شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
د. أحمد مصطفى: أبعاد جديدة للخط العربي
تغير صوت الفنان أحمد مصطفى وهو يروي كيف عرض إحدى لوحاته في لندن أول مرة. كانت الذكرى لا تزال يانعة معلقة أمامه، يحيط بها إطار من المشاعر القوية، ألوانها لم تخب على الرغم من مرور الزمن عليها.
لم يكن يدري أن تلك البداية ستقوده يوماً إلى الكشف عن نظرية هندسة الخط العربي وتقديم الأسس العلمية التي بني عليها ذلك الخط في دراسة أكاديمية استغرقت أربعة عشر عاماً.
كانت هجرته إلى لندن بداية رحلة فنية أخرى في البحث عن جذوره كإنسان، وعن ماهيته كفنان له تراث يفخر به.
يقول الدكتور مصطفى (50 عاماً): ((وقفت على الرصيف أمام رويال أكاديمي في ربيع 1974 أضع قماشة اللوحة على الإطار الخشبي قبل أن أسلمها إلى لجنة معرض الصيف الذي تقدمه الأكاديمية كل سنة. فقد كان ذلك اليوم آخر موعد لقبول الترشيحات للمشاركة في المعرض)).
كانت تلك التجربة على الرصيف أول لقاء له مع جمهور أجنبي، فلم يكن مر على وصوله إلى لندن سوى أيام قليلة. غير أن أفراد ذلك الجمهور كانوا يمرون من أمامه مشجعين ومبتسمين. ولا تتصور غبطة الفنان عندما وصلته رسالة من الأكاديمية تخبره بقبول لوحته في معرض الصيف. كانت لوحة كبيرة فاحتلت مساحتها مكاناً مرموقاً بين الأعمال الفنية الأخرى.
فتح المعرض أمام مصطفى مجالات عدة خصوصاً الحصول على مقعد للدراسة في معهد الفن والتصميم. غير أن الاندماج في جو الفنون في لندن لم يعطه ما كان يبحث عنه. فلقد وجد أن النتائج التي حصل عليها في طباعة الغرافيك لم تكن تختلف كثيراً عما كان يصنعه الطلبة الآخرون في المعهد. فأين هو أسلوبه ونموذجه الخاص كإنسان ينتمي إلى ثقافة مختلفة؟
كانت أعماله متكاملة فنياً إلا أنها لم تكن تعبر عن ذاته وحقيقته، يقول: ((العلاقة بين ماهية الإنسان وبين الإبداع الفني علاقة وطيدة جداً. ومن دون الشعور بانتماء فإن الفنان يظل يصنع زينة وديكوراً لا أقل ولا أكثر. لا يستطيع أن يقدم قناعاته من خلال فنه. يظل مهزوزاً في الفضاء، لقد وجدت فراغاً في هذه الناحية)).
تجربة الدراسة في لندن كانت بمثابة عملية انصهار لعوامل كثيرة أدت به في النهاية إلى ما كان ببحث عنه.. إنها لعملية غريبة ومزدوجة في الوقت نفسه، فها هو إنسان يترك بلاده وثقافته من أجل العثور على انتماء لتلك الثقافة في بلاد أخرى غريبة. ألا يحمل ذلك في طياته أمثولة تتكرر عند فنانين كثيرين؟ ألا تضرم فيك التجربة ناراً، فتجد أنها نار تصلح لتنير مشعلاً، ثم لا تستطيع أن تتوقف وأنت تحمل ذلك المشعل مهما كانت صعوبة الطريق أو ارتفاع الدرج المؤدي إلى المشعل الفكري الكبير.؟
كانت أسئلة أخرى تشغل باله عن أصول الخط العربي ونشوئه والأسس التي بني عليها، فإذا بالظروف تضع بين يديه مقالاً كتبته نادية أبوت في مجلة أميركية في العام 1939 تتحدث فيه عن نظرية ابن مقلة في هندسة الحروف العربية ودوره في توطيد أسس الخط العربي.
لم يكن مصطفى سمع في تلك الفترة من حياته بابن مقلة وبالأحرى نظريته في الخط التي يرجع تاريخها إلى 900 ميلادية فانكب على رحلة بحث طويلة زار خلالها عدداً من المكتبات العربية والإسلامية. ويروي مصطفى كيف قابل محافظ مكتبة الزيتونة، ويقول بصوت يشع منه بريق الإعجاب: ((كان إنساناً بسيطاً يعرف كل مخطوط صغيراً كان أم كبيراً من بين المئات.. كل مخطوطات المكتبة الثمينة توجد في رأسه من دون اللجوء إلى أرشيف أو كومبيوتر، وعندما سألته عن مخطوط ابن مقلة اتجه إلى أحد الرفوف ثم سحبه من دون بحث طويل ووضع أمامي مخطوطاً في أوراق قليلة قائلاً: ((هذه نسخة فقط، أما الأصل فيوجد في بلادك مصر في مكتبة القاهرة))، فأدهشتني خبرة الرجل وعلمه وتواضعه، فما كان عليّ إلا أن أمضي في بحثي علني أصل إلى جزء صغير من معرفة مثل هذا الرجل)).
