب (2)
عن مشوار محمد فدا وإنجازاته
ـ نبيل سندي: علاقتي بالمربي الفاضل الأستاذ (محمد فدا) بدأت من أول يوم في حياتي فهو خالي وأنا أول سبط لجدي/عبد الصمد فدا وإلى أن توفى الله الأستاذ (محمد فدا) فأنا أكثر من في العائلة حاز عطفه وحنانه، كان عمري سنتين ونصفاً أصابني مرض في رجلي فكان يومياً صباحاً قبل عمله أو بعد عودته من المدرسة يمرّ للاطمئنان علي، وفي الحياة الدراسية عاصرته منذ عام 78هـ إلى عام 79هـ في المدرسة النموذجية في الطائف ومنذ عام 80هـ إلى عام 85هـ في مدرسة الثغر النموذجية في جدة، والمواقف كثيرة، لكنني قد أقول إنه أول من أوجد أسبوع الشجرة فأذكر أن مدرسة النموذجية هي المدرسة التي شجرت- مدينة الطائف وكنا وقتها في السنة الأولى الابتدائية، وكان هو أول من وضع غرسة في شوارع الطائف وكان ذلك الشارع هو الآن (شارع الشرقية) المبني فيه مستشفى الملك فيصل، وكان شعار المدرسة (اخدم بلدك إنت وولدك)، فكان جميع الآباء والطلبة والمدرسين والإداريين يخرجون يومياً لزرع الشتلات في شوارع الطائف. مدرسة الطائف كانت عبارة عن قسمين: قسم لأبناء الأمراء وقسم لأبناء العامة من الشعب وعند انتقال المدرسة من الطائف إلى جدة قام الأستاذ (محمد فدا) بدمج القسمين في القسم الداخلي عام 1380هـ وكانت تلك أول سنة في جدة بحيث كان كل سرير مكتوب عليه اسم الطالب. وهو أول مدير أوجد وظيفة المشرف الثقافي والمشرف الاجتماعي في المدرسة. وهو أول مدير أوجد حصة لمادة الموسيقى في المدرسة فقد كانت آخر حصتين يوم الخميس: حصتي النشاط اللامنهجي إما في الاجتماعيات وإما في الثقافة وإما في الفنون وإما في الموسيقى لدرجة أننا صنعنا كراسي من الخيزران.. وقسم المدرسة إلى ثلاثة أسر: أسرة بلال بن رباح، وأسرة طارق بن زياد، وأسرة خالد بن الوليد، وكان على مدار السنة يقام النشاط الثقافي وفي نهاية السنة يكون الحفل الذي كان في الواقع حفلين: حفلاً رياضياً، وحفلاً ثقافياً، وكان ذلك الحفل دائماً ما يحضره جلالة الملك فيصل ـ رحمه الله ـ أو ينوب عنه سمو الأمير/مشعل بن عبد العزيز (أمير منطقة مكة المكرمة حينذاك) وكان الزي المدرسي مختلفاً عن جميع مدارس المنطقة فقد كان البنطال البني والقميص الأبيض من الصف الأول إلى الرابع إبتدائي عبارة عن (شورت بني) وباقي السنوات (بنطال بني) وبعد تولي الأستاذ/عبد الرحمن تونسي إدارة المدرسة غيّر اللون إلى الرمادي، وكان من ضمن المشاكل التي تواجهه هي اللغة الإنجليزية وبسبب ذلك فرض تعليم اللغة الإنجليزية منذ الصف الأول الابتدائي في مدارس الثغر النموذجية إلى الصف السادس الابتدائي لا تدخل في تقدير الطالب (ليست مادة أساسية) كما كانت اللغة الفرنسية من الصف الأول ثانوي إلى الثالث ثانوي كمادة أساسية، ومن الصف الأول متوسط إلى الثالث متوسط كمادة غير أساسية، فكانت أهم اهتماماته: اللغة الإنجليزية، وأذكر حين كنت في السنة الرابعة الابتدائية دخل الكنترول وسأل عن نتيجتي في اللغة الإنجليزية ووجدني حصلت على 12،5وعلامة النجاح كانت 12 من 30 فطلب منهم ترسيبي في المادة فقيل له إن المادة غير أساسية ولا أحد يرسب بسببها فطلب منهم ترسيبي وحفظ تقديري لديهم ورسبوني في اللغة الإنجليزية، وكانت النتيجة أنني طوال فترة الإجازة الصيفية وأنا أدرس اللغة الإنجليزية وكنت الطالب الوحيد في الإكمال من يختبر في اللغة الإنجليزية وحصلت في ذلك الامتحان 28 من 30 فلما رأى النتيجة قال لي: هذه النتيجة التي أريد. وكان يسافر كل سنة للعلاج في بريطانيا وفي عام 64 ميلادي أخذني معه إلى هناك وكان معنا الشيخ/محمد علي مغربي (رحمه الله) هو وعائلته والتقى الأستاذ (محمد فدا) الأستاذ/جميل أبو الحمايل هناك والذي كان كمترجم له في بريطانيا وطلب منه أن يعلمني اللغة الإنجليزية فأوضح له أنه لا يمكن أن أتعلّم اللغة الإنجليزية إلاّ بمخالطة من يتحدثون تلك اللغة فقرر منذ ذلك اليوم أنني من سيكون مسؤولاً عن شراء جميع مستلزمات البيت فكان يكتب الأستاذ/جميل للباعة بمنعي من طلب الأشياء بالإشارة إذ لا بد من أن أتحدث معهم حتى أشتري منهم. وكان (رحمه الله) دائماً ما يجتمع بي وبأخواتي وبناته في جلسات نتداول فيها الشعر حيث كان محباً للشعر وكان دائماً ينمّي فينا الحفظ وطريقة الإلقاء، وبالنسبة إلى حصة الموسيقى فقد كانت يوماً في الأسبوع ندرس فيها النوتة الموسيقية وكانت هناك فرقة موسيقية للمدرسة تعزف جميع الأناشيد الوطنية ونستقبل بها الرؤساء وزوار المدرسة، ومنهم: رئيس السودان/إسماعيل الأزهري، الحبيب بورقيبة، شارل الحلو، محمد علي كلاي عند زيارته للمملكة.. وكنت أنا وولد جدي حسن أشموني (رضا) لنا النصيب الأوفر من العقاب حيث كنا في فصل واحد وكان الأستاذ (محمد فدا) يدخل على الفصول ويشارك المدرّس ويسأل الطلبة وبالذات في اللغة العربية، ولضعفي في القواعد كنت (أستلطف الله) عند دخوله علينا في حصة العربي وكان أول سؤال يوجّه لنبيل سندي أو رضا أشموني والويل كل الويل لأحدنا عند عدم جوابنا عن السؤال فكل من لم يجاوب له عقاب وأحدنا عند عدم الجواب عقابه مضاعف ومن قبل الأستاذ (محمد فدا) بنفسه، ولم يكن يحب أن يسمعني وأنا أقول له خالي في المدرسة فيقول لي: (خالي في البيت هنا أستاذ).. وكان يوم الاثنين في المدرسة يوم ترفيهي فبعد الغداء في القسم الداخلي (حيث كنت) نخرج بالباص في رحلة للبحر أو للمزارع مثل مزارع الشيخ/عبد الله السليمان وبعد رجوعنا ليلاً بعد العشاء يكون هناك حفل سمر إما لرؤية فيلم مستأجر وإما اللعب داخل (الحوش). ويجب أن نذكر هنا أنه (رحمه الله) أول من نادى بإنشاء وتكوين جامعة الملك عبدالعزيز الجامعة الأهلية وكان أول اجتماع لجمع التبرعات في مسرح مدارس الثغر النموذجية، وكانت سياسته في هذا الحفل البدء بالصغار ثم يتدرج إلى الكبار حتى يمد عملية التبرع بالحماسة إلى أن وصل إلى آخر متبرع، وكان (باخشب باشا) الذي أعلن (مليون ريال) وثاني يوم نفاجأ بالصحف أن الشيخ/عبد الله السليمان يتبرع بمبلغ (ستة ملايين ريال) بالأراضي المنشأة عليها الآن جامعة الملك عبد العزيز.
ـ الدكتورعصام قدس: بداية ندعو للأستاذ (محمد فدا) بالرحمة فقد كان بالفعل أستاذاً في التربية والتعليم منذ القدم كما أسلف أخي الأستاذ/محمد صالح باخطمة، وأذكر أن بداية تعليمي في المرحلة الابتدائية بالنسبة إلى السنوات الأولى والثانية والثالثة كانت ما بين المدرسة السعودية ومدرسة الفلاح، لكن أسرتي وجدت أن مستوى التعليم لم يكن كما كانوا يأملون في الوقت الذي بدأت فيه سمعة مدارس الثغر النموذجية تأخذ البعد الأكبر في البلد، وفوجئت أن هناك صلة تربط بين والدتي ووالدة الأخ/طلال (ابن خالتي) بأسرة الأستاذ (محمد فدا) التي اقترحت على أسرتي بأن نتقدم أنا والأخ طلال للالتحاق بمدرسة الثغر النموذجية ولكن بشرط أساسي وهو اجتياز المقابلة التي كان يجريها الأستاذ (محمد فدا) للطلاب الجدد شخصياً، فذهبت أنا والأخ/طلال الذي كانت بداية تعليمه في دولة مصر وفي مدرسة منهجها باللغة الإنجليزية بالكامل، وكما أشار الأخوة الكرام إلى اهتمامه ـ رحمه الله ـ باللغة العربية فقد كانت المقابلة عبارة عن اختبار على لوح خلف مكتبه، المطلوب من الشخص الذي يجري المقابلة معه أن يقرأ ما في اللوح ليتأكد من الألفاظ ومخارج الحروف وطريقة نطق الكلمات كما كان يسأل في القواعد العربية فإذا أصاب الطالب يبارك له وإذا أخطأ يبدأ في الوقت نفسه بشرح ما أخطأ فيه الطالب. وفي النهاية تم قبولنا وأذكر أنه كانت هناك مشكلة بالنسبة إلى الأخ/طلال حيث كان يجب أن يلتحق بمرحلة تعليمية متأخرة عما سبق له أن درسه لاختلاف المناهج بين الدولتين ولكي يلحق بالركب، وكانت الثغر النموذجية بالنسبة إلي كصدمة حضارية كاملة عندما قارنتها بمستويات المدارس التي سبق لي أن التحقت بها قبل ذلك حيث إنني وجدتها صرحاً تعليمياً ليس له مثيل في ذلك الوقت من حيث المساحة وتوزيع الفصول وصالات الملاعب والمطعم وسكن الأساتذة وسكن طلبة السكن الداخلي، كذلك ما وجدته فيها مما يفوق تفكير أي شخص في ذلك الوقت متمثلاً في معامل لعلوم الأحياء ومعامل الفيزياء والغرف الكاملة لإلقاء المحاضرات المتعلقة بهذه العلوم، أيضاً تقسيم المدرسة إلى ثلاث أسر كما ذكر الأخ/نبيل حيث كان التقسيم كأنه ثلاثة اتحادات للطلبة أو جمعيات تخلق بينها روح التنافس بما فيها أيضاً المجال التعليمي، لأن هناك في داخل الأسر من يبدع أو تكون لديه قدرة على الاستذكار أو البراعة في العلوم المختلفة بالإضافة إلى النواحي الثقافية سواء كان في علوم المكتبات أو المجال الإذاعي أو المجال الصحفي، وكلنا نذكر أن المدخل الرئيسي لمدارس الثغر النموذجية ناحية الإدارة العامة كانت هناك صالة مربعة كبيرة تحيط بجدرانها كافة جدرانها الصحف الحائطية التي كانت من إنتاج تلك الأسر بأجهزة تحريرها وبمخرجيها وكتّابها اليوميين أو الشهريين وكان ذلك ما أتاح للطالب المجال الرحب للإبداع وإيجاد ما في مكنوناته وإبرازها.. وكما كان رحمه الله حريصاً على مراقبة الطلبة وتتبع تحصيلهم للرقي به كان كذلك مهتماً بمستوى الأستاذ الذي يدرس في مدرسته، فقد كان يراقب الأساتذة أثناء تدريسهم فيدخل على المدرس في الفصل دون أن يلاحظ المدرس أو يدخل قبله أحياناً ويجلس على إحدى الطاولات وكأنه طالب من الطلبة ويبدأ في متابعة طريقة إلقاء المدرس وشرحه ليصل في النهاية إلى حكم على المدرس وذلك بعد أن يكون قد قام بمقابلة المدرس قبل التعاقد معه ولكن ليطمئن على مصلحة الطلبة في مدرسته، وكنا نلاحظ اختفاء بعض المدرسين من المدرسة والسبب كان لعدم ثقته رحمه الله في طريقة تدريس المدرس للطلبة، وكان يتابع سلوكيات الطلبة فكان يشدد على كل ما يضر بمجتمع الطلبة عموماً والطالب خصوصاً حتى لا تكون المدرسة المنبت لهذا السلوك الضار أياً كان. ولا يخلو الأمر من تعرضنا للمواقف الحرجة مع الأستاذ (محمد فدا) التي انتهت أخيراً بعقابنا، لكننا لم نكن نغضب أو نلومه لأنه لم يعاقب أحداً بجرم لم يقترفه أو ظلماً بطشاً منه رحمه الله، بل كان العقاب دوماً نتيجة لأخطاء قام الطلبة بارتكابها حيث كان يراقبنا حتى بعد خروجنا من المدرسة لكي يقوِّم أخلاقنا داخل المدرسة وخارجها والمخطئ يقوم بعقابه علناً أثناء طابور الصباح أمام جميع الطلبة حتى يكون عبرة وليردعه أيضاً من تكرار الخطأ.. بالإضافة إلى أنه رحمه الله كان جامعاً لصفات المربي الفاضل، تلك الصفات التي لا أعتقد أنه جاء من بعده من جمع مثل صفاته كلها، وأذكر على سبيل المثال: أنه ابتكر مجموعات التقوية للطلبة في المواد عصراً بعد انتهاء دوام المدرسة لمن يجد نفسه ضعيفاً في تلك المواد، وذلك لمحاربة دروس التقوية الخاصة كما كان يتقصى حقيقة أسباب ضعف الطالب في تلك المواد هل هي إهمال من الطالب نفسه أو ضعف في قدرة المدرس في إيصال المعلومة للطالب، وكان الطلبة أحياناً يجدون صعوبة في الذهاب والإياب فكنا نحضر إلى المدرسة ونضطر أن نعود سيراً على الأقدام لصعوبة المواصلات في حينها، وهو ما كان ينعكس سلباً على الغرض الذي أُنشئت من أجله تلك المجموعات ولم نكن نتوقع أن الأستاذ (محمد فدا) رحمه الله يتابع هذه الحالة بشكل خاص فكان يتقصّى عن كل طالب يأتي إلى المجموعات: كيف يأتي وكيف يعود، وأذكر أنني خرجت يوماً من المدرسة قبل صلاة المغرب ورحت أمشي على قدمي سالكاً طريق العودة إلى البيت فأوقفني مدرّس كان خارجاً بالصدفة من المدرسة في ذلك الوقت وسألني إلى أين أنا ذاهب واقترح علي أن يوصلني، لكنني لم أعجب بأسلوبه فادعيت أن هناك سيارة قادمة لاصطحابي إلى البيت وذهب المدرس وجاء بعده الأستاذ (محمد فدا) راكباً سيارته بجانب سائقه فوقف وطلب مني الصعود إلى السيارة وعندما صعدت سألني إلى أين أنا ذاهب فقلت له إلى البيت، ثم سألني ما إذا كان أحد ما قد كلمني قبله أو شيء من هذا القبيل فقصصت عليه ما حدث مع المدرس فأمرني إذا ما طلب أي شخص بعد اليوم توصيلي أن لا أذهب معه وأن أخبره في اليوم التالي بما حدث فوجدت اهتمامه حتى في خارج دوامه بعد مشقة عمل يوم كامل فتجده يعبر الطرقات ليتأكد من ذهاب جميع الطلبة إلى بيوتهم وفي المدرسة يتأكّد من وجود جميع الأساتذة في فصولهم وينزل أشد العقاب في من لا يجده منهم، فقد كانت قضيته الأولى والأخيرة صباحاً ومساءً مدرسته وطلبته. ومن ضمن ما أذكره اهتمامه رحمه الله بالقراءة فقد كانت هناك حصة أسبوعية لمادة المكتبة نقضيها كلها داخل المكتبة نطلع على الكتب والعناوين وكان هو بنفسه موجوداً يراقب ماذا يقرأ كل طالب وينصحه بقراءة مواضيع معينة أو ينصح بالقراءة لكاتب معيّن، ولا يختلف اثنان على اهتمامه رحمه الله بمظهره الأنيق ورائحته العطرة المميزة التي كانت تشير إلى مكان تواجده دوماً. وأخيراً لا أعتقد أن بالإمكان أن نجد في هذا الوقت رجلاً بهذه الصفات وبتلك العظمة وقد لمسنا الفرق الشاسع بعدما تعاقب على المدرسة الآخرون الذين لم ينجحوا في الوصول إلى ما وصل إليه رحمه الله.
ـ السيد عمر الحسيني: أنا لم أعاشر الأستاذ (محمد فدا) إلاّ وقتاً قصيراً دام يومين وبضع ساعات كنت قد انتقلت والعائلة من (المسعى) إلى (بيت الخوجه، بيت جياد) خلف (التكية المصرية، في زقاق جياد عند البازان، صدف أن ثالث يوم حضرت إلى المدرسة متأخراً وكان هناك حارس المدرسة (الحاج محمد، الشايب النحيل، اليماني الجنسية) فوجدته يغلق باب المدرسة الحديد وناديت: (يا حاج محمد) فأجابني: (والله الأستاذ محمد قال إللي يجي متأخر ما يدخل)، فأخرجت ورقة من جيبي وكتبت فيها (شخمطة) وقلت له: أعطِ هذه الورقة للشيخ محمد وعند اقترابه من الباب أمسكت به من رقبته وقلت له إفتح الباب، وفي ذلك الحين إذا بالأستاذ (محمد فدا) ينزل وعلى رأسه (الطاقية) وفوق أنفه تلك النظارة الذهبية وفي يده (الخيزرانة) وبادرني بالسؤال: (فين؟) قلت له (فوق) وفي تلك الأثناء جاء حسن وحسين حريري (فراشيّ المدرسة) فسألني ثانية قائلاً: (بيت أبوك) فقلت له والشر يتطاير من عيني: (إيوه) وأكملت طريقي طالعاً وهو ـ رحمه الله ـ ينظر إلى حسن وحسين اللذين كانا يعرفانني منذ أن كنت في (المسعى) وتركني أطلع وكانت الحصة الأولى في اللغة الإنجليزية مع الأستاذ/مصطفى أبو حمده ـ رحمه الله ـ ثم بدأ الرجل الطيب إبراهيم توفيق وعبد الحفيظ كشميري بلومي على ما فعلت وفي تلك الأثناء جاء الأستاذ/عبد العزيز فطاني وطلب رؤيتي لمحادثتي في الوقت الذي استشاط غضب الأستاذ/مصطفى أبو حمده قائلاً: (أنا ما أدرّس ألين يخرج هدا من الفصل)، فأخرجوني خارج الفصل وبدأوا في إقناعي بأنه لا يصح أنك وحدك تضيع وقت باقي الطلبة فاذهب وتفاهم مع الأستاذ (محمد فدا) أو أحضر ولي أمرك ليتفاهم معه وقد كنت على معرفة مع الشيخ/محمد بن مانع ـ أسكنه الله الجنة ـ حيث كان أحد أساتذتي حين كنت في دار العلوم والشريعة في المدينة وهو كان ضمن اللجنة التي اختبرتني مع الشيخ/عبدالله بن حسن وعبد الملك بن إبراهيم لإجازة التدريس في المسجد الحرام والمسجد النبوي، فخرجت من المدرسة وذهبت للشيخ/محمد بن مانع وأول ما رآني قال لي: (الله جابك) فقلت له: (خير إن شاء الله)، فقال لي: لقد رشحتك لتدريس العلوم الدينية والقرآن والتجويد في الرياض، فقلت له: (أنا جي أشتكيلك محمد فدا) فقال لي: (يا شيخ سيبك من الرحمانية والدراسة) ـ كنت يومها في الصف الثالث متوسط ـ وقال لي: (روح أعد عدتك) وكان ذلك عام 1373هـ فذهبت إلى الرياض وعملت في معهد أنجال جلالة الملك سعود وفي ذلك الوقت كانت قد شكلّت لجنة من جامعة القاهرة ومن وزارة التعليم المصرية لدراسة إيجاد جامعة سعودية في الرياض، وكان الأستاذ (محمد فدا) رئيساً للوفد وعند قدومه إلى المعهد أول ما رآني ضمن هيئة التدريس في المعهد ظل ينظر إلي وأنا أنظر إليه ثم جاءني وضمني إليه قائلاً: (أهلاً يا بني) وأنا مستغرب الوضع وبعد مقابلة الوفد ذهبت إليه في فندق الرياض ـ أول فندق بني في الرياض، بناه الملك سعود) وسألني عن ماذا أفعل في المعهد فقلت له بأنني مدرس علوم دينية وقرآن فقال لي: (إنت؟) فقلت له: (إيوه أنا يا أستاذ محمد) فقال: (لا حول ولا قوة إلاّ بالله، الله يوفقك يا ولدي، وإيش كنت جالس تسوي عندنا في الرحمانية قرفتنا وجبتلنا القرف بطريقة تصرفاتك هادي الغبية) فقلت له: (والله العظيم أنا بحسب الموقف أتصرف، لكن أنت يا أستاذ ليش ما رفعت الخيزرانة) فقال لي: (هو أنا مغفل أخلي واحد سفيه زيك يبعتر كرامتي) رحمه الله رحمة واسعة.
ـ الدكتورعصام قدس: تذكرت موقفاً أنه عند إعلان وفاة الأستاذ (محمد فدا) جرى التفكير في إقامة حفل لتأبينه وذلك في فندق (قصر جدة) وكان يوماً عظيماً شارك فيه العديد من رجالات البلد أُلقيت فيه الكلمات والأشعار في الأستاذ (محمد فدا) ما حاولوا فيه إيفاءه حقه.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :752  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 18 من 52
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور زاهي حواس

وزير الآثار المصري الأسبق الذي ألف 741 مقالة علمية باللغات المختلفة عن الآثار المصرية بالإضافة إلى تأليف ثلاثين كتاباً عن آثار مصر واكتشافاته الأثرية بالعديد من اللغات.