شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

الرئيسية > كتاب الاثنينية > وحي الصحراء > أمين بن عقيل > ما هو مثل التعليم الصالح للحجاز؟
 
في معرض الافكار:
ما هو مثل التعليم الصالح للحجاز؟؟
ما هي التربية الملائمة لاصلاح حياتنا الاجتماعية؟؟
هل يكفى التعليم وحده لتكوين مبدأ الوطنية في الحجاز؟؟
* * *
ليس اكتظاظ برامج الدراسة بشتى العلوم ومختلف الفنون، دليلاً على استقامة التعليم وصحته، وتبحر الطلبة في العلم وتفهمه؛ كما ان جسامة الكتب وضخامة عناوينها؛ وتعداد ساعات الدراسة، والدأب المستمر على الطلب والتلقى، لم يكن كل ذلك البرهان الكافى على نضوج الفكر وهضمه لما أوحى اليه، ولا يفيد الرغبة الملحة في الدرس، ولا التفرغ الكلى للتعليم؛ بل كثيراً ما أثبتت التجارب وصار في حكم الملموس أن تضخم المناهج بكثرة الدروس المرهقة، وضخامة الكتب وجسامتها بما لا يتفق واذهان الطلبة، وتعداد ساعات الدراسة المتعبة انما تسبب كلالا في الذهن، وتحجراً في الفكر، وتبلداً في الفهم، وسأماً في الطلب والتقى، وانصرافاً عن تعليم الرغبة المجدى.
وكذلك الحال في مدارسنا الراهنة ويا للأسف الشديد!! على ان برامج الدراسة في هذه المدارس لا يلاحظ فيها استغلال هذا المركز الدينى الفخيم الذي نلنا به شرف الزعامة على أمم الأرض جمعاء، ولا تتناسب والبيئة المحيطة بالطالب، ولا توحى له بالفكرة الصحيحة عن الغرض من هذا التعليم، أو تلقى في روعه معنى الرجولة الكاملة، وتفهم الأخلاق الفاضلة واعتناقها؛ وهي بعيدة كل البعد عن تزويده بالسلاح الكافى لخوض غمار الحياة الخضم، واذكاء روح العزم والاعتزاز بالنفس، ووجوب الكفاح والنضال في هذا العالم المتموج بمختلف العناصر القوية المتفاعلة، الدائبة في العمل لضرورة البقاء، واحتكار مكونات الحياة تحت قبة الفلك.
وأيضا ينقص شحنات هذه المدارس القدوة الصالحة، والأمثولة الناجحة، والشخصية البارزة، فلا زال أساتذتنا الكرماء قاصرين القصور كله عن القيام بواجب هذه الرسالة، وتحمل عبء هذه الأمانة، كما أن الطالب في هذه المدارس انما يدفعه أولياؤه للمدرسة دفعاً ليكفوا أنفسهم مؤنة تعبه وعنائه، وتبعة مراقبته وملاحظته، وأخيراً للشفقة عليه من الجرى والركض في الأسواق في وهج الشمس المحرقة، وتقلبات الجو المخيفة، يحجزونه في هذه المدارس ليتفادوا كلما حسبوه يتطلب عناية ومجهوداً، ويكلف تعباً ونصباً!! أما التعليم المنتج، أما كبت العواطف الشريرة، وتوجيهها نحو الخير والصلاح، أما انتزاع بذور الفساد من نفسيته وتشذيب أخلاقه وصقل ذهنيته ليكون رجلا صالحاً في الحياة؟ فهذا آخر ما يفكرون فيه، بل لعل ذلك فوق ما تتصوره أفهامهم وتحيط به مداركهم، ثم هو أبعد منالا، وأصعب غاية أن تقوم به مدرسة كهذه المدارس.
العلم في مدارسنا لاصلة بينه وبين الحياة الزاخرة في خارج المدرسة، يتعلم التلميذ لنفسه ليوهمها أنه متعلم وحامل شهادة راقية وكفى، علمه كله محصور بين جدران المدارس وبروزه في غرفة الدراسة، وذكاؤه بأجمعه يتجلى في تفهم طلاسم هذه الكتب المقررة واستقصاء حفظها عن ظهر قلب؛ علم كله نظريات، وآراء واستقراء، لا يرتكز على العمل، ولا يقوم على التطبيق والدرس ولا تدعمه التجارب، كأنما يدرسون أحد سدم الكون مما لا تصل اليه أيديهم، أو يقرأون للتفكهه نظريات عن المريخ وسكانه الوهميين؟!
منهج الدراسة متشعب الأطراف مكتظ المواد، لا يسير على سنن الكون من التقدم والاطراد في النجاح، ولا تتقاذفه التغييرات المستمرة لتوخى الكمال حسبما توحى به التجارب والاستفادة من خبرة من سبقونا في هذا المضمار حضارة ورقياً، فهو الآن كما كان قبل خمسة عشر عاماً، وسيظل كذلك بعد ثلاثين عاماً، على أن هذه المناهج في مدارسنا ينقصها بشكل فاضح عدم لفت نظر الطالب الحجازي إلى أهمية وطنه، ومركزه الاسلامى والعربى، وعدم الاهتمام بتدريسه أهمية كل مشعر على حدته من مشاعر الاسلام والعروبة، وعدم استغلال هذه الأهمية لوطننا ومشاعره...
الكتب المقررة في الفصول من النوع العتيق المعقد لا تناسب بينها وبين معقولية الطلبة وأسنانهم ولا من النوع الذي تستسيغه أفهامهم، ويتفق ومشاربهم فيتقبلونه قبولا حسنا...
ثم هذه ساعات الدراسة طويلة متعبة تتطلب مجهوداً هائلا، وتستنزف قوة جسيمة من عصارة العقل ونضارة الجسم...
وهذه أيام الدراسة تسير بطيئة متثاقلة، وعلى وتيرة واحدة ونمط متكرر لا تجدد فيها ولا تبديل، في فناء ضيق يحبس الفكر ويئد الخيال، مشبع بالرطوبة والروائح الأكثر تضييقا على نفوس الطلاب المرحة...
وهذا الأستاذ المبارك يحصر جهده ويبرز كل قواه في السيطرة على الطلبة الضعفاء، ويقيم بين نفسيته ونفسياتهم سداً هائلا وحجابا كثيفاً من سلطة العسف ورهبته، وسلطان الأستاذية، وعظمة الرئاسة، يحول دون التمازج بين الروحين، ويضيع الفكرة الأساسية من التفاهم وازالة الحيرة والشكوك، يقصر همته العالية على تفهيمهم نص عبارة المتن في غير تحوير ولا تغيير كأنه الكتاب المنزل، ويصب عليهم فهم عبارته صباً في غير مراجعة أو تفهم، ويطالبهم بحفظها عن ظهر قلب، فيميت فيهم ملكة التفكير السليم والابداع المستقيم ـ لنجاحهم في الفحص السنوى ورفع المسؤولية عن هذا الأستاذ المحترم!! كأن هذا المتن هو ورقة الضمان الكافى لغنى الحياة! وهذا راجع إلى أن مهنة التعليم في بلادنا لا تتطلب عند من يختارون لمدارسهم معلمين استعداداً كبيراً ومرانا طويلا، كأن مهنة التعليم عندنا لا تستحق كل هذا الاهتمام والعناية كباقى المهن، فهي مطلقة الحبل على الغارب، فكل من خطا في سبيل القراءة والكتابة خطوة، وارتقى في سلم العلم درجة رشح نفسه للتعليم ورشحوه، ولكن التعليم الصحيح هو الذي ينير الفكر ويعطيك طرقا من المعرفة إلى حقائق الكون وأغراض الحياة! فاذا ما أتم الطالب دراسته لا يكفيه أن يرشح نفسه معلماً، بل لا بد من اجتيازه دور التخصص في كل علم أو فن أو صناعة على حدتها حسب ميوله واتجاه نزعاته ورغائبه... على أن كثيراً من أساتذتنا الأفاضل يلاحظون عقم هذه الطريقة، ويقدرون خطر الموقف، ويودون الخلاص من أسر هذه المهنة المهينة، أو تقويم المعوج، واصلاح الفاسد من هذه النظم العتيقة، والبرامج السخيفة، ولكنهم فاقدو الارادة..
يمكث الطالب في مدارسنا ما شاءت ارادة وليه أن يمكث، فاذا أتم دراسته وخرج إلى معترك الحياة، وجد نفسه جاهلا كل شيء، وقاصراً في كل شيء، وغبيا عن كل شيء، يرى البون الشاسع والفرق الهائل بين ما تتطلبه الحياة، وتستلزمه ضرورة البقاء، وبين ما قرأه في المدرسة ووعاه من المحفوظات.
ولعله كان يخيل اليه قبل ذلك أن الحياة مسرح تمثيل لا يلبث ـ ان كان من التلامذة العاديين ـ أن يمثل على خشبة هذا المسرح ما حفظه من جمل الاعراب في النحو، وضروب الاستعارات في البلاغة، ونواقض الوضوء في الفقه! وان ارتقى في الفهم درجة فملقن يعيد ما قرأه على الأشياخ، وما حفظه من نصوص عبارات الكتب المصفرة من القدم.
ولم يكن كل ذلك لأن الطالب الحجازي بطىء الادراك، أو غبى تنقصه قوة في العزم ورجاحة في الفكر توصله إلى مصاف كبار رجال العلم والمعرفة، وافذاذ النوابغ والمخترعين!! الطالب الحجازي شعلة ذكاء متقدة، رمز ناطق للعبقرية والنبوغ والفهم السريع، ولكن ما حيلته وقد تضافرت عليه عوامل البيئة الفاسدة، والوسط الموبوء، وأحاطت به فاتكات العادات المسترذلة، والتربية المعتلة، والتعليم الناقص من كل صوب، وتكالبت عليه سلطة المدرسة والوالدين القهارة فأفقدته قوة الارادة، وسدت عليه منافذ التفكير، وجعلته يسير في هذه الحياة (كالروبوط (1) ) في غير تفكير مستقل أو ارادة فعالة؟!
وسرعان ما تنتابه عوامل الأسف والأسى على هذا الأمد الطويل الذي اقتطفه من ربيع حياته في نصب وعناء بين جدران هذه المدارس، وما أغنى عنه فتيلا، فيرمى بالكتب وكل ما قرأه ظهريا، فاذا هو فتى ساذج، وطفل كبير غر يتطلب الملاحظة والرعاية، تنقصه التجربة ويعوزه المران، ثم بعد مدة فاذا هو موظف في مأمورية، أو يقوم مع والده في حرفته أداة عاملة صماء، ويداً للمساعدة شلاء، وتراه عاطلاً مهملا يتسكع من دار إلى مقهى ومن مقهى إلى حانوت؟ وهنا البلاء الجارف والخطر المحيق!.
وتعليم عقيم أبتر كهذا غير خليق بأن ينتج تربية ملائمة لاصلاح حياتنا الاجتماعية، كما أنه عاجز ممعن في العجز ومتغلغل في القصور عن تكوين مبدأ الوطنية في الحجاز! لهذا أرى شخصياً أن المثل الأعلى الصالح للتعليم في الحجاز هو الحجر الأساسى لنهضتنا المقبلة، وفي سبيل ايجاده يجب أن تتضافر الجهود وتتحدد المساعى، وهو الكفيل بتكوين نظام التربية الملائمة لاصلاح حياتنا الاجتماعية، وابادة هذه العادات السيئة المتفشية، والنقائص الأخلاقية السارية! كما أن هذا التعليم الصحيح المشبع بروح التضحية والنبل، والايمان بغلاء قيمة تراث هذا الوطن العزيز، ووجوب تفوقه على كل الشعوب بجدارة واستحقاق ـ هو الذي يخلق مبدأ الوطنية في الحجاز، ويجعله يتغلغل في أفئدة الطلبة فيستعذبون التفانى في الدفاع عن حقوقه والاستماتة في سبيل عزته ورفعته، وحينئذ تتجلى الجرأة في الحق والنزاهة في العمل، والاخلاص في القصد. وتنشط الهمم لاستغلال خيرات البلاد وثمراتها وتكثر المشاريع الاقتصادية والعمرانية النافعة في البلاد! وتتهيأ الوسائل لنشر المرافق الخيرية والاصلاحية كالملاجئ والمستشفيات وشتى وجوه البر والاحسان. فأرى:
1 ـ تغيير برامج الدراسة الحاضرة بأجمعها، والغاء كل كتب التدريس... والبحث عن أصلح طريقة لنشر التعليم والثقافة، والتربية الفاضلة في طول البلاد وعرضها، بما يلائم حاجات العصر الحاضر، وطرق التربية الحديثة، بمعرفة خبراء فنيين من الخارج ينتدبون خِصِّيصا لهذا الغرض، ولعل برامج الدراسة في العراق أقرب ملاءمة وأدنى غاية لما نتطلبه من إصلاح وتجديد، بعد حذف مالا يتفق وبيئتنا، ولا يتشاكل ومركزنا الاسلامى، والاستعاضة عنه بالتعليم الدينى الصحيح على طريقة فلسفية ناجحة..
2 ـ اقامة روضة للاحداث، وتفهم غرائز الطفل، ودرس نفسيته؛ وجعل هذا الدرس والملاحظات أساساً لتربيته في أدوار تعليمه المتعاقبة، واعتبار كل طالب وحدة في ذاته يربى تربية مستقلة بحسب فكرته وميوله، ويلاحظ أن يكون التعليم تطبيقياً لا نظرياً..
3 ـ أن يكون التعليم الأولى اجبارياً في كل مدن الحجاز..
4 ـ أن توحّد برامج التعليم وطرق الدراسة في كافة المدارس الحكومية والأهلية..
5 ـ ادخال تعليم الرياضة البدنية ومبادئ الكشافة والفنون الجميلة والصناعة الأولية في مناهج الدراسة..
6 ـ فتح دار كبيرة تسمى ((دار المعلمين)) يتعلم فيها المعلمون كيفية التدريس وأصوله على طريقة فنية مبتكرة، ولا يزاول مهنة التعليم الا من يأخذ من هذه الدار شهادة الكفاءة..
7 ـ فتح عشر مدارس داخلية في المدن الكبيرة لفتيان رؤساء القبائل ومشايخ العربان والرؤساء تسمى (مدارس العشائر) وتوفد بعثات من المعلمين لنشر العلم وأصول الدين بين أفراد هذه القبائل وفي مضاربها..
8 ـ أن يخصص لميزانية المعارف ـ بما فيها البعوث الخارجية ـ ربع وارد الدولة العمومى!؟
9 ـ ايفاد بعثات متعددة في كل عام للخارج للتخصص في مختلف الصناعات والتعدين والعلوم والطبيعيات..
10 ـ اعتماد مبلغ كبير يجمع من أفراد الشعب باكتتاب سنوى تحت اشراف الحكومة لبناء دار في أوجه شارع للجامعة الحجازية على نمط الجامعة المصرية..
11 ـ انشاء دور صحية للدراسة غير هذه الدور تتفق وحاجات الطلبة على طريقة هندسية حديثة..
12 ـ تعميم المدارس الليلية بين طبقات الشعب ودهماء العامة..
13 ـ فتح نواد أدبية ورياضية في كل المدن بين طبقات المتعلمين..
لعلنا بذلك نخطو خطوة موفقة إلى الامام. والله المعين.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :525  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 49 من 181
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.