كان المفروض أن يقدم مصطفى رسالة الدكتوراه عن الأسس العلمية للخط العربي في غضون أربع سنوات، ولكن البحث تعدى المدة إلى ضعفها، ليس لأنه لم يكن قادراً على إتمام الدراسة في الوقت المحدد، لكنه أراد أن يقدم موضوعه بطريقة تتيح له الاطلاع على كل القضايا المتعلقة بهندسة الحرف العربي فيقول: ((كان الهدف أن أعثر على الأجوبة الشافية المتعلقة بالموضوع كله، وإلا فلن أكون راضياً عن الدراسة مهما كان نجاحها.. أردت أن أعود إلى الأصل لأعرف من أين أتت كل أفكار الكتابة ونماذجها وهندستها كما نراها الآن)).
ويرى مصطفى أن العلاقة بين بيت النحل وبين نظام ابن مقلة هي في الطريقة الهندسية: ((لقد شملته العناية بوحي فجعل نظامه في الخط مبنياً على الشكل السداسي.. إنه يبدو وكأنه يقول لنا ما فعل وفي الوقت نفسه يخفيه منا)).
في البداية لم يستطع مصطفى أن يحل تلك المعادلة وكيف بنى ابن مقلة نظريته في أن أشكال الحروف العربية مستمدة من الشكل الهندسي السداسي. حتى أنه كان سيقدم الدراسة من دون تحليل تطبيقي للبرهان على ذلك النظام.
يقول مصطفى ((لقد أثر مخطوط ابن مقلة في نفسي كثيراً. المعادلة الموجودة في نظريته هي أن الله أخذ على عاتقه سبحانه حفظ القرآن. تأثيره في نفسي إني أعصمت نفسي لله، وأدركت إني في يده. يؤتي الحكمة من يشاء. ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً)).
معظم الناس يتحدث عن هيئة الحرف على أنه ذو بعد واحد، فإذا نظام ذو مساحة في عرض وطول: ((مساحة الألف تقاس بالنقطة.. ثم جعل طول الألف سبع نقاط.. الموضوع أصبح خارج نطاق الحروف.. الإنسان نفسه مقداره سبع نقاط..
نقل علماء عصر النهضة هذه الحقيقة من المخطوطات العربية. دافنتشي نفسه قال: إن ارتفاع رأس الإنسان هو سبع ارتفاعه كله، والعلماء المسلمون عثروا على هذه الحقيقة خمسمائة سنة قبل دافنتشي)).
كان محمد بن علي بن مقلة شاعراً وعالم هندسة وخطاطاً شهيراً ووزيراً لثلاثة خلفاء عباسيين، ومع ذلك عرف المصاعب والعذاب في حياته. أما الدكتور مصطفى فلم توقفه الشهادات التي حصل عليها في الإسكندرية ولا التقديرات التي فازت بها معلوماته ومعارضه من أن ينكب على دراسة طويلة كانت بدايتها البحث عن انتماء، فإذا بها تنتهي إلى الكشف عن الأسس العلمية لتصميم شكل الحرف العربي.
أخرج أحمد مصطفى مجلد دراسته الذي تحتوي صفحاته على رسوم هندسية وحروف ملونة وسط زوايا وأشكال الرسوم، وكان الشكل السداسي موجوداً لولادة تلك الحروف.
أعطى ابن مقلة نظريته بطريقة لا يستطيع أحد أن يجد لها حلاً أو تفسيراً: ((لقد سألتني اللجنة أثناء تقديم رسالة الدكتوراه لماذا كشفت عن النظرية ما دام صاحبها أراد لها أن تظل سراً. قلت لهم: إن المقصود بالطريقة كان أن يتم الكشف عنها يوماً.. كان مقرراً أنها لا تبقى مخفية)).
أغلق الدكتور مصطفى مجلد الدراسة وهو يقول: إنه يبحث الآن عن إمكانيات نشره ليستفيد منها أكبر عدد ممكن من الناس.
طباعة

تعليق

 القراءات :461  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 117 من 155
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة بديعة كشغري

الأديبة والكاتبة والشاعرة.