شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
كلمة معالي الدكتور غازي القصيبي
د. القصيبي:
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أصارحكم بأنني خفت أن تتحول المحاضرة إلى محاضرة من الدكتور الصبيحي ويكتفي الضيف القادم من البحرين بالتعليق كما أنه من شدة ما يسفر عليّ من ثناء لا أستحقه تصور أن يتحدث عن ابن خلدون ولا يتحدث عني. وطالما طلب منه أن يكون مدحه مدحاً ديمقراطياً مبطناً بكثير من الموضوعية لأن من حبه الإعلامي وأنتم على حب الإعلام مني إلا موضوع الهوية فهو موضوع هام، هناك قصة هزلية يرويها الجاحظ عن نفسه فيقول: إنه ذات يوم نسي كنيته وظل قرابة أسبوعين مبلبل الأفكار حائراً لا يقر له قرار حتى ذهب إلى أحد أصدقائه وقال له: ما كنيتي: قال له: أنت أبو عثمان. ويقول الجاحظ فاسترحت وهدأت. فإذا كان نسيان الإنسان كنيته لفترة بسيطة كفيلاً ببلبلته فما هو شأن أمة لم تتصنع هويتها أو أمة لا تزال هويتها موضع أخذ ورد ومن تصوري المتواضع أن كل ما نشهده اليوم من صراعات على الكرة الأرضية في النظام هو صراع حول الهوية: هل الصومال أمة أم الصومال قبائل، هل راوندا أمة أم راوندا قبائل، هل المجاهدون هم مجموعة إسلامية واحدة أم فصائل تنتمي كل منها إلى أصلها العرقي أو الإنساني؟ وفي أمتنا العربية أتصور أن أخطر ما يواجهنا ونحن نواجه أخطاراً عديدة هي هذه الحرب المصطنعة التي بدأت تدب بين مفهومية العروبة والقومية والدين. وهي حرب لم نكن نعهدها أيام الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أيام صحابته الكرام ولا أيام التابعين ولا أيام الفتوحات ولا أيام الحضارة والازدهار. فقد كنا نعتقد بأن العروبة والإسلام يتماشيان بدون تعارض و تناقض حتى بلينا بحرب مؤخراً عقد لها مؤتمر لفك الاشتباك في بيروت في حل لم ينته إلى نتائج حاسمة. وأعتقد أن ضيفنا خير من يتحدث عن هذا الموضوع الهام ذلك أنه عني بمسألة النهضة شروطها وأسبابها وعقباتها ودوافعها في مشروع فكري ضخم لا تزال حلقاته تتوالى، وكم سررت عندما أخبرني أن الطبعة الأولى من كتابه عن (الدولة القطنية) قد نفدت وقد تعودنا في عالمنا العربي أن لا تنفد إلا كتب ذات حوار عجمي، حوار صحفي قد بلغنا أنه بيع منه نصف مليون نسخة نصفه من عالم الجن أو مذكرات امرأة تعمل في سلك المخابرات هذه هي الكتب التي تباع في العالم العربي. لهذا سررت عندما علمت أن هذا الكتاب بيع منه قدر لا يستهان به وأسعد أن أكون أول من أطلق الطلقة الأولى في هذه المعركة عن هذا الكتاب في هذه الحياة. عرفت الدكتور محمد جابر الأنصاري منذ سنوات لا يسعدني أن أتذكر عددها، وعندما يتكلم المرء عن سنين لا يريد أن يحصيها فلكم أن تتصوروا عددها ولكنني أحسبها تتجاوز الأربعين سنة أو تقترب منها لقد سبقته إلى الثانوية بسنة أو سنتين وسبقته إلى الخروج منها بسنة أوسنتين ولكن هذا بالتأكيد لا يعني أنني أكبره بسنة أو سنتين، فمنا من يبدأ قبل الآخر ومنا من يتميز بنبوغ مبكر، على أن الحياة جمعتنا وفرقتنا كما تفعل الحياة دائماً بالأصدقاء. وكان الجدل بيننا يحتدم كل ما التقينا، ثم مع مرور السنين ازدادت الضوابط ووجدنا أنفسنا نقترب من موقف فكري واحد، وهو أنه لا نهضة إلا من الداخل ولا نهضة إلا بشجاعة من الفكر والرأي، ولا نهضة إلا باستلهام الحلول من التراث دون أن تصطدم بالعصر. أما الصراعات والموضات التي أمضينا زهرة شبابنا في الحديث عنها فقد ذهبت كما يذهب الجفاء. لهذا المشروع الضخم كرس الدكتور محمد جابر الأنصاري معظم حياته الفكرية، وكما قلت لا تزال حلقات المشروع تتوالى، لا أود أن أحدثكم عن مؤهلاته الأكاديمية فأنتم تعرفون كما أعرف أنه لا يمكن لإنسان أن يحصل على درجة البروفيسور ما لم يحصل على عدد محسوب من الشهادات العليا ويقدم عدداً من السنوات التدريسية وينشر الكمية المعهودة من البحوث والدراسات، لقد فعل هذا كله إلا أن هذا لا يعنينا في هذا المجال ولكن ما يعنينا أننا أمام مفكر حاول بشجاعة وجرأة أن يشخص مواضع الداء التي تتجاوز عناوين اليوم وأحداث الغد إلى الجذور العميقة والجذور المختفية ومنها لا من الأحداث الآلية ينطلق ما سيحدث اليوم وما سيحدث غداً وأذكر أننا هو وأنا عبر أزمة الخليج كنا نجتمع كل ليلة تقريباً وكنا نقول إن هذا لن يحدث بين ليلة وضحاها كل ما يدور من حولنا له جذور عميقة واضحة في التاريخ لا بد أن نفرغ يوماً من دراستها دون انفعال أو تشنج وها هو يفي بوعده فيبدأ هذا المشروع ويبقى علينا أن نكمله بأن نساعده على المضي قدماً. من المفترقات الفكرية الرئيسية في فكر الأنصاري أنه يرى أننا استوردنا الفكر والمفكرين وكان الأولى بنا أن نطور فكرنا بدل أن نستورده وهو يرى في ابن خلدون جوهرة لم تكتشف بعد ومنجم لم تعرف أغواره وقد أخذ على نفسه مهمة تفسير أفكاره. وأفكاره تحتاج إلى تفسير في هذا العصر الذي بدأنا فيه نضطر جميعاً إلى تفسير أفكاره وتطويرها ومحاولة معالجة تفسير الواقع العربي. ومنها اقترحت عليه أن يكون موضوع المحاضرة عن ابن خلدون وسيطاً وسفيراً بين الأوروبيين والإسلاميين. هذا الموضوع من موضوعات الساعة ومن موضوعات اليوم وموضوعات الغد وقد تفضل بالقدوم من البحرين خصيصاً لهذا الغرض بالرغم من كل صفاقة المطر وهجج العربي والتذمر من صفاقة المطر، وبالرغم من أنه قوبل من مطار هيثرو بما لا يقل عن مليون فيروس من فيروسات البرد اللندني المشهورة أرقدته الفراش حتى خفت إلى قبيل ساعات أن يؤدي بكم القدر أن تقعوا في قبضة أمسية شعرية أقيمها إلا أن إرادة الله سبحانه وتعالى أرادت أن تنقذكم من مصير كهذا في جو كهذا وأن تمنح محاضرنا وضيفنا النشاط الذي مكنه من القدوم إلينا فباسمه أشكركم على حضوركم وباسمكم أشكره على حضوره وأرجو أن نصغي معاً لما سيقوله عن هذه القضية الكبرى شكراً.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :513  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 102 من 155
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج