شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
بحر النضار!!
كانت الحياة تختال في ثوب الربيع الخلاب، وكانت تفيض سحراً وفتنة، فتغرى القلوب الشابة بالحب.
وكان الحقل جاثما في قلب الصحراء، كالحب الطاهر في القلب البرئ!
وكانت سنابل القمح تتماوج كبحر من نضار يأخذ بلب الغنى الشحيح!
وكانت الجداول تنساب بين الأحواض في طريق تحفه آلاف الأزهار، بآلاف الألوان، وكانت تتغلغل في قلب الخضرة وتتسرب إلى صميم الحقل كما يتسرب الحب الأول في دماء الشاب الحدث!
* * *
وهناك النخلات الباسقات المتناثرة في عرض الحقل وطوله كأنها عرائس فتانة تهتز على مسرح الطبيعة، فتعلم القلوب البائسة فنونا من التوجع والألم، وتعلم القلوب السعيدة فنونا من التثنى والتهادى، كلما هبت عليها ريح الشمال القاسية!
وبين الافنان، وتحت الدوالى، وعلى السنابل كانت الطيور تصفق بأجنحتها، وتصدح بأغاريدها، فتملأ الجو ألحاناً سماوية، يعجز عنها فن (بيتهوفن). لأنها أنغام الطبيعة، وحى الفنون، ومصدر الالهام!
وكنا نشق بحر النضار، في سير هادئ وئيد، نتأمل مناظر تبعث في نفسينا شعوراًبالسعادة، هي تلك المناظر التى ترسمها ريشة الفنان المبدع على صفحة الغروب العسجدية.
وكنا نتأمل كل شئ في صمت وابتسام، كفيلسوف حائر، أو عابد زاهد، ويطول صمتنا، ثم نهتف معاً، ما أجمل الحياة.
ولقد كان شعورنا صادقا، وهتافنا صادراً من قلبين أسكرهما رحيق التدانى.
ولقد كانت الحياة جميلة حقا، بل لقد كانت فتانة وساحرة!
وأي جامد عديم الذوق، ينكر جمال الحياة، في فصل الحب، في فصل الحياة، في فصل الربيع؟
كان يمتلكنا شعور الحرص والبخل؛ وكنا نرى كل شئ جديرا بالعناية والرعاية، لان الحياة قد عودتنا أن نسلوا كل شئ حين تصافحنا يد الهناء.
وكنا نشعر دائما أن علينا أن نأخذ من كنزنا أوفر قسط، وكنا نغار على ذلك الكنز من كل شخص عدانا، فاذا ما رأينا أشباحاً تتهادى بين جذوع النخل، أو على حوافى الجداول، نمتعض ونقطب حواجبنا، كأنما الطبيعة كانت حقا صريحا لنا، وليس لاْحد أن يشاركنا فيه!
وكانت النسمات البليلة المنعشة تهب علينا، وتداعب وجهينا، كأنها أنامل عاشق يداعب وجه حبيب وديع.
وكنا دائما نهتف في أصوات خافتة، أو آهة عالية.
ما أجمل الحياة!
وهذا إلى أمس فقط؟
* * *
ولكن اليوم بعد أن أقفرت حياتى من الذي كنت أشق معه بحر النضار.
اليوم، أتجرع كأس العلقم المريرة، كما ارتشفت كأس السعادة العذبة بالامس!
اليوم، عرفت أن الحياة تتلاعب بنا كما يتلاعب الطفل بالدمى (1)
اليوم، يهون علىّ فراق الحياة، مادمت قد فارقت الحبيب.
كل شئ باهت، كل شئ كالح، كل شئ حزين؛
فلا الحياة بثوب ربيعها الخلاب تعجبنى!
ولا الحقل بخضرته المزدهرة وأزهاره اليانعة يستهوينى!
ولا بحر النضار بموجاته المتكسرة يغرينى!
ولا الجداول بلونها اللجينى ورغائها تلهينى!
ولا صدح الطيور وغناؤها يتصل بشعورى!
يخيل إلى أن الانسانية كلها تتوجع لأنينى وتتفجع لمصابى!
يخيل إلى أن حبل حياتى قد انقطع وأن لا صلة لي بالمستقبل
وانى لأتمنى لو أن حركة الزمن تقف عند هذا الحد!
أتمنى، ولكن، ها أنا أعيش!
ها أنا أتلظى في الجحيم
فواحسرتاه...!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :377  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 121 من 181
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأربعون

[( شعر ): 2000]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج