شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عاشق اللوحات
ومما يروى عن الصور الجميلة التي ترسم لوحة فريدة لهذا العصر، ذلك المشهد الرائع لعشاق الفن عندما يعترضون مسيرة الأستاذ مؤنس وينزلونه عن راحلته ليكتب لهم بعض الحروف. هكذا كان الفن يستهويهم ويملك عليهم مشاعرهم. إنها صورة لن تتكرر أبداً. رحم الله هؤلاء السلف الذين تركوا علامات مضيئة على الطريق. وأحمد الله سبحانه وتعالى أنني استطعت بعد كتابة ستة مصاحف قرآنية، أن أقدم بعض التشكيلات المتواضعة. وأتمنى أن أكون وفيت بعض الدين لهؤلاء الذين ترسمت خطاهم واستلهمت الجمال من أحاسيسهم وروحهم.
وأنصح في نهاية حديثي، كل من يجرفه تيار التجديد بالأسلوب التجريدي الحالي بألا يتجاهل الأعمدة القاعدية التي يتحلى بها الخط العربي العريق. ومهما ظهرت البدع الخطية فيجب ألا نركب هذه الموجة المستحدثة التي يعتنقها معظم مبدعي هذا النمط فالطموح عندي هو أن ندين بعراقتنا لأسلوبنا الأكاديمي المتين ونسمو به تكويناً وارتقاء وتجديداً وابتكاراً وليس خروجاً وابتداعاً. لا نقلد الحروف الدخيلة. بل نؤكد الأصالة العربية ونسمو بالنغم الانسيابي الذي ينبعث من حنايا حروفنا الرصينة في لغتنا الجميلة.
ومن المشاهد الجميلة المتميزة التي لا يمكن أن تخطئها العين وأنت تمضي نحو باب الفتوح في قاهرة الفاطميين، تلك اللوحات الرائعة الموشاة بالخطوط العربية والأشكال الأندلسية وصاحبها هو صبحي هاشم أشهر صانعي اللوحات والخطاطين.
يقول صبحي هاشم: أعمل هنا منذ أربعين عاماً وليس لي مساعد فقد رفض أبنائي أن يتعلموا الصنعة بسبب قلة العائد والصبر اللازم لها وهو ما لا يتحلى به الشباب الآن. وأسأله عن الخط العربي فيقول بفخر: إنه أجمل الخطوط وهو أصيل لم يتغير وهناك نوعان من الخط العربي: الأول تبنته فئة الخطاطين التقليديين الذين التزموا بأصول المدرسة القديمة، والآخر اختارته فئة الخطاطين المحدثين الذين أحسوا بالناحية الجمالية في الخط العربي فإذا بهم يعيدون تكوين ورسم الحرف العربي في شكل جمالي جديد.
أعرف أن التكنولوجيا والكومبيوتر دخل مجال الخط العربي المطبوع لكنه يخلو من المهارة والصبر الذي يميز الخطاط اليدوي في كل أشكال الخطوط. خط الثلث الجميل والفارسي والديواني والرقعة، وكم أتمنى أن تزداد مساحة الخط العربي بإيقاعه المميز وموسيقاه الجميلة في كل نواحي الحياة. وأن يتم التوسع في مدارس الخطاطين لإفراز أجيال من حراس التراث الأصيل للغتنا الجميلة.
وفي نهاية مشوارنا مع رحلة الخط العربي، نتوقف عند الفنان اللبناني عمر علماوية وهو فنان له بصمته الخاصة وأسلوبه المتميز في كتابة الخط العربي والزخرفة العربية. له جمهور عريض في بيروت وفي باريس أيضاً. وقد لقي معرضه الذي أقامه في باريس القبول والإعجاب، وبدعوة من الوفد اللبناني لدى اليونسكو يعود مرة أخرى إلى باريس هذا العام محملاً بعبير الشرق وسحر لياليه وعراقة تاريخه ليقدم الجديد في الخط العربي وقديمه على طريقته الخاصة وبأسلوبه الفريد وإحساسه المتميز الذي يتجسد في إضفاء الحركة على الخطوط القائمة والدوائر والتخلص من التكرار في الشكل الزخرفي ومزاوجته بالخط العربي كاسراً قيود الماضي ومحرراً التراث الشرقي من قيوده.
يقول علماوية: إن الخط العربي يحكي عن نفسه. فلديه قوة خفية تتجلى بالدقة والأناقة والذوق الرفيع. ويتسم بالاتزان والجمال والإبداع ورحم الله الأجداد العباقرة أصحاب الأقلام البارعة وأرباب الخطوط اليانعة الذين ابتكروا أقلاماً جديدة في فن الخط العربي وأوصلوا لنا هذه الإبداعات، وإذا كان اللسان رسول العقل في النقل فالخط لسان اليد. والخط العربي بخير طالما الفكر العربي بخير. وبغياب التخطيط المدروس يخسر تراثنا الكثير يوماً بعد يوم فنحن نعتني بالتراث لكننا لا نقدم شيئاً له. وأضعف الإيمان الحفاظ عليه. ومن المؤسف كذلك عدم تدريس مادة الخط العربي مما أدى إلى عدم التخصص في هذ المجال. فالخط العربي له أصول وقواعد وأسرار تنتقل مباشرة من الأستاذ إلى طلابه. ومبدأ طرح كتيبات مطبوعة لتعليم الخط العربي مرفوض وغير مجد وضرب من ضروب التجارة.
وعن طريقته الجديدة يقول الفنان عمر علماوية: طريقتي المبتكرة تتلخص في أنها أطلقت العنان لحركة الفكر اعتماداً على الزخرفة التي كانت في الماضي خيالية التطبيق. وهذه الطريقة جمعت بين العلم والفن فقد نفذت على سبيل المثال لوحة تجسد حركة بعض الكائنات الحية تحت المجهر. ومن ناحية ثانية هذا الابتكار أوجد علاقة بين الخط الكوفي اليابس الهندسي والزخرفة فأصبح الخط مزخرفاً، والزخرفة مطبوعة وهذا المزج أضفى لوناً جديداً مميزاً للخط الهندسي وللزخرفة في آن، كما طوعت أيضاً الحرف اللاتيني لكي أستطيع أن أشكل به لوحة يستطيع المشاهد أن يستوعب ماذا تحوي وبالتالي يتفاعل معها أكثر.
طباعة

تعليق

 القراءات :581  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 120 من 155
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.