شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
طنجة
زار الشاعر مدينة طنجة في المغرب العربي عام 1983م.
في طنجةٍ طابَ حديث الهوى
وطابت الأحلام والذكرياتْ
البحرُ زخَّار بشطآنها
والشُرع تختال على الساريات
كأنها بشُرعها غابةٌ
الدُّر والمرجان فيها نبات
وزرقة المياه تحكي لنا
عيون غرناطيَّةٍ ناعسات
والبحر يلقي لك أصدافه
كأنها فرائد غاليات
كلُّ ضفاف البحر مزروعة
بالحبِ والعشاق والعاشقات
أحسُّ أني غصت في عشقها
هل تمنح العاشقَ طوق النجاة؟
(طنجة) دنيا فرح غامر
مثل مياه الأبحر الزاخرات
نشوانة الضفافِ أنسامها
كأنها حدائقٌ عاطرات
تحمل في همْساتها نغمةً
رقيقة آهاتها حالمات
تهامَسُ الحور بجنَّاتها
كأنما في همْسها أغنيات
في كلِّ قلب وتر نابض
يحكي تقاسيم مقام البيات (1)
على الضفافِ انتشرت كوكبات
من مترفي العيشِ ومن بائسات
فسائح كلُّ أمانِيِّهِ
أن يعرفَ التاريخ والمنجزات
وطائش أغربَ في طيشهِ
يُطربه تماجن الغانيات
وعامل من (فاسَ) لم يحظَ في
موطنهِ بلقمة أو فُتات
وعاطل يبحث عن مهجرٍ
يجتذب العمال والعاملات
يلتمسُ اللقمة من جُهده
ليُشبع الزغْبَ الجياع العراة
جزيرة (الخضراء) (2) تمتصه
و(جبل الفتح) (3) ودنيا الشتات
يُعصَر كالليمون حتى إذا
جفَّ رُميْ في سلة المهملات
***
(طنجة) من بعد القرون التي
مرت بها أغلى وأحلى فتاة
تبدو من البحر وقد أزهرت
أن النجوم انتشرت مشرقات
روائع الزخرف في طنجة
مشاهد تنبض بالمبدعات
ملابس تحكي قرونا مضت
ترفل بالوشي وبالنمنمات
وقبعات الخوص تضفي على
حرائر الريف بديع الصفات
ومنشآت كم تبارى بها
مهندسون احترفوا المعجزات
***
تحدثي (طنجة) عن أمسنا
فكم لنا بالأمس من مكرمات
هنا خيول الفتح لما يزل
صهيلها يعزفُ كالأغنيات
أوقفها (الأطلسُ) عن زحفها
كمْ لك يا بحر لدينا ترات؟
منْ أنزل الفارس عن سرجه
وأغمد السيف ودقَّ القناة؟
تساءلتْ كالصقر عيناه هل
وراء هذا البحرِ مستوطنات؟
***
حديثُك الرائع يا (طنجة)
عن ذكرياتِ الفتح فيه عظات
خواطر الفارس في أوجِها
وروحه أقوى من العاديات
قد طوَّع الأقدارَ في زحفهِ
ووطَّد المصاعب العاتيات
عايش في (الأطلس) عقبانه
واستوطن السهل وأحيا الموات
سلاحه الصبر وإيمانه
تُلوى به أعناقُ أعتى العتاة
(أعمدة الهرقل) (4) لم تَثنه
عن الطموحاتِ أو الأمنيات
حتى إذا هلَّ بها (طارق)
تطامنَ البحر وطار البزاة
قد أحرقَ الأسطولَ من خلفه
فاحتضنت نيرانَه العاصفات
وقال نحيا هاهنا قادةً
أو أن نضحي شهداءً أباة
فأرخصَ الفرسان أرواحهم
وحققوا أهدافه الغاليات
وأدركتْ (أندلسٌ) رشدها
فاحتضنتهم أصدقاءً سَراتْ
من علَّم الفرسان أن يفتحوا
بالحبَّ والعدل دروب الحياة
***
(طنجة) هل للبحر من خبرة
بما لدى الفرسانِ من حافزات
أو يعرف الفرسان في زحفهم
ما يكتم القادة من خاطرات
هذي (بحار الظلمات) (5) التي
لم تُكتشَف أرجاؤها الغامضات
من أجلها أطلق فتياننا
طموحهم في سفنٍ رائدات
يزعم قوم أنهم غُرِّروا
هل غُرَّ مَن للكشف كان النواة
إن الذي راموه من سؤدد
تهون فيه أعظمُ التضحيات
تصوروا عوالمًا دونهم
حيث تغيب الشمس في الأمسيات
فواصلوا الرحلة لم ينثنوا
ولم يعد ذكرٌ لهم أو رُفات
***
تحدثي (طنجة) عن عالم
زَخرَفه الخيالُ بالمغريات
عن رحلةٍ قام (ابن بَطُّوطة)
بها إلى عوالم نائيات
عايش فيها أممًا لم تكن
معروفة في أمم أخريات
وارتسمت في ذهنهِ صورة
أغرب مما في خيال الرواة
تندمج الجغرافيا عنده
بالقصص الروائع الممتعات
قد كنتِ يا (طنجة) في أفقنا
منارَ علم مشرق المعطيات
وكنتِ في مغربنا زهرةً
نشمُّ منها كلَّ حين شذاة
وكنتِ في افريقيا نجمةً
تشعُّ في ليل كئيب السمات
***
فقدتُ رشدي فيك يا (طنجة)
وانتزع الاعجاب مني الأناة
ما كنتُ يومًا مرحًا هكذا
ولم أكن أحفل بالملهيات
نسيتُ في بحرك شيخوختي
وصرتُ فيه من صغار الهواة
خوَّضتُ في بحرك من نشوتي
بين صبيٍّ عابث أو فتاة
من علَّم الساحر في (بابلٍ)
أنَّ بشاطيْ طنجة ساحرات
أحسُّ بالمياه زخَّارةً
كأن في أمواجها زغردات
وأحسبُ الجليد في مائها
صيفًا، ودفء النار في الشاتيات
رسمتُ في ذهني لها صورةً
أروعَ مما تبدع اللاقطات
يكاد يجري حبُّها في دمي
كأنما ينسابُ فيه (الفرات)
أشعر أني كنتُ في موطني
ما أروع اللقاء بعد الشتات
***
(طنجة) يا أحلى فراديسنا
كم في ضميري أدمعٌ حائرات
بالأمس قد كانت لنا دولة
واحدةٌ أركانها راسيات
حدودها (الصين) و(بيزنطة)
وساحل (الأطلس) و (الخالدات)
فكيف صرنا دولاً ما لها
من صفةِ الدولة غير الجبُاة
خرائطُ العالم وضاءة
ونحنُ فيها نقط باهتات
***
نسيتُ قلبي فيك يا (طنجة)
فاحتفظي بهِ مع الذكريات
أو فادفنيهِ في شواطي الهوى
لتزهر الشطآن بالزنبقات
لو عشتُ عمري فيك لم يخترم
وطال عمري وشبابي مئات
لو كانَ (تطوان) بلا قمة
لكنتِ فيه قممًا شامخات
تهدي ذرى تطوان أعنابه
وتمنحينا الدررَ النادرات
***
 
طباعة

تعليق

 القراءات :191  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 265 من 271
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج