شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
لبنان
بدأ الشاعر نظمه لهذه القصيدة عام
1975 أثناء إحدى زياراته للبنان ثم أكملها
عام 1997 أثناء المؤامرة الدولية الظالمة على
لبنان الشهيد.
كلُّ الفراديس في لبنان تزدهر
ويلتقي في رباهُ الحب والخفر
جناته الفيح للعشاق منتجع
خصب تظلِّله الأفراح والشجر
ويشمخ الجبل المفتون منطلقا
إلى الأعالي كنسرٍ في الذرى يكِر
تُقَّبِل السحُبُ السمحاء غرَّته
فيرتوي الكرْم والزيتون والزهر
وتنتشي الأرضُ من أفياء سندسه
وتَستهلُّ به الأشذاء والمطر
مدللٌ تزرع النجمات قمته
وقد تعلَّق في أرزاته القمر
به السماوات أبواب مُشَّرعة
ينساب منها إليه الوحيُ والسور
كأنما الشعُر في جناته ثمر
قطافه في دنان الحب يعتصر
***
لكم ترنم (آبولو) بمزهره
وقبَّلت ثغرَه أنغامُه الغرر
إذا المزامير طافت في مرابعه
لوقعِها تنصت الأجيال والعصر
خلاَّقةٌ كالروابي الخضر تربته
يسمو به الشِعر والألحان والفِكَر
به العواطف أثرى ما تكون وفي
جنانه صورٌ لله تزدهر
تهفو القلوب إليه وهي والهة
كما تظلُّ به الهالات تنتشر
تندى المحبة في أحضان وارفهِ
ويزهر الفكر والإلهام والصور
***
لبنانُ (صور) و (صيدون) ومثلهما
مرافىء ألقِاتٌ كالضحى أخَر
يداعب البحر، في رفقٍ شواطئها
ويرتمي حولها المَرجان والدرر
ملء الشواطيْ حكاياتٌ وأشرعة
وحولها سفنُ الرواد تنتظر
لدى الصواري أمانٍ لا عداد لها
وللربابنة الأفذاذ مذَّكر
ملأى بكل ثمينٍ من تجارته
بها اللآلىءُ والأعطار والحِبرَ
تطوف بالبحر تثريه بما حملتْ
من الثمين ومما فيه تتَّجر
في كلِّ قطر منار من طموحهم
وكلِّ بحر لهم في لُجِّة سفر
***
كلُّ العِشيِّاتِ في لبنان ساحرة
قمراء يأنس فيها الحبُّ والسمر
وفي النهار يظل الجد يعمره
به النشاطاتُ والأعمال تزدهر
كأن أسواقَه دنيا منسَّقةٌ
بها لكلِّ امرء رزق ومذَّخر
لا يعرف الجدُ وهنًا في عزائمهم
ولا عزائمهم يحدو بها القدر
***
لبنان عاش به الإبداع من قدمٍ
وما يزال إلى الإبداعِ يبتدر
(ببعلبكَّ) يظل الفكر منبهرا
لما تخلده الآثارُ والسِّيرَ
تكلم الصخر وانثالت خواطره
حتى كأنَّ به الآبادَ تُختصر
إذا تحدَّث كان الصمت منطقه
وإنْ تطلع فالإيحاء ينهمر
به الأساطين والتيجان شامخة
كمنْ له في السماوات العلى وطر
تهلُّ منها أساطير وأخيلة
توحي، ومن حولها الأحداثُ والذكر
مرَّت عليها من الأجيال ما عجزت
عن عدِّها صحف أو وصفها زُبُر
كم أبدع الفنَّ إزميلٌ، وكم نُسجت
من الصخور حياةٌ شأوها الظفر
ترى العقولُ بها للفن معجزة
والمعجزات لدى لبنان تُبتكر
***
وفي (جعيتا) دُنىً إبداعها عجَب
لها فنونٌ بها الألباب تنبهر
تبدو التماثيلُ والأشكال رائعة
تُطلُّ فوق مياه جريها خدر
وللصحافة في لبنان منطلق
عطاؤه الفن والآداب والفكر
حريةُ الرأي فيه سر ثروته
فالفكر من دونها يَبلى ويندثر
تُثري الحضارةُ حيث الفكر منطلق
وحيث كل نشاط فيه مُقتدِر
وإذ تكون قوى التجديد واعيةً
وحيثما عنصرُ الإبداع ينتصر
لا يبلغ المجد شعب ما له هدفٌ
وإنَّّ مَن يسجن الأفكار ينتحر
ويُسحق الشعبُ إن هانت عزائمهُ
ومن يَهن ما له في عصرنا أصر
فكلُّ شعب وديع سوف تسحقه
جيوشُ مستعمر للغزو تبتدر
قد كان (جنكيز) فينا قصةً نُسيت
لكن أُعيدلنا (جنكيز) و(التتر)
***
لبنانُ ما خطرت لي قبلُ خاطرة
أن الحياة بكل العنف تنتحر
كنتَ الحضارة والإبداع مزدهرا
تعطي وتأخذ لم يغدرْ بك البطر
فكيف صرتَ لنهر الموت منحدَرا
ورحتَ رغم أماني المجد تُحتَضَر
لم يبقَ للعقل في دنياك مرتفق
وصار مجدكَ كالأحلام ينحسر
كلُّ الزعامات صارت فيك آثمة
لم يثنها النصحُ والإرشاد والعبر
قد تاجروا بك كي تثري جيوبهم
فعاث فيك الغريب المعتدي الأشر
ألقوك في بؤر النيران صاخبة
كأنما أُضرِمت في جنة سقر
فهم سراع إلى الإثم الذي اقترفوا
ليقبضوا ثمن المجد الذي هدروا
باعوا لأعدائهم أوطانَهم نزقًا
وأرخصوا مُثلَ الأجداد واحتقروا
إذا دُعوا لسلامٍ بينهم نكصوا
وإن دَعوا لوئام فيهم غدروا
كم طفلة رُوِّعت في مهدها سحرًا
وكم فتاةٍ نعاها الفجر والسحر
وكم ألوفٍ من الفتيان قد صُرعوا
على الركام وفي أحشائه طُمِروا
وكم تهدم مستشفىً فأصبح في
عداد من قُتلوا فيه ومن جُزروا
حتى المعابدُ لم تسلم شوامخها
ترى المحاريب فيها النارُ تستعر
وفي المعاهدِ أبهاء محرَّقة
وبعضها صار ذكرى ما له أثر
يا ويح من شحَذوا للموت منجله
وهدَّموا كل ما أجدادهم عمروا
وقطَّعوا صلة القربى فما تركوا
وشيجة دون أن ينتابها وضر
***
أما لهذا الجنون الأهوج الأشر
أن ينتهي ويُلَمَّ الشمل والأصر
ألا يعودون للعقلِ الذي نبذوا
ويذكرون صلاتٍ بينهم بتروا
إن الطوائف أورادٌ قد اختلفت
لونًا وشكلاً ولكن عَرفها عطر
عاشت على أرض لبنان وقد شربت
من مائهِ واحتوت أفنانها جذر
فهل يرفُّ بها السلم الذي فقدوا
وهل يعود لها الأهلُ الأولى هجروا
الدين لله والأوطانُ أجمعها
لمن يعيش بها، والذنب يُغتفر
***
من أجل لبنان دمعي كلُّه حُرَق
هل تطفىء النارَ نارٌ كلها شرر
أيُخمد الشعر نارًا أحرقت وطنًا
وهل يزول بحسنِ النيَّة الضرر
ما أهون الشعر في سوق يروج بها
كلُّ الذي يفسد الإنسانَ أو يزر
***
 
طباعة

تعليق

 القراءات :148  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 267 من 271
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.